مصادر الشریعة الإسلامیة و أسباب الاختلاف فیها (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مصادر الشریعة الإسلامیة و أسباب الاختلاف فیها (1) - نسخه متنی

محمد مدنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بحوث معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة

بحوث معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة

أسباب الاختلاف بين أئمة المذاهب الإسلامية

لفضيلة الشيخمحمد محمد المدني الأستاذ بكلية الشريعة بالازهر

ـ 2 ـ

مصادر الشريعة الإسلامية

وأسباب الاختلاف فيها

القرآن والسنة هما المصدران الأساسيانللشريعة الإسلامية، وكل ما عداهما لابد من استناده إلى أحدهما.

أسباب الاختلاف التي يشترك فيها الكتاب والسنة:

أ ـ الاشتراك اللفظي: اختلافهم في المراد بالقرء فيآية العدة ـ اختلافهم في المراد بقوله تعالى: ' أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ' ـ اختلافهم في قبول شهادة القاذف بعد توبته.

ب ـ التردد بين المعنى اللغوي والمعنىالعرفي. تحقيق في ذلك وقانون عام لشهاب الدين القرافي.

ج ـ التردد بين الحقيقة والمجاز: اختلافهم في المراد من قوله تعالى: ' أو ينفوا من الأرض ' وقوله تعالى: ' وثيابكفطهر ' وتعليق طريف لابن حزم متصل بهذا.

د ـ العموم والخصوص: هل خطاب الذكور في الشريعة يعم الإناث ـ فصل ممتع لابن حزم في مخاطبة النساء، كالرجال، بكل ما في الشريعة.

* * *

للشريعة الإسلامية مصدران رئيسيان، كل حكم فيها لابد من استناده إلى أحدهما، إما مباشرة أو بواسطة استناده إلى شيء يستند إلى أحدهما.

/ صفحه 288/

وذلك لأنها شريعة إلهية لا مشرع فيها إلا الله، إما بكلامه الذي يبلغه رسوله، وأما بالأحكام التي يقررها أو يبينها الرسول بوحي صادر إليه من الله، فإذا رأيت أصلا يذكربجانب هذين الأصلين كالإجماع أو القياس أو المصالح أو العقل أو كذا أو كذا، مما اتخذ مصدراً لإثبات حكم، فاعلم أن هذا الأصل مستند في تقريره والاعتماد عليه إلى الكتاب أوالسنة، وكل أصل لا يستند إلى الكتاب أو السنة فلا يعتد به، ولا يكون أصلا من أصول الشريعة الإسلامية.

وعلى ذلك فالطريق الذي سلكه، أو يسلكه، المتعرف لحكم الشريعةالإسلامية في شيء ما، هو البحث عنه في كتاب الله أو سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإما يجده في أحدهما مباشرة، وإما أن يجد ما يدل عليه في شيء مستند إليهما منإجماع أو قياس أو عقل أو غير ذلك من الأدلة التي اعتبرت مستمدة منهما، ومستندة اليهما، غير أن الفهم في كثير مما جاء به الكتاب الكريم أو السنة النبوية يختلف، لأنهما جاءاباللغة العربية، واللغة العربية لها خصائصها في الألفاظ والأساليب، ومنها تعدد معاني الألفاظ على سبيل الاشتراك، وترددها أحيانا بين الحقيقة والمجاز، وتصرف العرف فيبعضها …. إلى غير ذلك.

وتنفرد السنة مع هذا بأنها متفاوتة في ثبوتها وطرق هذا الثبوت، فتحتاج إلى عناية في تمييز ما يصلح الاحتجاج به مما لا يصلح.

والأدلةالأخرى المستندة اليهما، بعضها منازع فيه، وكذلك شأن القواعد الأصولية أو الفقهية التي اتخذت ضوابط للفهم والاستنباط، فإن كثيراً من هذه وتلك يدخل الخلاف في أصله أو فيتطبيقه.

وعلى هذا يمكننا أن نرجع أسباب الخلاف إلى ما يأتي:

1 ـ الأسباب التي تتعلق بفهم القرآن والسنة.

2 ـ الأسباب التي تخص السنة.

3 ـ الأسباب التي تتعلقبالقواعد الأصولية أو الفقهية.

4 ـ الأسباب التي تتعلق بأدلة التشريع الأصلية غير الكتاب والسنة.

/ صفحه 289/

وسبيلنا في هذه الدروس أن نتحدث عن هذهالأقسام إن شاء الله تعالى بالقدر الذي يتسع له الوقت، مع إيثار ما هو أهم من غيره.

وليس الغرض الاستيعاب، ولكن فتح المجال أمام الطلاب، فعليهم أن يدخلوه بأنفسهمباحثين مستكملين، وبالله التوفيق.

1 ـ أسباب الاختلاف التي يشترك فيها الكتاب والسنة:

القرآن الكريم والسنة القولية جاءا باللغة العربية، وهذه اللغة كما قلنا لهاخصائص في الوضع والاستعمال:

ففيها ألفاظ مترددة بين معان مختلفة، إما بسبب تعدد الوضع ـ أي أن اللفظ الواحد قد وضع لأكثر من معنى، أو التركيب الواحد قد يفهم بأوجهمتعددة من الفهم ـ وإما لدوران التعبير اللفظي أو التركيبي بين الحقيقة والمجاز، أو بين المعنى اللغوي والمعنى العرفي.

وقد يعبر بالعام يراد به ظاهره من العموم.

وقد يعبر بالعام يراد به الخاص.

وقد يستفاد المعنى من اللفظ المنطوق وقد يستفاد معنى من وراء هذا المنطوق … إلى غير ذلك.

وقد عنى علماء الأصول ببيان ذلك،وبحثوا كلامه بحثاً دقيقاً، ووجد بين الباحثين خلاف في كثير منه ترتب عليه خلاف في الفهم والاستنباط، وتقرير الأحكام الفقهية.

1 ـ فمن هذا أن اللغة العربية قد تطلقاللفظ الواحد على أكثر من معنى، وقد يرد التعبير فيها صالحاً لأن يراد به أكثر من معنى، لذلك لابد للناظر الذي يصادفه مثل هذا أن يجتهد في تعرف المعنى المراد، ويلتمس مايدله عليه ويجعله يرجحه.

2 ـ فمثلا لفظ ' القرء ': تطلقه اللغة العربية على كل من الحيض والطهر، وفي ذلك يقول صاحب القاموس: ' والقرء ـ ويضم ـ الحيض والطهر: ضد '.

/صفحه 290/

ونقل البطليوسي عن يعقوب بن السكيت وغيره من اللغويين أن العرب تقول: أقرأت المرأة إذا طهرت، وأقرأت إذا حاضت.

ومن الأول قول الأعشى الأكبر (واسمهميمون بن قيس):

أفي كل عام أنت جاشم غزوة ***** تشد لأقصاها عزيم عزائكا

مورثة مالا وفي الحي رفعة ***** لما ضاع فيها من قروء نسائكا

يريد أنه لا يفرغ ـ بسبب الغزو ـللنساء، فتضيع قروءهن أي أطهارهن، لأن الأطهار هي أوقات اتصال الرجال بالنساء.

ومن الثاني قول الراجز:

يا رب ذي ضغن على قارض ***** يرى له قرءٌ كقرء الحائض

وعلىهذا فهو لفظ مشترك بين معنيين، وقد ورد في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: ' والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء '.

ولا خلاف بين العلماء في أن المراد به في الآيةأحد هذين المعنيين، لا مجموعهما، ولكنهم اختلفوا في تعيين المراد منهما، وقد نقل صاحب ' نيل الأوطار ' المذاهب في ذلك عن صاحب البحر يقول:

' فعن أمير المؤمنين علي،وابن مسعود، وابي موسى، والعترة، والحسن البصري، والأوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح، وأبي حنيفة وأصحابه: المراد به في الآية الحيض '.

وعن ابن عمر وزيد بن ثابت،وعائشة، والصادق، والباقر، والامامية، والزهري، وربيعة، ومالك، والشافعي، وفقهاء المدينة، ورواية عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: أنه الأطهار.

قال ابن رشد:والفرق بين المذهبين أن من رأي أنها الأطهار قال: إنه إذا دخلت الرجعية في الحيضة الثالثة لم يكن للزوج عليها رجعة وحلت للأزواج، ومن رأي أنها الحيض لم تحل عنده حتى تنقضىالحيضة الثالثة.

/ صفحه 291/

وقد استدل اللذين يرونها الأطهار، بما نقل عن ابن الأنباري اللغوي المعروف من أن القرء الذي هو الحيض يجمع على أقراء لا علىقروء، وعلى ذلك جاء الحديث: ' دعى الصلاة أيام أقرائك '.

ومما استدلوا به أيضاً القاعدة التي تقول: إن العدد يذكر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر كما في قوله تعالى: ' سخرهاعليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ' والحيضة مؤنثة، والطهر مذكر، فلو كان المراد الحيض لقال: ' ثلاث قروء ' فلما قال: ' ثلاثة قروء ' علمنا انه يعد أشياء مذكرة وهي الأطهار.

ويتعقب البطليوسي هذا بقوله: ' وهذا لا حجة فيه عند أهل النظر، وإنما لم يكن فيه حجة لأنه لا ينكر أن يكون القرء لفظاً مذكراً يعني به المؤنث، ويكون تذكير ' ثلاثة ' حملاعلى اللفظ دون المعنى، كما تقول العرب: جاءني ثلاثة أشخص وهم يعنون نساء، والعرب تحول الكلام تارة على اللفظ، وتارة على المعنى، إلا ترى إلى قراءة الفراء: ' بلى قد جاءتكآياتي فكذبت بها ' بكسر الكاف والتاء وفتحهما.

واستدل الآخرون بأحاديث فيها التعبير بالحيض في هذا المقام، كحديث عائشة: ' أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض ' وحديثها الآخر:' طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ' وحديث ابن عمر: ' عدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان '.

ومما تمسك به القائلون بأنها الحيض أن العدة إنما شرعت لتبين براءةالرحم، وإنما يكون هذا التبين بالحيض لا بالطهر.

قال ابن رشد في كتابه ' بداية المجتهد '، بعد أن ذكر ما يحتج به كل فريق: ولكلا الفريقين احتجاجات طويلة، ومذهب الحنفيةـ أي القائلين بأنها الحيض ـ أظهر من جهة المعنى، وحجتهم من جهة المسموع متساوية أو قريب من متساوية (1).

ــــــــــ

(1) بداية المجتهد: ص 74 ج 2 طبعة صبيح.

/صفحه 292/

2 ـ ومثل ذلك، أنهم اختلفوا: هل للأب أن يعفو عن نصف الصدق في ابنته البكر إذا طلقت قبل الدخول أو ليس له ذلك.

وسبب اختلافهم هو الاحتمال الذي في قولهتعالى: ' وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح '.

وذلك أن لفظة ' يعفو ' تقال في كلام العرب بمعنى: 'يسقط ' وبمعنى: ' يَهَب ' كما أن عبارة: ' الذي بيده عقدة النكاح ' يحتمل أن يكون المراد بها ' الولي ' ويحتمل أن يكون المراد بها ' الزوج ' فإذا فسرت ' يعفو ' بمعنى ' يسقط ' فإنهاتكون مناسبة للأب، لأن تركه النصف الذي تستحقه ابنته، إسقاط، وإذن يكون هو المراد بقوله تعالى ' أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح '.

وهذا قول جماعة منهم: إبراهيم،وعلقمة، والحسن، ومالك، والشافعي في القديم.

وقد دعاهم إلى هذا أن الله تعالى قال في أول الآية: ' وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم 'فذكر الأزواج وخاطبهم بهذا الخطاب، ثم قال: ' إلا أن يعفون ' فذكر النساء، ثم قال: ' أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ' فهو صنف ثالث، فلا يرد إلى الزوج المتقدم إلا إذا لم يكنلغيره وجود، وقد وجد وهو الولي، فهو المراد.

أما إذا فسر ' يعفو ' بمعنى ' يهب ' فإنه حينئذ يكون مناسباً للزوج، لأنه هو الذي إذا دفع كل المهر ـ وليس عليه إلا نصفه ـ فقدوهب النصف الآخر، وبذلك يكون هو المراد بقوله تعالى: ' أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح '.

وقد أسند هذا القول إلى علي، وشريح، وسعيد بن المسيب، واختاره أبو حنيفة،والشافعي في مذهبه الجديد.

وقد روى الدراقطني عن جبير بن مطعم أنه تزوج امرأة من بني نصر،

/ صفحه 293/

فطلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل اليهما بالصداقكاملا وقال: أنا أحق بالعفو منها ـ قال الله تعالى: ' إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح '.

وأيدوا ذلك بحديث رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسولالله (صلى الله عليه وآله وسلم): ' وليٌّ عقدة النكاح هو الزوج '.

وإذن تكون الآية ـ على هذا ـ قد جعلت العفو تارة من الزوجة بأنها تسقط حقها إذا شاءت، وتارة من الزوجبأنه يهب النصف الآخر لمن طلقها إذا شاء (1).

فقد تبين أن أساس الخلاف بين المختلفين في مسألة ' القرء ' ومسألة ' والعفو ' راجع إلى الاحتمال الذي وجد في التعبير بلفظمشترك صالح لأن يراد به أكثر من معنى، فاحتاج الحمل على أحدهما إلى قرينة تعين عليه وترجحه، وهذا ما فعله كل من الفريقين.

3 ـ ومن ذلك أنهم اختلفوا في فهم قوله تعالى: 'والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء باجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن اللهغفور رحيم '.

وذلك أن هذه الآية قررت عدة أحكام مترتبة على القذف، ثم جاءت باستثناء، فالأحكام هي:

1 ـ الجلد المفهوم من قوله تعالى: ' فاجلدوهم ثمانين جلدة '

2 ـوعدم قبول الشهادة المفهوم من قوله تعالى: ' ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا '.

3 ـ وكون القاذف فاسق، وهو مفهوم من قوله تعالى: ' وأولئك هم الفاسقون ' وقد جاء الاستثناء بعدهذه الجمل المتعاطفة، فهل يعود إليها كلها؟ أو يعود إلى الجملة الأخيرة فقط.

فقال شريح القاضي، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة: يعودالاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط، وبذلك لا تكون الآية مفيدة أن التوبة من القذف ترد للتائب ما كان منعه من مركز الشهادة، بل يظل القاذف بعد التوبة غير مقبول الشهادة.

ــــــــــ

(1) راجع تفسير القرطبي ص 206 ج 3، وبداية المجتهد ص 20 ج 2.

/ صفحه 294/

وقال جمهور العلماء: يعود الاستثناء إلى كل الجمل، غير أننا علمنا أنالتوبة لا تسقط حقوق العباد، فلم نعمل الاستثناء في استحقاق القاذف الجلد، ولم نقل بسقوط حد القاذف بتوبته، فيبقى بعد ذلك: الفسق ورد الشهادة، وكلاهما يرتفع بتوبةالقاذف، وبذلك تكون الآية دليلا على قبول شهادة القاذف إذا تاب.

ويروى عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من الأحكام الثلاثة، إذا تاب وظهرت توبته؛ لم يحد وقبلت شهادتهوزال عنه التفسيق، لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء، وقد قال الله عزوجل: ' وإني لغفار لمن تاب ' الآية (1).

وقد أيد الفريق الأول مذهبهم بمعنى عقلي: هو أن رد الشهادة منتمام الحد والعقوبة، فإن الله جعل على القاذف نوعين من العقوبة، عقوبة بدنية، وهي الجلد، وعقوبة أدبية، وهي الحرمان من مركز الشهادة، فكما أن التوبة لا ترفع الجلد لأنهحق من حقوق العباد؛ فكذلك لا ترفع العقوبة الأدبية التي هي رد الشهادة، لهذه العلة نفسها.

ومن الفريق الثاني من قال: تقبل شهادته في كل شيء إلا في القذف، وكذلك من حد فيشيء من الأشياء فلا تجوز شهادته بعد التوبة فيما حد فيه، وذلك قول مطرف وابن الماجشون، وروى العتبي مثله عن أصبغ وسحنون من المالكية، ونقله الوقار عن مالك (2).

وهذاأيضاً يحكيم لمعنى عقلي، هو أن الذي حد في شيء من قذف أو زنا أو خمر أو لعان، يكون في شهادته شبهة من حيث تعلق رغبته النفسية، ولو لم يشعر، بأن يوجد في مجتمعه من يحد مثله،ليخفف ذلك من حزنه على ما أصيب به، فإن الاشتراك في المصائب يهونها، وتلك نظرة تدل على أن فقهاءنا يدخلون في اعتبارهم هذه المعاني النفسية، أو الاجتماعية، وما يشبهها.

وينقد ابن رشد المالكي مذهب الحنفية ومن وافقهم، فيقول: إن ارتفاع

ــــــــــ

(1) تفسير القرطبي ج 12 ص 279 طبعة دار الكتب المصرية.

(2) الوقار (كسحاب) لقبزكريا بن يحيى الفقيه المصري ـ المصدر السابق وحاشيته ص 180.

/ صفحه 295/

الفسق مع استمرار رد الشهادة أمر غير مناسب في الشرع، أي خارج عن المعهود فيه، لأنالفسق متى ارتفع قبلت الشهادة.

ويقول الشعبي لهم: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته! ويقول الزجاج: ليس القاذف بأشد جرما من الكافر، فحقه إذا تاب وأصلح أن تقبلشهادته.

ومما يتصل بالخلاف في ذلك أن الحنفية ـ ويوافقهم على ذلك من المالكية ابن القاسم وأشهب وسحنون ـ يقولون: إن القاذف يظل مقبول الشهادة حتى يحد، فإذا حد ردتشهادته أبدا ولو تاب، أي أن رد الشهادة لا يثبت بمجرد القذف، ولكن بالحد على القذف، ومنطقهم في ذلك أن صلاحيته للشهادة ثابتة من قبل، فلا تسقط إلا بالحد، أي بتمامالعقوبة، ومن ناحية أخرى فإن المعنى الذي تسقط به شهادة إنسان هو نزول مستواه الأدبي في مجتمعه، وهذا لا يكون إلا بالعقوبة الفعلية، وهي تمام الحد.

ولكن مخالفيهم لايرضون عن هذا، فيقول الشافعي رضي الله عنه: هو قبل أن يحد شرٌ منه حين حد، لأن الحدود كفارات، فكيف ترد شهادته في أحسن حاليه دون أخسهما؟.

ويقول ابن حزم في هذا المعنى،وفيما تقدم من تفرقة الماليكة بين شهادته فيما حد فيه، وشهادته في غير ما حد فيه:

' والعجب من أصحاب أبي حنيفة في تركهم ظاهر الآية وميلهم إلى رأيهم الفاسد فان نص الآيةإنما يوجب ألا تقبل شهادته بنص القذف، وليس في ذلك أن شهادته لا تسقط إلا بعد أن يحد، فزادوا في رأيهم ما ليس في القرآن، وخالفوا الآية في كل حال، فقبلوا شهادته أفسق ما كانقبل أن يحد، وردوها بعد أن طهر بالحد، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام في كثير من الحدود أن إقامتها كفارة لفاعليها، وهم أهل القياس بزعمهم، فهلا قاسوا المحدود في القذف علىالمحدود في السرقة والزنا ' ـ أي أن المحدود في السرقة أو في الزنا تقبل شهادته، فالمحدود في القذف ليس أسوأ حالا منهما، وإلا لكان القذف بالزنا أشد من ارتكاب

/ صفحه296/

الزنا نفسه ـ ثم يقول ابن حزم: ' وقد شاركهم المالكيون في بعض ذلك فردوا شهادة المحدود فيما حد فيه وأجازوها فيما لم يحد فيه ' (1).

ب ـ وقد يكون الاختلافراجعاً إلى تردد اللفظ ـ مفردا كان أو مركبا ـ بين أن يكون مقصوداً به المعنى اللغوي، أو معنى عرفي اشتهر فيه.

مثال ذلك اختلاف ابن القاسم وأشهب من المالكية فيمن قال: 'والله لا آكل رءوسا '.

وذلك أن لفظ الرءوس في اللغة صالح لأن يراد به كل الرءوس دون تفرقة بين رءوس الأنعام ورءوس الأسماك مثلا، ولكن العرف القولي جرى على أن لفظةالرءوس إذا ذكرت بجانب الأكل فالمراد بها رءوس الأنعام خاصة، فلا يكاد الناس يركبون لفظ (أكلت) مع الرءوس إلا وهم يقصدون رءوس الأنعام بخلاف لفظ (رأيت) ونحوه، فإنهميركبونه مع رءوس الأنعام وغيرها.

فالعبارة التي حلف بها الحالف إن حملت على معناها اللغوي، فإنه يحنث إذا أكل شيئاً من رءوس الأنعام أو من رءوس غيرها، وذلك هو رأي ابنالقاسم، وإن حملت على المعنى العرفي الذي نقل التعبير اليه؛ فإنه لا يحنث إلا إذا أكل شيئاً من رءوس الأنعام خاصة.

وابن القاسم وأشهب لا يختلفان في أصل القاعدة، وهيتقديم النقل العرفي على الوضع اللغوي، ولكنهما يختلفان في كون هذه العبارة، وهي: (لا أكلت رءوسا) قد غلب عليها المعنى العرفي حتى أصبح هو المتبادر منها، فابن القاسم يسلماستعمال أهل العرف لذلك، ولكنه يقول إن هذا الاستعمال لم يصل إلى الغاية الموجبة للنقل، وأشهب يرى أنه وصل إلى هذه الغاية، وفي ذلك يقول شهاب الدين القرافي: ' وضابط النقلأن يصير المنقول إليه هو المتبادر الأول من غير قرينة، وغيره هو المفتقر إلى القرينة، فهذا هو مدرك القولين، فاتفق أشهب وابن القاسم على أن النقل العرفي مقدم على اللغةإذا وجد واختلفا في وجوده هنا، فالكلام بينهما في تحقيق المناط ' (2).

ــــــــــ

(1) الأحكام لابن حزم ج 4ص 24.

(2) الفروق القرافي ج 1 ص 175.

/ صفحه297/

وقد بين القرافي هذه المسألة في كتابه الفروق، وأتى لها ببعض الأمثلة التي توضحها وتبين أن العرف القولي يحكم على الوضع اللغوي، ويعتبر ناسخا له، ومن قولهفي ذلك: ' وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد، وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء، لا خلاف فيه، بل قد يقع الخلاف في تحقيقه: هل وجد أم لا … وعلى هذاالقانون تراعى الفتاوى على طول الأيام، فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمكيستفتيك، فلا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجره عليه، وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح. والجمود على المنقولات أبداً ضلال فيالدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين ' (1).

وتالله إنها لوصية ثمينة، وأساس متين من الأسس التي ينبني عليها الائتلاف، وعدم الشطط عند الاختلاف.

* * *

ج ـ ومن أسباب الخلاف في الفهم: أن الكلمة قد تكون مترددة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، فيحملها مجتهد على معناها الحقيقي، ومجتهد على معناها المجازي،مستعيناً كل منهما بما يدله على ما رأي، ويرجحه له.

ومن أمثلة ذلك:

1 ـ أنهم اختلفوا في المقصود من النفي في قوله تعالى: ' إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسولهويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض '.

منهم من قال: المراد المعنى الحقيقي للنفي، وهو الإخراج من الأرض،وذلك أنه لم يجد في نظره مانعاً من إرادة الحقيقة وهي الأصل الذي يصار إليه ويترجح المراد من الألفاظ به حين لا تصرف عنه قرينة، فجعل إخراج المفسد المحارب من الأرض التيارتكب فيها جرائمه، عقوبة من العقوبات، ورآها عقوبة جرت

ــــــــــ

(1) المصدر نفسه ص 176، 177.

/ صفحه 298/

بمثلها عادة الشريعة وورد الحديث بها فيمثل ' وتغريب عام ' وأشار إليها القرآن في مثل قوله تعالى: ' ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ' حيث سوى بين النفي والقتل، ثم هي تشبه عقوبة الضرب فيأنها عقوبة معتادة معروفة، فلا مانع إذن من حمل اللفظ على معناه الحقيقي، وإرادة هذه العقوبة، وهذا ما قال به جمهور الفقهاء.

أما الحنفية فقد رأوا أن هناك ما يصرف عنإرادة المعنى الحقيقي، واعتمدوا في ذلك على معنى عقلي، وذلك أن النفي إن أريد به الإخراج من الأرض، أي من جميعها، لم يكن ذلك ممكنا إلا بالقتل، والقتل عقوبة تقدمت فلايكرر ذكرها، وإن أريد به الإخراج من أرض الإسلام إلى أرض الكفر فلا يصح، لأنه لا يجوز الزج بالمسلم إلى دار الكفر، وقد وجدنا الشريعة تنهى عن إقامة الحدود إذا ضربالمسلمون في أرض العدو، خوفا من أن تلحق المحدود أنفة فيهرب إلى أرض الكفر ويفتن في دينه، وإن أريد بالأرض أرض أخرى إسلامية غير التي ارتكب فيها جريمته؛ لم يتحقق الغرضالمقصود من كف أذاه عن المسلمين، إذ هو إنما ينتقل من وسط إسلامي إلى وسط إسلامي آخر، ومن هنا قالوا: المراد بالنفي معناه المجازي وهو السجن، لأن فيه عقوبته وكف أذاه، وهويشبه النفي في أن كلا منهما إبعاد عن المجتمع، وإقصاء للمجرم عنه، والعرب تستعمل النفي بمعنى السجن، قال بعض الشعراء يذكر حاله في السجن:

خرجنا من الدنيا ونحن مناهلها ***** فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا

إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ***** عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدنيا!!

2 ـ اختلفوا في فهم قوله تعالى: ' وثيابك فطهر ' هل يدلعلى وجوب إزالة النجاسة أولا دلالة له على ذلك؟ وخلاصة الأمر في ذلك أن العلماء متفقون على أن إزالة النجاسة مأمور بها شرعا لورود أدلة كثيرة غير هذه الآية تفيد ذلك،ولكنهم اختلفوا: هل ذلك الأمر الوارد في الادلة على سبيل الوجوب، أو على سبيل الندب الذي يعبر عنه أحياناً بكونه ' سنة مؤكدة '.

/ صفحه 299/

فبالأول يقول جمهرةالعلماء.

وبالثاني يقول مالك وأصحابه.

وقد وقعت المناقشة في هذا الفرع بين المختلفين، وكان من عناصرها هذه الآية: فمن حمل التعبير فيها على المعنى الحقيقيللتطهير والثياب المحسوسين، رأي فيها دليلا على وجوب إزالة النجاسة، اما المالكية فيقولون: إن هذا تعبير على سبيل الكناية يراد به تطهير القلب، فهو كما يقال: فلان طاهرالذيل، كناية عن العفة، وفلان كثير الرماد: كناية عن الكرم، ونحو ذلك، وعلى هذا فلا دخل له في الموضوع، ولا حجة به.

ومما نذكره على سبيل الطرافة ـ لما فيه من تصوير شدةبعض الفقهاء أحيانا ـ ما علق به ابن حزم الظاهري ـ وهو بصدد الكلام على ورود المجاز أو عدم وروده في لسان الشرع ـ إذ يقول:

' …. وقد ذكر رجل من المالكيين ـ يلقب 'خويزمنداذ ' (1) ـ أن للحجارة عقلا، ولعل تمييزه يقرب من تمييزها! ويقول: إن من الدليل على أنها تعقل قوله تعالى: ' وإن من الحجارة لما تتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشققفيخرج منه الماء، وإن منها لما يهبط من خشية الله ' فدل ذلك على أن لها عقلا … أو كلاما هذا معناه … وأعجب العجب أن هؤلاء القوم يأتون إلى الألفاظ اللغوية فينقلونهاعن موضوعها بغير دليل فيقولون: معنى قوله تعالى ' وثيابك فطهر ' ليس الثياب المعهودة، وإنما هو القلب، ثم يأتون إلى ألفاظ قام البرهان الضروري على أنها منقولة عن موضوعهافي اللغة إلى معنى آخر، وهو إيقاع الخشية على الحجارة، فيقولون: ليس هذا اللفظ منقولا عن موضوعة، مكابرة للعيان، وسعياً في طمس نور الحق، وإقراراً لعيون الملحدينالكائدين لهذا الدين، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وبالله تعالى التوفيق. اهـ كلام ابن حزم.

ــــــــــ

(1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله المالكي الأصولي منأهل البصرة، توفي في حدود الأربعمائة ـ اقرأ الإحكام لابن حزم وحواشيه ص 33 ج 4 وما بعدها.

/ صفحه 300/

د ـ ومن أسباب الخلاف في فهم القرآن والسنة أيضا: أناللغة العربية قد يرد فيها العام مراداً به عمومه الشامل لكل ما يطلق عليه اللفظ، وقد يرد فيها العام مراداً به بعض ما يدل عليه وهو العام المخصوص.

1 ـ وقد يكون ذلكواضحاً لا يخفى على أحد، فلا يختلف في معناه مثل قوله تعالى: ' وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ' فهذا من العام المراد به ظاهره ولا خصوص فيه، ومثله قوله تعالى: 'يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ' أما قوله تعالى: ' ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ' فهو بحسب اللفظعام، ولكن يراد به خصوص المطيقين غير ذوى الأعذار، ومثله قوله تعالى: ' الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم '.

2 ـ وقد يكون المراد من اللفظ العام خفياً فلا يدرىهل يحكم بعمومه أو بخصوصة، فمن الناس من يجريه على العموم حتى يتبين أنه مخصوص، ومن الناس من يقول هو خاص حتى يتبين عمومه، ومن الناس من يوجب البحث قبل الحكم بأنه عام أوخاص … الخ.

3 ـ ومما يتصل بذلك اختلافهم فيما إذا ورد الأمر باللفظ الموضوع للذكور هل يكون خاصا بالذكور دون الإناث حتى يقوم دليل على دخول الاناث فيه؟ أو يدخل فيهالاناث من أول الأمر حتى يأتي دليل على أنهن غير داخلات؟.

فالذين يقولون بالأول يعتمدون في قولهم هذا على ان اللغة فرقت بين الحديث عن الذكور والحديث عن الإناث، وجعلتلكل لفظا خاصا به، فكما لا يجوز أن نفهم من الحديث عن النساء باللفظ الموضوع لهن شموله للرجال بنفس اللفظ؛ لا يجوز كذلك أن نفهم من الحديث عن الرجال باللفظ الموضوع لهمشموله للنساء بنفس اللفظ، ولكن نلتمس شمول الحكم للنساء من أدلة أخرى.

والذين يقولون يدخل الإناث فيما ذكر عن الرجال حتى يتبين أنهن غير داخلات، يعتمدون في ذلك على أناللغة العربية إذا اجتمع الرجال والنساء غلبت

/ صفحه 301/

الرجال وتحدثت عن الفريقين باللفظ الخاص بالرجال، والشريعة عامة والرسول مبعوث بها للرجالوالنساء جميعاً، فالأصل في كل خطاب بها أن يوجه إلى سائر المكلفين والمكلفات، وإن جاء الخطاب للرجال خاصة، لكن إذا تبين أن النساء غير داخلات في هذا الخطاب فاللفظ حينئذخاص.

وابن حزم من القائلين بالثاني:

ويترتب على هذا كثير من الاختلاف في الفروع.

ومن كلام ابن حزم في ذلك وهو يناقش مخالفيه (1) ' فإن قالوا: فأوجبوا عليهن النفارللتفقه في الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ' ـ أي بعموم قوله تعالى: ' فلو لا نفر من كل فرقه منهم طائفة ليتفقهوا في الدين '. وقوله تعالى: ' ولتكن منكم أمة يدعون إلىالخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ' ونحو ذلك من الخطاب الموجه إلى الرجال ـ ' قلنا ـ وبالله تعالى التوفيق: نعم هذا واجب عليهن كوجوبه على الرجال، وفَرْضٌ على كلامرأة التفقه في كل ما يخصها كما ذلك فرض على الرجال: ففرض على ذات المال منهن معرفة أحكام الزكاة، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصوم وما يحرم من المآكلوالمشارب والملابس وغير ذلك كالرجال ولا فرق، ولو تفقهت امرأة في علوم الديانة للزمنا قبول نذارتها، وقد كان ذلك: فهؤلاء أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وصواحبه، قد نقلعنهن أحكام الدين، وقامت الحجة بنقلهن ولا خلاف بين أصحابنا وجميع أهل نحلتنا في ذلك، فمنهن سوى أزواجه (عليه السلام): أم سليم، وأم حرام، وأم عطية، وأم كرز، وأم شريكوأم الدرداء، وأم خالد، وأسماء بنت أبي بكر، وفاطمة بنت قيس، وبسرة، وغيرهن، ثم في التابعين عمرة وأم الحسن، والرباب وفاطمة بنت المنذر وهند الفراسية ـ أو القرشية ـوحبيبة بنت ميسرة، وحفصة بنت سيرين، وغيرهن، ولا خلاف بين أحد من المسلمين قاطبة في أنهن مخاطبات بقوله تعالى: ' وأقيموا

ــــــــــ

(1) الأحكام لابن حزم ص 81 ج 3وما بعدها.

/ صفحه 302/

الصلاة وآتوا الزكاة ' و ' من شهد منكم الشهر فليصمه ' و ' ذروا ما بقي من الربا ' و ' حرمت عليكم الميتة والدم ' و ' الذين يبتغون الكتابمما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ' و ' وأشهدوا إذا تبايعتم ' و ' لله على الناس حج البيت ' و ' أفيضوا من حيث أفاض الناس ' و ' هل أنتم منتهون ' و ' ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح' وسائر أوامر القرآن، وإنما لجأ من لجأ هذه المضايق في مسألة أو مسألتين، تحكموا فيهما وقلدوا فاضطروا إلى مكابرة العيان، ودعوى خروج النساء من الخطاب بلا دليل … وقدقال الله تعالى: ' وإنه لذكر لك ولقومك ' وقال أيضا: ' وأنذر عشيرتك الأقربين ' فنادى (عليه السلام) بطون قريش بطناً بطنا، ثم قال يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنتمحمد! فأدخل النساء مع الرجال في الخطاب الوارد كما ترى … وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ' كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فلما كان يوم من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ' أيها الناس ' فقلت للجارية: استأخري عني، قالت إنما دعا الرجال ولميدع النساء، فقلت: إني من الناس '.

' …. واحتج بعضهم بقوله تعالى: ' إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ' فالجواب وبالله تعالى التوفيق. إنه لا ينكر التأكيدوالتكرار، وقد ذكر الله تعالى الملائكة ثم قال: ' وجبريل وميكال ' وهما من الملائكة، ويكفي من هذا ما قدمنا من أوامر القرآن المتفق على أن المراد بها الرجال والنساء معا،بغير نص آخر، ولا بيان زائد إلا اللفظ. وكذلك قوله: ' واستشهدوا شهيدين من رجالكم '، بيان جلي على أن المراد بذلك الرجال والنساء معاً، لأنه لا يجوز في اللغة أن يخاطبالرجال فقط، بأن يقال لهم: ' من رجالكم '. وإنما كان يقال من أنفسكم. وبالله تعالى التوفيق.

/ 1