حرکة الاجتهاد أمام قضیة التطور نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حرکة الاجتهاد أمام قضیة التطور - نسخه متنی

السید محمد حسین فضل الله

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الفقيه السيد محمد حسين فضل الله

حركة الاجتهاد أمام قضية التطوُّر

لقد انطلقت حركة الاجتهاد في الشريعةالإسلامية في بداية العهود الإسلامية كحركة فكرية تستهدف فهم التشريع من مصادره الأصيلة على أساس من المعرفة الواسعة بالوسائل البيانية والعقلية المؤدية إلى وعيالإسلام في أحكامه العملية، وتحديد موضوعاتها في حدودها وآفاقها.. لأن هذه الحركة انطلقت ـ في الأساس، من فكرة وجوب المعرفة الثابتة بالنقل والعقل، فيما يتعلق بالعقيدةوبالعمل.. وقد شارك في نمو هذه الحركة الأوضاع الشاذة والظروف القلقة التي عاشها المسلمون في بدايات العهود الإسلامي وأواسطها، فقد واجهتهم الأحاديث المختلفة فيالموضوع الواحد مما استدعاهم إلى التفكير في الأسس التي ترتكز عليها حجية الروايات الواردة عن النبي محمد (ص) أو عن غيره، بين اتجاه يشترط العدالة، وبين اتجاه يكتفيبالوثاقة، وثالث يكتفي بخبر المسلم كيف كان. ثم انطلقوا يؤسسون القواعد التي تعالج قضية التعارض بين الروايات من حيث الترجيح بالمرجحات المختلفة التي يشتمل عليها الخبرفي سنده ومضمونه، والأجواء المحيطة به. وهكذا دخلت هذه البحوث في موضوع الاجتهاد حيث أخذت لها مجالاً واسعاً فيه، لأن طبيعة البحث تفرض الاتجاه إلى بحث الأسس العامةللحجية، فكانت الأبحاث التي تتحدث عن حجية العلم وتفاصيلها بين العلم الإجمالي والتفصيلي باعتبارها القاعدة التي تنتهي إليها كل حجية انطلاقاً من الفكرة الفلسفية التيترى أن ما بالعرض لابد أن ينتهي إلى ما بالذات.. وعلى ضوء هذا كانت بداية البحوث التي اعتبرت أن البحث يجب أن يبدأ من نقطة الصفر، فيواجه الاعتراض بحجية القطع، لأن حجيتهذاتية نابعة من العقل أو الفطرة، ثم الشك في حجية كل شيء حتى تثبت حجيته فكانت القاعدة هي عدم الحجية في كل الظنون المتنوعة على أساس الآيات القرآنية التي قررت أن(الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً) ونهت عن اتباع غير العلم كما في قوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَوَالفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً).. وبدأ الفقهاء ـ بعد ذلك يدرسون إمكانية إثبات حجية بعض الظنون من خلال حكم العقل أو الشرع ومن هنا اختلفت النظرةإلى مصادر الشريعة، أو مصادر استنباطها تبعاً لاختلاف نتائج البحث في ثبوت حجية هذا الظن أو ذاك فاختلفت النظرة إلى الإجماع من خلال ذلك، بين رأي يقول أنه دليل مستقلبنفسه ينطلق من الاعتراف الشرعي بما يشبه عصمة رأي المجمعين وبين رأي يقول أن قيمته تتحدر بمقدار يكتشف عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره، مما يجعله كاشفاً عن السنة، لادليلاً مستقلاً بنفسه.. وهذا هو الاتجاه الذي سار عليه الاجتهاد الشيعي الذي لم يحترم الإجماع إلا من حيث دلالته، فلا قيمة للإجماع الذي لا يحمل هذه الدلالة.. واختلفتالنظرة إلى القياس الذي هو (مساواة فرع لأصله في حكمه الشرعي) فكانت النظرة العامة لعلماء السنة، تقول بحجيته انطلاقاً من بعض الأدلة التي اعتبروها كافية في إثباتالحجية، ورأوا في هذا الدليل حلاً لمشكلة كثير من الموضوعات التي لم يرد فيها نص بخصوصه، مما يوقع المجتهد في حيرة، من أمر الحكم الشرعي المتعلق بها.. أما علماء الشيعةفقد رفضوا حجيته انطلاقاً من أحاديث أئمتهم أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين هاجموا القياس بعنف مؤكدين على أن السنة إذا قيست محق الدين.. ولم يروا في الأدلة التياعتمدها علماء أهل السنة حجة مقنعة في هذا المجال، ولهذا لم يجدوا مبرراً للقول بحجيته على أساس القاعدة التي ذكرناها في بداية الحديث من أن كل حجة لابد أن تنتهي إلىالعلم، فإذا كان القياس مرتكزاً على الظن بالعلة التي يلتقي فيها الفرع بالأصل، فيدخل في القاعدة التي لا تعتبر الظن حجة بقول مطلق فلابد في حجيته من اعتراف الشارع به،وهذا مما لم يثبت.. مما جعل النتائج الشيعية لبحث القياس تقف على الاعتراف بحجيته فيما كان طريقه عقلياً وذلك فيما إذا كانت العلة قطعية أو منصوصة، وعدم الاعتراف بحجيتهما لم يكن دليله قطعياً..

***

وهكذا تتابعت الأفكار وتنوعت وأفرزت كثيراً من الخلافات في مصادر التشريع ومناهج البحث مما جعل الاجتهاد يتخذ لنفسه دوائر متنوعةتبعاً للمذاهب الفكرية والإسلامية، واستطاع ذلك أن يبدع علماً جديداً إسلامياً هو علم أصول الفقه 'الذي يبحث فيه عن القواعد التي تمهد لاستنباط الأحكام الشرعية الكليةأو التي ينتهي إليها في مقام العمل'.

... وقد تحوّل الفكر الإسلامي ـ من خلال حركة الاجتهاد ـ إلى ثروة تشريعية ضخمة تشمل كل جوانب الحياة وقضاياها المطروحة في تلكالعهود، مما جعل الإنسان لا يشعر بأي فراغ قانوني في نطاق الأحكام الشرعية، لأن لكل واقعة يبتلى فيها، حكماً في الفقه الإسلامي مستمداً من المصادر الأصيلة للشريعة حسبقناعته بالمذهب وصاحبه، الأمر الذي أبقى للإنسان المسلم استقراره الداخلي وشعوره العميق بالوحدة الممتدة في كل مجالات حياته العامة والخاصة من الناحية الفكريةوالعملية، فلم يعان من الازدواجية بين ما يؤمن به من عقيدة وبين ما يطبق في حياته من شريعة كما هو حال المسلم اليوم.

***

وسارت حركة الاجتهاد بين خطوط متعرجة آناً،ومستقيمة آناً آخر.. ولكن ذلك لم يحبس المسلمين في سجن ضيق، بل كانوا يتحركون في حرية بين الفقهاء فيما يأخذونه وفيما يدعونه دون أن يشعروا بحرج وضيق في اتباع هذا في هذاالحكم واتباع ذاك في حكم آخر.. حتى جاءت بعض الظروف الخاصة التي أدت ملابساتها إلى إغلاق باب الاجتهاد وتحريمه وحصر المذاهب الاجتهادية في المذاهب الأربعة، واعتبار ماعداها مخالفاً للإسلام، مما جعل الشريعة الإسلامية تتحرك في هذا الإطار، وتقتصر شرعيتها في نظر الحكم وأفراد الأمة على ذلك.. وقد وقف أئمة أهل البيت من خلال هذا التحديدخارج نطاق الشرعية والإسلام.. ووقف الفكر الشرعي الاجتهادي عن التحرك خطوة إلى الأمام لدى الغالبية من المسلمين من أهل السنة.. وأصبح البحث والنظر يتحركان في إطار فكر هذاالمذهب.. وقد يخيل لبعض الناس أن اتخاذ هذا الموقف كان حماية للإسلام من تدخل العناصر الغريبة بعد فتح المغول للبلاد الإسلامية ودخولهم في الإسلام، مما قد يفسح المجاللدخول أحكام جديدة بعيدة عن روح الإسلام في داخل الشريعة من خلال حركة الاجتهاد.. ولكننا لا نوافق على هذا التبرير لأن الاجتهاد المتحرك الذي لا يقتصر على جهاز معين، ولايخضع لرغبات السلطة كفيل بمنع ذلك وبإيقافه عند حده في حالة وجوده، وقد يكون للشروط الشرعية التي تعتبر العدالة في المجتهد، التي تمثل الاستقامة على خط الشريعة، أوالملكة النفسية التي تمنعه من الانحراف عن الخط، أثر كبير في تطويق السلبيات المحتملة في هذا المجال..

وجاء العصر الحاضر وبدأ العلماء المسلمون من غير الشيعة يعيدونالنظر في هذا الحظر الذي انتهى إلى إغلاق باب الاجتهاد، ويناقشونه ويتحركون في اتجاه إلغائه، من أجل مواجهة الحالات المعاصرة التي تتطلب اجتهادات جديدة تكتشف حكم اللهوتحدد موقف الإنسان أمامه، ولم يضف هؤلاء العلماء جديداً إلى ما ذكره علماء الشيعة الأمامية في هذا الموضوع في مناقشتهم لقضية إغلاق باب الاجتهاد بل ركزوا على كثير منالجوانب التي أثيرت في هذا الموضوع.. وقد ساهم هذا التطور الجديد في انفتاح المسلمين على كثير من آراء الفقه الشيعي في مجالات الأحكام الشرعية حتى أدى ذلك إلى الأخذببعضها في القوانين الموضوعة في بعض الحكومات الإسلامية.

***

قد نجد أمامنا اتجاهين في تصورنا لحركة الاجتهاد ومفهومنا له:

1- الاتجاه الذي يعتبر أن قضيةالاجتهاد تعمل على تجديد الإسلام وتجاوز أحكامه التي لا توافق روح العصر وذلك بالعمل على استيحاء روح الإسلام من خلال مفاهيمه العامة، وعدم الوقوف على نصوصه وهذا هوالرأي الذي يطرحه الكثيرون ممن وقفوا في حيرة بالغة بين واقع الحياة المعاصرة في متطلباتها ومعطياتها، وأوضاعها ومفاهيمها، وبين انتسابهم للإسلام وما يقتضيه ذلك منالتزام بأحكامه ومفاهيمه، فهم لا يطيقون مواجهة هذه الحياة بالسلبية المطلقة التي تتمثل بالخضوع لمبادئ وأحكام تختلف عن طبيعتها، كما أنهم لا يريدون الابتعاد عن خطواتالإسلام في حياتهم فيعملون على أن يكتشفوا من خلال حركة الاجتهاد إسلاماً جديداً يتبدل ويتغير حسب تغير الأوضاع والظروف ليوافق كل حركة جديدة من حركات المجتمع الثوريةوالإصلاحية.

2- الاتجاه المعتدل الذي يرى في حركة الاجتهاد المعاصرة امتداداً لحركة الاجتهاد في الماضي ويتركز على فهم الأحكام الشرعية التي أنزلها الله على رسولهمحمد (ص) من دون تغيير أو تبديل سواء في ذلك الوقائع المشتملة على نصوص خاصة، أو الوقائع التي لا نص فيها، فتقف في الحالة الأولى وقفة جديدة مع النصوص لا تتجمد أمام فهمالعلماء السابقين بل تحاول أن تواجهها بفهم مستقل نابع من الثقافة الذاتية للمجتهدين، مرتكزة على القواعد الأساسية للفقه وأصوله مما قد يلتقي بالفهم السابق وقد يبتعدعنه، ونقف في الحالة الثانية مع النصوص العامة التي تعرضت للقواعد العامة سواء في ذلك القضايا الفردية التي يتحرك فيها الإسلام في نطاق فردي، أو القضايا العامة التييخطط فيها الإسلام للحياة في إطار المجتمع ككل، أو في إطار الدولة بشكل عام.

إننا نواجه هذين الاتجاهين، فما هو موقفنا منهما في اجتهادنا المعاصر..

إننا نفضلالاتجاه الثاني، على أساس المعطيات التي تؤيده، على أساس رفض الاتجاه الأول، في ضوء الأمور التالية:

1- إن فكرة الأخذ بروح الإسلام وتجاوز نصوصه تستوقف الباحثالإسلامي في وقفة تأمّل باعتبارها من الأفكار التي لا يملك الإنسان فيها التعامل مع قاعدة ثابتة معقولة، لأن فهم هذه الروح يختلف حسب اختلاف الذهنية التي تتعامل معالنصوص في عملية فهم واستيحاء، فيمكن للإنسان الذي يدين بالاشتراكية أن يعتبر الروح الإسلامية اشتراكية في مضمونها ومدلولها انطلاقاً من الأحاديث التي تتحدث عن حقالفئات المحرومة في المجتمع في أموال الفئات الأخرى كالحديث المروي عن بعض أئمة أهل البيت: 'إن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولو علم أنه لا يكفيهملزادهم' أو التي تتحدث عن أن الناس شركاء في ثلاث النار والماء والكلأ.. ويمكن للإنسان الذي يؤمن بالرأسمالية عندما يرى تشريع الملكية الفردية في الإسلام وتأكيده على: 'أنالناس مسلطون على أموالهم' و'لا يحل مال امرئ لامرئ إلا بطيب نفسه' مما يوحي بحماية الملكية واعتبار التعدي غصباً محرماً.. فقد يرى فيها أساساً لاكتشاف التيار الرأسماليالمعتدل في الروح الإسلامية، ويمكن لإنسان آخر أن يرى شيئاً غير هذا أو ذاك ليكون وسطاً بين الاشتراكية والرأسمالية كما هو الرأي الإسلامي الملتزم.

إن إرجاع القضيةإلى أجواء ذاتية غائمة، في إطار الكلمات المائعة غير المحددة مثل كلمة 'روح الإسلام' يخضع الاجتهاد إلى آفاق غير محدودة وغير منضبطة، ويؤدي بالتالي إلى إلغاء النصوصالإسلامية بشكل أو بآخر ويحول الإسلام إلى معرض من معارض الأفكار حيث يستقبل كل فكر طارئ أو أي تيار جديد.

2- إن قضية التطور الفكري والتشريعي في حياة كل أمة، ليستوليدة حركة حتمية خارج نطاق الأفكار والمبادئ المطروحة في الحياة، وليست عملاً غيبياً ينطلق من المجهول، بل هي قضية سنة الله في الأرض التي جرت على أن تتقدم الأفكاروالمبادئ إلى الساحة من خلال كونها ردود فعل لواقع فاسد، أو ارتكازها على قوة مادية أو ظروف طبيعية طارئة مما يجعل لحركة الإنسان الذي يؤمن بها أساساً قوياً في وجودهاونموها واستمرارها.. ويبعد القضية عن أن تكون حركة تخضع لما يسمى ب‍ (الحتمية) التاريخية أو أية حتمية أخرى مما تعارف الناس أن يفسروا به التيارات السياسية والاجتماعيةوالاقتصادية.. وهكذا تتحول الأفكار إلى واقع حي يدخل وجدان الناس وعاداتهم وتقاليدهم.. ثم تمتد لتكون الطابع المميز للعصر بفعل سيطرة القوى التي تدعمها وتؤيدها علىمقدرات العصر في الجوانب التشريعية والتنفيذية، فيخيل للناس أنه الواقع الحتمي الذي لا يمكن تجاوزه والانحراف عنه إلا على حساب تقدم الحياة وتطورها.. باعتبار أن الواقعالمطروح هو الذي يمثل مقياس التقدم والرقي في نظرهم..

ولهذا فلقد يكون من وجهة نظر المفكرين المسلمين أن التطور الذي ينطلق من خلال الأفكار المادية في اتجاهاتهاالأخلاقية والاجتماعية والسياسية، لا يسير في الاتجاه الصحيح لمصلحة الإنسان لأنه يفرز الكثير من المخاطر والآلام والمتاعب في حياة البشرية، من دون أن يقدم لها الراحةالنفسية التي تجعل من الحياة شيئاً مريحاً معقولاً، الأمر الذي يدعونا إلى القيام بتغييره إلى تطور آخر يأخذ في حسابه حياة الإنسان ككل ولا يركز على جانب واحد من جوانبهالتسير الحياة على إرادة الله.

3- إن الفكرة التي تحاول استبعاد الدين عن دائرة الصراع من أجل التطور والتغيير انطلقت من الذهنية العامة المنحرفة التي حصرت دوره في نطاقضيق ودائرة محدودة لا تتسع للحياة إلا بقدر ما تتسع له الأخلاقيات القائمة التي لا تحاول إلا العمل على تطرية الحياة الفردية والاجتماعية من بعيد لبعيد، من دون أن تلامسالمشاكل بواقعية وقوة، بل هي المثالية التي تمنح الإنسان الشعور بالراحة من غير حل للمشكلة.. ولهذا فإننا نعتقد ضرورة التخطيط لإخراج الوعظ والتوجيه الإسلامي إلى دائرةالمواجهة المباشرة لقضايا الحياة ومشاكلها، لأن ذلك هو السبيل لوضع التغيير الإسلامي في إطاره الطبيعي الذي لا يبتعد عن النصوص في الكتاب والسنة، ولا يخرج عن روحها،ويبقى في الوقت ذاته ليحقق للحياة السعادة والخير والسلام.. وقد يكون هذا هو الهدف الذي سعى إليه المفكرون المسلمون الملتزمون الذين يعتبرون الإسلام فكرة شاملة عن الكونوالحياة عندما يطرحون قضية الاجتهاد المعاصرة في الحياة.

4- لعل من أولى مهمات حركة الاجتهاد المعاصرة، أن تواجه النصوص في الكتاب والسنة مواجهة مستقلة واضحة تنطلقمن الفهم الواعي المستند إلى ثقافة علمية دقيقة واسعة في المجالات التي تتحرك فيها القواعد اللغوية والأصولية، ومن التركيز على دراسة الأجواء العامة التي انطلقت فيهامع ملاحظة الظروف الموضوعية التي نعيشها مما أحدث لنا أوضاعاً جديدة في العلاقات العامة وفي أساليب الحياة للتعرف من خلال ذلك على طبيعة الموضوعات التي يتوفر عليهاالحكم الشرعي ليعالجها معالجة واقعية، لأن الخطأ في فهم الموضوع يؤدي بالتالي إلى الخطأ في فهم الحكم..

إننا نركز ونؤكد على استبعاد القداسة للشخص وللرأي الفقهي مندائرة الاجتهاد واعتبار الآراء الفقهية في أي مجال عملي، قابلة للمناقشة، فلا تمنع المصير إلى رأي مخالف، ولا توجب الارتباط برأي موافق، مهما كانت درجة أصحابها من العلموالمعرفة والمركز الروحي، إلا بمقدار ما يكون للرأي من قوة الحجة وسلامة البرهان، لأن إعطاء الآراء القديمة التي لا يدّعيها أصحابها لأنفسهم يجعلنا نواجه تقليداًفكرياً باسم الاجتهاد.

أما إذا أردنا الوقوف في المنطقة التي لا تحمل نصوصاً خاصة، فإن علينا التحرك لدراسة النصوص العامة التي تعالج القواعد الشاملة للتعرف على مدىإمكانية انطباقها على واقع الحياة، فقد نجد في بعض هذه النصوص انفتاحاً تاماً على المجالات الجديدة في المعاملات والعلاقات المالية والاجتماعية في ظل الشروط الإسلاميةكما ربما نلاحظ ذلك في الآية الكريمة: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والآية الكريمة: (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَنتَرَاضٍ) فقد يفهم منها بعض الفقهاء أنها تتسع لإقرار كل ما كان هناك من عقود بين الناس في الماضي وما يتجدد منها في المستقبل، مع الاحتفاظ بالشروط الشرعية العامة التيفرضتها نصوص وقواعد أخرى مثل قاعدة النهي عن الضرر وأشباهها مما يدور الحديث عنه في الأبحاث الفقهية، وبهذا لن يتركز البحث في طبيعة شرعية العقد من حيث كونه عقداً جديداًلتتجه المحاولة إلى الحديث عنه من حيث حصوله على عنوان المعاملات السابقة عليه، كما حاول بعض الفقهاء ذلك عندما واجهوا عقود التأمين وأمثالها فحاولوا أن يرجعوها إلىعناوين الهبة المعوضة والصلح وغيرها.. بل يتركز البحث عن خصائصه الواقعية، وانسجاماً مع الشروط الشرعية للمعاملات أو اختلافها عنها، وقد نجد مثلاً على ذلك ـ في الجانبالآخر الذي يواجه فيه الفرد المسلم أو المجتمع المسلم حالات الحرج الشديد في امتثاله لبعض الواجبات أو تركه لبعض المحرمات، مما يكون الحرج ناشئاً من طبيعة جعل الحكم لامن طبيعة النوازع الذاتية التي يعيشها الإنسان داخل نفسه مما يشكل للإنسان ضيقاً شخصياً، لا ارتباط له بطبيعة الحالة الصحية والعملية العامة، فقد يمكن للبحث والاجتهادأن يدرس قاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله تعالى: (يُرِيدُ الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْالعُسْرَ) أو قاعدة نفي الضرر المستفادة من الحديث النبوية الشريف: 'لا ضرر ولا ضرار في الإسلام'.. وقد تدور الدراسة حول ما إذا كانت هاتان القاعدتان حاكمتين على الواجباتوالمحرمات أو تقتصران على الواجبات مع ملاحظة مجالاتهما الموضوعية، ثم دراسة طبيعة الحرج والضرر، هل هو الحرج والضرر الشخصي لتكون القاعدتان متحركتين في حياة الإنسانالشخصية، أو الضرر والحرج النوعيين لتكونا حاكمتين في حياة الإنسان العامة بقطع النظر عن حالته الخاصة.

إننا لا نؤمن بالاجتهاد التوفيقي الذي ينطلق في تبرير الواقعالقانوني لكثير من حالات الانحراف من أجل إعطاء الإسلام صفة الدين الذي ينسجم مع حاجات العصر، لأن فهمنا للانسجام مع حالات العصر هو تقديم الحلول لمشاكله من خلال قواعدهالأصيلة، لا تقديم الحلول على أساس الحلول المطروحة في الواقع المعاش على أساس غير إسلامي.

إننا نعتقد ضرورة تحرك الاجتهاد في الطريق المستقل لمواجهة الحالات العامةوالخاصة للحياة على أساس شريعة الله من دون الخضوع لضغط الواقع والاستناد إلى ضغط الآراء السابقة التي لا تكون موضع قناعة، فذلك ـ وحده ـ هو الذي يمنح حركة الاجتهادحيويتها بعيداً عن التقليد الفكري والضغط الواقعي.

5- إن علينا أن ندرس الفرق بين مواجهة الحالات الفردية في ظل النظام غير الإسلامي، وبين مواجهة الحالات العامة فيإطار النظام الإسلامي، لأن ذلك قد يغير موضوع الحكم الذي قد يغير الحكم نفسه، وقد يكون من الطبيعي لنا ـ في هذا المجال أن نقرر ـ أن الاجتهاد في العصور المتأخرة كان يواجهالواقع من خلال الحاجات الفردية بعيداً عن وجود حكم إسلامي يتحرك في التشريع للناس في وجودهم الدولي، الأمر الذي جعل الأبحاث الإسلامية لدى الدارسين تأخذ الفكرة من خلالالأحكام المستنبطة في هذه الاجتهادات.. وقد تغلبت النزعة الفردية على الذهنية الفقهية، فأصبح البعض منهم يفكر في قضية الوقوف من الانحراف بشكل عنيف من حيث الحرمة وعدمهافي إطار الخوف من الضرر، وعدم جواز إلقاء النفس في التهلكة وغير ذلك مما يدخل في حساب الحياة الفردية الخاصة.. ولذلك لا نجد هناك أي معنى للبحث في النظام الاقتصاديوالسياسي أو الاجتماعي أو المالي للإسلام، من خلال نتائج الاجتهادات المعاصرة في استنباط الحكم الشرعي، بل لابد من دراسة ألوان النظام في إطار النظام الإسلامي ككل.. لأنذلك هو السبيل الوحيد لمعرفة الجانب المضيء من الصورة عندما يتطلع الدارسون إلى كل جوانبها.

6- إن حركة الاجتهاد المعاصرة قد استطاعت في النطاق الإسلامي بشكل عام، وفيالنطاق الإسلامي الشيعي بوجه خاص، أن تواجه الحاجات المطروحة في الساحة بحلول جيدة مما جعل الإنسان المسلم يشعر بوجود أجوبة لكثير من تساؤلاته العملية لقضية عقودالتأمين، وتنظيم النسل، والتلقيح الصناعي وغيرها من المسائل المستحدثة.. وربما بقيت بعض الأمور التي لا يزال المسلم يشعر بالحرج أمامها كقضايا البنوك، وغيرها مما لايمكن للتشريع الإسلامي أن يواجهها بحل إسلامي مع التحفظ على طبيعتها المستمدة من النظام الرأسمالي لأن ذلك يعني الإقرار بشرعية النظام، ولذلك فإن العلاج الفردي لابد أنيخضع لنوعية الحالات الصعبة التي يمر بها الفرد المسلم..

وختاماً، إننا نشعر أن الاجتهاد هو مسؤولية المفكرين المسلمين الملتزمين الذين يعون دور الإسلام في الحياةبشكل جيد مما يجعلهم ينظرون إلى خطواته الفكرية والعملية بدقة ووعي لتظل الصورة الإسلامية واضحة في كل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

المصدر : الاجتهاد والحياة حوار محمد الحسيني


/ 1