فآثرت بلقيس السلم بذلك على الحرب، ثم أرادت أن تختبر أمر سليمان
(عليه السلام)
، فأحضرت له هدية ترسلها إليه لتصانعه بها على ملكها، وتختبره أملك هو أم نبي؟ فإن كانملكا قبل الهدية وترك لها ملكه، وإن كان نبياً لم يقبل الهدية، ولم يرضه منها إلا أن تتبعه في دينه، وذلك قولها في الاية ـ 35 ـ من سورة النمل: ' وإني مرسلة اليهم بهديةفناظرة بم يرجع المرسلون' وقد أرسلت الهدية إلى سليمان مع رسل من قومها على رأسهم المنذر بن عمرو، وكانت هدية عظيمة نوه المفسرون بها، وذكروا ما ذكروا في وصفها. ثم سارالمنذر بن عمرو بالهدية من اليمن إلى فلسطين، فلما جاء سليمان بها ردها عليه، كما قال تعالى في الاية ـ 35 ـ من سورة النمل: ' فلما جاء سليمان قال أتمدُّوننِ بمال فما آتانيالله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ' يعني ما آتاه الله من الدين والنبوة والحكمة، وأنه لا يفرح بما آتاهم من الدنيا كما يفرحون، لأنهم أهل مفاخرة ومكاثرةبالدنيا، فيفرحون بإهداء بعضهم لبعض، وأما هو فلا يفرح بالدنيا، وليست الدنيا من حاجته عندهم، وإنما حاجته الدين الذي يدعوهم إليه.
ثم أراد سليمان
(عليه السلام)
أن يظهر للمنذر بن عمرو ما عنده من القوة لئلا يطمعوا في حربه بعد رد هديتهم اليهم، وأمره أن يرجع اليهم فيخبرهم بها، كما قال تعالى في الاية ـ 37 ـ من سورة النمل: ' ارجعاليهم فلنأتينهم بجنودٍ لا قِبَل بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ' يعني إن أرادوا حربه. فلما رجع المنذر اليها بلغها ما قال سليمان (عليه السلام)، فقالت:والله لقد عرفت ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة. ثم كتبت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي، حتى أنظر ما أمرك؟ وما الذي تدعو إليه من دينك؟ ثم سارت إلى سليمان فرأت من عظيمما أعطاه الله تعالى ما رأت، وشاهدت من الايات الإلهية ما شاهدت، فتركت دينها إلى دينه، وآمنت بالله تعالى، وسجدت له وحده لا للشمس كما كانت تسجد، واعترفت بما كان منظلمها لنفسها بما كان من شركها، كما قال تعالى على
/ صفحه 411 /لسانها في الاية ـ 44 ـ من سورة النمل: ' قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين '.
وقد اختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها، فقيل: انتهى أمرها إلى قولها أسلمت لله رب العالمين، ولا علم لأحد وراء ذلك لأنه لم يذكر في الكتاب ولا في خبر صحيح. ولكن الظاهرأن سليمان اكتفى بإسلامها، وترك لها ملكها كما كان قبل أن تسلم، لأنه لم يكن له طمع في ملكها، وإنما كان يريد هدايتها وإسلامها.
وقيل: إن سليمان تزوجها بعد إسلامها،ثم أقرها على ملكها باليمن، وكان يذهب اليها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام.
وقيل: إنها لما أسلمت قال لها سليمان: اختاري رجلا من قومك حتى أزوجك إياه، فقالت:ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال، وقد كان لي من قومي الملك والسلطان؟ قال: نعم، إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك، ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله. قالت: فإن كان ولابدفزوجني ذا تبع ملك همدان. فزوجها إياه، وذهب بها إلى اليمن، ثم جعل سليمان ذا تبع ملكا على اليمن كله.
والصحيح الوقوف عند القول الاول، والله أعلم.