مفسرون و الهِجرة إلی الحبشة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مفسرون و الهِجرة إلی الحبشة - نسخه متنی

عبدالمتعال الصعیدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المَفّسِرُون وَالهِجرة الى الحَبَشَة

لفضيلة الأستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي

هاجرالمسلمون هجرتين إلى الحبشة قبل هجرتهم إلى المدينة، وكانت هجرتهم إلى الحبشة لمجرد الفرار من أذى قريش في دينهم، ومحاولتها فتنتهم عنه، فحماهم نجاشيُّ الحبشة من ذلكالأذى، واكتفى بحمايته لهم منه، ولم يعمل شيئاً يساعد على تنشر دين الإسلام، لأنه كان وقومه من الحبشة يدينون بالنصرانية، فقبل أولئك المهاجرين إليه من المسلمين، لأنهرأى دينهم يشارك دينه في محاربة عبادة الأصنام.

أما الهجرة إلى المدينة فكانت بعد أن أخذ أهلها بدين الإسلام، وعملوا هم ومن هاجر إليهم على نشره في جزيرة العرب. بل فيجميع أنحاء العالم، ولهذا كان للهجرة إليهم شأنها وفضلها في الإسلام، ولم يكن للهجرة إلى الحبشة مثل فضلها، لأن الإسلام انتقل بها من دار الذل إلى دار العز، وصار له بهاقوة دافعت عنه خير دفاع، وجعلت العالم يشعر بدعوته، بعد أن كانت منكمشة في مكة، فلا يشعر بها إلا أهلها وحدهم.

ولهذا أوجب الإسلام الهجرة من مكة إلى المدينة علىالمسلمين، ولم يوجب الهجرة من مكة إلى الحبشة عليهم، لأن الإسلام كان منكمشاً بها كما كان منكمشاً في مكة، فلم يكن لها أثر في نشر الإسلام مثل ما كان للهجرة إلى المدينة،وقد هاجر إليها في الهجرة الثانية بضع وثمانون رجلاً وامرأة، فمكثوا بها إلى السنة السابعة من الهجرة إلى المدينة، ولم يزد عددهم في هذه المدة الطويلة بل مكشوا منكمشينفيها كما كانوا منكمشين في مكة، ولم يكن للإسلام شأن يذكر بين أهل الحبشة.

/ صفحه 186/

ولكن المهاجرين إلى الحبشة لهم مع هذا فضل الصبر على الاغتراب في سبيلالدين، وعلى طول المكث في تلك البلاد النائية، وهم بعيدون عن أهلهم ووطنهم وأموالهم، فلا يجدون من يأنسون إليه من أهلهم، ولا يجدون الأموال اللازمة لحسن عيشهم، فليكنللهجرة إلى المدينة فضلها على الهجرة إلى الحبشة، ولكن الهجرة إلى الحبشة لها فضل أيضاً، ولا يصح أن يغفله المفسرون إلى الحد الذي يحملون فيه كل ما ورد في القرآن منالكلام عن الهجرة والمهاجرين على الهجرة إلى المدينة، ولو كان هذا في السور المكية التي نزلت قبل شرع الهجرة إلى المدينة، كأن الهجرة إلى الحبشة شىء لا يُؤْبَه له فيالإسلام، ولا ينبغي أن يذكر في القرآن الكريم كما ذكرت فيه الهجرة إلى المدينة، وقد نزل تبياناً لكل شىء، حتى أن بعض الناس يحاول أن يجد فيه كل صغيرة وكبيرة من الأمور،فما ظنك بالهجرة إلى الحبشة، وقد قامت قريش لها وقعدت، حتى بعثت وفداً إلى نجاشيَّ الحبشة ليردَّ إليها من هاجر إليه من المسلمين، لتستمر في فتنتها لهم عن دينهم.

ومنالسور التي ورد فيها ذكر الهجرة والمهاجرين سورة النحل.

وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ورواه ابن مروديه عن ابن عباس وغيره، وأخرج النحاس من طريقمجاهد عن ابن عباس قال: سورة النحل نزلت بمكة سوى آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله

(صلى الله عليه وآله وسلم)

من أُحُد، قيل وهي وقوله: (وإنْعاقبتم فعاقُبوا بمثل ما عوقبتُمْ بهِ) الآية، وقوله: (واصبرْ وما صبرُك إلا بالله) في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد، وقوله: (ثم إنّ ربكَ للذينَ هاجرُوا) الآية، وقيلالثالثة (ولا تشترُوا بعهدِ الله ثمناً قليلاً) إلى قوله: (بأحسنِ ما كانُوا يعملون) وحكي الأصم عن بعضهم أنها كلها مدنية، وقال آخرون: من أولها إلى قوله: (كُنْ فيكونُ)مدني، وما سواه فمكي،وعن قتادة بالعكس.

/ صفحه 187/

وقد ورد ذكر الهجرة والمهاجرين في آيتين من هذه السورة; إحداهما في قوله تعالى في الآيتين ـ 41، 42 ـ منها(والذينَ هاجرُوا في الله مِنْ بعدِ ما ظُلمُوا لنبوَّثنَّهم في الدنيا حسنةً ولأجرُ الآخرةِ أكبرُ لَوْ كانُوا يعلمونَ، الذينَ صبرُوا وعلى ربَّهم يتوكلونَ).

والثانية في قوله تعالى في الآية ـ 110 ـ منها (ثمَّ إنَّ ربكَ للذينَ هاجرُوا مِنْ بعد مافتنُوا ثم جاهدُوا وصبرُوا إنَّ ربكَ مِنْ بعدهَا لغفورٌ رحيمٌ).

وفي الآيةالأولى يروي الفخر الرازي عن ابن عباس أنها نزلت في ستة من الصحابة: صُهيب وبلال وعمَّار وخبَّاب وعابس وجُبَير موليين لقريش، فجعلوا يعذبونهم ليردُّوهم عن الإسلام، أماصهيب فقال لهم: أنا رجل كبير، إن كنت لكم لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم أضركم. فافتدى منهم بماله، فلما رآه أبو بكر قال: ربح البيع يا صهيب. وقال عمر: نعم الرجل صهيب لو لم يخفالله لم يعصه. فأما سائرهم فقد قالوا بعض ما أراد أهل مكة من كلمة الكفر والرجوع عن الإسلام، فتركوا عذابهم، ثم هاجرواـ إلى المدينة ـ فنزلت هذه الإية، وبيَّن الله تعالىبها عظم محل الهجرة ومحل المهاجرين، لأن بسبب هجرتهم ظهرت قوة الإسلام، كما أن بنصرة الإسلام قويت شوكتهم. ثم سكت على هذا، ولم يتنبه إلى أن سورة النحل مكية في قولالأكثرين، وأنه أرجح الأقوال فيها، فلا يصح حمل الهجرة في تلك الآية على الهجرة إلى المدينة، لأنها لم تكن حدثت عند نزول هذه السورة، وإنما الهجرة في هذه الآية هي هجرةالمسلمين إلى الحبشة لا إلى المدينة.

وهكذا ذهب غير الفخر الرازي من المفسرين مذهبه في حمل الهجرة في هذه الآية على الهجرة إلى المدينة، اللهم إلا في تفسير ـ فتحالقدير الجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير ـ للقاضي محمد بن علي بن محمد الشوكاني المتوفي سنة 1250 ـ هجرية، فقد ذكر أنه ماختلف في سبب نزول هذه الآية، فقيل:نزلت في صُهيب وبلال وخبَّاب وعمَّار، واعترض بأن السورة مكية، وذلك يخالف قوله: (والذين هاجروا) وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية في هذه السورة.

/ صفحه 188/

وقيل نزلت في أبي جندل بن سهيل، وقيل نزلت في أصحاب محمد

(صلى الله عليه وآله وسلم)

، لمَّا ظلهم المشركون وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة.

فالقاضي الشوكاني يذكر في هذا ما يجب حمل الآية عليه من الهجرة إلى الحبشة ولكنه يذكره في آخر الأقوال المرويَّة في ذلك، كأنه أضعف الأقوال فيها، وقد وردت آيات كثيرة فيالهجرة إلى المدينة والمهاجرين إليها، فلا يصح أن نستكثر هذه الآية على الهجرة إلى الحبشة والمهاجرين إليها.

وكذلك ذهب الفخر الرازي في الآية الثانية من هذه السورة،فهي عنده في المهاجرين إلى المدينة أيضاً، وكذلك ذهب القاضي الشوكاني أنها فيهم، ولم يذكر احتمال أنها نزلت في المهاجرين إلى الحبشة كما ذكر في الآية الأولى، وإني أرىأنها فيهم أيضاً، لأن السورة مكية من أولها إلى آخرها في أرجح الأقوال ولا يمنع من حملها عليهم ما ذكر فيها من الجهاد. لأن أنواع كثيرة لا داعي إلى ذكرها هنا، فلتمضالآيتان في شأن المهاجرين إلى الحبشة، لأنه هو الذي يوافق نزول سورة النحل في مكة، ليكون لأولئك المهاجرين نصيبهم في تنويه القرآن بشأن المهاجرين، ولا يكون هناك إغفاللذكرهم في القرآن، وقد نزل كما سبق تبياناً لكل شيء، فلا يصح ألاَّ يكون فيه تبيان لهجرتي الحبشة.

ولا يمنع أيضاً من ترجيح القول بأن سورة النحل مكية من أولها إلىآخرها ما ورد في آخرها من قوله تعالى: (وإنْ عاقبتمْ فعاقبُوا بمثل ما عوقِبتمْ بِه) الآية، وقوله: (واصبرْ وما صبرُك إلا بالله) مما قيل إنه نزل في شأن التمثيل بحمزة وقتلىأحُد، فإنه لم يحمل من ذهب إلى أن هذا مدني إلا أن القرآن لم ينزل برد العقاب بمثله إلا في المدينة، لأن هذا لا يعقل عنده إلا بعد شرع القتال للمسلمين، وهو لم يشرع لهم إلافي المدينة بعد هجرتهم إليها، وقدرتهم على رد الهعقاب بمثله، وقد فات من ذهب إلى هذا أن التشريع كما يكون للحاضر يكون للمستقبل، فلا مانع من نزول هذا بمكة على أن يكونالعمل به عند قدرتهم عليه، وإذا أمكن هذا لم يكن هناك داع إلى تقسيم آيات السورة إلى مكي ومدني، لأن مثل هذا يجىء على خلاف الأصل.

/ صفحه 189/

وكذلك لا يمنع منترجيح ذلك القول ما سبق من قوله في هذه السورة: (ولا تشترُوا بعهدِ الله ثمناً قليلاً) إلى قوله: (بأحسن ما كانوا يعملونَ) فإن من يذهب إلى اسثناء هذا يرى أن المسليمن لم يكنلهم عهود مع غيرهم إلا بعد هجرتهم إلى المدينة، ولا شك أن هذا يجوز أن يكون من التشريع للمستقبل أيضاً، فيجوز أن ينزل بمكة على أن يعملوا به في مستقبل أمرهم، ولو كان هذامدنياً لكان له متسع في كثير من السور المدنية، ولم يكن هناك داع إلى إلحاقه بما لا يناسبه من السور المكية.

ومثل هذا يرد في كل سورة مكية يقال إن فيها آيات مدنية، وفيكل سورة مدنية يقال إن فيها آياتت مكية، وفي رأيي أنه يمكن جعل المكي من السور مكياً خالصاً، وجعل المدني من السور مدنياً خالصاً، ولعلي أوفق إلى إثبات هذا على صفحات مجلةرسالة الإسلام في مقال تال لهذا المقال.

/ 1