دعوة إلی الوحدة فی تاریخ الامامة الزیدیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دعوة إلی الوحدة فی تاریخ الامامة الزیدیة - نسخه متنی

محمد عبد الله ماضی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الدعوة إلى الوحدة

الدعوة إلى الوحدة

في تاريخ الامامة الزيدية

للدكتور محمد عبد الله ماضي

أستاذ التاريخ الاسلاميبكلية أصول الدين

ــــــ

الامامة الزيدية تنتسب إلى الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين. ولقد كان الإمام زيدمن أعلام أهل البيت الذين عرفوا بالعلم والاجتهاد ومن أصحاب الرأي والمكانة الذين اجتمع الناس حولهم فاستمعوا لقولهم وأخذوا عنهم وتمذهبوا بمذهبهم. تحدث عنه مرة ابنأخيه الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه فقال: ' كان والله أقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم؛ والله ما ترك فينا لدنيا ولا لآخرة مثله '. وقال عنه الإمامأبو حنيفة النعمان بن ثابت صاحب المذهب الفقهي المعروف: ' شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه ولا أعلم منه، ولا أسرع جوابا، ولا أبين قولا... لقد كانمنقطع القرين '.

وإنه لمن أبرز السمات الواضحة في تاريخ الإمام زيد أنه كان شديد الحرص عفى جمع كلمة الأمة الإسلامية شديد الحرص على المحافظة على الوحدة التي اكتسبهاالعرب والمسلمون بفضل الإسلام، ولهذا كان لا يتورط في الخلاف والتعصب للرأي إلى درجة التطرف والمبالغة والافتئات على مخالفيه في الرأي ما داموا لم بشتطوا ولم يظلموا.وما داموا يلتزمون حدود العدالة والعمل بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

ومن المواقف الواضحة التي تشهد بهذا الاتجاه وتؤيده في تاريخ الإمام زيد: موقفه منخلافة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فهو على الرغم من أنه كان يرى أن جده عليا رضي الله عنه كان أحق بالخلافة منهما فقد اعترف بصحة

/ صفحه 178/

خلافتهما،وعلل ذلك بما يؤكد إنصافه وحرصه على وحدة المسلمين، وعلى قول كلمة الحق. ولم يرض لنفسه في موقفه هذا أن ينحرف في تيار الخلاف في الرأي إلى درجة الممالأة لعواطف الثائرينمن الأتباع والمحبين، على حساب الصالح العام، وعلى حساب وحدة المسلمين بما يجرهم إلى تفريق كلمتهم وصدع بنيان وحدتهم.

فبرر في هذا الموقف قيام خلافة أبي بكر، وقالبجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.

وفي ذلك يقول أبو جعفر الطبري في كتابه ' تاريخ الأمم والملوك ' متحدثا عن بعض الذين بايعوا زيدا فيالكوفة: ' أجتمعت إليه جماعة من رءوسهم فقالوا: رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما: ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهماإلا خيرا، قالوا: فلم تطلب اذاً بدم أهل هذا البيت إلا أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم، فقال لهم زيد: إن أشد ما أقول فيما ذكرتم: أنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلىالله عليه وسلم من الناس أجمعين، وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً؛ قد ولوا فعدلوا في الناي وعملوا بالكتاب والسنة '.

وقد كانالإمام زيد ولا شك واسع الأفق؛ لا يتعصب لرأيه تعصبا يحول بينه وبين أن يقول كلمة الحق ويشهد لصاحبها ولو كان من خصومه في الرأي؛ كما أنه لم تمنعه الخصومة في الراي من أنينتفع بعلم العلماء ويتتلمذ عليهم ولو كانوا من غير المعروفين بالتشيع لأهل البيت. ولهذا رأيناه يتتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة رغبة منه في أن يتحلى بالعلم وأن يحصلالأصول والفروع على الرغم من اعتقاد واصلٍ: أن علي بن ابي طالب ـ في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام ـ ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد الفريقين منهماكان على الخطأ لا بعينه ' (1).

كان الإمام زيد إذاً بعيد النظر، سليم الفطرة، حريصا على جمع الكلمة

ــــــــــ

(1) الملل والنحل للشهرستاني.

/ صفحه 179/

وعلى سلامة الوحدة بين المسلمين، حرصه على مبادئ الإسلام التي بعث بها جده محمد عليه الصلاة والسلام، تلك المبادئ السمحة التي كفلت الحرية للناس في أنفسهم وفيعقائدهم وآرائهم. والتي آخت بين العرب والمسلمين فاصبحوا بنعمة الله إخوانا.

* * *

وفي هذا الاتجاه نفسه سار الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين مؤسس الدولةالزيدية باليمن، وناشر ألوية المذهب الزيدي الهادوي في ربوعها، فإنه بعد أن دعى من رؤساء قبيلة خولان ليؤسس الدولة الزيدية باليمن ذهب إلى هذه البلاد واستقر بها فيالمرة الثانية سنة 284 هـ (897 م)، في هذا الوقت الذي كانت فيه أحوال الخلافة العباسية قد اضطربت، والسلطة المركزية في بغداد قد ضعفت، والذي كانت فيه أحوال اليمن أشداضطراباً من غيرها من الأقطار الإسلامية لبعدها عن مركز الخلافة وانقطاعها عن مقر الحكم، ولكثرة المتطلعين فيها إلى الحكم والسلطان والمتنافسين على النفوذ، من أمثالبني زياد في زبيد. وآل ابن يعفُر الحُوالي في صنعاء وشِبام وكوكبان، وآل المناخي في مُذَيْخره وبلاد الجَند، وآل الضحاك في بلاد حاشد وغيرهم في بلاد اليمن الأخرى.

ولقد كانت منطقة صعدة في جهات اليمن الجبلية الشمالية ـ حيث تسكن قبيلة خولان وحيث نزل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، أكثر بلاد اليمن في الاضطراب والفوضي،منقطعة الصلة تقريبا بدولة الخلافة العباسية وبعمالها في اليمن؛ كما أن سكانها من خولان ومن يتصل بهم لم يتفقوا فيما بينهم على اختيار زعيم منهم ليقوم بمهمة الحكم فيهم،بمثل ما فعل غيرهم في المناطق اليمنية الأخرى.

فلما وصل الهادي إلى الحق إلى هذه المنطقة في تلك الظروف القاسية أيقن أنه سوف لا ينجح في مهمته في الحكم وفي إقامة دولةزيدية ثابتة الأركان متينة البنيان باليمن ـ إلا إذا نجح في توحيد الصفوف وجمع الكلمة، وفي القضاء على أسباب الخلاف واجتثانها من جذورها؛ فكان عليه فور وصوله أن يعنيأولا

/ صفحه 180 /

وبالذات بالقضاء على الفتن وبتهدئة الأحوال وتيسير الأرزاق وتأمين الناس على حياتهم وممتلكاتهم في منطقة صعدة مقر الدولة الناشئة. فعمدالهادي أولا إلى الإصلاح بين الزعماء ورؤساء القبائل، والى حسم مادة الفتنة والخفا فيما بين أهل خولان صعدة، ثم جمع زكاة الأموال والأطعمة من أغنيائهم ووزعها علىالفقراء والأيتام. وبعد أن رأى أن النفوس قد اطمأنت، وأن الأمور قد استتبت، وأن سكان صعدة وما يحيط بها قد توحدت كلمتهم وأصبحوا صفاً واحداً من خلفه، وصاروا بذلك قوة يعتدبها ويستطيع الاعتماد عليها، شرع يفتح المواطن الشمالية والشرقية من بلاد اليمن ويوحد بين أجزائها المتنافرة المتحاربة.

فلم يمض عامان حتى استطاع الهادي أن يوحد بينمنطقة صعدة وكل المناطق المحيطة بها، من منطقة نجران ومنطقة جبال بَرَط ومنطقة بلاد خيْوان والحضَن وأثافِت، فوحد بذلك بين كل المناطق الشمالية والشرقية من اليمن، ثمشرع يتجه إلى الجنوب حتى دخل صنعاء عاصمة اليمن الكبرى في المحرم من سنة 288 هـ وفي يناير من سنة 901 م.

وهو وإن لم تساعده الظروف على البقاء بصنعاء. بل اضطرته إلى العودةإلى صعدة والاستقرار بها حتى وافاه أجله في 20 ذي الحجة من سنة 298 هـ 19 أغسطس من سنة 911 م، فانه قد نجح في تأسيس الدولة الزيدية باليمن، فأرسى قواعدها على أساس متين.

وكانمن اهم العوامل التي ساعدته على النجاح حرصه الشديد على توحيد الصفوف وعلى القضاء على أسباب الخلاف بين قبائل الشعب اليمني بكل ما يستطيع من جهد، فسلك بذلك أضمن الطرقوأقربها، فإنا نراه مثلا بعد أن أخضع جهات نجران في السنة الأولى من وصوله إلى اليمن لم يكنف بالتسليم والخضوع من أهلها، بل عمد إلى الإصلاح بين الفريقين المتخاصمين منأهل هذه البلاد، فريق قبيلتي شاكر ويام من همدان، وفريق بني الحارث من أزد عمان، فصمم على أن يزيل ما بين الفريقين من شقاق وأن يقضى على ما في نفوسهم من حزازات

/ صفحه181/

نتيجة للخلافات الطويلة السابقة، فعقد الصلح بين الفريقين وأخذ عليهم المواثيق الأكيدة بالاتفاق وترك الشقاق. وبايعه الجميع على ذلك، ولم يشأن الهادي أن يغادرنجران إلا بعد أن مكث مدة في قرية هجر النجرانية يرقب الأحوال، حتى اطمأن إلى استقرار الحال بهذه البلاد وهدوئها. والى سكون الفتنة بين أهلها، وتقرر قواعد الصلحوالمؤاخاة. وبعد ذلك عاد إلى صعدة عاصمة دولته ومركز سلطانه.

* * *

وبعد وفاة الإمام الهادي إلى الحق بقليل أقام ولده الثاني الإمام أحمد الناصر لدين الله ركنامكينا في صرح الوحدة الذي أسسه والده بين أفراد الشعب اليمني، حيث استطاع الإمام أحمد أن يقضي على فرقة القرامطة التي عاثت في الأرض فساداً، واستباحت الحرمات واعتدت علىالأنفس والأموال، والتي كانت سببا في إضعاف الشعب اليمني وتفريقه إلى شيع وأحزاب متنافرة متناحرة، وفي إشاعة الفوضي والاضطراب والانحلال بين أفراده، فقضى الإمام أحمدعلى هذه الطائفة أواخر شعبان من سنة 306 هـ / يناير من سنة 919 م في موقعة نُغَاش (1) الشهيرة في تاريخ الامامة الزيدية باليمن، حيث هزمها وخضد شوكتها فلم يعد لها بعد ذلك شأنيذكر ببلاد اليمن. وبذلك سكنت الفتنة وعادت لسكان هذه البلاد الوحدة.

* * *

وإذا جاوزنا هاتيك الحقبة البعيدة في تاريخ الامامة الزيدية باليمن، واردنا البحث عنشواهد العمل للوحدة وجمع الصفوف في تاريخ الامامة الزيدية اليمنية في العصور القريبة. فإننا نستطيع أن تجد هذه الشواهد ماثلة واضحة في تلك الفترة

ــــــــــ

(1)يقول الهمداني في ' صفة جزيرة العرب ' نغاش جبل يقع بظاهر بلاد حاشد من بلاد اليمن. ويقول القاضي عبد الله بن عبد الكريم الجرافي في كتابه ' المقتطف من تاريخ اليمن ' نغاشمكان على مقربة من مدينة عمران.

/ صفحه 182/

الهامة من تاريخ اليمن الزيدية الحديث، تلك الفترة التي حكم فيها الإمام المتوكل على الله يحيى بن محمد حميد الدين،والد جلالة الإمام أحمد الناصر لدين الله إمام اليمن الحالي، وسمى جده الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين مؤسس الدولة الزيدية باليمن.

وكما أن الإمام الهادي إلىالحق يحيى بن الحسين هو مؤسس الدولة الزيدية باليمن ـ كما سبق أن ذكرنا ـ فكذلك نجد أن الإمام المتوكل على الله يحيى بن محمد حميد الدين هو باعث دولة اليمن الزيديةالحديثة، وجامع شتاتها، فلقد بويع بالامامة بعد فواة والده الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى حميد الدين فيك ربيع الأول من سنة 1322 هـ / وفي يونية من سنة 1904 م، في هذاالوقت الذي كانت فيه دولة اليمن الزيدية مغلوبة على أمرها خاضعة لنفوذ الاتراك العثمانيين أصحاب دولة الخلافة العثمانية، والذين كانوا يحكمون حكما مباشراً في صنعاء ومايحيط بها وفي بلاد تهامه، وكانت حامياتهم العسكرية منبثة في كل هذه المناطق. وكانت رقعة الدولة الزيدية المستضعفة في ذلك الوقت محصورة في صعدة وما يحيط بها.

فقبلالإمام أن يتحمل تبعات الحكم، وهو يعرف عظم المسؤولية التي القيت على عاتقه بعد أن أصبح إمام الزيديين وزعيمهم السياسي، يعرف أنه قد أصبح عليه أن يحمل السيف في وجه دولةالخلافة العثمانية ويحارب جيشها في اليمن وعمالها الاتراك الذين عبثوا بحرية العرب اليمنيين وبحقوقهم، وخرجوا على تعاليم الدين الاسلامي، وارتكبوا الكثير من الفظائعوالموبقات، ليحرر اليمن ويحصل للشعب اليمني على الوحدة والاستقلال.

فأعلن الإمام يحيى عقب توليته للإمامة الجهاد ضد الاتراك الذين كانوا بصنعاء العاصمة وبالبلادالساحلية من اليمن، فلقد استبد هؤلاء بأفراد الشعب، وأرهقوهم بالضرائب، وأهملوا مصالحهم، وعاملوهم معاملة بعيدة عن الحكمة والانصاف حتى أحرجوهم؛ فما هو إلا أن نادىالإمام بحرب هؤلاء المستبدين

/ صفحه 183/

حتى هب أفراد الشعب اليمني ملبين لدعوة إمامهم، فحملوا السلاح وحاربوا الحاميات التركية حيث وجدت؛ ثم تجمعت الجيوشالعربية اليمنية حول صنعاء ـ وكانت تعسكر فيها أكبر حامية تركية باليمن ـ فحاصروها حصاراً شديداً حتى اضطر الاتراك فيها إلى التسليم بعد حصار دام ما يقرب من ستة أشهر.

وبعد أن استمرت الحرب سجالا بين الفريقين عدة سنوات اضطرت الحكومة التركية إلى تسوية المسألة تسوية ودية بعقد صلح مع الإمام يحفظ لشعب اليمن العربي حقوقه، وهو الصلحالمعروف بصلح دعان، الذي عقد في ذي القعدة من سنة 1329 هـ/ وفي نوفمبر من سنة 1911 م. فحصل الإمام بهذا الصلح لليمن على الاستقلال الداخلي. ثم تتابعت الحوادث، ووقعت الحربالكبرى الأولى، واستقل اليمن استقلالا تاماً في سنة 1337 هـ/ سنة 1918 م بعد انتهاء الحرب وانسحاب الجيوش التركية التي كانت محاصرة باليمن أثناء الحرب. وتأكد هذا الاستقلال،وصودق عليه، واعترف به دولياً في سنة 1341 هـ/ سنة 1924 م، في الدورة الثانية لمؤتمر الصلح الدولي الذي عقد في ' لوزان ' لتسوية المسائل التي كانت لم تسو بعد بين الأتراكوالخلفاء. ولقد حافظ الإمام يحيى على استقلال اليمن ونماه إلى أن لقى ربه في ربيع الثاني من سنة 1367 هـ/ وفي فبراير سنة 1948 م أثناء حوادث الثورة اليمنية المعروفة.

وفيهذه الفترة الطويلة من حكم الإمام يحيى حميد الدين ـ وهي تقرب من نصف قرن ـ استطاع رحمه الله أن يبعث دولة اليمن الزيدية من جديد، وأن يجدد لها قوتها ونشاطها، وأن ينتزعلها استقلالها ويعيد لها وحدتها. ولقد كان العمل للوحدة والدعوة إلى ضم الصفوف هو الطابع المييز لسياسة الإمام التي سار عليها أثناء حكمه، فإننا نجد أنه عمل منذ البداية،وعقب البيعة له بالامامة مباشرة على أن يوحد صفوف اليمنيين، ويجعل منهم قوة موحدة ليدفع بها العدوان وليحرر اليمن من الحكم التركي الظالم؛ فقد توحدت القبائل اليمنية علىيده، وتوحدت بلاد اليمن واستقلت، وابتدأت نهضتها الحديثة.

/ صفحه 184/

وكان الإمام متأثراً في سياسته وعمله للوحدة بعاملين رئيسيين، عامل القومية العربية،وعامل المبادئ الدينية السلامية، الداعية إلى إحقاق الحق ودفع الظلم والعدوان، والداعية إلى الوحدة والتآخي، والى التعاون في سبيل البر والتقوى، فدفعه تأثره بهذينالعاملين إلى أن يقود الجيش اليمني العربي ويحارب به ضد الحكم الأجنبي التركي الظالم، الذي جاوز حدود العدالة، وخرج على تعاليم الدين، وبعد أن عقد الإمام يحيى صلح دعانمع الأتراك لم يشأ ولم يقبل أن يستجيب لتحريض الانكليز له ضد الأتراك أنناء الحرب الكبرى الأولى، فقد حاول الانكليز إغراءه بدولة الخلافة العثمانية كما فعلوا مع غيره منزعماء العرب وحكامهم، فكان الإمام صلب العود وفياً لعهده، ولم يقبل إلا أن يكون مثال الرجل العربي المسلم، الذي لا يرى من الدين ولا المروءة أن يعين ' كافراً على المسلم '.ولم ينته وفاء الإمام عند هذا الحد، بل جاوزه إلى درجة أنه قد ساعد الجيش التركي وموظفي الدولة المدنيين حينما حوصر هؤلاء جميعاً باليمن، وانقطت الصلة بينهم وبين تركيا،فساعدهم الإمام مادياً وأدبياً، وتعاون معهم في حكم البلاد، وعمل على أن تصلهم أرزاقهم طول مدة الحصار، وفضل أن يكون وفياً باراً بإخوانه المسلمين في محنتهم، ولو كانوامن الأعداء السابقين. ولم يشأ الإمام أن ينتهز الفرصة ويقضى على الجيش التركي ـ وقد كان ذلك أمراً ميسوراً له ـ ثم يعلن استقلاله التام بكل بلاد اليمن.

كذلك دفع الإمامتأثره بهذين العاملين إلى أن يشارك مشاركة فعالة في الدعوة للوحدة العربية، وفي العمل لانشاء جامعة الدول العربية، ولم يتحلل الإمام يحيى من تأثره بهذين العاملين، حتىفي أوقات الخلاف الذي وقع بين اليمنيين وبين بعض جيرانهم وإخوانهم من العرب، كما حدث في سنة 1352 هـ/ سننة 1934 م، حينما أدى الخلاف على الحدود إلى وقوع الحرب بين اليمنوالمملكة العربية السعودية. فلقد بادر كل من الإمام يحيى والملك عبد العزيز آل سعود إلى الاستجابة لعاملي العروبة والاسلام، فوضعت الحرب

/ صفحه 185/

أوزارها،وحل الوثام والاتفاق محل الخصومة والحرب، وعقدت معاهدة الطائف بين الفريقين، وكانت بحق ـ كما عنون لهاـ ' معاهدة صداقة إسلامية وأخوة عربية ' وهذه المعاهدة تعبر تعبيراًبينا واضحاً عن تأثر الإمام بعاملي العروبة والاسلام في سياسته، كما كانت تعتبر نمطا جديداً في المعاهدات، وفتحا موفقا في حسن العلاقات بين دولتين مسلمتين عربيتين؛فلقد بنيت على اعتبار أنه لا غالب ولا مغلوب في الحرب التي وقعت بين الفريقين، وإنما لوحظ فيها أن تكون تنظيما للعلاقات، وضمانا لسير تلك العلاقات في طري الصداقة والأخوةووحدة المصالح ' رغبة في جمع كلمة الأمة الإسلامية العربية، ورفع شأنها، وحفظ كرامتها واستقلالها ' كما جاء في الكلمة التي صدرت بها المعاهدة.

وهكذا نجد الشواهدالتاريخية والوقائع العملية في حياة الإمام يحيى حميد الدين تدل دلالة بينة واضحة على دعوته للوحدة وعمله الفعال للتقريب والتآخي بين العرب والمسلمين. ولقد كان ذلك أساسنجاح الإمام في تصحيح وضع اليمن السياسي، وفي حصوله على استقلال بلاده، وفي المحافظة على هذا الاستقلال طول حياته.

* * *

واليمن وإن كان لا يزال يحاجة ماسة إلىالكثير من أعمال الإصلاح في النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية وغيرها، فإن الآمال معقودة على جلالة إمامها الحالي، الإمام أحمد الناصر الدين الله،وإنا لنرجو وننتظر أن يتمم الله على يده لليمن من الخير والنهوض ما بدأه والده الإمام الراحل الكريم، وأن يطهر الله جميع أرض اليمن في الأجزاء الجنوبية من فساد الاستعمارعلى يد الإمام أحمد الناصر لدين الله ابن الإمام المتوكل على الله يحيى بن محمد حميد الدين، كما طهر الله اليمن سابقاً من فساد القرامطة على يد الإمام أحمد الناصر لدينالله ابن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين.

حقق الله الآمال، وأمدنا بعونه وتوفيقه.

/ 1