لم يستطع أداءه في ذلك الاجل اتفقا على تأجيله سنة ثانية في مقابل زيادة يختلفمقدارها على حسب التراضى بينهم، ونضرب مثلا: مدينا كان عليه أن يسلم للدائن في أجل كذا حيوانا سنة ثلاث سنوات فاذا لم يدفعه اليه في ذلك الموعد أجله الى السنة القابلة،لكن الحيوان يجب أن يكون سنه اذ ذاك أربع سنوات، ولقد كانت تصل الزيادة في بعض الأحيان الى قدر رأس المال في آخر السنة الثانية فتصبح المائة مائتين، فان لم يؤد تضاعف رأسالمال والفائدة معا فيصيران أربعمائة في آخر السنة الثالثة وهكذا.
وضرب آخر من هذه العقود أن يدفع الدائن لمدينة قدراً من المال لسنة، على أن يأخذ منه فائدة معينة كلشهر، فاذا جاء آخر السنة ولم يرد رأس المال اتفقا على فوائد أخرى للتأخير.
البلاد الاسلامية في العصر الحاضر:
لقد جاهد الاسلام والمسيحية قرونا متطاولة لالمنع قانونية الربا فحسب، بل لمنع التعامل به اطلاقا. بيد أننا رأينا آنفا كيف انتهى الأمر بالثورة الفرنسية في آخر القرن الثامن عشر أن قضت على هذه المقاومة فيأوربا، وأقرت النظام الذي بقى فيها منبوذاً طوال ألف عام كاملة.
وكان طبيعياً أن تؤدى العلاقات المستمرة بين أجزاء العالم القديم الى انتشار هذه الفكرة الماديةرويداً رويداً وانتقالها الى خارج أوربا. وهكذا لم ينتصف القرن التاسع عشر الا وقد سرت عدواها الى البلاد الاسلامية، فبدأ بعض المسلمين يتعاملون بالربا لا اقراضا، بلاقتراضا، ثم اتسع الامر وشاع عمليا، مع بقائه محظوراً قانونياً، ثم دخل الاذن به في دائرة التشريع تحت ضغط السلطات الأوربية المحتلة للأقطار الاسلامية، وبقيت الشعوبالاسلامية نفسها مدة طويلة متمردة على فكرة تأسيس مصارف وطنية تكون مهمتها التصرف في جميع المعاملات المالية التي منها القرض بفائدة.
/ صفحه 382/ونذكر فيمايتعلق بمصر على الخصوص أن هذه المقاومة الشعبية بدأت تضمحل في أول هذا القرن العشرين، بسبب حادث تاريخي خاص أثار فيها أزمة مالية وأزمة نفسية في وقت واحد. نعم لقد حدث اذذاك أن امتنعت المصارف الأجنبية المؤسسة في مصر عن مد يدها بالقرض الى الشعب المصري، فأصبح الشعب وقد وجد نفسه أمام محظورين لا مخرج له منهما: اما أن يلجأ الى المرابينالين ليس في قلوبهم رحمة يقترض منهم بأفدح الربا وأخطره، وأما أن ينشىء شركة مالية برؤوس أموال وطنية خالصة، يقترض منها المحتاجون بشروط غير مجحفة.
ومالت بعض النفوسالى اختيار الشق الثاني غير أنه وقفت أمامها اعتبارات دينية قوية. اذ كيف تقوم في بلد اسلامي مؤسسة مالية مخالفة لقواعد القرآن؟
هنا لك فتح باب المناقشة في الصحف وفيالأندية المختلفة، وألقيت سلسلة من المحاضرات(1) عرضت فيها مختلف الاراء في الموضوع من حيث تحقيق المبدأ الاسلامي، فالتقت آراء أكثر المحاضرين على رفض المشروع من الوجهةالدينية.
غير أن فريقاً (منهم الكاتب المشهور المرحوم حفنى ناصف، والزعيم السياسي الوطني المرحوم عبد العزيز جاويش) أيدوا الفكرة معتمدين على نص قرآني في دعوى أنالربا المحظور في الاسلام بالنص والاجماع انما هو الربا الذي يصل الى مثل رأس المال أو يزيد عليه، وأن كل ربح ينقص عن مقدار رأس المال فهو محل بحث واختلاف في نظرهمز
حقيقة حكم الربا في الاسلام
أخذاً من المصادر الأولى للتشريعهكذا نصل من طريق هذه النظرة التاريخية الى صميم الموضوع القانوني.ما حقيقة الأمر في نظر الشريعة الاسلامية؟ هل الاسلام يبيح الربا اليسير؟
(1) كان ذلك في شهر ربيع الاول سنة 1326 هـ (سنة 1913 م)./ صفحه 383/