الرباط في سبيل الله
كيف بدأ ولا مَ انتهى
لحضرة المجاهد التونسي الكبير السيد محيي الدين القليبي
المرابطة فيسبيل الله ناحية من النواحي العسكرية الإسلامية، كان لها في حياة كثير من الحكومات الإسلامية الأثر البعيد في الدفاع عن الأماكن (الاستراتيجية) ذات الخطورة في حدودالأوطان الإسلامية، كما كان لها التأثير العميق في التربية النفسية للجندي الإسلامي.
وإذا كان الثغر هو الموقع (الاستراتيجي) الذي له شأنه في حدود الوطن الإسلاميالمجاور للعدو المحارب والحدود الساحلية منها على الخصوص، فإن المرابطين به هم الجنود الفدائيون الذين أخذوا على أنفسهم دفع العدوان المهاجم للثغور الإسلامية، وردغراته وغزوه المفاجئ.
تجمعوا في تلك المواقع، ورابطوا بها يفتدون أرض الاسلام وإخوانهم الآمنين فيها بأنفسهم، ويتعرضون للصدمة الأولى، ويشغلون العدو بمحاربتهم لهمهما كان عدده وعدته، حتى يأتي أصحاب النوبة، وهو الاسم الذي أطلق يومئذ على الجند النظامي الذي يستقر مع عائلته وراء خطوط المرابطين الأولى، ويعمل في الزراعة والصناعةوالتعمير وتكوين القرية، إلى جانب قيامه بالحراسة متناوباً، وهذا الجند النظامي يأخذ الجرايات والارزاق من الحكومة، أما المرابطون فمتطوعون بأموالهم وأنفسهم، لايأخذون شيئاً من الحكومة ولا من الناس، ولكنهم يعتمدون في حياتهم البسيطة على كدهم وعملهم الخاص، ومن هنا تظهر
/ صفحة 307 /
مباديء التربية التي تقوم بها الرباطات،أو هذه المدرسة العسكرية لإعداد الجندي الإسلامي الممتاز.
لم تقع العناية كما يلزم ببحث هذا النوع من النظام العسكري في الإسلام، والمرابطة في سبيل الله لا تعدو عندالفقهاء قضاء نذر من النذور، ولذلك كان حظها هو الكلام القليل عنها في أبواب النذور من كتب الفقه، بينما هذا الموضوع هو ألصق وأقرب لبحوث الجهاد والنظم العسكرية،والمصادر التي تحدثنا عن الرباطات والمرابطين هي كتب تاريخ الغزوات والحروب الإسلامية، وأكثر منها سير وتراجم المرابطين أنفسهم وشيوخ الرباطات الذين أنشأوها وقامواعليها طول حياتهم يجاهدون ويعملون ويقومون بصوالح الأعمال، ويحببون إلى الناس التسابق فيها، هؤلاء الذين رفعتهم مرابطتهم هذه إلى درجة الصلاح والتقديس عند المسلمين،يوم كان المسلمون يقدرون هذه القيم التي تمثل جهاد النفس وإعدادها بعد الانتصار عليها لجهاد العدو، ونجد أيضاً بعض المعلومات في تاريخ أمكنة الرباطات نفسها.
ومنكلمة المرابط أخذ الفرنسيون كلمة: (مارابو) التي يطلقونها اليوم على شيوخ الزوايا وساكني الأجداث ـ وهذا التحول في اطلاق اسم المرابط ونقله من ذلك الجندي الفدائي المغامرالذي أفنى نفسه لعقيدة، إلى هذا القاعد المترهب، إنما منشأه ما يحدثه البشر دائماً من تغيير في المعتقدات والمقدسات يلائم شهوة الأنسان وغرضه، وإن كان يبعده عما جاء بهالرسل من عند ربه لهدايته وسعادته.
وإن من يعمد إلى تغيير الشرائع بالتحريف والتأويل والتخريف، لا يتعفف عن تحويل الأسماء من مسمياتها إلى غيرها مما يرشده إليه هواه.
ولعل أول نتيجة لهذا التغيير دفع الناس عن التفكير في حياة فدائي مرابط، إلى حياة رجل يقولون عنه. إنه كانت تظهر على يديه كرامات: كشفاء الأمراض، وجلب الأرزاق، ودفعخطر الأعداء بطريق الكرامة، وأنه يصح أن يطلب منه
/ صفحة 308 /
ذلك عند العامة، أو يتوسل به لحصول الأمر عند الخاص، ومن يتأمل في تأثير هذا التحول وخطورة التوجيهالذي يهدف إليه يرى الخطر الجاثم في أمثال هذا التحول بالنسبة لحياة المسلمين من الحقائق الثابتة بالوحي السماوي أو الواقعة تحت المشاهدة والحس إلى أوهام وتقولات لااعتبار لها ولا لقائليها أمام ما تقدم.
قد يتبادر للذهن من وضع المرابطة في سبيل الله بباب النذور أنها كانت تقوم على أناس لهم مقاصد وغايات شخصية، رأوا أن يستعينوابالله في الوصول إليها، ونذروا له أنهم إذا ما حصلوا على تلك المطالب يرابطون في سبيل الله بالثغور الإسلامية طول حياتهم أو مدة معينة منها.
لا ننكر وجود هذا الصنف فيالمرابطين، ولكنه ليس هو كل شيء، وليس هو الباعث الأصلي للمرابطة أيضاً، إذ أن طلاب المصالح الخاصة والمنافع الذاتية قليل منهم من تسمو به نفسه إلى جعل النذر لحصولهاالجهاد، وذلك اللون الخطير من الجهاد بالخصوص، فهناك أصناف أخرى من النذور يمكن أن يتجهوا إليها، والقليل من هؤلاء الذين ينذرون الجهاد لأغراض خاصة لا تكون منهم هذهالقوة العظيمة التي كان لها الذكر البارز في رد الغارات عن ثغور المسلمين، والواقع الذي نلمسه عند بحث هذه الناحية: أن الرباط في سبيل الله كان أحب العبادات للمسلمينوأدناها إلى قلوبهم في تلك العهود التي تطهرت فيها النفوس من الأنانية حتى في العبادة، فانصرف أكثر المسلمين عن ملازمة عبادات لا تنفع إلا المتعبد نفسه إلى عبادات عامة،القص منها نفع المسلمين والإحسان للإنسانية كافة، عبادات لا يلتفت الإنسان فيها إلى نفسه، لأنه أفناها في الله وفي المجتمع الذي هو عباد الله، وبذلك اتجه الناس إلى هذااللون من العبادة وهو المرابطة الذي فيه جهاد النفس وجهاد العدو لتأمين الناس على النفس وما كسبت، وتأمين حرية العقيدة خصوصاً في الظروف التي توالت فيها غارات الأوربيينوحملات الصليبيين ففي ذلك الوقت تكاثرت الرباطات، وتوافر عدد المرابطين في أماكن كثيرة بمراكش إلى آخر حدود ليبيا من سواحل المغرب الإسلامي التي نالت من تلك الغاراتأوفر نصيب، ويشاهد الإنسان سلسلة من الرباطات تكاد تكون متصلة
/ صفحة 309 /
الحلقات، وهي تعطينا صورة صادقة للعدد الذي كان يرابط بها، ومنه نتبين أن الرباط لم يكنمجرد وفاء بنذر كما توهم الفقهاء.
ولقد نشأت في منتصف القرن الخامس دولة للمرابطين شملت المغرب الإسلامي كله، وضمت إلى سلطانها بلاد الأندلس، وقد قامت على دعوة دينيةكان مصدرها الرباطات، وجندها المرابطون.
يأتي الرجل المسلم منهم إلى ثغر من الثغور، أو موقع استراتيجي، كما يسمى اليوم ملتزماً لله بأن يقيم فيه، حامياً له، مدافعاًعنه ضد كل مهاجم، مفتدياً أرضه ومن يقيم حوله من المسلمين ومن في ذمتهم بنفسه وما يملك لمدة حياته كاملة، أو لجزء معين منها، ويلتحق به ثان وثالث من أمثاله، وهكذا حتىتكون جماعة فيبنون الرباط الذي يسكنونه، ويدخرون فيه حاجياتهم من أسلحة وأمتعة وزاد، ويقوم شيخ الرباط على إدارته وتثقيف ساكنيه وتوجيههم وتربية نفوسهم، ولكل منالمرابطين صناعة يدوية يحذقها أو تلقن له ليكسب منها قوته ولباسه وزاده، وحتى أدوات حربه، فهو لا يعتمد في شيء من ذلك على الناس، ولا تمر مدة طويلة حتى يصبح الرباط معهداًللعلم يلقي فيه العلماء المرابطون على من يأتي إليهم من الطلبة من الجهات المجاورة قصد المرابطة أو طلب العلم دروساً دورية في علوم الدين واللغة والتصوف، وحتى في الصناعةوالتمريض، وكلما أتمت جماعة معلوماتها بارحت المكان وخلفتها أخرى، وكثيراً ما كانت الرباطات مستوصفات طبية لمعالجة الفقراء بالمجان على يد أطباء يتطوعون لهذا الغرض،وكانت في بعض الأحيان كمطابع تخرج الكتب وتعين على نشر العلم، إذ يعمد أحد المرابطين إلى إملاء كتاب على عشرة من تلاميذه، فيخرج منه عشر نسخ، وكان الصناع من المرابطينينفقون ما يبيعون به مصنوعاتهم على حاجياتهم، ويوفرون الباقي لينفقوه في مصلحة الرباط، وازدهرت الرباطات، ولفتت نظر الناس إليها، واشتهر القائمون فيها بالعلم والصلاحنتيجة الدرس والمجاهدة، فأخذ الناس يوفرون لها الأموال، ويجلبون إليها الأرزاق، وأخيراً وقفوا عليها الدور والبساتين والمزارع الواسعة لتوفير نفقاتها اللازمة، وضمانبقائها وقيامها بما انشئت له
/ صفحة 310 /
من إصلاح النفوس وحماية الثغور، وبذلك أمكن للكثير منها أن يبقى حتى الآن إلا أنه بعد ترك المسلمين لأمر الجهاد والمرابطةأضحت الرباطات دور علم فقط، وأخذت شكل زاوية تضم ضريح المؤسس الأول لذلك الرباط، وربما أضرحة تلاميذه وأتباعه أو أفراد كتيبته
على أصح تعبير، وصارت الأوقاف التيرصدت له تصرف على إطعام أبناء السبيل وطلبة العلم وحفظة القرآن الكريم، يقصدها هؤلاء من كل مكان، ويقيمون بها مكفولين بالسكن والأكل والملبس حتى يتم لهم ما أرادوه مناستظهار القرآن ومبادئ العلوم بواسطة شيوخ تصرف لهم جرايات من الوقف للقيام بمهمة التعليم ويقصد هؤلاء الطلبة بعد ذلك كليات العلم الكبيرة كجامع الزيتونة بتونس، أوالقرويين بفاس، وتكثر هذه الزوايا الآن في بلاد الساحل والجريد ودخلة المعاويين من المملكة التونسية.
وفي الفترة التي احتلت فيها أسبانيا أكثر سواحل المغربالإسلامي من مراكش حتى ليبيا انحسر المرابطون إلى الدواخل ورابطوا هناك للقيام بعمل سياسي جبار بعد أن أخفق الدفاع المسلح مؤقتاً، وهذا العمل هو رفع معنويات المسلمينالتي تحطمت في الهزيمة ليهيئوا النفوس لإعادة الكرة عليه عند سنوح الفرصة، ووضع خطط سرية لإحباط عمل العدو، وهو محاولة الأسبان تنصير المسلمين بطرق وأساليب تستند إلىالعنف والقوة كما وقع بالأندلس من قبل.
أقام أولئك المرابطون الرباطات الداخلية التي اتخذت شكل المسجد أو الزاوية يجمعون فيها الناس بعنوان تلقين العلم وتربيةالنفوس، وتزكيتها بالصلاة وتلاوة الأذكار، ونحن إذا بحثنا هذه الأذكار المنظومة بلغة عربية بسيطة أو لغة عامية شعبية بديعة نجدها تشتمل على تمجيد حب الله ورسوله، وفضلالشيوخ السابقين وصلاحهم الناشيء عن هذا الحب، ويرمون من وراء هذا إلى تثبيت العقيدة، ثم ذكر جهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه ومن تبعهم في سبيل إعلاء كلمةالله، وذكر شيء من كيد أعداء الإسلام للإسلام، وكيف أن الله نصر جنده، ومكن لدينه، وهذا لرفع المعنويات وتقوية النفوس المنهارة.
/ صفحة 311 /
وإذا بحثت في نظام هذهالزوايا ونظام أتباعها رأيت نظام حلقات الكفاح وإعداد الانقلاب، يطلق على أتباع كل زاوية: (الإخوان أو الأحباب) ويطلق على رئيس أصغر فرقة (شاويش) ويسمى قائد الفريق (مقدم)والرئيس الأعلى (الشيخ) ولكل زاوية فروع في البلدان المجاورة تسير بنظام تلتقى تفاصيله من الشيخ الأعلى، ويمتاز الأتباع بالطاعة التي لا نظير لها ووحدة النظام، ووحدةأسلوب التربية النفسية أيضاً.
فالزوايا إذن في حاجة إلى درس وبحث على ضوء العلم الحديث وتفهم خفاياها مما يلقن فيها من أوراد وأدعية وأذكار، لأنه إذا قارن الإنسانبين ما عليه الزوايا وأتباعها اليوم من اعتقادات، وما كان عليه أشياخها الذين أسسوها يدرك مقدار التحول البعيد من الحق إلى الضلال، فانظر إلى التوحيد الخالص الذي جاء فينص دعاء لأحد شيوخ الطرق الأقدمين يقول:
(اللهم إني أتوسل بك إليك. اللهم إني أقسم بك عليك. اللهم كما كنت دليلي إليك فكن شفيعي لديك. اللهم ان حسناتي من عطائك. وسيئاتيمن قضائك. فجد اللهم بما أعطيت على ما به قضيت).
فأين هذا ممن أصبحوا يتوسلون بهذا الشيخ نفسه إلى الله، ويرجون شفاعته عند الله فضلاً عمن يطلبون منه الخير والشروالنفع والضر، وهذا مع ما تقدم بفرض علينا إرجاع الأشياء لحقيقتها وإصلاح العقيدة الإسلامية بذلك، حتى يجتمع عليها المسلمون حين ألف الله بين قلوبهم فاعتصموا بحبله. ولقد كان لهذا الزوايا الأثر الخطير في الكفاح الإسلامي ضد أعداء الإسلام في مختلف العصور، وحتى ضد الظلمة المستبدين من الحكام المسلمين بما لا يتسع المجال لذكره الآن،وإنما الدور الذي لعبته الزوايا أو الرباطات الداخلية في إجراء أسبانيا عن سواحل المغرب، وتحطيم برامجها الخبيثة التي أعدتها لإفناء شخصية المسلمين وكذلك في الجهاد ضدالاستيلاء الفرنسي على الجزائر والمغرب وتونس، كل هذا أصبح أوضح من أن يوضح. ولقد وقفت بنفسي وأنا أتتبع عند زيارتي
/ صفحة 312 /
لبرقة من بلاد طرابلس الغرب مواقعالمجاهدين فيها ضد الإيطاليين، فكان المجاهدون الذين يطوفون بي على الجهات وساحات الوغى يقولون لي: هنا كان يقيم (المرابطية) هكذا بلغتهم الشعبية، ومعناها المرابطونبدون شك، ولما بحثت تبين لي أنها الخطوط الأمامية التي تراقب حركات العدو، فإذا خرج لهجوم تلقته وأرسلت لمن ورائها من الفرق تعلمها، حتى تبعث بالأمتعة والحريم إلىالوراء وتأتي للقتال، ولقد تحدث إلى كثير من ثقات المجاهدين عن انتصار هؤلاء المرابطين بعدد قليل وعدة ضئيلة على جيوش إيطالية كثيفة مدججة بالسلاح مما هو أشبه بالكرامةالالهية والتأييد الرباني الواضح الذي لا يدخل في حيز التقدير.
والخلاصة أن المرابط هو الجندي الفدائي الذي ينذر حياته لله، وفي سبيل إلاء كلمته، وحماية أهل شريعته،وأن هذه الرباطات القائمة، سواء التي تحولت إلى زوايا في الدواخل، أو الباقية على حالها عند السواحل بالخصوص، إنما هي أماكن حربية ممتازة، كانت ترابط فيها كتائبالمرابطين من أولئك الفدائيين، وأن تلك القباب ينام تحتها رجال كانوا أبطال جهاد وكفاح، قبل أن يكونوا رجال علم وصلاح ـ وأن الزوايا في داخل الممالك رباطات داخليةللكفاح السياسي ضد العدو المحتل ـ تربي الرجال للمقاومة ـ وتعد الأجيال للانقلاب والتحرر ـ سواء من سلطة الحاكم المسلم الظالم، أو سيطرة الأجنبي الغاصب المحتل، ولقلدخدع المسلمون عن هذه المعاني السامية، وحيل بينهم وبين تفهمها على حقيقتها واستمداد القوة الروحية منها، فأضحت موضوعة على معان أخرى سخيفة، تكسب الكسل وتقتل الأمل،وتحول دون العمل، وبذلك أصبحت نكبة أخرى إلى جانب نكبات المسلمين، وعلة مزمنة في حياتهم بحاجة إلى علاج، والعلاج إبطال التحريف، وإزالة اللبس، حتى تبدو هذه الحقائق كماهي عظيمة في نفسها، عظيمة في تأثيرها في نفوس الأجيال، بعيدة عن أن يستغلها الظالمون لتنفيذ ظلمهم، في تخدير مشاعر المسلمين، ودفعهم إلى التوكل الكاذب، ولنعلم إذا كنالم نعلم بعد، أن الحرب التي شنت على المسلمين من طرف الاستعمار الأجنبي، لتحريف
/ صفحة 313 /
عقيدتهم في أصولها وإفساد روحها، التي هي ينبوع القوة والعزة والحياة،حتى لاتمد أتباعها بشيء من هذا فيخنعون، هذه الحرب قد امتدت إلى الفروع أيضاً فغيرتها وبدلتها وحولتها من ملاحم بطولة وعبقريات ونبوغ، إلى مجموعة من الخرافات، يشتغلالباطلون بترويجها، ويستغلونها للحصول على الرزق.
وأن التاريخ الحديث ليصور لنا في كثير من الوقائع كيف استغل الاستعمار الأجنبي هذه القوة الإسلامية، قوة الزواياأو الرباطات المنحرفة عن قصدها وما أريد بها، وكيف استغل ذلك الاستعمار مدعي التصوف المحدثين من عشاق الدنيا وملاذها، الذين امتلأت قلوبهم بحبها ولم يبق بها مكان لحبالله، وحولهم بأساليبه الخبيثة عن مهمتهم واستعملهم لبسط سلطانه على المسلمين واقرار نفوذه على البلاد الإسلامية مقابل ما يغدقه عليهم من نعم ويمنحهم من سلطان، فأضحتالرباطات التي أنشئت لإعزاز الإسلام وحماية بيضته زوايا لإذلاله، وإخضاع أهل ملته لحكم الظلمة والمستعمرين إلا من رحم ربك، ومن هنا نشأت الخصومة بين السلفيينوالضرقيين، فهي خصومة سياسة أكثر منها دينية، كالخلاف بين أصحاب المذاهب والفرق الذي ألمعنا إليه في المقال السابق عن تاريخ المذاهب الإسلامية.
فعلى مريدي الإصلاحالذين يجاهدون لجمع كلمة المسلمين أن يظهروا الحقائق كما كانت، فيزول الشقاق بزوال المسخ منها، ويحل الوفاق بأن الصراط المستقيم عند الله واحد لا اختلاف فيه، وقد أمرناباتباعه معتصمين بحبل الله، فمن شذ عنه هلك، ومن سلكه فاز.