شخصیة المحمدیة تحت ضوء المقررات النفسیة الحدیثة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شخصیة المحمدیة تحت ضوء المقررات النفسیة الحدیثة - نسخه متنی

محمد فرید وجدی بک

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فالأمة الإسلامية كما ترى تألفت بتأثير المباديء العالية على عقول آحادها، و بفعل الأصول القويمة فى نفوسهم، فكانوا قلة ممتازة لم يتفق وجود مايشبهها فى زمن من الأزمان؛ فان قلت يفضل الواحد منهم ألفاً ممن تألفوا تحت تأثير الحاجات المعاشية، و الضرورات المادية، لم تك مبالغا، فقد ثبت أنهم بعدهم المحدود تغلبواعلى الأمة العربية برمتها فى عشر سنين، ثم لما وجهوا وجوههم لنشر دعوتهم فى الآفاق سحقوا ـ فى أيام معدودة ـ جيوش الأكاسرة و القياصرة التى وجهت لردهم، و أسسوا ـ فى عقودمن السنين تعد على الأصابع ـ مملكة لا تغرب عنها الشمس، و هذا مالم يحدث له شبيه فى العالم الانسانى فى مدى تاريخه كله.

فهذا الاجتماع الذى قام على المباديء العالية، والأصول القويمة، و كلَ الله أمره إلى رسوله محمد

(صلى الله عليه و سلم)

ليحفظ تماسكه، و يصونه تلاحمه، و هو لم يعهد بهذه المهمة الخطيرة إلى رجل لم يبلغ كماله الروحى والعقلي، فيقصر فى فهم الحكمة الإلهية من إيحائه الدين العام على الأمة العربية، فيخرجها عن حدود مهمتها، أو يعجز عن حملها على العمل به؛ و لكنه أوحالها إلى روح علويةحاصلة على أكمل ما يمكن أن يتحلى به عامل للوصول إلى هذه الغاية البعيدة. فكان فى جميع أوامره و نواهيه يحاول أن يحفظ على الأمة وجودها المادى كأمة عالمية، وجودها المعنوىكأمة مثالية، حتّى أدت هذه الأمانة إلى العالم كله فى رقعة من الأرض يختلف اليها جميع سكان الكرة الأرضية، فتعم الدعوة جميعهم على هذا الوجه.

فلم يترك محمد

(صلى اللهعليه و سلم)

مجالا من مجالات النشاط الروحى و العقلى و العملى إلاخصه من توجيهاته بما يناسبه من لفت النظر اليه، و بيان الحكمة منه، و وضْع الحدود له، و ذود الآراءالمضللة عنه، مما اختصت كتب السنة باستيعابه، وفيها من وجوه حكمته، و أساليب تربيته، و وسائل تقويمه ما يشهد بأن عبقريته قد فاقت أكمل ما عرف عنها عند عظماء رجال العلم والفلسفة.

قلنا قد و كل الخالق جل شأنه إلى رسوله محمد أن يرْبَّ الاجتماع الذى أوجده الإسلام

بما يحفظ تماسكه، و يصون تلاحمه، حتّى يؤدى مهمته العالمية،فقام بما عهد اليه على أكمل وجه، و نحن فى هذه العجالة نأتى على تعض ماكان يسنه لأمته مما يحفظ مجتمعهم من التصدع، و ما يجعله يقاوم الأحداث المحللة لأقوى الروابطالاجمتماعية، و أحكم الوشائج القومية. و قد أثبت التاريخ أنه نجح فى ذلك نجاحاً باهرا، فقد مرت على جماعة المسلمين أحداث تعتبر غاية فى الخطورة و إثارة النفوس، كوفاةالنبى

(صلى الله عليه و سلم)

، و ضرورة تعيين من يخلفه على زعامة الأمة، و ارتداد كثير من قبائل العرب، و الثورة على عثمان بن عفان، و استبداد معاوية بالشام، و تصميم علىبن أبى طالب على إسقاطه، و قتل أمير المؤمنين على ، و تفرد معاوية بالسلطان المطلق، و خلافة ابنه يزيد من بعده؛ وكلها أحداث من الخطورة بمكان بعيد، فقد كان بعضها يكفى لأنيقسم أمة عريقة فى الاجتماع إلى أحزاب و شبع يقاتل بعضها بعضا، و يريق بعضها دماء بعض، فما ظنك بأمة قريبة العهد بالجتماع، كانت لاتزال تغرة الجاهلية تطن فى أذانها؟ أفلاترى أن تمسكها بالوحدة الاجتماعية مع توالى هذه المحللات عليها، و عملَها المتواتر على عدم التصدع و الانهيار، يدلان دلالة لقطعة على أن هذا الاجتماع الفذى الذى أوجدهالإسلام، كان أقوى اجتماع شهده العالم منذ تلفت المجتمعات إلى ذلك العهد، بل إلى عهدنا هذا؟ فإن اختلاف الجماعات المتمدنة فى المذاهب السياسية و الاقتصادية جعل من بعضهاأعداء لبعض حتى قاتل بعضها بعضاً و سقطت دولهم إلى الأبد.

قلنا قد و كل الحق جل و عزّ إلى النبى

(صلى الله عليه و سلم)

أن يرب هذا الاجتماع و يقيه التصدع، فكان فى أداءمهمته من الحكمة و بعد النظر و الحيطة من أدواء المجتمعات، اجتماعياً حكيما بزَّ جميع أراكين هذا العلم، و تفوق عليهم تفوقاً لاوجه للتردد فيه.أدرك محمد

(صلى الله عليه وسلم)

أن الإصلاح الذى أراده الله للعالم لا يقوم إلا بواسطة أمة تصدق فى القيام به، و تنشره فى آفاق الأرض، ولو كانت تبقى منزوية فى حيزها فلا يمكن أن تؤدى مهمتهاالعالمية،

فصرح بذلك فى قوله: «الإسلام

(372)

أحوج إلى الجماعة من الجماعة إلى الإسلام». و هو قول يدل على نظرة عميقة فى فلسفة الاجتماع، و كانت هذه الفلسفة لمتوجد بعد، فوجه كل همته لبناء المجتمع الإسلامى بحيث لا يعتريه الانحلال أجيالا متعاقبة، حتّى يتم ما ندب إليه من إذا عة كلمة الله الفاصلة، للعالم كافة، فجاء من أقواله

(صلى الله عليه و سلم)

فى المؤاخاة بين آحاد المسلمين، و فى وجوب تضامّهم و تضافرهم حتّى يصبحوا كرجل واحد تحركه ارادة واحدة، قوله:

«مثل المؤمنين فى توادِّهم وتراحمهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى و السهر».

«من لم يهتم للمسلمين فليس منهم».

«المؤمن للمؤمن كالبنيا يشد بعضه بعضا».

«لا يؤمن أحدكمحتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

«من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهلية».

و لما كانت همة المسلمين الأولين منصرفة. بعدأ ستقامة عقيدتهم، إلى العبادة و التقربإلى الله، بيَّن لهم النبى

(صلى الله عليه و سلم)

أن السهر على صيانة الاجتماع الإسلامى أفضل من سائر العبادات التى كانوا يقدسونها، و يعتقدون سموها، فقال فى هذاالباب:

«نظرُ الرجل لأخيه على شوق، خير من اعتكاف سنة فى مسجدى هذا».

«إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة و الصوم».

«من قضى لأخيه المؤمن حاجة فكأنما خدم اللهعمره».

«من مشى فى حاجة أخيه ساعة من ليل أو نهار، قضاها أو لم يقضها، كان خيراً له من اعتكاف شهرين».

«ألا أخبر كم بأفضل من درجة الصلاة و الصيام و الصدقة؟ قالوابلي. قال إصلاح ذات البين. و فساد ذات البين هى الحالقة».

و لم يكتف النبى

(صلى الله عليه و سلم)

بهذا، فقر لهم أن العمل عل تقوية الاجتماع يقى من عذاب يومالقيامة، و عذبها تقشعر من سماعه الأبدان. فقال:

«من زحزح عن طريق المسلمين شيأ يؤذيهم، كتب الله له به حسنة، و من كتب له حسنة أوجب له بها الجنة»:

«من أقر عين مؤمنأقر الله عينه يوم القيامة».

«إذا التقى المؤمنان فتصافحا، قسمت بينهما سبعون مغفرة، تسع و ستون لأحسنهما بشرا».

كل هذه الأحاديث و كثير من أمثالها، مما ليس لهنظير فى دين من الأديان، ولا جاء على لسان واحد من المصلحين الاجتماعيين. جعلت من جماعة المسلمين أمة كرجل واحد، و إذا بلغت أمة هذا الحد من التضام و التعاون، فلا يمكن أنتنحل أو تختل بتأثير الحوادث العادية، و يكون لابد لحدوث ذلك النحلال من عوامل أقوى منها تتنزل من ضعف إيمانها بمصدر الوصايا التى ذكرت بعضها فى هذه العجالة، و طروءالضعف على هذا المصدر يصعب فى قرن أو قرنين، و عوامله أكثرها علمية أو فلسفية تطرأ على شكل شبهات، و هى لا تحدث فى الأمم إلا بعد أن يبلغ العلم فيها أشده بعد عدة أجيال، أىبعد أن يكون الغرض المقصود من التبلغ العام قدتم وأحدث فى العالم ثمراته المرجوة. و هذا هو الذى حدث فعلاً، فبعد أن أتم الاسلام تأليف أمته المثالية بإحداث الانقلاباتالاجتماعية و التطورات الفكرية، و التوجيهات الأدبية، فى الأمم كافة، و بعد أن أصبحت حجة الله قوية، بل بدهية استوى العالم كله إزاءها، فمن استهدى بنورها، و سار علىسمتها، بلغ الغاية مما خلق له، و من تنكبها و سلك غير سبيلها فقد حقت عليه كلمة الله و أصبح من النادمين «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعنى و سبحان اللهو ما أنا من المشركين»؟

/ 2