الوحدة الإسلامية
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو زهره
وكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة ـ 1 ـ
1 ـ إن من نافلة القول عند من يعرفون الحقائق الإسلامية أن نقول لهم إن المسلمين أمة واحدة، بل لعلهم يعدون ذلك من الفضول الذي لا يجوز الكلام فيه، لأنهبديهية من البديهيات المقررة في الإسلام، ولأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة لا يماري فيه مؤمن، ولا ينبغي أن يجادل فيه مسلم، ولكننا في عصر غربة الإسلام، صارت حقائقهغريبة، حتى إنها في بيانها لتحتاج إلى استئناس لتزول غربتها، وتذهب وحشتها، بل نحن في حاجة إلى أن نبينها وندافع عنها غير وانين ولا متهاونين، وملابد أن تنفر منا طائفةتحمل الدعوة إليها، وتحث الناس عليها، فانه لا عزة للإسلام إلى بها، ولا قوة للمسلمين إلا بوجودها، إذ أن من المقررات الثابتة أن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح بهأولها، ولا تستطيع أن تعود إلى ماضيها العزيز الكريم إلا إذا أخذت بالأسباب التي قام عليها ذلك الماضي، وإنه لا عزة لهذه الأمة التي جمعها الإيمان إلا بأن تستمد من صدرتايخها قوة وإيمانا، ومن دينها الجامع بينها قوة وتثبيتا، وذلك يكون إذا تلاقت أقاليمها وآحادها على أمر جامع لا يتفرقون فيه ولا يختلفون.
2 ـ وإذا كنا قد أهملنا فيالماضي فعلينا أن نستيقظ في الحاضر، وقد تأدى بنا إهمالنا إلى أن التهمنا ذئاب الإنسانية إقليما، إقليما، وأن صرنا نهباً مقسوماً بين الناس، يختلفون في أمرنا أو يتفقون،ونحن لا حول لنا ولا طول، يستشار أعداؤنا فينا، ونحن نترقب ما يفعلون مستسلمين غير مغيرين، يشحذون السيوف ونحن نرى بريقها ولا نحسب أنه تصوب إلينا أولا وبالذات.
/صفحه 29/
ولقد استيقظ النائم من سباته، وتنهب المشاعر، وتحركت النفوس، ولكن في الدوائر الإقليمية والنزعات الوطنية، وإن ذلك محمود في ذاته على أنه خطوة لا غاية،وعلى أنه سير في الابتداء، وليس هو غاية الانتهاء، وأنه كان أمراً لابد منه، لأن أعداء الإسلام ما كانوا يسمحون بأن نجتمع، وهم قابضون على النواصي في كل أمة إسلامية، وماكانوا يسمحون بأن نتلاقي على مائدة الإسلام، وهم يرون فيها انتهاء استغلالهم وذهاب استعمارهم، فكان الطريق للخلاص أن يتحرك كل إقليم في موضعه، حتى يخلع الربقة، فإذاتخلص الجميع أمكن أن يتلاقوا على عزة وحرية وأن يتدبروا شئونهم ودينهم الذي ارتضوا، وأن يسمعوا صوت الحق يناديهم بندائه الخالد إلى يوم القيامة: ' يأيها الذين آمنوااتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً،وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك همالمفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم '.
3 ـ ولقد كنا معشر المسلمين في غمرة، حتى صرنا وقود الحروب نؤكل فيها ولانأكل، وتستغل كل قوانا ولا ننتفع بشئ من أمورنا، وتستنزف كل خيراتنا، ولا ننال منها إلا النزر اليسير الي يجود به علينا المتحكمون فينا، فأرادونا زراعا وهم الحاصدون؛وأرادونا صناعا وهم المثرون، حملونا على ترك مبادئ ديننا مبدأ مبدأ، نزعوا من قلوبنا حب الجهاد، وألقوا فيها الوهن وحب الدنيا الضئيلة التابعة وذلك بما كانوا يبثونهبيننا، وما يغرون به كبراءنا، حتى صار أمر هذه الأمة سددا بددا، وصارت القيادة فيها إلى الجهلاء بأمر دينهم.
وكانت تلك حالنا في حروبهم التي يشنها بعضهم على بعض، غيرأن الله أفاض علينا بنعمة الاعتزاز من بعد، وأذهب عنا الاغترار بهؤلاء الذين كانوا يسوموننا الهوان، ويذيقوننا عذاب الهون بما كسبنا وبما أهملنا. فإنه بعد الحربالعالمية
/ صفحه 30/
الأولى أخذت عقول الشعوب تتنبه، وعزائمها تتحرك؛ وكانت مغالبة بينها وبين الغالبين من جهة، وبينها وبين الذين أقامهم الغالبون ستاراًيحكمون الشعوب بأسمائمهم ومن جهة أخرى. يتحكمون في الرقاب بسلطانهم الوهمي الذي ليس من الدين، ولكن الشعوب إذا تحركت لا ترجع، فلما جاءت الحرب الثانية وقادونا إليهاوليس لنا فيها ناقة ولا جمل، ولم تستطع الشعوب فكاكا من حكمها، لأن مقاليد الأمور لم تكن بأيدي ممثليها، ولكنها في هذه الجولة لم تكن كالأولى، وهم فيها كانوا شراً مماكانوا، فقد أخرجوا المسلمين من ديارهم وأموالهم في بقعة من أرض الإسلام، ومزقوا أهلها كل ممزق، وتركوهم يأكلهم العرى والجوع بلا مأوى يؤويهم، ولا أرض يستقرون فيها، فكانذلك كالمبضع يقطع في جسم حي قد ذهب منه المخدر أو كالسكين تقطع في إنسان حي تكونت له إرادة وعزيمة، فعلم المسلمون حينئذ أن هذا ا بتداء وأنه لابد من أن يقطع على أولئكالسبيل حتى لا يصلوا إلى نهاية الطريق فإنها الموت المخبوء، ثم عندئذ علموا أنه لم يعد للإستضعاف موضع في إرادتهم، وأن من يريد الحياة يحيا، ومع اليأس والقنوط الفناء،وأن موتاً في سبيل الحق هو عين البقاء، وظهرت مظاهره، ولقد تنبهوا فوجدوا قول الحق الخالد: ' إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين فيالأرض. قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً،فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوا غفوراً، ومنم يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركهالموت فقد وقع أجره على الله، وكان الله غفوراً رحيماً '.
4 ـ وفي نهاية هذا المعترك الفاصل بين النوم واليقظة، وبين الاستخذاء والاستعلاء نهضت الأقاليم الاسلامية،فاستقل بعضها استقلالا كاملا، واستقل بعضها استقلالا نسبياً اختفت فيه يد الأجنبي، وإن كان له عمل وراء الستار، ولكن الشعوب لها إرادة، وتريد الإسلام وعزته، وتريدالاستقلال الكامل وحريته.
/ صفحه 31/
وإن هذا العصر هو العصر الذي تتجمع فيه الدول، ويحس كل إقليم أنه مأكول إن لم يكن في جماعة من الدول، وأنه مغلوب على أمره إنلم يتجه مختاراً إلى تجمع دولي، وقد بدت التجمعات الدولية والأحلاف العسكرية التي يريد كل حلف فيها أن يكون المسيطر في الحروب، والغالب عند ما تشتعل النيران، وتلاقتالتجمعات في جمعين: شرق وغرب، فهل لنا نحن المسلمين أن نتلاقي في تجمع روحي لا يبنى على الغلب وحب السلطان، ولكن يبني على الإيمان وطاعة الديان؟!.
إن هذه التجمع ليسأمراً ضد الفطرة كتلك التجمعات التي تبني على مقاومة الفطرة، ولكنه نداء الفطرة، ونداء الحقيقة الخالدة التي نطق بها القرآن في قول الله تعالى: ' يأيها الناس إنا خلقناكممن ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير '.
5 ـ إنه قد تكونت دول إسلامية تحكم شعوباً إسلامية، وقطعت أصابعالأجنبي من بعضها، واستترت في بعضها، ولكن قطعها لا يحتاج إلى مجهود حربي ولا إلى ثورة عنيفة، وإنما يحتاج فقط إلى تغلييب المصلحة الحقيقية على المصلحة الوهمية،والعقيدة الإسلامية على المطامع الأشعبية، والنفس الحازمة الضابطة على النفس الامارة بالسوء التي يسيطر عليها الهوى، يحتاج إلى ضبط للأهواء، ويحتاج إلى اعتزازبالإسلام وحده: ' ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين '.
وإنه قد آن لنا أن نتجمع لأن الإسلام يدعو إلى هذا التجمع، ولأننا إن لم نجتمع بشعار الإسلام وحده. وذهب كل إقليم إلىتجمع لا يحمل شعار الإسلام تقع الحروب بين المسلمين، ويقاتل المسلمون إخوانهم من المسلمين تحت ظل لواء غير لواء الإسلام، ولم يكن ذلك أمراً يتوقع فقط، ولكنه أمر ثابت قدوقع، ففي الحرب العالمية الأولى قاتل كثيرون من المسلمين جنود الأتراك المسلمين، ولم يكونوا في ظل إسلامي إذ يقاتلون، بل كانوا يقاتلون في ظل أعداء الإسلام.
واللهيقول: ' إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون '.
6 ـ إذن فلابد من أن يجتمع المسلمون ولا يختلفوا، وأن تتكون منهم أمة واحدة، كما قال تعالى: 'وإن هذه أمتكم أمة واحدة ' ولا نقصد بأن نكون أمة
/ صفحه 32/
واحدة أن تحكمنا حكومة واحدة، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق، ولكن يمكن أن يتحقق منا تجمع واحد. أو جامعةإسلامية واحدة، على ما سنشير إلى ذلك في موضعه.
وإن الأمة الإسلامية تقوم الروابط فيها على وحدة الدين والعقيدة، ووحدة المبادئ الخلقية، والعبادات، وكل يوم يمر يشعرالمؤمن بالوحدة الإسلامية إن أدى العبادات اليومية على وجهها، فتلك الوحدة في قلبه آناء الليل والنهار بالصلوات الخمس إذ يؤديها المسلمون جميعا إلى قبلة واحدة، فإذاتصور المسلم عند أداء الصلاة أنه واحد من ألوف الألوف يتجهون إلى مثل اتجاهه، ويولون وجوههم شطر بيت الله الحرام على أين تكون مثابته، وأين تكون جماعته، إنه عندئذ يدركأنه لبنة في بناء مجتمع كبير يضم أقطاراً من الشرق والغرب ويقوم على الفضيلة والاتجاه إلى الله تعالى، وإنك لترى ذلك المظهر السامي في الصوم، وتراه في الحج أوضاح إشراقاًوأعظم نوراً، إن أدركت القلوب معنى العبادة.
7 ـ وإن قيام الاجتماع الاسلامي على مبادئ الفضيلة والأخلاق هو أمثل الطرق لتكوين الجماعات الدولية، ولا يعد الاجتماعالعنصري أو الاقتصادي أمثل المجتمعات لتكون الأمم، وذلك لأن الجماعة الواحدة لا تتكون منها أمة إلا إذا اتحدت المشاعر والأهواء والمنازع النفسية، ولا تتكون هذه المشاعرتحت سلطان تبادل النافع فقط، وذلك لأن تبادل المنافع يكون عند قيامها، ويزول عند زوالها.
ولا تتحد النفوس في هذا الظل العارض الذي يتغير بتغير الأحوال والأزمان، ولميعرف أن أمة تكونت من مجرد التبادل الاقتصادي، أو الاشتراك في المنفعة المادية.
وإنه بالموازنة بين تكوين الأمم بالعنصرية وتكوينها بالدين يتبين أن السيربالانسانية في مدارج الرقى، وقيام العلائق البشرية على تسس من المودة والفضيلة إنما يكون تحت ظل الدين لا تحت ظل العنصرية، لأن العنصرية تفرض فصيلة من الفصائل لتقاتلأخرى، وتحتاز مكاناً تقيم فيه لتغالب الآخرين، فليس التجمع الانساني على أساس العنصرية إلا بقية من بقايا الحيوانية المتناحرة في الإنسان،
/ صفحه 33/
وإنالنرى ذلك واحضاً في الأمم التي تعامل الشعوب على أساس ألوانها، وليست فكرة الأمم الملونة والأمم البيضاء إلا صورة لتحكم العنصرية، وبقية من بقايا الحيوانية المتناحرة،بل هي أخص ظواهرها.
أما الاجتماع باسم الإسلام فهو اجتماع لا يقوم على المغالبة، بل على الأخوة العامة، والمودة الراحمة التي يحث عليها ذلك الدين القويم، فهذاالاجتماع الاسلامي يكون أمة تتحد فيها المشاعر نحو الفضيلة والمثل العليا التي تنزع بالروح الانساني نحو الملكوت الأعلى، ويخضع فيها الإنسان لخالق الأكوان وحده،وعندئذ يعلو ابن الإنسان عن المغالبة إلا إذا اعتدى عليه، فعندئذ يؤذن له في القتال لدفع الفساد وإقامة مصالح العباد، ولقد قال تعالى: ' أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا،وإن الله على نصرهم لقدير... ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز '.
8ـ وإنه في الوحدة التي يكون أساسها الدين الاسلامي تكون العدالة الحقيقية التي لا تفرق بين جنس وجنس، ولا لون ولون، وإنما التفرقة في توزيع العدالة تكون في العنصرية، وإنفي أمريكا لعبرة لأولى الأبصار، فبينا نجد الحريات للبيض مكفولة، والرق قد ألغى ـ نجد ظلماً يقع على السود لا يقل عن ظلم الجاهلية الأولى، وما دون من حقوق لهم إنما هو خطوطمسطورة على قراطيس ليس لها في العمل مظهر يثبت وجودها.
والعلو في المجتمعات التي تقوم على الدين الاسلامي تربط بين آحادها مبادئ فاضلة تقوم على أسس فعل الخير والتقوىلا على أساس نيل الدم، وتقوم على أساس احترام الكرامة الإنسانية التي هي حق مشترك لكل إنسان، لا على أساس كرامة السلالة.
وإن قيام الجماعات على أسس دينية يترتب عليهأن يقل التناحر بين أهل الأرض إذا أخذوا بمبادئ الاديان.
وإذا كان التاريخ يحكى تناحراً بين الناس باسم الاديان، فليس ذلك ناشئاً عن الدين نفسه، إنما هو ضلال الفهم،فقد يتحول الدين في نفوس بعض الذين لا يدركون
/ صفحه 34/
حقائقه إلى معنى يشبه الجنسية أو العنصرية، وفي هذه الحال لا يكون التناحر منبعثاً من ذات الدين ولا منمبادئه، بل من العنصرية التي لبست لبوس الدين، والدين منها براء، وقد يكون التناحر من خطأ الفهم للحقائق الدينية، فيتحول في نفوس المنتحلين له إلى عصبية تشبه عصبيةالنسب، ويختفى في النفس معنى الخير، وسمو الفضيلة.
وليس هذا هو اجتماع أهل الإسلام، إنما اجتماع أهل الإسلام الذي نطيع فيه القرآن هو الخاضع لقول الله تعالى: 'وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان '.
9 ـ هذه حقائق مقررة تشير إلى معنى الاجتماع في الإسلام في جامعة إسلامية، وإنه لا عصبية فيها ولا عنصريةولا جنسية ولا إقليمية، ولكن على أي شكل تكون الوحدة الجامعة اليوم؟ أتكون على الشكل الأول في صدر الإسلام، أم تكون على شكل جديد يلائم روح العصر مع تحقق معنى الوحدة علىأكمل وجه، على أننا إن تأثرنا بروح العصر، ففي شكل الوحدة، لا في جوهرها، فلسنا ممن يخضعون أحكام الإسلام لروح العصر، ولكن الإسلام أمرنا بالقيام بحقائق مقررة، وترك لناأساليب تحقيقها فنجتهد في تعرف أنجعها وأقربها توصيلا لهذه الحقائق، فمن روح العصر نستمد الطريق الموصل، وما يمكن أن يكون عليه شكل الوحدة، ولا نسوغ لأحد كائنا من كان أنيتحكم في أي حقيقة شرعية باسم روح العصر فحقائق الإسلام ثابتة مستقرة لا تقبل التغيير ولا التبديل.
10 ـ ويجب أن يعلم علما يقينياً كما أشرنا أن الوحدة التي نبتغيها لاتمس سلطان ذي سلطان يقوم بالحق والعدل في المسلمين، ولا شكل الحكم في الأقاليم الاسلامية، فلكل إقليم أسلوب حكمه ما دام يؤدي إلى إقامة الحق والعدل فيه، ويحقق المعانيالإسلامية السامية وإنما معنى الجامعة الإسلامية أن نعتبر أنفسنا مهما تناءت الديار مرتبطين بروابط وثيقة تمتد جذورها في أعماق أنفسنا وهي أحكام الإسلام، وشعائرهوعبادته وعقائده، إذ هو دين الوحدة الجامعة الشامله كما هو دين التوحيد الخالص من كل شرك أيا كان نوعه، وأيا كان مظهره.
/ صفحه 35/
ويتحقق معنى الوحدة في ثلاثةأمور جامعة:
أولها: أن تتحد مشاعرنا جميعا في الاحسان بأننا إخوة بحكم الإسلام، وأن الاخوة الإسلامية فوق الجنسية والعنصرية، وأن نتذكر أن أول حكم تكليفي نفذهالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الهجرة هو الأخوة الإسلامية في نظام الإخاء الذي قام به، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار، وآخى بين الأنصار بعضهم مع بعض، وآخىبين المهاجرين بعضهم مع بعض، وذلك ليشعر الجميع بأن الأخوة الإسلامية هي التي تجمع، وغيرها يفرق، وإن أسباب هذه الأخوة قائمة، والعقائد والتكليفات وحدها كافية لذلك،ولقد قال السيد جمال الدين الأفغاني باعث النهضة الإسلامية في العصور الحديثة: ' أما وعزة الحق وسر العدل لو ترك المسلمون أنفسهم بما هو عليه من عقائد مع رعاية العاملينفهم لتعارفت أرواحهم، وائتلفت آحادهم، ولكن وا أسفاه تخللهم المفسدون الذين يرون كل السعادة في لقب لا أمر فيه ولا نهي. هؤلاء هم الذين حولوا أوجه المسلمين عما ولاهم،وخرجوا على ملوكهم حتى تناكرت الوجوه وتباينت الرغائب '.
الأمر الثاني: وحدة ثقافية ولغوية واجتماعية تجمع بين المشاعر والأحاسيس، حتى يقرأ كل مسلم ما يقرؤه الأخر،ويحاربوا كل ما فيه هدم للإسلام ويتفقوا على ما فيه رفع له، وإعزاز للمسلمين، وأن يكون المجتمع الاسلامي قائما على مبادئ الإسلام الصحيحة.
الأمر الثالث: ألا يكون منإقليم إسلامي حرب على إقليم آخر، أيا كانت أساليب هذه الحرب، سواء أكانت بالاقتصاد أم كانت بالسيف، فهي في كلا شكليها توهين لقوى الإسلام وإضعاف لشأنه، وقد أمرنا بأننصلح بين المسلمين إن تنازعت منهم طائفتان، وأمرنا بأن يكون كل مسلم في حاجة أخيه المسلم، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولايخذله، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
هذا تمهيد نتكلم من بعد على كل شكل هذه الوحدة الجامعة.