الهجرة النبوية و الحكم الاجنبي
لفضيلة الاستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي الاستاذ بكلية اللغة العربية * * *
يجب أن نفهم الهجرة النبوية من ناحيتها السياسة فهماً جدياً، و لا شيء في أن يكون للهجرة النبوية ناحية سياسية توحى بهذا الفهم الجديد، لأن الاسلام دين وسياسة.
فقد مضى على الاسلام في مكة ثلاث عشرة سنة يكافح حكماً أجنبياً[1] كفاحا سياسيا سلميا، يحاول أن ينال منه انصافا، و أن يعيش في ظله آمنا، و كان النبي صلى اللهعليه و آله و سلم يحاول التخلص من هذا الحكم الأجنبي الظالم، و يعرض نفسه عل القبائل العربية قبيلة بعد قبيلة، لعله يجد منها قبيلة تخلصه من هذا الحكم، و ينال بها ما ينشدهمن الحرية الدينية و السياسية لهذا الدين و أهله.
و لما لم يجد من القبائل العربية من يساعده على الوصول الى هذه الغاية، جمع أصحابه من المسلمين و قال لهم: تفرقوافي الأرض، فان الله سيجمعكم. فسألوه عن الوجه، فأشار الى أرض الحبشة، فعند ذلك تجهز ناس من المسلمين للهجرة الى هذه الأرض، و هذه هي الهجرة الأولى الى أرض الحبشة، و كانعدة أصحابها عشرة رجال و خمس نسوة.
و بقى النبي صلى الله عليه و آله و سلم بمكة مع من بقى فيها من المسلمين، و لم يهاجر مع من هاجر منهم الى أرض الحبشة، لأنه كانيبغى لدينه و أهله الحرية الدينية
/ صفحه 100/
و السياسية معاً، و هذه الهجرة الى أرض الحبشة انما تحقق الحرية الدينية، و لا تحقق الحريةالسياسية، و كانت الحبشة في ذلك الوقت تدين بالنصرانية، و كان لها ملك يسمى النجاشي، فكان من هاجر اليه من المسلمين يعيش في حكمه، و ان كان يتمتع فيه بحريته الدينية، فلميرض النبي صلى الله عليه و آله و سلم لنفسه أن يعيش في هذا الحكم، لأنه يريد حكماً خالصاً للمسلمين، يكون فيه هو الرئيس الأعلى لهم، و يكون المسلمون تابعين له وحده لالغيره، على أن من هاجر من المسلمين الى أرض الحبشة كان يكتفى بينهم بدينه، و لا يفكر في دعوة أحد من أهل الحبشة اليه، لئلا يثير عداء منهم لهم، و ما كان النبي صلى الله عليهو آله و سلم ليرضى لنفسه في أرض الحبشة بذلك، لأنه مأمور بتبليغ رسالته لهم و لغيرهم، و لهذا كان يبغى لنفسه و للمسلمين الحرية الدينية و السياسية معا، ليقوم بتبليغرسالته في ظل حكم اسلامي خالص، و لا يكون تابعا سياسيا لحكم أجنبي لا يرتاح لتبليغ رسالته.
و لم يمكث أولئك المهاجرون بالحبشة الا ثلاثة أشهر، ثم رجعوا منها الىمكة بعدها، لأنهم لم تتيسر لهم الاقامة فيها، و قد ساءت قريشاً هجرتهم، فمانعت في دخولهم مكة بعد رجوعهم، و لم يتمكن من الدخول اليها الا من وجد له مجيراً من أشرافها،لأنها عدت هجرتهم خيانة لها، وطعنا في حكمها، فأخرجتهم من جنسيتها، كما تخرج الحكومات الآن من جنسيتها من يخرج عليهان و يفر من حكمها الى بلاد أخرى، فلا يكون لهم حقالاقامة ثانيا في بلادها، الا اذا عفت عنهم بوسيلة تراها.
ثم كان أن اشتدت قريش في أمر المسلمين، و أجمعت على منابذة بني هاشم و بني المطلب ولدي عبد مناف و اخراجهممن مكة، فانحازوا الى شعب أبي طالب مسلمهم و كافرهم، ما عدا أبا لهب لأنه كان مع قريش، و انخذل عنهم بنو عميهم عبد شمس و نوفل ابني عبد مناف، فجهدوا في ذلك الشعب حتى كانوايأكلون أوراق الشجر، لأن قريشا قاطعتهم مقاطعة تامة.
و هنا رأي النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يأمر جميع المسلمين أن يهاجروا ثانيا للحبشة، حتى يساعد بعضهمبعضا على الاغتراب، و لعله يخفف بذلك شيئا من
/ صفحه 101/
شدة قريش على بني هاشم و بني المطلب، و لا سيما من بقى على الشرك منهم، لأنهم لا ذنب لهمفيما يصيبهم بسبب المسلمين، فهاجر معظم المسلمين الى الحبشة، و كانوا نحو ثلاثة و ثمانين رجلا، و ثماني عشرة امرأة، و لم يفكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم في مهاجرمعهم، كما لم يفكر في هجرتهم الأولى، لأنه كما سبق يطلب الحرية الدينية و السياسية للمسلمين، و لا يكتفى بالحرية الدينية التي يجدونها في الحبشة، و لا يجدون فيها الحريةالسياسية، لأنهم كانوا في الحبشة يعيشون أيضاً في ظل حكم أجنبي، و كانت حريتهم الدينية مقيدة بعض التقييد، فلم يكن لهم حق الدعوة فيها لي دينهم، و لم يكن النبي صلى اللهعليه و آله و سلم ليرضى لنفسه بمثل هذا التقييد، لأن شأنه فيه ليس كشأن أولئك المهاجرين.
و لم يزل النبي صلى الله عليه و آله و سلم يطلب للمسلمين الحرية الدينية والسياسية، حتى وصل الى هذا بالهجرة الى المدينة، و كان أهلها قد بايعوه لربه أن يعبدوه وحده و لا يشركوا به شيئا، و لنفسه أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم و أبناءهم، و هناوجد النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه اذا هاجر الى المدينة سيهاجر الى قوم دانوا بالاسلام، و سيكون هو رئيسهم الديني و السياسي، فتظهر بذلك الدولة الاسلامية، و يعيشبها المسلمون و هم ممتعون بالحرية الدينية و السياسية، لا يتحكم فيهم أجنبي، و لا يحاول فتنتهم في دينهم، فأمر المسلمين أن يهاجروا جميعا الى المدينة. فهاجر كثير منهمقبله اليها، و أشاعوا الاسلام بين أهلها، تمهيداً لهجرة النبي صلى الله عليه و آله و سلم اليهم، ليجد الاسلام اذا هاجر قد غلب عليهم، فيكون الحكم فيها للاسلام والمسلمين، و تكون الدولة الاسلامية الحرة التي كان يبغيها كل هذه المدة لهم، و لم يرض أن يهاجر للحبشة من أجلها، فلما تهيأ له هذا كله هاجر الى المدينة، و تم له فيها ماأراده للمسلمين من الحرية الدينية و السياسية، و من انشاء الدولة التي يتمتعون فيها بهذه الحرية.
و لهذا اتخذ المسلمون هذه الهجرة مبدأ لتاريخهم السياسي، وآثروا حادثتها بهذا على غيرها من الحوادث الاسلامية الكبرى، لأن هذا التاريخ سياسي لا ديني، و لهذا لم يفكر المسلمون فيه الا في خلافة عمر بن الخطاب، بعد أن تكاملتالدولة
/ صفحه 102/
الاسلامية، و استقر أمرها بين المسلمين، و احتاجوا فيها الى تاريخ سياسي يرجعون اليه في تعيين أزمان حوادثهم و أحكام دولتهم،و ما يدخل فيها من أمورهم الدينية و السياسية، فلم يجدوا أنسب الى هذا من هذه الحادثة التي تم فيها انشاء الدولة الاسلامية، و ظفر فيها المسلمون بنعمة الحرية، و هي أسمىنعمة في هذه الدنيا.
و لهذا كان للهجرة الى المدينة شأنها في الاسلام، و لم يكن للهجرة الى الحبشة مثل هذا الشأن، لأن المسلمين لم ينالوا بها شيئا من الحريةالسياسية، و لم ينالوا بها الحرية الدينية كاملة، و لهذا كان للهجرة الى المدينة شأنها في الاسلام، و لم يكن للهجرة الى الحبشة مثل هذا الشأن، لأن المسلمين لم ينالوا بهاشيئا من الحرية السياسية، و لم ينالوا بها الحرية الدينية كاملة، و انما نالوا الحريتين كاملتين بالهجرة الى المدينة، فنزل فيها القرآن الكريم ينوه بشأنها، و يرغب فيها،و يعد بالأجر العظيم عليها، و من هذا قوله في الآية 100 من سورة النساء: «و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة و من يخرج من بيته مهاجراً الى الله و رسولهثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفوراً رحيماً» و كذلك قوله في الآية 118 من سورة البقرة: «ان الذين آمنوا و الذين هاجروا و جاهدوا و جاهدوا في سبيل اللهأولئك يرجون رحمة الله و الله غفور رحيم».
و قد جعل الاسلام لهذه الهجرة في ذلك الوقت منزلة تلى منزلة الايمان بالله، فأوجبها حتما على جميع المسلمين في مكة وغيرها من البلاد العربية، ليتخلصوا بها من الحكم الأجنبي في بلاد الشرك، و يظفروا بحريتهم الدينية و السياسية في دولتهم الاسلامية الجديدة، و يساعدوا على تقويتها ونهوضا في وسط قوى الشرك التي تحيط بها من كل جانب، و كان مهاجروا الحبشة يدخلون في هذا الوجوب، و لكنه لم يكن وجوبا على الفور كما كان على المسلمين في مكة و البلادالعربية، لأنهم كانوا في هجرة أيضاً، و كانت لهم ظروف تقتضى التساهل في شأنهم، و توسع لهم في الهجرة الى المدينة الى أن تتهيأ لهم.
فهاجر جميع المسلمين من مكة الاقليلا منهم، و كان من هذا القليل طائفة عجزت عن الهجرة الى المدينة، من المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان، فبقوا في مكة يقاسون من حكمها الأجنبي ما كان يقاسيهاخوانهم المهاجرون، فأمر المسلمون في المدينة بالقتال في سبيل تخليصهم من ذلك الحكم الأجنبي الظالم، و في هذا يقول الله تعالى في الآيتين 74، 75 ـ من سورة النساء: «فليقاتلفي سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة و من يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً، و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجالو النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها[2] و اجعل لنا من لدنك وليا و اجعل لنا من لدنك نصيرا» فقاتل المسلمون قريشا في سبيل تخليص أولئكالمستضعفين حتى خلصوهم من ذلك الحكم الأجنبي الظالم، و حتى استولوا أخيراً على مكة ليقضوا على ذلك الفساد و الظلم.
و كان من ذلك القليل الذي بقى بمكة طائفة أخرىلم تكن مستضعفة، و لكنها عز عليها أن تفارق وطنها و أهلها و أموالها، و لم تحتمل نفسها أن تكابد ألم الاغتراب عن الوطن، فرضيت بذل الاستعباد لذلك الحكم الأجنبي، و آثرتهعلى عز الحرية في الوطن الاسلامي، و في الدولة الاسلامية الجديدة، فلم يرض المسلمون عن بقاء هذه الطائفة بمكة، و قطعوا صلتهم السياسية بها، و عاملوها كما يعاملونأعداءهم من المشركين، لأن بقاءها في مكة كان فيه تكثير لعدد أعدائهم، و تقليل من عددهم، على أن أمرها لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوز الى مشاركتها لأعدائهم في قتالهمباكراههم لها عليه أو بغيره من الوسائل، و قد خرج نفر منها في غزوة بدر مع المشركين فقتلوا فيها مع من قتل منهم، و نزل فيهم قوله تعالى في الآية 97 ـ من سورة النساء: «انالذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيهم كنت مقالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا» فاعتذرواللملائكة بأنهم كانوا عاجزين في أرض مكة، فرد الملائكة عليهم بأن أرض الله ـ يعنون أرض المدينة ـ كانت واسعة، فكان عليهم أن يهاجروا فيها و لا يبقوا بين المشركين،ليتحكموا فيهم و يخرجوهم الى قتال اخوانهم، ثم استثنى في الآية التالية بعض من بقى في مكة فقال: «الا المستضعفين
/ صفحه 104/
من الرجال و النساء والولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا، فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله غفوراً غفورا».
و قد أسر بعض أولئك المسلمين الذين خرجوا في بدر معالمشركين، فأخذ منهم الفداء كما أخذ من المشركين الذين أسروا معهم، و فيهم نزل قوله تعالى في الآيتين ـ 70 ، 71 ـ من سورة الانفال: «يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرىان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم و يغفر لكم و الله غفور رحيم، و ان يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم و الله عليم حكيم».
و كان منأثر قطع الصلة السياسية بين من بقى في مكة من المسلمين و من هاجر منهم الى المدينة أن قطع التوارث بينهم، و جعل التوارث بالولاء بين المهاجرين و الأنصار، فكانوا يتوارثوندون أقربائهم و ذوي أرحامهم، و كان من آمن و لم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر، الى أن فتحت مكة و انقطعت الهجرة، فتوارثوا بالأرحام حيثما كانوا، و في هذا نزل قوله تعالىفي الآية ـ 72 ـ من سورة الأنفال: «ان الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا و لم يهاجرواما لك من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر الا على قوم بينكم و بينهم ميثاق و الله بما تعملون بصير».
و الآية ظاهرة في أن اصلالايمان ثابت لأولئك الذين بقوا في مكة من المسلمين و لم يهاجروا، و كذلك الآية الواقعة بعدها: «و الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولئكهم المؤمنون حقا لهم مغفرة و رزق كريم» لأنها تفيد أن الذين آمنوا و لم يهاجروا مؤمنون أيضا، و لم يكن ايمانهم حقا ـ أي كاملا ـ ليوافق قوله في الآية السابقة: «و اناستنصروكم في الدين فعليكم النصر» لأنها أوجبت على المهاجرين نصرتهم ان استنصروهم في الدين، أي لأجل أنهم اخوانهم في الدين، و أما قوله تعالى في آية النساء السابقة:«فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا» فهو لايدل على نفي الايمان عنهم، كما لا يدل قوله
/ صفحه 105/
قبل هذا في القاتل المعتمد من تلك السورة: «و منيقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها» بل هذه أشد للتصريح فيها بالخلود في جهنم، و هو يحتاج عند من يرى ايمان القاتل المتعمد الى الحمل على المكث الطويل، ليكونهناك فرق بين خلود المؤمن العاصي في جهنم، و خلود الكافر.
و كذلك قوله تعالى في الآيتين ـ 88 ـ 89 ـ من سورة النساء: «فما لكم في المنافقين فئتين و الله أركسهم بماكسبوا أتريدون أن تهدوا من الله و من بضلل الله فلن تجد له سبيلا، و دوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فان تولوافخذوهم و اقتلوهم حيث وجدتموهم و لا تتخذوا منهم وليا و لا نصيرا» على القول بأنهما نزلتا فيمن بقوا من المسلمين بمكة و لم يهاجروا، أو في قوم من قريش قدموا المدينة وأسلموا، ثم ندموا على ذلك فخرجوا كهيئة المتنزهين، فلما بعدوا عن المدينة كتبوا الى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انا على الذي فارقناك عليه من الايمان، و لكنااجتوبنا المدينة، و اشتقنا الى أرضننان ثم انهم خرجوا في تجارة الى الشام، فبلغ ذلك المسلمين، فقال بعضهم: نخرج اليهم و نقتلهم و نأخذ ما معهم، لأنهم رغبوا عن ديننا. وقالت طائفة منهم: كيف تقتلون قوما على دينكم و ان لم يذروا ديارهم؟ و كان هذا بعين رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و هو ساكت لا ينهى أحد الفريقين، فنزلت الآيتان فينهي الفريق الثاني عن الذب عنهم، و أمر المؤمنين جميعاً أن يكونوا على منهاج واحد في مباينتهم، و التبرؤ منهم، ثم وصفهم بما يفيد نفاقهم و كفرهم، و قد أخذ بهذا جمهورالمفسرين، و اني أرى أن هذا نفاق و كفر سياسياً لا دينياً، لأن هؤلاء الناس لا يصح تكفيرهم دينياً ما داموا قد كتبوا الى النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنهم على الذيفارقوه عليه من الايمان، و تركهم للهجرة انما يقتضى عصيانهم لا كفرهم.
و لكن قد يقال: كيف يأمر الله تعالى بقتلتهم و المنافقون لا يصح قتلهم، و لا قتالهم؟ و اذاكان الجهاد قد شرع أخيراً معهم، فهو جهاد لا يصل الى حد
/ صفحه 106/
القتال ، و انما يكون بالغلظة عليهم، و بالتشديد في أمرهم، و لا يصح مجاوزة هذاالى قتلهم أو قتالهم.
و الجواب: أن هذا كان خاصاً بمنافقي المدينة، لأنهم كانوا من رعايا الدولة الاسلامية، و لا يصح لدولة أن نقاتل رعاياها فيما يتعلق بعقائدهمما داموا مسالمين لها، أما منافقوا مكة فكانوا رعايا حكم أجنبي، فيجب أن يعطوا حكم رعاياه من المشركين، لأنهم كانوا يكثرون سوادهم، و يمالئونهم على المسلمين الى حدالقتال معهم.
و يجب أن ننبه بعد هذا كله الى أن أولئك المسلمين الذين أو خذوا بايثارهم للحكم الأجنبي على الحكم الاسلامي، لأنه كان محارباً للدولة الاسلاميةالشرعية، فيجب أن يفرق بينه و بين حكم أجنبي مسالم لهذه الدولة، و يجب أن يفهم أن الهجرة الى المدينة انما كانت واجبة على المسلمين الموجودين بذلك الحكم الأجنبي المحاربفي مكة أو غيرها، بخلاف الموجودين منهم في الحكم الأجنبي المسالم، و لهذا استثناهم الله بعد الآيتين السابقتين في سورة النساء، فقال: «الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق…» فهؤلاء لا مؤاخذة عليهم، لأن الاسلام لا يصيبه ضرر منهم.
[1] فضيلةالاستاذ الكاتب يعتبر الوضع الذي كان قائما بمكة حين بعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، نظاماً سياسياً له طابع «الحكم الأجنبي» في اصطلاحنا الحديث، و من ثم يمضىبحثه على هذا الاعتبار. (التحرير).
[2] يعنون مكة و قريشاً أهلها.