بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید من الفهرست، وصفها بعض معاصريهمن تلاميذه، وأثبتها من المؤرخين أمثال القاضي نور الله المرعشي(1) ومحمد باقر الخونساري(2). ولا يتسع المقام هنا لتحليل ما وقفنا عليه من كتبه، ولكننا نقف لتأمل قليلامنهجه في البحث والتأليف لتتبين اصالته في التفكير. سلك الشيخ في الفقه مسلكين: مسلك الاخباريين أو أصحاب الحديث، ومسلك المجتهدين بالرأي أو أصحاب القياس. وكانعلماء الشيعة حتى عصر الشيخ يفضلون في الفقه منهج الاخباريين، أي يعتمدون على الأحاديث المروية، ويعنون بألفاظ الحديث وبالرجال الذين رووه، ولذلك لم يكن من الهين أنيؤلف الشيخ كتبا في الفقه لا يجارى فيها هذا المنهج، ولا يتبع فيها مطالب العلم كما رسمه الاخباريون، وقد تكلم في كتابه الكبير في الفقه المسمى (المبسوط) وهو الذي آثر فيهطريق المجتهدين فقال: (انه كتاب لم يصنف مثله ولا نظير له في كتب الأصحاب ولا في كتب المخالفين) وبعد أن أشار الى أنه كان على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس الى عمل مثل هذاالكتاب، عارفا ما رسخ في الطائفة في عهده من قلة الرغبة في علم يقوم على غير طريقة الخبر والرواية، قال: (لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ، حتى ان مسأله لوغير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم، تعجبوا منها وقصر فهمهم عنها). ويظهر اخلاص الشيخ في منهجه العلمي في قوله: (وكنت عملت على قديم الوقت كتاب (النهاية)وذكرت فيه جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصولها من المسائل وفرقوه في كتبهم)، ثم قال: (وأوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك، وعملتبآخره مختصر جمل العقود في العبادات، سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار، ووعدت فيه أن أعمل ــــــــــ (1) مجالس المؤمنين ص 200 ـ 201. (2) روضات الجنات ج 4، ص 43ـ 44. / صحفة 44 / كتابا في الفروع خاصة ينضاف الى كتاب (النهاية) ويجمعه معه يكون كاملا في جميع ما يحتاج اليه، ثم رأيت أن ذلك يكون مبتورا يصعب فهمه على الناظرفيه، لأن الفرع انما يفهم اذا ضبط الأصل معه، فعدلت الى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصلها الفقهاء، وهي نحو من ثمانين كتابا على غاية ما يمكن تلخيصه منالألفاظ، واقتصرت فيه على مجرد الفقه، دون الأدعية والآداب، وأعقد فيه الأبواب وأقسم فيه المسائل، وأجمع بين النظائر، وأستوفيه غاية الاستيفاء، وأذكر أكثر الفروع التيذكرها المخالفون، وأقول ما عندي فيه على ما تقتضيه مذاهبنا، وتوجبه أصولنا، بعد أن أذكر جميع أصول المسائل. واذا كانت المسألة أو الفرع ظاهراً أقنع فيه بمجرد الفتيا، وانكانت المسألة أو الفرع غريبا أو مشكلا أومىء الى تعليلها ووجه دليلها، ليكون الناظر فيها غير مقلد. واذا كانت المسألة أو الفرع مما فيه أقوال للعلماء ذكرتها وبينت عللهاوالصحيح منها والأقوى، وأنبه على جهة دليلها لا على وجه القياس، واذا شبهت شيئا بشيء فعلى جهة المثال، لا على حمل احداها على الأخرى، أو على وجه الحكاية عن المخالفين دونالاعتبار الصحيح، ولا أذكر أسماء المخالفين في المسألة لئلا يطول الكتاب، وقد ذكرت ذلك في مسائل الخلاف مستوفى، واذا كانت المسألة لا ترجيح فيها للأقوال وتكون متكافئة،وقفت فيها، وتكون المسألة من باب التخيير. وهذا الكتاب (يعني كتاب المبسوط) اذا سهل الله اتمامه، يكون كتابا لا نظير له في كتب أصحابنا ولا في كتب المخالفين، لأني الىالآن ما عرفت من الفقهاء كتابا واحدا يشتمل على الأصول والفروع مستوفيا مذهبا، بل كتبهم وان كانت كثيرة فليس يشتمل عليها كتاب واحد. وأما أصحابنا فليس لهم في هذاالمعنى شيء يشار اليه، بل لهم مختصرات)(1). وكتاب المبسوط من آخر ما ألف الشيخ في الفقه، وقد أشار فيما اقتبسناه ــــــــــ (1) راجع روضات الجنات لمحمد باقرالخونساري ج 4 ص 43، 44. / صحفة 45 / عنه الى الفرق بين منهجه فيه، ومنهجه في كتاب (النهاية). ونحن نستطيع ادراك هذا الفرق بين المنهجين اذا نظرنا في كتابين آخرينمن تأليفه لهما شهرة كبيرة بين فقهاء الشيعة، وهما كتاب التهذيب، وكتاب الاستبصار. وقد طبعا عدة مرات في ايران والهند، وقد ألف كتاب التهذيب في حياة أستاذه الشيخ المفيد،أي قبل سنة 413 هـ ومع ذلك فان هذين الكتابين من الكتب الاربعة في جوامع الحديث التي يستنبط منها فقهاء الشيعة الاثنا عشرية أحكام الشرع منذ زمن الشيخ الى الوقت الحاضر، وفيكتاب التهذيب يجمع المؤلف بين ما اختلف فيه وما اتفق عليه، وقد حصر أحاديثه في ثلاثة عشر ألفاً وخمسة وتسعين حديثاً، أما في كتاب الاستبصار فقد اقتصر على ذكر ما اختلف فيهمن الأخبار، وبين طريق الجمع والتوفيق بينها، وحصر أحاديثه في خمسة آلاف وخمسمائة وأحد عشر حديثا، وقال في آخر الكتاب: (حصرتها لئلا تقع فيها زيادة أو نقصان). ولهذينالكتابين شروح كثيرة، وعليهما تعليقات أحصى بعضها العلامة المعاصر محمد محسن الشهير بالشيخ آغا بزرك الطهراني (أو الرازي) في كتابه القيم: (الذريعة الى تصانيف الشيعة). ونرى من ذلك كله أن الشيخ الطوسي زادت عنايته مع تقدمه في السن بطريقة الاجتهاد، واتجه في رغبته القوية في ضبط الأصول الى منهج القياس، ولكنه مع ذلك لم يعدل عن طريقةالاخباريين، بل أثبت أنها وحدها غير كافية في تقويم الفقه على وجه الكمال. وليس بنائل منه شيئا ما لاحظه بعض المتشبئين بطريقة الأخبار، الضاربين صفحاً عما يكملها منوسائل الاستنباط في الأحكام من أنه وقع أحيانا في شيء من التعارض والاختلاف يلاحظ في أقواله على حسب المسلكين(1)، اذ أن هذه الملاحظة المزعومة تحتاج الى كثير من التمحيصوالنقد. ــــــــــ (1) روضات الجنات ج 4 ص 42. / صحفة 46 / واذا نظرنا في مؤلفاته في التفسير لم يسعنا الا الاعجاب بغزارة انتاجه لا سيما اذا تأملنا فيماوصلنا من الأخبار الخاصة بكتابه الكبير: (التبيان في تفسير القرآن) الذي يقع في أكثر من عشرين مجلدا، وقد عبر هو عن السبب الذي دعاه الى تأليفه في قوله: (…فان الذي حملنيعلى الشروع في عمل هذا الكتاب أني لم أجد في أصحابنا من عمل كتاباً يحتوي على تفسير جميع القرآن، ويشتمل على فنون معانيه) وبعد أن أثنى على أصلح السابقين منوهاً بجميلصنعهم قال: (وسمعت جماعة من أصحابنا يرغبون في كتاب مقتصد يشتمل على جميع فنون علم القرآن من القراءة والمعاني والاعراب، والكلام على المتشابه، والجواب عن مطاعنالملحدين فيه وأنواع المبطلين كالمجبرة والمشبهة والمجسمة وغيرهم وذكر ما يختص أصحابنا به من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحة مذاهبهم في أصول الديانات وفروعها فيذلك على وجه الايجاز(1). ونقف اليوم عند هذا الحد، ونرجو أن يوفقنا الله الى أن نؤدى لشيخ الطائفة في مقال آخر بعض ما يستحق من التقدير والتعظيم، وذلك بالنظر في كتابواحد من كتبه الكثيرة هو كتاب الفهرست الذي هو في الوقع ضبط لتاريخ العلوم عند الشيعة حتى تاريخ تأليفه. ــــــــــ (1) الشيخ آغا بزرك الطهراني، الذريعة ج 1 رقم1197.