أنا اللغة (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أنا اللغة (1) - نسخه متنی

علی محمد حسن العماری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أنا اللّغَة

أنا اللّغَة

لصاحب الفضيلة الشيخ علي محمد حسن العماري

المدرس بالأزهر

نبّه أحد النقاد شاعراً معاصراً إلى كلمةوردت في بعض قصائده لا يقرها الذوق العربي الأصيل، فأجاب الشاعر: ((أنا اللغة)). يريد أن له مطلق الحرَّية في أن يختار من الألفاظ ما يوافق دوقه، سواء رضيت اللغية أم كرهت،ومادام يرضى ذوقه هو، فلا عليه، ولو غضب ألف لغوي.

واتجاه آخر لا يقل خطورة عن هذا الاتجاه، وهو ـ كما يزعم فريق من الناس ـ من حق الشاعر أو الكاتب أن يخطىء في قواعدالعربية، فإن خطأء ثروة للغة وقواعدها، وفي ذلك يقول كاتب يخاطب كاتباً آخر كبيراً، ويحثه على الاستزادة من الغلط: ((بل خفتُ ـ على رغم ماصرحت به ـ أن تعود فتعتصم منالغلط، اغلط يا صديقي، اغلط وأكثر من الغلط للوهوم، وكسّر من هذه القيود التي كسر بعضها من قبلك، طه، كسّرها لنا وله. إن أغلاط أكابر الكتاب هي صك تحرير النشء الصاعد(1))).

وفي رأي هؤلاء جميعاً أن الشاعر العظيم ـ كل شاعر عند نفسه عظيم ـ له حق وضع مفردات جديدة خارجة عن أصول للغة، كما له حق الغلط في قواعدها. وكان طبيعياً أن تقابل هذهالدعوات بالاستنكار من فريق المحافظين، وطبيعة الجدل تقضى ـ في أكثر الأحيان ـ بأن يوجد نوع من التطرف عند كل فريق.

وأحب ـ هنا ـ أن ألقى ضوءاً على هذه المشكلة منمشاكلنا الأدبية اللغوية، لعلنا نسهم بنصيب في التوجيه إلى السبيل السوىَ، وفي إنارة الطريق أمام السائرين.

/ صفحه 191/

* * *

لعل من أولى الدعوات في تجديدالأدب الدعوة إلى تجديد ألفاظ اللغة، ذلك أن الألفاظ تأخذ قيمتها من الوسط الذي تعيش فيه، فبعض الكلمات التي كان الجاهليون يستعملونها لا تقبلها آذان كثيرة في عصرنا،ولذلك فهي تعيش في بطون القواميس فقط، ومحاولة بعثها محاولة غير مأمونة العواقب دائما، والأديب

ــــــــــ

(1) مجلة الرسالة العدد 13 ص 22.

يريد أن يفهمالجماهير، فلو أنه وضع بين يديه قاموساً لغوياً وأخذ يمتح منه ـ كما رأيت بعض الحمقى يفعلون ذلك ـ لعرض نفسه وأدبه للسخرية، وإذن فلا بد من تجديد، أو على حد تعبير (العصبةالأندلسية(1)) ترميم اللغة، ولكن هذا الترميم في نظرهم لا يقتصر فقط على الألفاظ، بل يتعداها إلى القواعد والحروف والحركات.

وقد قامت هذه الجماعة على مبادىء منها:تهذيب اللغة، وتشذيب زوائدها، وضبط قواعدها، وتسهيل صيغها، وجلاء غوامضها، وتشريع أبوابها لدخول كل وضع جديد، ولفظ مستحدث، ومنها أن لكل أديب أن يصوغ لنفسه أسلوباًخاصاً، ويخلق جوّا لتفكيره،وعليه أن يخرج من المألوف ليتوصل إلى المبتكر، وليست هناك أصول محددة في الشعر، بل الشعراء أحرار، ماداموا يرتادون جمال الحياة، وروائعالطبيعة. ومن أهم مبادىء هذه الجماعة المحافظة على التراث القديم، وصيانة الثروات الأدبية التي تحويها خزائن الأدب العربي.

ومن العيوب التي رددها المعاصرون عيبالغموض، وهو عيب قديم تناول

/ صفحه 192/

الجاحظ بالثلب والذم، ولكم على الرغم من كل ما قيل فيه قديماً لا يزال في كل عصر من يرون قيمة الأدب، في كثرة الألفاظالقاموسية، التي يصعب معناها ويغمض إيماؤها.

وقد بدأ ـ في عصر النهضة ـ قاسم أمين الكاتب الاجتماعي، فتحدث في هذه المسألة حيث قال: ((لتصوير إحساس كامل، وتمثيل أثره فيصورة مطابقة للواقع يلزم استعمال ألفاظ غير العتيقة البالية، يلزم اختراع ألفاظ جديدة(2))).

ويشرح الأستاذ أحمد أمين المقصود من تجديد الألفاظ فيرى أنه على

ــــــــــ

(1) هي جماعة أدبية أنشئت في المهاجر الأمريكية سنة 1933م.

(2) عن كتاب ثورة الأدب للدكتور هيكل ص 46. (2) من حديث الاربعاء ج 2 ص 13

ضربين:

1 ـاختيار ألفاظ تناسب العصر، ويرضاها ذوق الجيل الحاضر.

2 ـ خلق ألفاظ جديدة خلقاً.

وقد قال: إن ذوق الأمم متجدد، وإن بعض ما كان يستحسن فيما سبق ربما لا يستحسن الآنوضرب لذلك مثلاً بكلمات هبيّيخ، وكنهْور، وبعاق، وذكر أن بعض المتأدبين حاول إحياء كلمات غريبة لكنهم لم يفلحوا، وأن كلمات كثيرة من ألفاظ لغتنا أصبحت أثريّة.

ثم قالعن الضرب الثاني: إن الألفاظ يجب أن تساير المدنية الحديثة بكل ما اخترعت من أدوات وصناعات، واللغة العربية قاصرة كل القصور في هذا الباب مما أثر على الأدب العربي وأدىإلى ضعفه.

ويشترك الدكتور طه حسين مع قاسم أمين في استبعاد الألفاظ المبتذلة، والدعوة إلى اصطناع ألفاظ اللغة العربية الفصحى في دقة واحتياط متى كانت جارية علىالألسنة، مستساغة في الأذواق، ولا بأس ـ عنده ـ أن يستعير الكتاب في قصد وحسن اختيار من اللغات الحديثة الأوربية معاني وأساليب وألفاظاً، شريطة ألا يفسد ذلك جمال اللغةالعربية وروعتها(1).

/ صفحه 193/

ويشبه بعض المحدثين اللفظة بالمرأة متى كثر عشاقها لم تبق تلك العقيلة المصونة.

وليست الدعوة إلى طرح الألفاظ المبتذلة بنتعصرنا هذا، وإنما هي ـ أيضاً ـ قديمة، ولذلك دارت المعركة حول الكلمات القاموسية وإحيائها، أو الاقتصار على ألفاظ تساير المدنية الحديثة، وتوافق ذوق الجيل الحاضر، فكتبغير واحد

ــــــــــ

(1) عن كتاب ثورة الأدب للدكتور هيكل ص 46. (2) من حديث الاربعاء ج 2 ص 13

من المحافظين يرد على هذه النزعة التي تدعوا إلى وأد الألفاظالغربية على الاستعمال بإبقائها مستريحة ناعمة البال في بطون المعاجم، وخلاصة آراء هؤلاء المحافظين أن أمر الألفاظ أجل وأخطر من أن يحكم فيه الذوق وحده، فذوق الجيلالحاضر قاصر في اللغة والأدب، ويخشى أن يقتصر هذا الذوق على ما ألف من الكلمات، فيعد كل كلمة غير مستعملة نابية عن الذوق ثقيلة على السمع، والاستعمال قد يؤدي إلى الإلف،كما نرى في استعمال بعض الكلمات الأجنبية الثقيلة، فليس لنا ـ كما يقول الدكتور عبد الوهاب عزام ـ أن ننفر من الألفاظ الشديدة، ونتجنبها، بل ينبغي أن نؤثر الألفاظ القويةلمعانيها، والألفاظ الخفيفة لمعانيها، دون إنصات إلى حكم الأذواق، وعلى الأديب أن يعمل على إحياء الألفاظ الطبيعية الشديدة كلما نزعت بالأمة رخاوة الحضارة إلى نسيانها،والاستعمال جدير بتذليل كل صعب، واستئناس كل وحشي.

ويضرب الدكتور عزام مثلاً بقول مسلم بن الوليد يصف الصحراء:

ومجهل كاطراد السيف محتجز * * * عن الأدلاء مسجورالصياخيد

تمشي الرياح به حسري مدلهة * * * حيري تلوذ بأكناف الجلاميد

/ صفحه 194/

ثم يقول: ما رأيه في (مسْجور الصيّاخيد) و (أكناف الجلاميد) أهي ملائمة لذوقالجيل الحاضر؟ وهل يرى غيرها أجدر بمكانها في هذا الشعر؟ إنها لا ريب حسنة في موقعها، بالغة ما أريد بها من وصف الصحراء حين تشتعل فيها الهواجر.

ثم يقول معلقا على قولالأستاذ أحمد أمين: (إن بعض ألفاظ اللغة أصبح أثريا): ((ما أشد حاجتنا إلى كثير من هذه الألفاظ المهجورة; فإنها مجدية على من يعرفها ويستعملها، وعسى أن تصير ملائمة لذوقالجيل الحاضر حين يعرفها فيقضي بها حاجته من الإبانة عما يريد)).

ويضرب أستاذ آخر أمثلة لبعض الكلمات التي لا تغني مكانها كلمات أخرى، فيقول:

وإن من النسوان من هيروضة * * * تهيج الرياض دونها وتصّوح

ومنهن غُلُّ مقفل لا يفكّه * * * من الناس إلا الأحوذي الصّلنقح

(صلنقح) أي صياح شديد الصوت، وهي كلمة غربية، وثقيلة على السمع،غير أنها قد تروج لدى القارىء المنصف مذيري المقام يقتضيها، والسياق يواتيها والقافية تناديها(1)).

قلت: والرأي يضطرب هنا بين الألفاظ المألوفة والمبتذلة، وبينالألفاظ الجزلة والثقيلة على السمع وفي النطق، ثم إن بعض الكتاب ينسون أن المعوّل في هذا على الذوق، وأن الذوق أسير الإلف، ولن يستسيغ كلمة خشنة جاسية إلا من تعوّد أنيسمع مثل هذه الكلمات.

ولعل خير الطرق في هذا الشأن أن نترك الأفذاذ من الكتاب والشعراء ـ في حدود الأصول اللغوية ـ يستعملون من هذه الألفاظ المهجورة ما تسيغهأذواقهم، ويشتقون ما يرون أنه ضروري لأداء معانيهم، فإذا جرت هذه الكلمات على ألسنة عامة الأدباء امتلاءت حياةً، وزادت ثروة الكلمات المستعملة، وإذا أهملها الأدباءرجعت إلى مكانها من صحف القاموس، وما أظن أحدا من هؤلاء يستسيغ استعمال الكلمات الخشنة مهما كانت دقتها في أداء المعى ذلك أن الأديب لا ينطبع فقط بما يقرأ، بل يخضعلمؤثرات كثيرة، والبيئة التي تحيط بأدباء عصرنا لا تطبع أذواقهم على تقبل مثل هاتيك الكلمات التي ما كان يستسيغها إلا العربي القحّ، الملتف بشملته، وإن الأديب العصريليفضل بعض التقصير في الأداء على استعمال كلمة ينبو بها موضعها، ومن تراه يقبل أن يضع في قطعة نثرية فنية، أو قصيدة شعرية عصرية كلمة (صلنقح)؟ إنها تحتاج في نطقها إلىلحِيَين لم يُخلقا في هذا العصر، وفي سماعها إلى أذنين لم تعيشا في هذا الزمن، وفي كتابتها إلى أقلام

ــــــــــ

(1) مجلة الرسالة العدد 10 ص 15

/ صفحه 195/

من (البوص) لا إلى هذه الأقلام الرشيقة الرقيقة، ثم تحتاج بعد ذلك في عصر الورق اللامع الرقيق إلى طرْس من صخر لترقد فيه!.

ثم متى كانت القافية التي تناديها شافعةلصلابتها وفظاظتها؟!

ولسْت مع أولئك الذين يعيبون كل كلمة قاموسية غفل الاستعمال الحديث عنها، فإني رأيت من الكتاب من يستعمل ألفاظاً مهجورة من أعذب الألفاظ ولا بأسعلينا بعد أن نجهد جهدنا في إحياء ألفاظ موائمة سائغة أن نخلق ألفاظاً جديدة، شريطة ألا تشذ عن قوانين اللغة وأصولها، كما لا أرى بأساً أن نستعمل ألفاظاً أعجمية حين لانجد ألفاظاً عربية تسد مسدها، ولكن على شرط أن نقتصد في هذا الاتجاه حتى لا نخلق لغة جديدة بجواز لغتنا العربية.

والذين يريدون أن يحجروا على الكتاب والشعراء أنيستعملوا من الألفاظ مالا يجري على الألسنة اليوم إنما يأبون أن يفرقوا بين الصحافة ولغة الأدب، فهم يتمسكون بنظرية لا تثبت للنّقد، تلك هي القول بأن المعنى هو كل شىء،واللفظ إنما هو إطار خارجي يلجأ إليه الأديب لمجرّد توضيح المعنى، وهذه النظرية تنكر قيما كثيرة، كان الأدب ـ ولا يزال ـ يسمو ويعتزّ بها.

ولكن الدعوة إلى تجديدالألفاظ لم تقف عند هذا الحد بل تعدّنه إلى الاستهانة باللفاظ والترحيب بالكلمة التي تؤدي المعنى، ولو خالفت قواعد اللغة، ولو استعملت في معنى غير معناها الذي عرفهالعرب، دون ش.ن تستند على تجوز أو كناية، وقد دافع صاحب كتاب (الغربال) ميخائيل نعمية عن هذا الاتجاه دفاعاً حاراً، من مثل قوله في مقال عنوانه (نقيق الضفادع): ((أذكر أننيقرأت انتقاداً من كاتب مصري لقصيدة جبران خليل جبران (المواكب)، وقد عثر فيها الناقد على هذا البيت:

هل تحممت بعطر * * * وتنشفت بنور

/ صفحه 196/

فأثبته، ووضعبعت كلمة (تحممت) كلمة (كذا) وبعدها علامة استفهام، وإن شئت فقل علامة استغراب، كأن الناقد يقول للقارىء: ((انظر. هو يقول تحممت، وليس في اللغة تحمم بل استحم، فيا للجريمة!!.

سألتكم ياسادتي، باسم العدل والفهم والقاموس. لماذا جاز لبدوي لا أعرفه ولا تعرفونه أن يدخل على لغتكم كلمة (استحم) ولا يجوز لشاعر أعرفه وتعرفونه أن يجعلها (تحمم)وأنتم تفهمون قصده، بل تفهمون ((تحمم)) قبل أن تفهموا (استحم)؟ وما هي الشريعة السرمدية التي تربط ألسنتكم بلسان أعرابي عاش قبلكم بألوف السنين، ولا تربطها بلسان شاعرمعاصر لكم))؟.

ولا أعتقد أن مثل هذا الكلام يصلح للاحتجاج لإدخال ألفاظ جديدة في اللغة، فالمقارنة بين البدوي الذي لا نعرفه والشاعر الذي نعرفه مقارنة غريبة. نحنأخذنا لغتنا من قوم طبعوا عليها، واللغة لم تخلق اليوم فتخلق أصولها وقاعدها في طريقنا، وإن التطور إنما يكون في اللغات التي ليس لها ماض وقواعد وأصول، ومتى وجدت القواعدوالأصول فلماذا نهملها أو نخالفها إلا لضرورة قاسرة لا مناص منها، كما يقول الأستاذ العقاد؟.

ولا بد لنا أن نتبع خطى العرب، وننهج نهجهم، فنستعمل ما استعملوا وتهمل ماأهملوا، ونستعمل كل كلمة في المعنى الذي وضعت له، مع ماهو معروف من إباحة المجاز إذا وجدت العلاقة.

وقد رأيت علماءنا السابقين يتشددون في هذه الناحية، حتى الذين عرفعنهم أنهم من أحرار الفكر، تعرض الجاحظ لاستعمالات العرب في التشبيه والمجاز وقال: ((ويروي عن النبي(صلى الله عليه وسلم) أنه قال: نعمت العمة لكم النخلة، خلقت من فضلة طينةآدم. وهذا الكلام صحيح المعاني، لا يعيبه إلا من لا يعرف مجاز

/ صفحه 197/

الكلام، وليس هذا مما يطرد لنا أن نقيسه، وإنما نقدم على ما أقدموا ونحجم عما أحجموا،وننتهي إلى حيث انتهوا)). ثم يوضح ما أراده بوقوفنا عندما وقفوا، فيقول: ((ونراهم يسمون الرجل جملاً ولا يسمونه بعيراً، ولا يسمون المرأة ناقة، ويسمون الرجل ثوراً ولايسمون المرأة بقرة، ويسمون الرجل حماراً ولا يسمون المرأة أتانا، ويسمون المرأة نعجة ولا يسمونها شاة، ولا يضعون نعجة اسماً مقطوعاً، ويجعلون ذلك علامة مثل زيد وعمرو،ويسمون المرأة عنزا(1))) وهذا منتهى المحافظة على اقتفاء أثر العرب، وإن كنت أعرف أنهم استعملوا الشاة مكان المرأة كما جاء في شعر الأعشى:

فرميت غفلة علينه عن شأته * * *فأصاب حبة قلبها وطحالها

ويتحدث الجاحظ في موضع آخر عن الخطأ في استعمال الكلمات في غير مواضعها، فيخطىء من يسمى إبرة العقرب حُمة، لأن الحمة سموم ذوت الشعر منالدَّبر (جماعة النحل) والزنابير، وذوات الأنياب والأسنان كالأفاعي وسائر الحيات وسموم ذوات الإبر من العقارب، ثم قال: (ولم نرهم يمون جميع السموم بالحمة فقلنا مثل ماقالوا، وانتهينا إلى حيث انتهوا).

ومن جهة أخرى. اللغة عُرف، فنحن نسمع كلمة (استحم) ونعرف معناها بما تواضع العرب عليه وعرفناه عنهم، وإذا جهلها واحد رجع إلى المعاجم،أما إذا سمعنا كلمة (تحمم) وأمثالها مما يضعه الشعراء الآن فهمنا منها غير الذي أراد; لأن للكلمة معنى في اللغة غير المعنى الذي وضع الشاعر الكلمة له، وحين نبيح لكل من يريدأن يتصرف في ألفاظ اللغة هذا التصرف ندخل الفوضي على لغتنا.

على أن المقارنة بين جبران والبدوي لا تحمل فيما أعتقد محمل الجد فاللغة التي تنساب عن طبع لا سلة لها بنبوغجبران وخمول الأعرابي، لأننا لم نأخذ عن

ــــــــــ

(1) كتاب الحيوان 1 ص 211 هرون

هذا البدوي نظرية فلسفية، أو قانوناً علمياً حتى نعود إلى المفاضلة، وإنمانأخذ اللغة، وذو الطبع الذي يبول على عقبيه أصح لغة من ألف جبران.

ويبيح صاحب ((الغربال)) للأدباء التصرف في اشتقاق المفردات، كما يبيح

/ صفحه 198/

لهمارتجالها، وكما يبيح الخطأ ما دام الغرض الذي يرمي إليه الأديب مفهوما، ويرى العناية باللفظ فضولا، ويتوسط الأستاذ العقاد بين التحريم والتحليل، فيرى أن الكتابةالأدبية فن، والفن لا يكتفي فيه بالإفادة، ولا يغني فيه مجرد الإفهام، وينساق مع نعمية وأشياعه; فيرى أن الأديب في حل من الخطأ في بعض الأحيان، ولكن على شريطة أن يكونالخطأ خيراً وأجمل وأوفى من الصواب!

قلت: ولا هذا أيضا، فإني أرى العقاد قد انساق قليلا مع التيار، وتأثر بعض الشىء بدعوة الزملاء الفضلاء ـ كما يدعوهم ـ فراح يأخذبمذهب وسط بين التحريم والتحليل، ويجيز الخطأ حين يكون الخطأ (خيراً وأجمل وأوفى من الصواب) ويجيز أن نخالف قواعد اللغة وأصولها حين تلجئنا ضرورة (قاسرة لا مناص منها)،وهذه نافذة خطيرة لا تأتينا بالنسائم البليلة المنعشة، ولكنها تأتينا ـ إذا استمر فتحها ـ بالسمائم والأعاصير والأتربة وما إلى ذلك، فما دمنا نتكلم العربية ونكتب بهاوندين لها فلا أرى أن نتعدي قواعدها وأصول مفرداتها، ولا أن نجيز المطأ فيها، ولو كان على هذا الوجه الذي ذكره العقاد، ولقد كنت أحب أن يذكر الأستاذ مثالا واحداً يكون فيهالخطأ (خيراً وأوفى وأجمل من الصواب).

وأعتقد أن هذه المسألة اعتبارية; فقد يظن أحد الناس أن الخطأ أحسن، في حين يخالفه آخرون، ويرون أنه أقبح من الصواب، وما لجأ إليه ـأعني الخطأ ـ وجوزه صاحب الغربال إلا لاعتقاده أنه كلما دعت حاجة الشاعر أو الكاتب كان خيراً وأجمل وأوفى من الصواب، وما خالفه العقاد إلا لأنه يعتبر أن الصواب في الأكثرالأعم يكون أجمل وأوفى، فلا معدي لنا من التزام قواعد اللغة وأصولها، وإن فيها من المرونة والانساع ما يجعل هذا الكلام منحرفا عن الجادة أشد الانحراف، على أن كلمة(الصواب) تحمل في نفسها سرّ قوتها في حين يحمل الخطأ سر ضعفه، ويكفي الصواب أنه صواب!.

/ صفحه 199/

ويسخر الكاتب العربي العظيم المرحوم مصطفى صادق الرافعي منالألفاظ التي تستعملها المحدثون، ومن التراكيب التي يؤدون بها معانيهم فيقول: ((وما التراكيب البيانية في مواضعها من الشعر الحي إلا كالملامح والتقاسيم في مواضعها منالجمال الحي، وكثيراً ما يخيل إلى حين أتأمل بلاغة اللفظ الرشيق إلى جانب لفظ جميل في شعر محكم السبك أن هذه الكلمة من هذه الكلمة كحب رجل متأنق نتقرب من حب امرأة جميلة،وعطف أمومة على طفولة، وحنين عاطفة لعاطفة، إلى أشباه ونظائر من هذا النسق الرقيق الحساس، فإذا قرأت في شعر أصحابنا أولئك رأيت من لفظ كالشرطي أخذ بتلابيب لفظ كالمجرم..إلى كلمتين هما معاً كالضارب والمضروب.. إلى همج ورعاع وهرْج ومرْج وهيج وفتنة.. أما القافية فكثيراً ما تكون في شعرهم لفظاً ملا كما.. ليس أمامه إلا رأس القارىء)).

وطبيعي أن الرافعي لا يرى أن يملاء الكتاب والشعراء أدبهم وشعرهم بالكلمات القاموسية التي (تنفر المسامع منها) على حد تعبير صفي الدين الحلي، فلم يعد أحد حتى من أشدالمحافظين يتمسك بأن تكون تعبيراته من هذا النمط وإنما غاية ما يجيزه آحاد منهم أن تستعمل كلمة أو كلمتان حين يكون المعنى محتاجاً إلى هذا الاستعمال، على نحو ما رأينا فيكلمة (الصلنقح).

ولقد عاب بعض النقاد القدامى على صفي الدين الحلي إيثاره للسهل من الألفاظ وبعده عن الكلمات الصعبة، فقالوا في نقد ديوانه: (إنه لا عيب فيه إلا أنه خالمن الألفاظ الغريبة) فدافع عن نفسه دفاعاً طريفا ظريفا، ورمى نقاده بهذه الحجارة الصم التي تكاد تفلق الرأس أشد مما تفلقها جنادل الصوان فقال:

أنما الحيزبونوالدردبيس * * * والطخا والنقاخ والعطلبيس

والغطاريس والشقحطبُ والشقب والحربصيص والعيطموس

والجراجيح والعفنقس والعفلق والطرفسان والعسّطوس

لغة تنفرالمسامع منها * * * حين تروي وتشمئز النفوس

وقبيح أن يُسلك النافر الوحشيّ منها ويترك المأنوس

إن خير الألفاظ ما طرب السامع منه وطاب فيه الجليس

/ صفحه 200/

درست هذه اللغات وأصحى * * * مذهب الناس ما يقول الرئيس

إنما هذه القلوب حديد * * * ولذيذ الألفاظ مغناطيس

لا أظن أن أحداً ينكر على صفي الدين رأيه ومذهبه إلا إذا كانمدخول العقل، أحمق الرأي، وكبار النقاد وعلماء البلاغة العربية مجمعون على ضرورة هجر الألفاظ الوحشية النافرة، واستعمال الألفاظ التي تطرب لها المسامع، ومنذ قرونبعيدة تتناقل كتب البلاغة الشروط التي يجب توافرها في الكلمات حتى تدخل في دائرة الكلام الفصيح، ومن هذه الشروط: أن تكون الكلمة مأنوسة الاستعمال، غير ثقيلة على اللسانولا على السمع، ولكن بعضاً من شعرائنا المعاصرين، ونقادنا المحدثين لا يرضيهم هذا القدر المعتدل، فيرمون الألفاظ القديمة والتعبيرات القديمة بالجمود والتخلفوالغثاثة، ويجب علينا ـ في نظرهم ـ أن نظرح ماحوته القواميس والمعاجم والمطولات، وأن نكتفي بما حفظته الذاكرة من كلام مألوف تتداوله ألسنة الناس في أفراحهم وأحزانهم،وربما كان هذا القدر مقبولاً، ولكن الذي لا نفهمه كيف نجعل الشاعر حكما في وضع ألفاظ جديدة لا تخضع لأصول اللغة وقواعدها؟ وكيف نبيح للشاعر ـ أي شاعر ـ أن يلجأ إلى الخطأإذا أعجبه الخطأ؟ إن الذي قال إن هؤلاء الذين يبيحون الخطأ إنما يبررون ضعفهم في اللغة، ويتخذون من هذا الضعف مذهبا، هذا القائل ـ في نظري ـ لم يبعد.

ولنا أن نتصور مدىالفوضي التي تحدث في اللغة، حين نبيح لكل إنسان أن يخطىء، وأن يخلق ألفاظاً جديدة، إن كل من شداً شيئاً من الأدب، بل والذي لم أجاب (أنا اللغة)، وإذا لم يكن هناك أصل يحتكمالنقاد إليه إلا ذوق الشاعر ورأيه ودعواه، كان لنا أن نقول: على لغتنا وعلى أدبنا السلام.

وأخيراً لا أظن أن لغة من اللغات الأخرى يتحكم فيها صغار الأرباء وكبارهم كمايحب أن يفعل أدباؤنا. فلماذا صارت اللغة العربية ـ في هذا الأمر ـ بدعاً؟

إن كلمة (أنا اللغة) كلمة جريئة لا يقولها إلا من يجهل اللغة!

/ 1