أصول الفقه للشیعة الامامیة بین القدیم و الحدیث نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أصول الفقه للشیعة الامامیة بین القدیم و الحدیث - نسخه متنی

محمد جواد مغنیه

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أصُول الفِقِه للِشّيعة اِلْاماميّة بين القديم و الحْديث

أصُول الفِقِه للِشّيعة اِلْاماميّة بين القديم و الحْديث

لحضرة صاحبالفضيلة الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنيه

المستشار بالمحكمة الشرعية الجعفرية العليا ببيروت

يحتل علم أصول الفقه فى جامعتى النجف و قم، المكانة الأولى بينسائر العلوم التى تدرس فيهما، فذو الشهرة بالفضل و التحقيق، و صاحب الحلقة الكبرى للتدريس، و مرجع الطلاب إذا احتدم بينهم النقاش و الجدال، هو من أتقن أصول الفقه، و حققفيها، و أحاط بها أصلا فأصلا.

و كل عالم أو طالب جاد لابد أن يؤلف و يكتب فى الأصول، فكان من نتيجة هذا الاهتمام أن تطورت مباحث هذا العلم، و أدخل عليها تعديلات ونظريات حديثة ظهرت آثارها فى مخالفة الأواخر للأوائل فى كثير من الأحكام الشرعية التى ترتبط بأصولها ارتباط المعلول بالجزء الأخير من علته.

و لا يتسع لنا المجال لشرحجميع النظريات الحديثة و المقارنية بينها و بين ماذهب إليه المتقدمون، لهذا اكتفينا بشرح البعض مع الإشارة إلى بعض القواعد الأخر التى ننتبه إليها.

أصول الفقه علميبحث فيه عن مفاد مصادر التشريع الذى يحدد أفعال المكلفين من رجحان الفعل أو الترك أو تساوى الطرفين، و تنقسم مباحث الأصول إلى لفظية و عملية، و اللفظية ما يبحث فيها عنمفاد هيئة اللفظ منطوقا و مفهوما، لغاية تفهُّم ما تضمنه الكتاب و السنة من الأوامر و النواهي، و صيغ المعموم، و ما إلى ذلك مماله دخل فى استنباط الأحكام الشرعية منمداركها، و أنه هل للشارع فى ذلك حقائق خاصة تخالف أفهام العرف العام؟

أما المباحث العملية فيبحث فيها عن الأصل الذى يرجع إليه المكلف إذا لم يصل إليه الدليل الشرعىمن إجماع أو نص. أى لو فقد المكلف الدليل فماذا يجب عليه شرعا؟ فالأصل العملى يبين وظيفة الجاهل بحكم واقعة من الوقائع بسبب فقدان الدليل على نحو لو طبق المكلف علمله علىمؤدى الأصل المقرر له لكان معذورا عند الله و الناس غير مستحق لعتاب ولا عقاب إن خالف عمله الواقع، شريطة أن لا يلجأ إلى هذا الأصل إلا يعد اليأس من العثور على دليل احكم،و معلوم أن هذا اليذس لا يحصل للمكلف إلا بعد أن يبذل أقصى ما يمكنه من جهد متتبعاً الآيات القرآنية، و كتب الحديث، و مؤلفات الفقهاء و فتاويهم، و متى تهاون فى البحث والتنقيب امتنع عليه العمل باأصل لا رتفاع موضوعه.

فالفرق بين ال ذصول اللفظية و العملية من وجهين، الأول: أن البحث فى الأول يرجع إلى مفاد النص الشرعى بعد ثبوته وتحققه، و فى الأصول العملية يرجع إلى وضيفة المكالف المتحير الذى لم يصل إليه الدليل. الثاني: أن مدرك يرجع إلى وظيفة المكلف المتحير الذى لم يصل إليه الدليل. الثاني: أنمدرك الأصول غير اللفظية قد يكون العقل، كقاعدة قبح العقاب من غير بيان، و هى دليل البراءة، و قاعدة الشغل اليقينى يستدعى الفراغ اليقيني، و هى دليل الاحتياط و قد يكونمدركها الشرع، كحديث «لا تنقض اليقين بالشك» و هو دليل الاستصحاب، أما مدرك الأصول اللفظية فالعرف العام، و افق اللغة أم خالفها، فانه المتبع فى المحاورات، و لا يقدمعليه شيء سوى الحقيقة الشرعية عى تقدير ثبوتها، و ينبغى الانتباه إلى أن العرف حجه متبعة فى تشخيص امعنى العام، لا فى تطبيقه على أفراده الخارجية، لأن العرف يتسامح فىالتطبيق، و خاصة فى الأوزان و المكاييل، و المساحات، فهو لا يشتبه أبدا فى معنى الساعة، و أنها ستون دقيقة، ولكنه يطلق لفظ الساعة على مسافة دون الستين أو اْكثر منها.

 ص 280

من هذه التفرقة بين اللفظية و العملية يتبين أن التقليم و التطعيم فى الأصول العملية أكثر منهما فى الأصول اللفظية حيث يتسع مجال العقل لتلك دون هذه.

الشبةالمصداقية:

فمن النظريات الحديثة فى الأصول اللفظية: النظرية المعرفة بالشبهة المصدقية و محصلها أن صيغ العموم تدور كثيرا على ألسنة العرب، و قد امتلأ بها الكتابوالسنة، و جاءت فيهما مورداً لأوامر الشارع و نواهيه، و قد تبقى هذه الصيغ على ما هى عليه من غير تخصيص، و حينئذ يسرى حكمها إلى جميع أفراد العالم، و كثيرا ما تخصص بقيدمتصل أو منفصل، حتى قيل ما من عام إلا و قد خصص بل حتى هذا القول خصص بمثل إن الله على كل شيء قدير، و هو مالك كل شيء، و بعد تضييق دائرة العام لا يكون حجة إلا فيما تبقى منأفراده.

فقوله تعالي: «أوفوا بالعقود» دليل عام كاشف عن وجوب الوفاء بكل عقد ربويا كان أم غير ربوي، و إذا ضممنا الآية إلى أدلة حرمة الربا ينتج أن وجوب الوفاء مختصبالمعاملات غير الربوية. و هذه قضية كلية بديهية، ليست محلا للخلاف و الاجتهاد.

ولكنْ هناك أفراد مشتبهة و مرددة بين دليل العام، و هو أوفوا بالعقود، و دليل الخاصالدال على حرمة الربا، ذى لم يعلم من أى النوعين هي، فلوأن تاجراً يبيع و0طل من سلعته بعشرة دراهم نقداً، و باثنى عشر نسئية، و جهلنا هل بيع النسيئة هذا من نوع الرباكىيحرم، أو من غيره كى يجب الوفاء به؟ مع الفرض بأنه لا دليل يبين حكم هذا البيع، فهل نستخرج حكمه من آية أوفوا بالعقود، أو أن الأية مجملة بالنسبة اليه، و أن حكمه يستخرج منالأصول العملية لفقدان النص، و كذا حديث «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» فإن مساقة تغريم كل ذى يدغاصباً كان أم وكيلا أم مؤتمناً أم وصيآ أم ولياً أم حارساً أم مستعيراً أمعاملا بأجرة كالصائغ، و لاقصار، و الخياط، و البيطار، و المكاري، و الملاح، و الراعى و النجار، و الباني، أم أخذه بيده يفحصه للشراء و السوم، فمقتضى حديث اليد تعزيمهؤلاء جميعاً لو تلف

 

/ صفحه 281/

المال فى أيديهم سواء أكان ذلك بسبب التفريط و الإهمال، أم بسبب قهرى مع التحفظ الكامل، و الاحتراز التام.

و بعد أنتواترت الأدلة على أن غير الغاصب لا يضمن شيئاً مما تلف فى يده إلا مع التعدى و التفريط اختص الضمان و التغريم بالغاصب، و المفرط المهمل، و خرج عن الحديث أكثر هؤلاء، ولايختلف فى هذه الحقيقة اثنان، ولكن لو علمنا أن مال الغير تلف فى يد زيد، و لم نعلم أكان المال غصباً فى يده كى يضمن على كل حال، أو بطريق مشروع، فلا يكون سبيل لصاحب المالعلى ذى اليد إلا مع ثبوت التعدى و التفريط، أو علمنا أن المال فى يده بطريق شرعي، ولم نعلم أكان تلفه بغير تقصير كى ينتفى السبيل عنه؛ أو بسبب تر التحفظ كى يجب الضمان؟ فهليسوغ الاعتماد على حديث اليد لا ستخراج حكم الفرد المشتبه، أو أن الحديث مجمل بالنسبة إليه؟ و حيئذ يتعين الرجوع إلى الأصول العملية، و الأمثلة كثيرة من الكتاب و السنة،و للبحث تأثره البالغ فى جميع أبواب الفقه.

و المعروف من سيرة القدامي، هو التمسك بالعام و الرجوع اليه فى حكم الفرد المشتبه؛ فبيعُ النسيئة مع زيادة الثمن لأجلالإمهال صحيح عندهم تمسكاً بأوفوا بالعقود، و صاحب اليد ضامن مع الجهل بأنها شرعية عملا بعموم: على اليد، لأن العام بمقتضى وضعه ظاهر فى جميع الأفراد، فيجب النعمل به حتىيثبت العكس فأوفوا بالعقود يشمل أنواع العقود و أفرادها جميعاً، و عليه يكون دليلا شرعياً على وجوب الوفاء بكل عقد من غير فرق بين الربوي، و غير الربوي، ولا ترفع اليد عنهذا الدليل إلا بحجة مثله أو أقوى منه، ولا شيء يوى أدلة حرمة الربا و مفادها عدم الوفاء بما ثبت أنه ربوي، أما غيره من العقود فيجب الوفاء به أخذاً بالعموم، و كذا يجبالحكم بالضمان، إذا دار أمر اليد بين أن تكون يد ضمان أو غيرها استناداً إلى عموم: على اليد.

أما المتأخرون من فقهاء الإمامية فمنعوا الالتجاء إلى العام لإجماله فىهذه الموارد و أمثالها، و أوجبوا الرجوع فى حكمها إلى الأصول العملية، لفقدان النص،

 و محصل ماذكره دليلا على ذلك أن قرينة التخصيص إما متصلة بالعام، أى أنها جاءت والعامُّ فى كلام واحد، و مثلوا بأكرم العلماء إلا الفساق، و إما أن تكون منفصلة أى وردت فى كلام مستقل عن العام، و مثلوا بكلامين مستقلين، أحدهما: أكرم العلماء و الثانىلا تركم فساق العلماء، و عُلم أن زيدا عالم، ولكن لم يُعلم أهو عدل كى يجب إكرامه، أو فاسق كى لا يجب؟ و ذكرنا مثالهم بالذات، لآنه أخصر و أوضح مما قدمناه من الأمثلة، والنتيجة واحدة فى الجميع، و هى عدم جواز الاعتماد على العام فى حكم الفرد المردد.

أما مع الاتصال فلأن القرينة المتصلة بالعام توجب قصر ظهوره و دلالته على خصوصالأفراد التى أرادها المتكلم، فأكرم العلماء إلا الفساق ظاهر فى إرادة العلماء غير الفاسقين، ولا

 

/ صفحه 282/

ظهور إلا بعد تمامه، و بتمام الكلام خرجالفرد المعلوم و تردد الفرد المجهول بين البقاء و اخروج، لإجمال اللفظ بالنسبة إليه، و دذا كان العام مجملا فى الفرد المجهول فكيف نستنبط حكمه منه؟ و من أوجب أكرام هذاالفرد تمسكاً بالعالم فقد نفى عنه الفسق مستنداً فى النفى إلى ـ أكرم العلماء إلا الفاسق ـ أى أنه أثبت الموضوع الخارجى بدليل حكمه الشرعي، و هو كما تري! و بتعبيرثانٍ بعدأن كان مفاد الكلام مقيداً من أول الأمر بعير الفاسق مراداً و استعمالا و ظهوراً، و بعد فرض أن القيد مجمل و غير محرز فى مجهول الحال. فلا يكون ـ والحالة هذه ـ ظهورٌ كىيعتمد عليه فى مقام الحيرة و الشك.

أما إذا كانت قرينة التخصيص منفصلة عن العام، فإن ظهور العام متحقق بلا ريب، لأن الكلام الذى فيه لفظ العموم، قد تم بانتهاء المتكلممنه قبل أن يتبعه بقرينة تصرفه عن ظاهره، فلفظ العام من قولك أكرم العلماء ظاهر فى العالم العدل و الفاسق على السواء، و لكن علمنا من دليل منفصل ـ لا تكرم فساق العلماء ـأن هذا الظهور على إطلاقه غير مراد، و إنما المراد الحقيقى مقيد بغير الفاسق، و مع هذا التقييد لا يكون ظهور العام حجة بالنسبة إلى الفرد المشتبه، لأإنه لا

 

/ صفحه 283/

يكشف عن مراد المتكلم، مع أإن المتسالم عليه بين العلماء كافة قديماً وحديثاً أن ظواهر الألفاظ إنما تكون حجة متبعة ، لأجل كشفها عن مقاصد المتكلمين ومراداتهم، و مع عدم هذا الكشف لا يكون لظهور اللفظ أى وزن، فالقرينة المنفصلة و إن كانت لا ترفع الظهور كما ترفعه القرينة المتصلة إلا أنها تسقطه عن الاعتبار، فالقرق بينالاتصال و الا نفصال أن العام فى احالة الأولى غير ظاهر فى جميع الأفراد، و فى الثانية الظهور موجود، و لكنه ليس بحجة، فالنتيجة واحدة فى كلتا الحالتين.

و قرر المحدَثون هذه الحقيقة بتعبير آخر، و هو أن دليل العام ـ أكرم العلماء ـ و دليل التخصيص ـ لا تركم فساقهم ـ يرجمعان إلى دليل واحد، و هو: أكرم العلماء غبير الفساق ـ و مؤداه، أن منثبت علمه مع عدم فسقه، وجب إكرامه، و من ثبت علمه و فسقه‌معاً، لا يجب إكرامه، أما العالم المردد بين الفاسق و غيره، فلا يمكن استخراج حكمه من هذا الدليل نفياً و لاإثباتا، أى لا يستفاد منه وجوب الإكرام، و لا عدم وجوبه، لأن الدليل مسوق لاثبات الحكم عند ثبوت موضوعه، فمعنى أكرم العلماء، أنه متى وجد العالم، وجب عليك إكرامه، و ليسفى دليل الحكم أية يجة نحرز بها موضوعه الخارجى عند الاشتباه، فكما لا يسوغ الا عتماد على أكرم العلماء، لأجل و جوب إكرام من لم يثبت علما كذلك لا يسوغ الاعتماد عل هذاالعموم ـ بعد ورود التخصيص عليه ـ لأجل اكرام العالم المردد بين الفاسق و غيره.

والخلصة أن هناك موارد كثيرة فى العبادات و المعاملات لم يرد فيها نص خاص قد استخرجلأولون أحكامها من عمومات الكتاب و السنة، و رجع المتأخرون فى أحكامها إلى الأصول العملية، لأن العمومات المذكورة بعيدة عنها كل البعد.(1)

و أكتفى من الأصول اللفظيةبهذه النظرية مخافة الملل و التطويل، على أنها أهم النظريات، و لها ذبلغ التأثير فى استنباط الفروع من أصولها.

من الأصول العملية:

وضع المتأخرون لمباحث الاصولالعملية كتبا خاصة مستقلة عن المباحث اللفظية، و ابتدءوها بباب القطع، أى العلم بالحكم الشرعي، و ثنوا بباب الظن به، ثم باب الشك، و أدرجوا فيه البحث عن الأصول الأربعة:البراءة، والاحتياط، و التخيير، الاستصحاب؛ (2) و ذكروا فى باب الظن الإجماع و الشهرة.

الإجماع:

اتفق المتقدمون على أن مصادر التشريع أربعة: الكتاب، و السنة، والإجماع، و العقل، و غالوا فى الاعتماد على الإجماع حتى كادوا يجعلونه دليلا على كل أصل، و كل فرع.

و عدَّ المتأخرون لفظ الإجماع مع هذه المصادر، و لكنهم أهملوهعمليا، و لم يعتمدوا عليه إلا نادرا، بل لم يعتمدوا عليه إلا منضما مع دليل أو أصل معتبر، و يتلخص رأيهم بأن الإجماع إما أن يكون منقولا بلسان أحد الفقهاء، و إما أن يكونمحصلا، و هو أن نتتبع بالذات أقوال الفقهاء فى حكم واقعة خاصه، و نبذل أقصى ما لدينا من جهد فى استقراء آرائهم، فنجد فقهاء عصر واحد قد أجمعوا بقول واحد على حكم تلكالواقعة.

 

ـــــــــــ

(1) لقد أطنب بعض أعلام هذا العصر حيث قسم القرينة إلى متصلة و منفصلة، ثم كلا منهما إلى لفظية و لبية، ثم منشأ الشتباه إلى المتباينينو الأقل و الأكثر، و اعتمد على العام فى بعض أقسام الانفصال، و من يرغب فى التفصيل فعليه بالجزء الأول من تقريرات السيد أبى القاسم الخوئي.

(2) و هناك أصول أخرى كأصلاطهارة لفيما لم يعلم نجاسته، و أصل الحل فى المأ كولات و المشروبا ت الحادثة، و أصل عدم التذكية فى المحوم، و أصل الاحترام فى الأموال، و أصل الحقن فى الدماء، و أصل فسادالعقد على من لم يعلم أنها غير ذات محرم، و أصل صحة العمل بعد الفراغ منه، و أصل السلامة من العيوب فى البيع، و أصل الزوم فى العقود، و قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور، و ماإلى ذلك من الأصول و القواعد المقررة فى أماكنها، و حيث كانت هذه لموضوعات خاصة، ولا تتعداها إلى غيرها، و الأصول الأربعة تسرى و تعم جميع أبواب الفقه، لذلك جعلوا لكلواحد من الأربعة عنوان مستقلا، و أجروا الكلام على تللك تبعا.

 ص 285

 والمنقول من الإجماع ليس بحجة، و إن كان الناقل ثقة عادلا، و عالماً محتاطا لأن نقله يرتكزعلى الحدس، على النظر و الجتهاد، و عدالة الناقل إنما تنزهه عن تعمد الكذب، ولا تعصمه عن الغفلة و لاشتباه، ثم إن الإجماع لا بد فيه من التتبع التام لأقوال الفقهاء، وتفهم كلماتهم تفهماً صحيحاً، و بأى شيء نحرز أن تتبع الناقل :ان تاما، و أن فهمه كان مستقيا؟ فالانسان حسن الظن بنفسه خاصة الفقيه، هذا و قد رأينا كثيرا من لفقهاء ينقلونالاجماع فى محل الخلاف، يختلف اثنان منهم فى حكم واقعة، فيحتج كل على صاحبه بالاجماع! بل رأينا الواحد منهم يفتى بأمر مستدلا عليه بالاجماع و بعد حين يتبدل اجتهاده فيفتىبالعكس مستدلا بالاجماع أيضا.

و أوَّل بعض الأعلام هذا التهاف بأن ناقل الاجماع ينظر قول بعض الفقهاء، فيحسن الظن به، و ينقل الإجماع اتكالا على قوله، أو أن الناقليستنبط الفتوى من دليل او قاعدة أو أصل ولعتقد أن هذا اذليل مجمع عليه فينقل الإجماع لذلك، و أياكان ناقل الإجماع، و منشأ نقله فلا يسوغ الاعتماد عليه بوجه، لأن نقلهيرتكز على الاجتهاد و الحدس، لا على البصر و الحس.

أما الاجماع المحصل، و هو ما حصل من تتبع الأقوال و استقرائها فمتعسر جدا لأن السبب فى اعتباره و حجته هو كشفه عن وجودحجة متعبة فى واقع الأمر اطلع عليها المجمعون، و خفيت علينا نحن، و الإجماع إنما يكشف عن هذه الحجة الثابتة إذا اتفق المتقدمون و المتأخرون من الصدر الأول إلى يومنا هذا،أما اتّفاق أهل عصر واحد أو عصرين فإن دلى على شيء فإنه يدل على وجود حجة عند المجمعين أنفسهم، لا فى واقع الأمر و حقيقته، و خاصة إذا كان فى مورد الإجماع دليل أو أصل يصلحمستندا للحكم الذى اتفقوا عليه، فإن الاجماع ـ و الحالة هذه ـ لا يكشف عن شيء أبدا، و يكون المعتمد هو الأصل أو ولو فى واحد منهم ييقط الاجماع عن الاعتبار، و ليس لدينا أيةحجة نستند إليها لإلغاء هذا الاحتمال، لأنه يرجع إلى النظر و الفكر، ولا يتنزه عن مثله عالم ولا عادل مهما بلغت منزلته العلمية و الدينية.

 

/ صفحه 286/

والخلاصة أن الاجماع المنقول ليس بحجة، و الاجماع المحصل حجة شريطة أن يحصل من الصدر الأول إلى العصر الأخير، و قد اشتهر على ألسنة رجال الدين فى هذا العصر، و ذهب مذهبالمثل القول: بأن الجماع المنقول ليس بحجة، و المحصل غير حاصل.

الشهرة:

ذهب بعض من تقدم إلى أن الشهرة دليل شرعي، لأنها أقوى ظنا من الحديث المنقول بخبر الواحد، ومن شهادة العدلين.

و قسم المتأخرون الشهرة إلى ثلاثة أقسام:

أولها: الشهرة الروائية، و هى أن تشتهر رواية بسبب نقلها فى أغلب كتب الحديث، و تكرارها على ألسنةالراوين، و هذه الشهرة لا تفيد أية فائدة سوى أنها تكون سببا فى تقديم الرواية المشهورة عند معارضتها برواية أخرى دونها معرفة و شهرة، فتقديم الحديث المشهور و الأشهرمتفق عليه بين الفقهاء جميعا.

ثانيها؛ الشهرة العملية: و هى أن توجد رواية ضعيفة السند، ولكن على الرغم من ضعفها عمل بها أكثر الفقهاء، و استندوا إليها فى الفتوى والعمل، فعملهم يجبر ما فيها من ضعف، كما أن إعراضهم عن رواية صحيحة السند يضعف من قوتها، و بعبارة أخصر إن عمل المشهور يقوى الضعيف، و يضعف القوى من جهة السند فحسب، لأنإعراض أكثر العلماء عن حديث هو بمرأى منهم، مع شدة احتياطهم للدين يدل دلالة واضحة على أن هناك أسباباً تستدعى ترك الحديث، من غفلة الرواي، أو عدم صدرو الحديث لبيانالحكم الواقعي، و ما إلى ذلك من الأسباب الصحيحة التى أطلعوا عليها، و خفيت علينا، كما أن عملهم بالضعيف مع علمهم بحال الراوى يدل على صدقه بهذا الحديث خاصة، لأن الكاذبقد يصدق.

ثالثها: الشهرة الفتوائية. و هى أن يفتى أكثر الفقهاء فى واقعة ما، و لم نعلم مدرك الفتوي، و هذه لا تأثير لها فى شيء أبدا، لما قدمنا من الكلام على الاجماع.

الاستصحاب:

 

/ صفحه 287/

استصحاب الشيء هو البقاه على اليقين السابق بوجوده، و استمراره إلى زمن الشك، و احتمال خلوه من صفحة الوجود، فلو علمنا بحياةإنسان غائب، ثم احتملت لدينا و فاته لسبب من الأسباب، فنبقى على اليقين السابق بحياته، و لا نرفع اليد عنه إلا بحدوث اليقين بموته، و خير ما قيل فى تحديد الاستصحاب موضوعاو حكما قول الإمام الصادق (لا يُنقض اليقين بالشك، و لا يدخل الشك فى اليقين، ولا يخلط أحدهما فى الآخر، ولكنُ ينقض الشك باليقين، و يتمُّ على اليقين، فيبنى عليه، ولا يعتدبالشك فى حال من الأحوال).

و قد اتفقت كلمة الجميع على العمل باليقين السابق عند فقدان النص إلا أن هناك موارد خاصة هى فى نظر القدامى داخلة فى الاستصحاب بينا يراهاالمحدَثون خارجة عنه، و نذكر منها موردين.

(1) ان يسرى الشك إلى وجود الشيء و حدوثه، بجيث يتبين أن وجوده لم يكن متيقناً فى آن من الآنات، كما إذا تيقنت يوم الجمعةبعدالة زيد، ثم يوم السبت، ترددت فى عدالته فى بدء الأمر، و أنه هل كان عادلا يوم الجمعة، و أن اليقين كان مطابقاً للواقع، أوأنه لم يكن عادلا أبداً، و أن اليقين السابقكان اشتباها وجهلا مركبا، و مثل هذا خارج عن الاستصحاب، لأن حقيقته أن يتمحض الشك إلى البقاء مع إحراز اليقين بالوجود فى السابق، كم لو علمت بعدالة زيد يوم الجمعة، وترددت فى بقائها، و استمرارها إلى يوم السبت، و بتعبير أخصر إن الاستصحاب هو علم بالحدوث و شك بالبقاء، و متى رجع الشك إلى الحدوث نفسه، فلا يكون من الستصحاب فى شيء، و سمىالمتأخرون هذا النوع بالشك الساري، و جزموا بفساده و عدم الاعتماد عليه.

(2) ان الشيء الذى أريد استصحابه، و الحكم ببقائه و استمراره، تارة يكون بنفسه حكماً شرعياً،كوجوب شيء أو حرمته، و أخرى يكون موضوعا خارجياً، و ليس له أى أثر شرعي،

 

/ صفحه 288/

كبقاء حجر فى المكان الذى كان فيه، و حياة شجرة كانت حية فى العامالماضي، و ثالثاً يكون موضوعا خارجياً، له آثار شرعية تترتب عليه ابتداءً وبلا واسطة، وله آثار غير شرعية، كحياة زيد، فإن من آثارها الشرعية، و جوب الإنفاق على زوجته، وعدم تقسيم تركته، و من غير الشرعية نمو جسمه، و قيامه بأعمال تتفق مع حياته و مهنته، و القسم الأول يجرى فيه الاستصحاب، و يكون الحكم الشرعى المجهول بمنزلة المتيقن من حيثوجوب العمل، و القسم الثانى لا يجرى فيه الاستصحاب بوجه، و ينقض اليقين فيه بالشك، أما القسم الثالث، فيجرى فيه الاستصحاب بالنسبة إلى الآثار الشرعية فحسب، دون اللوازمالعادية و العقلية، للموضوع المستصحب، فباستصحاب حياة زيد نثبت وجوب الانفاق على زوجته، و عدم تقسيم تركته، ولا يمكن إثبات شيء غير شرعي، مما تستلزمه حياته العامة والخاصة.

و السرأن تنزيل المجهول منزلة المعلوم، و معاملة الشيء الذى لم يحرز بالوجدان و لا بالبينة، معاملة الشيء الثابت؛ ـ هذا التنزيل و هذا المعاملة، خلاف ماينبغى أن تكون عليه الحال، لأن المجهول غير المعلوم، و المتردد غير العالم، ولكن للشارع أن يطلب من المكلف فى جميع أحواله ما يشاء، و كيف يشاء، فيكلفه حال الجهل بما كلفهبه حال العلم، مادام العقل لا يرى فى ذلك بأسا، و قد ثبت عن الشارع أنه يجب المضى على العمل حال الشك، كما يجب حال العلم، و هذا التصرف من الشارع إنما يتناول ما كان منوظيفته و شئونه، أما الأشياء التى لا تدخل تحت سلطانه من حيث هو مشرع، فلا يجرى فيها الاستصحاب، فلو أن رجلا شكك فى طلوع الفجر فى إحدى ليالى شهر رمضان، فله أن يستصحب بقاءالليل، فيأكل و يشرب اتكالا على استصحاب الليل، لأن الشارع أمره بالبقاء على اليقين السابق، و أذن له بالأ كل و الشرب مادام الليل باقياً. و لكن ليس له إذا سئل عن الساعة أنيجيب بأنهم لم تبلغ الرابعة بعد ـ إذا كانت و قتاً لمطلع الفجر ـ لأنها خارجة عن دائرة الشرع.

فاستصحاب أصل مدركه الشرع تعبد به المتحير، على أن يأتى بعمله على ما

 

/ صفحه 289/

 تقتضيه حالته السابقة، ولا يتعدى هذا التعبد الآثار الشرعية إلى غيرها، و على هذا يكون الاستصحاب حجه شرعية متبعة فى موردين فحسب، فيما إذاكان المستصحب نفسه حكما شرعياً و فيما إذا كان موضوعاً لحكم شرعى بجيث يكون الحكم لازماً للمستصحب نفسه، ولا حقاً له من غير واسطة عقلية أو عادية، أما لو كان الحكم أثرالشيء، و هذا الشيء لازم من لوازم من لوازم المستصحب، أى ينتهى إليه بواسطة غير شرعية، فلا يعتمد فى مثله على الستصحاب، و مثاله لو تردى كبش من شاهق، و ذبح بعد التردي، وجهلنا أن الذبح كان حال استقرار الحياة بحيث استند خروج الروح إلى الذبح لا إلى التردى كى يحل الأكل منه، أو أن الذبح حصل عند النفس الأخير للكبش، و أن روحه خرجت بسببالتردى لا بسبب الذبح، كى يحرم لحمه، فليس لنا ـ والحالة هذه ـ أن نستصحب حياة الكبش الثابتة قبل التردي، و نحكم باستمرارها إلى زمن الذبح، لأن هذا يرجع إلى الملازمةالعقلية لإثبات و قوع الذبح حين الستقرار الحياة، و المفرض أن الاستصحاب أصل شرعى لا عقلي، و بتعبير ثان، ان جواز الأكل ليس حكما للحياة نفسها، و إنما هو حكم للذبحالصحيح، و هذا الذبح لم يثبت بطريق الاستصحاب، بل ثبت بطريق الملازمة العقلية لا ستصحاب الحياة أى إن الموضوع الشرعى تبت باستصحاب غيره لا باستصحابه بالذات.

و اصطلحالمتأخرون على تسميه هذا النوع بالأصل المثبت، جازمين ببطالنه، و اعتمد عليه السلف فى العبادات و المعاملات مثبتين به كثيرا من الأحكام الشرعية نقل منها من تأخر عنهمجملة وافرة فى باب الستصحاب، و انتقدها بما قدمنا بيانه.

والخلاصة أن الستصحاب لا يتحقق إلا بوجود ركنيه: يقين سابق، و شك لا حق، و لا يكون حجة متبعة إلا فى الأمورالشرعية فحسب.

و أقف عند هذا الحد مخافة أن لا يتسع صدر القراء للمزيد، و أحسب أن ما ذكرته يصلح مثلاً للفرق بين القديم و الجديد من أصول الفقه للشيعة الإمامية كمايصلح شاهدا لفتح باب الجتهاد عندهم، و عدم تقييدهم بأقوال السلف قلَّت أم كثرت؟

/ 1