و اقتراح آخر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و اقتراح آخر - نسخه متنی

عباس حسن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

… و اقتراح آخر

… و اقتراح آخر

في التجديد اللغوي المزعوم

للأستاذ عباس حسن

أستاذ اللغة العربية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة

-2-

أو ضحت في مقالي السابق دوافع الدعوة الأثيمة إلى اصطناع اللغة العامية دون الفصحى، و إيثارها في ميادين العلوم و الفنون و الآداب ومسارب الحياة، و كشفت عنمواطن الخطأ و الخطر في ذلك.

و قد طالعتني صحيفة يومية بمقال طويل، لكبير من دعاة العامية، يجادلني في رأيي، و لكنه ينتهى في أسلوب عف، و حوار مهذب، إلى ما سماه سؤالا،و ما هو إلا سلسلة من أسئلة مركزة، تتطاول إلى نواح متباينة من العلوم العربية، في نشأتها، و تطورها، و حركتها، و جمودها، و ما فعلت بها يد الأحقاب، و ما عسى أن تقبله اليوممن إصلاح و تجديد، أو تتأباه. فيقول:

إذا كان الشأن في الفصحى ما ذكرتم، و الاستغناء عنها في فنون الأدب الرفيع، و فروع العلوم - ضرب من الهذر، و الخبل، بل وافد من وفودالبلاء الماحق، فهل فرض على قواعدها - و لا سيما النحوية والبلاغية - أن تظل حياتها في مكانها من الصعوبة و الجمود، و فرض على الناشئة و علينا أن نرزح تحت أعبائها الثقال؟ وإذا كان اقتراح العامية و إحلالها محل الفصحى له ما وصفت من سوء الأثر، و خطر الغاية فهلا تستمعون إلى اقتراح مفيد ينادي به بعض أنصار التجديد، و هو استبدال الحروفاللاتينية بالحروف العربية، و الاستغناء عن هذه بتلك، تيسيرا للراغبين، و تخلصا من أثقال القواعد النحوية و الإملائية و سواهما؟

/ صفحة 261 /

و هب الحاجة ماسةإلى قليل أو كثير من تلك القواعد، فما حاجتنا إلى (العلوم البلاغية) بأصولها المعقدة، و تفصيلاتها المرهقة، و بهرجها الصناعي الأجوف، و أمثلتها المرددة التي تثير الضحكحينا و الضجر أحيانا؟ و ما غناؤها في هذا العصر؟ و ما مكانها بين البلاغات الحديثة؟

ثم ما ذلك العلم الذي يسمونه: علم الشعر، أو علم العروض والقوافي، بحدوده وقيوده، وعقباته التي ينثرها في طريق الشعراء: فتكد عقولهم، و تحد أخيلتهم، و تعجز و سائلهم، و تحول بينهم و بين الكمال الفني والتوفيق؟

لقد انتظم السؤال - كما يبدو ، و كما أشرتقبلا - سلسلة من الأسئلة الدقيقة العمقية، تتطلب الإجابة عنها فيضا من البحوث، و الدراسات الواعية المتثبتة، ميدانها معاهد العلم المتخصصة، لا المجلات العامة، و لاالصحف السيارة. لكن هذا لن يقف حائلا دون الرد الذي يجمع - إلى حد ما - بين اللمحة الخاطفة النافعة، و الإقناع المركز المفيد.

فأما أن القواعد النحوية و البلاغية وغيرهما من فروع العربية جامد على التجديد الحميد، مستعص على التيسير المأمون، و التجميل البارع، فتلك دعوى لم تقم عليها بينة، و لم يقل بها ثقة خبير ممن يعرفون للقولخطره و جلال شأنه، و سوف أناقش ذلك في مقالات خاصة تعلن زيفه، و ترسم السبيل القويم - كما أراه - لوجوه من الجدة و الطرافة، و ألوان من التقوية و التطرية، تجول في خواطرأنصار الفصحى و أعوانها الأبرار بنهج لا تخلف فيه و لا تهور، و لا بطء و لا اندفاع.

أما كلمة اليوم فإني جاعلها لما وسم بأنه : اقتراح الحروف اللاتينية و استخدامهامكان الحروف العربية.

إن أنصار الحروف اللاتينية و الاستغناء بها عن الحروف العربية يؤيدون دعواهم بأن القاريء العربي لا يستطيع أن يقرأ ما يقع عليه ناظره قراءةصحيحة سليمة إلا إذا فهمه أولا، و أدار فيه فكره، فكلمة مثل: سمع، أو: فهم، أو: علم،

/ صفحة 262 /

أو مئات و آلاف غيرها من الكلمات المفردة أو المتضامة إلى غيرها،تصلح أن تقرأ بصيغة الماضي المعلوم أو المجهول، و بصيغة المضعف أو غير المضعف، و بصيغة المصدر… ولكل واحدة من هذه الصيغ معناها، و أثرها في معنى الجملة، و تركيبالأسلوب، و دلالته و حظه من القوة أو التخاذل، و جملة مثل: على سمع والده يؤنب الخادم لإهماله، و يقدم له النصح بالجد و النشاط، و قصيدة كقصيدة أبى العتاهية التي يقولفيها:

يا بن الخلائف لا فقد    ت و لا عدمت العافيه

من يرتجي للناس غيـ   ـرك للعيون الباكية

ألقيت أخبارا أليـ    ـك من الرعية شافيه

تحتمل الكلمةالواحدة منها ضبوطا مختلفة، و تتقبل حروفها حركات عدة متباينة، و ليس من المستطاع قراءة مفرادتها أو تراكيبها، و لا ضبط حروفها ضبطا يساوق المراد، و يساير الغرض، إلا بعدالنظر السابق، و التفكر الباديء، كى يستعان بهما على فهم المراد، ثم على القراءة الصائبة المسددة بعد ذلك، ثم يرمز لهذا المعنى بحركات نحوية و لغوية، و رموز إملائية و غيرإملائية تشير إلى المراد و تدل عليه، و كذلك الشأن في كل أنواع المنثور و المنظوم، إفرادا و تركيبا، فمن الحق أن العربي يفهم المكتوب بلغته أولا ثم يقرأ ثانيا، و هذا يناقضالحكمة من الكتابة و الغرض الأصيل منها، ذلك الغرض الذي يقضى بأن الأنسان يقرأ ليفهم، لا العكس، و من ثم كان القارىء اللاتيني موفقا في قراءته، مسددا بفضل حروفهاللاتينية و نظام كتابتها، ذلك أن الكلمة اللاتينية الواحدة تشتمل على نوعين من الحروف، أحدهما أساسي، و الآخر فرعي يغني عن الحركات الإعرابية و اللغوية، طويلة كانت أمقصيرة و يتصل بالأول اتصالا وثيقا مباشرا ، فإن مثل كلمة: (سمع) العربية تتركب عندنا من حروف ثلاثة، لكل حرف حركة خاصة به، منفصلة منه انفصالا تاما، أما في اللاتينية فلكلحرف من هذه الحروف الثلاثة نظير يقابله، ولكن لكل حركة حرف فرعي يتصل بآخر الحرف الأصلي و يغني عنها، فحرف السين له ما يقابله عندهم، و لحركته - و هي الفتحة - حرف فرعييشتبك بذيل الأصلي تماما و يرتبط به ، و للميم حرف أصلي يقابله هناك، و لحركتها - و هي الكسرة - حرف فرعي يتصل بالمقابل مباشرة، و كذلك العين و باقي الكلمات، فإذا كنا فيكلمة: سمع، نكتب السين و فوقها الفتحة الضابطة لحركتها، المعينة لها فإنهم يكتبون الحرف الأصيل الذي يقابل عندهم السين أولا ، و يكتبون بدل الفتحة المنفصلة حرفا فرعيايدل عليها و يتصل بآخر ذلك الحرف الأصيل كما سبق، و إذا كنا نكتب الميم و تحتها الكسرة فإنهم يكتبون ما يقابل الميم من حرف أصيل عندهم، و يصلون بآخره حرفا فرعيا يغني عنالكسرة، و يكتبون بدل العين حرفا أصليا و بدل الفتحة التي فوقها حرفا فرعيا متصلا بالأصيل … و هكذا سائر الألفاظ ما ذكر منها و ما لم يذكر.

و مما سبق يتضح أنالكتابة اللاتينية كالكتابة العربية كلاهما يتألف من حروف أصيلة، و من حركات ضابطة لتلك الحروف، مميزة لها، بيد أن هذه الحركات في العربية رموز تستقل بنفسها، وتنفصل عنحروفها، و تستقر فوقها أو تحتها، لكنها في اللاتينية لا تستقل و لا تنفصل، و إنما ترتسم بصورة حروف مشبوكة متماسكة، و هذه هي ناحية الفرق و بفضلها يقرأ القاريء فلا يخطيء،و لا يحتاج إلىتفكر قبل البدء، لأن كل حرف من حروف الكلمة يتصل بحركته التي تلازمه و ترتبط به ارتباطا وثيقا، فلا يقع الخطأ و لا التردد و لا البطء في قراءته، و لا يتطلبذلك فهما سابقا و لا تمعنا في الإدراك، و تلك مزية لا مراء فيها، ولكنها مزية لم تفقدها العربية، و لم يغفل عنها السابقون من علمائنا العباقرة: فهى ليست إلا صورة من صورالتشكيل و ضبط الحروف المعروف عندنا منذ عشرات القرون، و لا فضل لها إلا في تشابك الحرف الأصلي مع حركته المصورة بصورة حرف فرعي متعلق بسابقه تعلقا تاما، فلو أننا ضبطناالحروف العربية بالشكل الكامل لصارت قراءتها في يسرها و سهولتها و سرعتها كقراءة الكتابة اللاتينية سواء بسواء.

/ صفحة 264 /

و أرى لزاما على في هذا الموقفالفني الخالص أن أشير إلى أمرين هامين بعيدي الأثر، لم يتنبه لهما دعاة التجديد.

أما أولهما فهو أن ترك الشكل في الكتابة العربية ليس أصلا من أصولها، و لا ضرورةمحتومة فيها، بل ربما كان العكس هو الحق كما ينطق بذلك تاريخ الخط، فالكاتب العربي حر في أن يضبط بالشكل حروفه كلها أو بعضها، و في أن يترك الحروف بلا ضبط حين يأمن اللبس ولا يخشى الزلل، و حين يطمئن إلى السداد في قراءة ما يكتب قراءة لا عناء فيها و لا إخلال، و هذا حق مباح لكل كاتب، و بخاصة حين يكتب لمن اتسعت خبرته، و نمت في فروع اللغةمعارفه، و بلغ الحد الذي يصبح الضبط فيه ضربا من العبث و إضاعة الوقت، عندئذ يكون ترك الضبط و التشكيل أليق، و هو بهذه الحالة أنسب، إذ يعد بحق نوعا من الاختزال الشائع فيعصرنا، عرفه قدماؤنا منذ مئات السنين، و فيه من ادخار الجهد و الوقت ما لا يخفى ، و هذه مزية ليست للضبط اللاتيني الذي لا انفكاك عنه في أية حالة، و لا خلاص من التزامه فيكل المناسبات.

و أما ثانيهما فهو أن استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية ليس إلا اقتراحا خداع المظهر، و همي الأثر، لا يثبت على النظرة الصائبة، و لا الدراسةالفاحصة، فإن الهاتفين به يلوحون بفائدته التي أشرنا إليها آنفا، و هى القراءة بغير خطاء، و بغير حاجة ألى تفكر سابق، و هذه الفائدة متحققة في كتابتنا العربية المشكولة -كما أسلفنا - و نزيد هنا أن أولئك الهاتفين لم يفطنوا إلى طبيعة اللغة العربية التي تخالف طبيعة كثير من اللغات، فلغتنا لغة إعراب فأواخر كلماتها ليست كغيرها ساكنة بل لابد من تغيير تلك الأواخر بحسب وضعها في الأساليب المختلفة، و هذا التغيير قد يتناول الحركات أو الحروف أو هما معا، و هو رهن بمعارف نحوية و لغوية متعددة فوق أنواع أخرى منالتغيير تشمل الحروف التي في أواخر الكلمات أو أوائلها أو أوساطها، فلا سبيل لمن شاء أن يكتب مثل: إن الله يحب الذين اتقوا، و آمنوا، و عملوا الصالحات، و صفت نفوسهم منأدران السوء، و طهرت

/ صفحة 265 /

من شوائب الأضغان … كتابة صحيحة بحروف عربية مضبوطة بالحركات المنفصلة، أو بحروف لاتينية أصلية مضبوطة بحروف فرعية موصولةبسابقتها بدل الحركات، إلا إذا عرف قدرا من النحو و من اللغة، و من غيرهما، يستطيع به أن يضبط كل حرف و كل كلمة، و بغير ذلك لا يستطيع أن يكتب لغتنا بحروف عربية أو لاتينيةكتابة سليمة ، و معنى هذا أن الكتابة الصحيحة لابد أن يسبقها ذلك القدر من المعرفة و العلم، و إلا جاءت مشوبة بالخطأ مشوهة بأنواع الغلط، لا فرق في ذلك بين أجناسالكاتبين، فإذا ساغ لنا أن نقول: عن كتابة مشكولة بطريقة الشكل العربي، أو اللاتيني، إنها تعصم من الزلل، و تحمي من اللحن، و تغني عن التفكير المبتدىء، و عن الحاجة إلىقواعد نحويه و لغوية و إملائية، وجب أن نسائل أنفسنا عن هذا الذي كتبها: ما الوسيلة التي ضمنت له السلامة؟ و على أى أمر اعتمد في تسجيل ما كتبه صحيحا بريئا من الشوائب والأدران؟ هل استطاع ذلك من غير أثارة من قواعد النحو، و قدر من أصول اللغة و فروعها؟ اللهم لا.

فاقتراح الحروف اللاتينية إن أعفي القاريء من متاعب الدراسات اللغوية،لم يعف الكاتب و لا المتكلم المرتجل، و ما أكثرهما، بل ما أسبقهما على القاريء، فكل مقروء لا بد أن يسبقه إعداد في النفس يجري به اللسان أو القلم، و لا عصمة لواحد من هذينإلا بالدراسة اللغوية التي نحاول الفرار منها، و نزعم أن اقتراح الحروف اللاتينية يغني عنها، و يريح من عنائها، و هنا موطن الوهم و مكمن الخداع، فوق ما فيه من تنكرلماضينا، و قطع للصلات الكريمة بين شقيقاتنا، و أهدار لتراثنا العربي النفيس بقيمه الروحية و الأدبية و العمرانية، و إزهاق لمعاني الكرامة و الحرية، و إذلال لنفوسالناطقين بالضاد، و لعل فيما سبق ما يقنع الدعاة بزيف دعوتهم، و يحملهم على نصرة لغتهم، و الإقبال عليها دراسة و تمجيدا و تجديدا نافعا.

/ 1