(رضى الله عنه)
عليّ بن أبي طالب
دوره في القضاء
في خلافة عمر بن الخطاب أوّل محكمة تمييز
في دولةالإسلام
المحامي الشيخ مصطفى ملص
عضو تجمع العلماء المسلمين
المنية ـ لبنان
بسـم الله الرحمن الرحـيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهمّ أنت المستعان وعليك الاتكال ولاحول ولا قوة الا بك يا رب العالمين.
الفصل الأول
العلاقة بين أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
وبين أصحابه رضوان الله عليهم
المبحثالأول:لمحة تاريخية عن مكة والتنافس بين أهلها:
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعدما أسس دولة الاسلام فى الجزيرة العربية حيث المجتمع مجتمع قبائل وعشائر،فكما كانت بقية أرض الجزيرة العربية كذلك كانت مكة والمدينة وسواهما من الحواضر، قبائل وعشائر وعائلات عموماً متنافسة وأحياناً متحالفة، تبعاً لتقاطع المصالح أوتعارضها. وفى مكة أم القرى أى القرية الرئيسية التى توازى فى عرفنا اليوم العاصمة، حيث بالاضافة الى البيت الحرام، القرار الأهم والاقتصاد والسياسة وغير ذلك مماتتميز به العواصم عن سواها من البلدان، كانت قريش هى القبيلة المسيطرة التى لا
تنازع بما تتمتع به من مركز نفوذ وادارة للحرم وما يعنيه من مكانة دينية عندالعرب، وأيضاً ما تتمتع به من سيطرة على تجارة الجزيرة العربية والروابط الاقتصادية مع كل من الشام واليمن وفارس والروم.
غير أن قريش القبيلة الواحدة كانت مقسمة الىعائلات وبطون وأفخاذ، فعند ظهور الاسلام واظهار النبى صلى الله عليه وآله وسلم لدعوته كان هناك هاشم وبنو عبد شمس وبنو عدى وبنو تيم وغيرهم، وكان هناك تنافس وسباق بينأهم هذه البطون والأفخاذ بنى هاشم وبنى عبد شمس. حيث كان كل طرف يسعى لأن تكون له الكلمة الأولى والامتياز الأهم فى مكة.
ومما يظهر من خلال سير العائلات فى مكة أن بنىعبد شمس كانوا يصارعون للتقدم على بنى هاشم الذين كما يبدوكانت الزعامة تنقاد اليهم انقياداً، لصفات تميزوا بها عن أقرانهم ولتاريخ آبائهم الموصوف بالجود والكرموالحمية والنجدة.
وظهر النبى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من بنى هاشم، ودعا الى عبادة الله الواحد الأحد وترك عبادة الأصنام وتوحيد القبائل العربية فى أمة واحدةتحمل الاسلام الى بقية العالم لتتكون بعد ذلك أمة الاسلام التى لا فضل فيها لعربى على أعجمى ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى، فكل الناس سواسية، وكل الناس عباد الله، وهذابحد ذاته شكل نقضاً لما هو متعارف عليه فى مكة آنذاك حيث كان الناس قبائل متفاوتة وأحرار وموالى وسادة وعبيد. مما أدى الى قيام ردة فعل شديدة من قبل الذين رفضوا دعوة النبىصلى الله عليه وآله وسلم لما اعتبروه من أنها تهدف الى اضعافهم والقضاء على مصالحهم وسيادتهم على بقية القبائل فى الجزيرة العربية.
وكان من نتيجة هذا التناقض بين دعوةالاسلام ومصالح المشركين ورفض
المجتمع القرشى بمعظمه للدعوة الجديدة، حيث لم يؤمن الا نفر قليل من الناس خلال ثلاث عشرة سنة من عمر الدعوة فى مكة، حصول الهجرةالى المدينة (يثرب) التى رغم تناقضات أهلها فيما بينهم ووجود أكثر من دين فيها استطاعت أن تحتضن دعوة الاسلام وأن تقيم أول مجتمع اسلامى تحول الى دولة منظمة بمقاييس ذلكالعصر، ثم عاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى مكة فاتحا بعد سلسلة من المعارك والمواجهات انتهت بقتل معظم من سمّوا بالصناديد وهم كبار الرجال أو القادة المشركون.ودخل المسلمون مكة فاتحين وأظهر النبى صلى الله عليه وآله وسلم تسامحاً كبيراً اذ عفى عن معظم الذين حاربوه وآذوه وأخرجوه من بلده الا نفراً قليلاً أمر بالقضاء عليهمنظراً لما ارتكبوه من جرائم تشبه فى عصرنا الحاضر ما يسمى بجرائم الحرب. دخل جميع أهل مكة فى الاسلام حيث وجدوا انه لا مناص من قبول الأمر الواقع وانضموا الى صفوفالمسلمين. ولكن وكما يبدو فان ما كان من تنافس قبل الاسلام لم ينته بدخول الجميع فى الدين الجديد، اذ اعتبر البعض أن بنى هاشم قد انتصروا فى المواجهة وتمكنوا من اخضاعخصومهم، وهذا يعنى أن هؤلاء الخصوم أو بعضهم لم يفهموا روح الدين الاسلامى وحقيقة الدعوة الجديدة، وراحوا يتحينون الفرصة من أجل استعادة مكانتهم وازاحة منافسيهم.
انهذه الصورة بالتأكيد تنطبق على البعض ولا تنطبق على الجميع، حيث إن أغلبية الناس من أهل مكة قد أسلموا وحسن اسلامهم. ولكن بعض التقاليد والأعراف ظلت كامنة الى حد ما فى بعضالنفوس مما أثر فيما بعد على العلاقة مع أقرباء النبى صلى الله عليه وآله وسلم وذريته من بعده.
المبحث الثانى: مكانة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) :
حدد القرآن الكريم المكانة العظيمة للنبى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو القدوة والأسوة والمثل الذى ينبغى اتباعه. وهو صاحب القضاء النافذ والارادة العليا، (وماكان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيداً)(1) ومن يرد قضاء النبى صلى الله عليه وآله وسلم فهوكافر. ولعل الميزة الأهم التى جعلها الاسلام للنبى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هى وجوب المحبة من قبل كل مؤمن ومؤمنة: ''''لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه التىبين جنبيه''''.
وهذه المحبة من الأمور الميسرة، فالناس مفطورون على محبة ما يحقق لهم ذاتهم ومصالحهم وما يريحهم وعلى محبة من يحبهم ويسعى فى سبيل أمنهم وراحتهم وضمانمستقبلهم.
واذا نظرنا الى شخصية النبى الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم نجده من خلال نفسيته وسيرته وأعماله وأقواله وعلاقاته بالآخرين، لا يحمل أى صفة من الصفاتالمنفرة التى ينفر الناس منها بالفطرة بل نراه يتمتع بكل الصفات التى تحببه الى الناس وتقربه الى القلوب وتجعل المحيطين به يتعلقون به أشد التعلق بل ويؤثرونه حتى علىأنفسهم وأبنائهم وآبائهم; (قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيلهفتربصوا حتى يأتى الله بأمره).
1 ـ سورة الأحزاب/ الآية 36.