النصوص بانتقال النبى
(صلى الله عليه و سلم)
إلى الرفيق الأعلي، و أنهم أجازوا لأتمتهم مخالفتها بعلوم تلقوها أو نسخ بعضهابالاجتهاد لتهوين القدسية التى تعطيها الجماعة الاسلامية لنصوص الشارع؟ اللهم إلا إذا كان الشيعة الإمامية. ليسوا من الجماعة الاسلامية المتمسكة بنصوص الشارع وقدسيتها و العياذ بالله: و الدعاوى ما لم يقيموا عليها
بيِّنات أبناؤها أدعياء
ثم إن الناسخ كما لا يخفى على فضيلة الأستاذ، هو كل من الكتاب والسنة، فينسخ الكتاب بالكتاب، و السنة بالسنة، و السنة بالكتاب، و الكتاب بالسنة فالأنواع أربعة، و قد انفرد الامام الشافعي، و أهل الظاهر، بقولهم: إن السنة لا تنسخالكتاب، و يمكن معرفة الناسخ عند الحنفية بتخصيص الصحابة أيضاً. و إن الشيعة الامامية لا يفترقون عن الجماعة الاسلامية فى جواز النسخ بالأنواع الأربعة، غير أنهميعتقدون أن الله تعالى بين بحسب الشريعة الإسلامية الغراء فى كل واقعة حكماً، حتى أرش الخدش.
وقد بين ذلك الآستاذ الأكبر الحجة، الامام محمد الحسين آل كاشف الغطاء فىكتاب «أصل الشيعة و أصولها.
و قد ثبت أيضاً أن الأخبار المخالفة للقرآن و السنة، أو التى لم يقل بها الامام كثيرة جداً، و من حق تلك الأخبار المخالفة طرحها و أن يضرببها عرض الجدار و يجب غربلة الصحيح منها بطريق التعادل و الترجيح عند تعارض الادلة و الامارات.
ثم إن تخصيص النصوص لم ينفرد به الشيعة الامامية وحدهم، و إلا لما وجدعلم أصول الفقه، و لكن الفرق بينهم و بين إخوانهم من الجمهور: كما قلنا آنفا. و ما عدا ذلك فالاماميه و سائر المسلمين فيه سواء. لايختلفون إلا فى الفروع، كاختلاف أئمة أهلالسنة فيما بينهم أو بين علماء الامامية أنفسهم، من حيث الفهم و الاستنباط، هذا و إذا ما فهمنا أن المراد من الاجتهاد هو استنباط الحكم الشرعى من تلك الادلة
(309) المتقدمة بعد مزاولتها و استفراغ وسع المجتهد فيها لحصول ملكة الاستنباط مع شرط العدالة، فهل يبقى مجال للقول بأن الشيعة الامامية «أجازوا نسخ بعض النصوص بالاجتهادلتهوين القدسية التى تعطيها الجماعة الإسلامية لنصوص الشارع؟» «ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق».
و إذا كان لابد من الإشارة إلى حقيقة (الطوفي) نجمالدين الصر صرى البغدادى الحنبلي، فهو على الرغم مماذكره الأوائل الذين اعتمد على روايتهم فضيلة الأستاذ أبو زهرة و الأستاذ عباس الغزاوى البغدادى فى كتابه: «تاريخالعراق بين احتلالين» فى تشيع الشيخ الطوفى باعتباره من المغالين فى القول بالمصالح المرسلة، و أن أسلوبه فى ذلك أسلوب شيعي، فالحقيقة التاريخية لا تعضد ما ذهب إليهالفاضلان، و ذلك:
1ـ ان الشيعة الامامية كما علمت لم يقولوا بالمصالح المرسلة، و لا بحجية الأدلة الأصولية الأخرى التى قررها الطوفى فى رسالته، و من جملتها: (1) إجماعأهل المدينة (2) القياس (3) قول الصحابى بلاقيد (4) العادات (5) الاستقراء (6) الاستدلال (7) الاستحسان (8) الأخذ بالأخف (9) إجماع أهل الكوفة . فكل ذلك لم يكن من أصولهم حتى يلتقىالرأيان أو يتقاربا.
2ـ ان كتب الرجال عندهم على كثرتها لم تذكره فى طبقات فقهائهم و محدثيهم، و لا فى طبقات شعرائهم و أدبائهم أو فى أى صنف من صنوف رجالهم و هم أشدالناس اهتماماً بتراجم أصحابهم و رواتهم.
3ـ أما كونه قد انفرد برأى عن أصحابه الحنابلة، أو كان قد تلمذ على أحد علماء الامامية فى علم من العلوم ـ إن صح ذلك ـ فهذاالدليل على ضعفه و وهنه لا يستلزم القول بأن مهاجمته للنصوص و تقديمه المصالح المرسلة عليها فى بعض الحالات قد استفاده من أسلوب الامامية، بعد أن علمنا أن ذلك لم يكن منمذهبهم.
ولو أردنا أن نذكر أسماء العلماء و الأدباء من أهل السنة الذين تخرجوا على أساتذتهم من الشيعة أو بالعكس، لا حتجنا إلى تحرير مجلد ضخم، و من هؤلاء: فخرالذين الرازى صاحب التفسير الكبير، فقد كان من تلاميذ أحد مشاهير فقهاء الإمامية و هو «سديد الدين محمود بن على الحمصى الحلي» كما أن «محمد بن مكى العاملي» المشهوربالشهيد الأول، و هو من أعاظم علماء الإمامية فى المنقول و المنقول، قد تلقى بعض علومه على أربعين شيخاً من علماء السنة، و كلُّ من فخر الدين الرازى و الشهيد الأول، مشهورفى عقيدته و نحلته فى قومه، ثم ممن وافق الإمامية فى عدم العمل بالقياس النَّظام، و جماعة من المعتزلة، كيحيى الاسكافي، و جعفر بن مبشر، و جعفر بن حرب، و إمام أهل الظاهرابن حزم الأندلسي، و دواد الظاهرى و كلهم من أهل السنة، فهل استقى هؤلاء آراءهم فى إبطال القياس من أصلى شيعى ياتري؟
على أن أثار الطوافى الكثيرة فى الفقه الحنبلى وأصوله، كافية لهدم أقوال المتطرفين من أصحابه فيه لرأى غالى به فى المصالح المرسلة كما يقولون، و يقرب منه قول الحنفية بتخصيص النص العام باالعرف العام، لدفع الحرج والمشقة و الضرر، و كذلك قول المالكية بجواز الاحتجاج بالاجماع و تقديمه على النص، و منهم من قال بجواز نسخ النصوص بالاجماع.
و نكتفى الآن بهذه العجالة،ؤ ما قصدنابها إلا تأليف القلوب، و خدمة البحث العلمي، و الله تعالى من وراء القصد، و هو الموفق5 للصواب؟