تفسیر القرآن الکریم؛ سورة المائدة (8) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة المائدة (8) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس، و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب ان الله قوى عزيز.)) (1)

فليس امام المؤمن فى تقرير الحق، أوالحكم به قرابة، و لا و لاء، و لا مال، و لا جاه، و لا فقر و لا غنى، و لا قوة و لا ضعف، فصاحب الحق هو القريب و ان كان بعيداً، و الغنى و ان كان فقيراً، و القوى و ان كانضعيفاً ((يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الاقربين ان يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا و أنتلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً)) (2)

و لعلنا ندرك من هذه الايات أن العدل قد سمت به التعاليم الالهية عن مواطن التأثر بعواطف الابوة و البنوة، ووضع بازائه ((الحديد)) للاشارة الى أنه مطلوب من العباد، و يجب أن يسلكوا سبيله مهما كلفهم من جهود و تضحيات و لو باستعمال الحديد و النار.

العدل مع الصديق والعدو:

و ثالثها: لم تقف الاية فى العدل عند طلب الشهادة به، بل أكدت هذا بالنهى عن الظلم و لو للاعداء، و حذرت أن تحمل العداوة و البغض على الظلم، و التساهل فىالعدل، و لم تكتف بهذا، بل عادت فأمرت به ((اعدلوا هو أقرب للتقوى)) .

اجمال مواطن الامر بالعدل فى القرآن:

و قد كثرت أوامر الله فى القيام بالعدل،فأمر به عاماً و خاصاً، أمر به مع المخالفين فى الدين، و أمر به فى الحكم و القضاء، و أمر به بين الاولاد و الزوجات و أمر به فى النفس، و آيات ذلك كثيرة شهيرة، فليرجع اليهاو ليتتبعهافى القرآن من شاء.

ــــــــــ

(1) سورة الحديد، 25.

(2) سورة النساء، 135.

النداء الخامس: روايات المفسرين عن سببنزول آيته:

ثم يجىء النداء الخامس ((يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ همّ قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم، فكف أيديهم عنكم، و اتقوالله و على اللهفليتوكل المؤمنون)) و يحاول المفسرون كعادتهم أن يجعلوا الاية اشارة الى حادثة معينة، فيقول بعضهم أنها نزلت فى رجل هم بقتل النبى صلى الله عليه و سلم، و كان بيده السيف، وليس مع النبى سلاح، قام على رأس رسول الله، و قال: من يمنعك؟ قال: الله، فوقع السيف من يده، فأخذه النبى صلى الله عليه و سلم، و قال: من يمنعك؟ قال الرجل: كن خير آخذ، قالالنبى صلى الله عليه و سلم: تشهد ألا اله الا الله و أنى رسول الله؟ قال الرجل: أعاهدك ألا أقا تلك، و لا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فجاء الرجل الى قومه، و قال:جئتكم من عند خير الناس.

و يقول آخرون: أنها نزلت فى قصة النبى مع بنى النضير حينما ذهب اليهم و معه أبوبكر و عمر و على يطلبون منهم الاعانة على قتل رجلين كانمعهما أمان من النبى و لم يعلم به من قتلهما، و كان بين النبى و بنى النضير عهد التعاون فى الديات فلما حضر عندهم لذلك و هو بين أظهرهم، أظهروا له القبول، و قالوا: نعم ياأبا القاسم. قد آن لك أن تأتينا و تسألنا حاجة، اجلس حتى نطعمك و نعطيك الذى تسألنا، فلما جلس بجانب جدار لهم و جدوا أن الفرصة قد سنحت للغدر به، و هموا أن يطرحوا عليهصخرة، فأعلم النبى بذلك من ربه، فانطلق و تركهم.

الاية تذكر بوقائع الاعتداء على المؤمنين عامة:

و الذى نفهمه أن الاية تذكير عام بوقائع الاعتداء علىالمؤمنين، و ماكان من الاعداء من محاولة قتلهم، و التدبير لهم منذ بدء الدعوة و الاستجابة لها الى نهايتها، و لا ريب أن التذكير بها يتضمن التذكير بنعمة الخلاص منها; وتوافر قواهم على رد العدوان، كما يتضمن لفت الانظار الى أسبابها من صدقهم و اخلاص نيتهم و تضامنهم فى رد كيد الكائدين، و كبح جماح الظالمين.

وعمومها يشمل الاولين و الاخرين الى يوم الدين:

و ليس التذكير بهذه النعمة قاصراً على من وقعت لهم تلك الوقائع، بل هى منّة عامة يجب أن يشكرها لله عزوجل كل مؤمن الىيوم القيامة، فالنبى هو الذى قد بلغ الرسالة، و أصحابه هم الذين تلقوها بالقبول و عملوا على نشرها فى الامصار و الجهات حتى وصلت سليمة من التحريف و التبديل الى الذينجاءوا من بعدهم، فهى نعمة عامة شاملة، موصولة النفع بالاجيال كلها الى يوم الدين ان شاء الله، و على المتأخرين الذين يعرفون فضل الله عليهم بهذه النعمة أن يذكروها و أنيقفوا من دينهم، و تعاليم نبيهم موقف السابقين الاولين حتى يكون فيهم لمن بعدهم القدوة الحسنة التى كانت لهم فى آبائهم الاولين، و بذلك ينتفع آخر الامة بما انتفع بهأولها، و تكون الامة الاسلامية كالحلقة المفرغة يقوّى أولها آخرها، و يسلك آخرها سبيل أولها، هكذا يجب أن يكون، ولكن لله فى خلقه شئون و شئون.

عناية القرآن بتذكيرالمؤمنين بحوادث النصر:

هذا و قد عنى القرآن كثيراً بتذكر المؤمنين بحوادث النصر الذى سجله تاريخ الجهاد الاسلامى فى عهد التبليغ، و من ذلك قوله تعالى فى سورةالاحزاب: ((يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً و جنوداً لم تروها، و كان الله بما تعملون بصيراً، اذ جاءوكم من فوقكم و من أسفلمنكم و اذ زاغت الابصار و بلغت القلوب الحناجر، و تظنون بالله الصنوناً هنالك ابتلى المؤمنون و زلزلوا زلزالا شديداً...)) الى أن يقول: ((و رد الله الذين كفروا بغيظهم لمينالو خيراً، و كفى الله المؤمنين القتال و كان الله قوياً عزيزاً، و أنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم و قذف فى قلوبهم الرعب، فريقاً تقتلون، و تأسرونفريقاً، و أورثكم أرضهم و ديارهم و أموالهم و أرضاً لم تطئوها و كان الله على كل شىء قديراً)) (1)

ــــــــــ

(1) سورة الاحزاب الايات من 9- 27.

و قرأ فى مثل هذا من سورة الانفال قوله تعالى فى شأن غزوة بدر: ((اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين)) .(1)

سر هذهالعناية:

و لا ريب أن من أقوى وسائل التربية فى الامم عرض صفحات الماضين، و أنها بما توحى من أسباب القوة، نور يضىء السبيل للسير فى طريق النصر، و الاحتفاظبالمجد الذى كان للاباء.

موازنته بين نصر الله للمؤمنين و خذلانه للمكذبين و المخالفين:

و قد أراد الله فى هذا المقام أن يأخذ المؤمنين الى المثلاتالماضية الاولى، ليؤكد لهم أن المخالفة و العصيان، و نقض العهود فى سنن الاجتماع من أسباب العواقب السيئة التى تنزل بالامة جزاء طبيعيا لمسلكها أزاء الحق و التهاون فيه. ومن هنا قفى ذلك النداء بما كان عن موقف بنى اسرائيل من عهدالله و ميثاقه الذى أخذه عليهم، و سبحت الايات فى ذلك سبحاً طويلا. فلتقرأه من قوله تعالى ((و لقد أخذ الله ميثاقبنى اسرائيل و بعثنا منهم اثنى عشر نقيبا و قال الله انى معكم... الى قوله ((قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الارض فلا تأس على القوم الفاسقين)) .

النداء السادس:

ثم يجىء بعد ذلك النداء السادس ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله و ابتغوا اليه الوسيلة و جاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون، ان الذين كفروا لو أنلهم ما فى الارض جميعاً و مثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم و لهم عذاب أليم، يريدون أن يخرجوا من النار و ما هم بخارجين منها و لهم عذاب مقيم)) .

هذا هو النداء السادس من النداءات الالهية التى اشتملت عليها سورة المائدة، و قد طلب فيه من المؤمنين كما هو ظاهر تقوى الله، و ابتغاء الوسيلة اليه، و الجهاد فىسبيله. و ذيل برجاء الفلاح للمؤمنين اذا هم حققوا ذلك المطلوب، ثم ألحق به

ــــــــــ

(1) اقرأ الايات من 9-14.

ما يرشد الى عاقبةالكافرين الذين لم يعتمدوا فى تهذيب نفوسهم، و اصلاح حالهم على ما رسمه الله للمؤمنين فى هذا النداء، بل أطلقوا لانفسهم العنان تسبح وراء الشهوات و الاهواء الى أنيعاينوا ما أعد لهم من عاقبة سيئة، يحاولون التخلص منها بأعظم ما يمكن أن يقدمه المحرج سبيلا للخروج من المأزق الذى وقع فيه.

لهذا النداء مكانة خاصة على ماقبله و ما بعده من نداءات السورة:

و اذا قورن هذا النداء بغيره من النداءات التى وردت فى هذه السورة، فانه يظهر له مكانة خاصة تأخذ به عن مستوى النداءات كلها، وتجعل له شأناً جديراً بالعناية و التقدير، ذلك أن النداءات السابقة عليه و اللاحقة له يتعلق كل واحد منها بناحية معينة من نواحى التشريع، فالنداء الاول يطلب الوفاءبالعقود، و النداء الثانى يطلب المحافظة على شعائر الله و عدم احلالها، و النداء الثالث يطلب الطهارة حين ارادة الصلاة، و النداء الرابع يطلب القوامة لله، و الشهادةبالعدل، و يحذر الظلم، و النداء الخامس يطلب تذكر نعمة الله على المؤمنين بكف أيدى الاعداء عنهم. و النداء السابع يحذر من التخاذ الاعداء أولياء من دون المؤمنين، و فىمعناه النداء الثامن، يلفت نظر المؤمنين الى أن المسارعة فى موالاة الاعداء ردة عن الدين، ثم يجيىء التاسع بلون آخر يدعو الى شدة الحذر من موالاتهم ((لا تتخذوا الذيناتخذوا دينكم هزواً و لعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و الكفار أولياء)) و النداء العاشر ينكر تحريم الطيبات التى أحلها الله، و يحرم الحادى عشر الخمر و الميسر، ويتعلق الثانى عشر و الثالث عشر بتحريم قتل الصيد الذى ابتلى الله المؤمنين بالتمكن منه فى حالة الاحرام. و يتعلق الرابع عشر بالنهى عن سؤال ما ترك الله بيان حكمة توسعةعلى عباده، كما يتعلق الخامس عشر بتحديد مدى المسئولية التى يحملها المؤمنون فى الدعوة الى الخير، و الامر بالمعروف، و النهى عن المنكر، و يتعلق السادس عشر بكيفيةالشهادة على الوصية فى حالة السفر.

من هذا العرض الوجيز يتبين أن جميع النداءات الواردة فى السورة، خلا النداء السادس يتعلق بشأن خاص.

ما يأمر به هذا النداء هو ملاك الامر كله:

أما هذا النداء فانه يتعلق بملاك الامر كله، و أساس الامتثال فى جميع النداءات، بل فى جميع الاوامر و النواهى، و هوتقوى الله و ابتغاء الوسيلة اليه، و الجهاد فى سبيله.

تذييل الاوامر القرآنية بالامر بالتقوى:

هذا الى أننا اذا نظرنانظرة عامة فى سائر الاوامر و النواهىالواردة فى كتاب الله لوجدناها جميعاً أو جلها يوضع الامر فيها ((بالتقوى)) تمهيداً أو تذييلاً لها.

و ما عليك فى هذا سوى أن تستعرض آيات النداء للمؤمنين، و كذاآيات الاوامر و النواهى المجردة عن النداء، فترى ما قلناه من التمهيد أو التذييل بطلب التقوى قدراً مشتركاً فى أكثرها، فآية البر تختم بقوله ((أولئك الذين صدقوا و أولئكهم المتقون)) ، و آية الوصية تختم بوقوله ((حقاً على المتقين)) . و آية الصوم تختم بقوله ((لعلكم تتقون)) و آية الاهلة تختم بقوله ((و اتقوا الله لعلكم تفلحون)) و آية القتال فىالشهر الحرام تختم

بقوله ((و اتقوا الله و اعلموا أن الله مع المتقين)) .

و آية الحج تختم بقوله ((و اتقوا الله و اعلموا أن الله شديد العقاب)) و بقوله((فإن خير الزاد التقوى و اتقونى يأولى الالباب)) . و آيات الطلاق تختم بقوله ((و اتقوا الله و اعلموا أن الله بكل شىء عليم)) . و آيات الرضاع تختم بقوله ((و اتقوالله و اعلمواأن الله بما تعملون بصير)) . و آية المتعة للمطلقات تختم بقوله ((حقاً على المتقين)) . و آية الربا تمهد بقوله ((يأيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقى من الربا)) .

و بعد: فهذه جولة فى سورة البقرة فقط، تريك كيف اتخذ الامر بالتقوى تذييلا لهذه التشريعات، و عليك باستقراء ما تستطيع أن تستقرئه من هذه الناحية لتصل الى الشق الاخر، وهو شق التذييل فى الاوامر بطلب التقوى، فيستقر فى نفسك ما قلنا فى شأن التقوى من جهة التمهيد و التذييل للاوامر و التشريعات.

ما يدل عليه ذلك من المعنى المقصودللتقوى:

و اذا دل هذا على شىء، فأول ما يدل عليه أن التقوى ليست كما اشتهر عبارة

عن خصوص امتثال الاوامر و اجتناب النواهى حتى تكون عملاجارحياً، و انما هى معنى فى القلب يرجع فى جملته الى تقدير العظمة الالهية، و امتلاء النفس بها امتلاءاً يدفع المؤمن الى المسارعة، و شدة الحرص و الاحسان فى تحقيقأوامر الله و تشريعاته، و يدفع به فى الوقت نفسه الى انعام النظر و قوة التفكير فى ملكوت السموات و الارض لمعرفة أسرار الله فى كونه، و سننه فى خلقه، ثم الاتجاه الى هذهالاسرار، و العمل على اظهار رحمة الله فيها بعبادة، و الوقوف على السنن التى ربط بها بين الاسباب و المسببات، بين السعادة و أسبابها، و الشقاء و أسبابه بين العلم وأسبابه، و الغنى و أسبابه، و العزة و أسبابها... و هكذا الى آخر ما تمليه على العاقل المفكر هذه السنن الثابتة التى لا تتغير و لا تتبدل، و التى لا سعادة للانسان الابتقديرها و العمل بمقتضاها. اذن ليست التقوى إمتثال الاوامر، و اجتناب النواهى، انما هى ذلك المعنى القلبى الذى تفنى به الارادات الانسانية فى ملكوت العظمة الاليهة، وهى الباعث على امتثال الاوامر، و اجتناب النواهى، و هى المحققة للاحسان فى طاعة الله و رسوله، فهى المبدأ و هى المنتهى، و هى الاولى و هى الاخرة.

و لعلنا - لوتتبعنا مواقع التقوى فى القرآن الكريم - نقف فى معناها على أسرار لا تفى الاقلام بتدوينها، فلندع هذا الباب، و قد ثقبنا منه نافذة صغيرة ينفذ منها شعاع على القلب المستعدللتقوى فيدرك معناها، و يستشعر لذتها، و يقف ثملا بعظمة الله كلما سمع قوله تعالى ((ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)) و لنرجع الى النداء.

((يأيها الذين آمنوا اتقواالله و ابتغوا اليه الوسيلة)) . و حسب القارىء منا فى الكلام على التقوى ما أسلفناه و ما أشرنا اليه.

الوسيلة و المراد منها فى هذه الاية:

أما الوسيلة، فقدقال الراغب: الوسيلة التوصل الى الشىء برغبة، و هى أخص من الوصيلة لتضمهنا معنى الرغبة. قال تعالى ((و ابتغوا اليه الوسيلة)) و حقيقة الوسيلة الى الله تعالى، مراعاة سبيلهبالعلم و العبادة و تحرى مكارم الشريعة، و هى كالقربة... انتهى)) .

و قد روى تفسير الوسيلة بالقربة عن كثير من السلف، و عبارتهم: تقربوا اليه بطاعتهو العمل بما يرضيه، و جاءت الكلمة فى الحديث اسماً لمنزلة معينة فى الجنة، فقد روى أن عبدالله بن عمر سمع النبى صلى الله عليه و سلم يقول: ((اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل مايقول ثم صلوا على، فانه من صلى على صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لى الوسيلة، فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله، و أرجو أن أكون هو، فمن سأل لىالوسيلة حلت عليه الشفاعة)) .

هذا و من البين أنه لايمكن حملها فى القرآن على ارادة هذه المنزلة لاختصاصها كما جاء فى الحديث به صلى الله عليه و سلم، و الوسيلةالتى وردت فى القرآن قد اقترن بها ما يجعلها صريحة فى ارادة القربة الى الله، فآيتنا تقول: ((اتقواالله و ابتغوا اليه الوسيلة، و جاهدوا فى سبيله)) و الضمائر لا مرجع لهاسوى لفظ الجلالة، و آية الاسراء تقول: ((قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم و لا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب و يرجونرحمته و يخافون عذابه، و هى ظاهرة فى معنى القربة أيضاً من جهة ما تضمنته الاية من انكار دعوة غير الله مما لا يملك كشف الضر عن الداعين و لا تحويله.

و من هناقال الالوسى: ((كون الطلب هنا للنبى صلى الله عليه و سلم مما لا يكاد يذهب اليه ذهن سليم)) و لما كانت تقوى الله بالمثابة التى شرحنا، و كانت الوسيلة ترجع كما أسلفنا عن((الراغب)) الى مراعاة سبيل الله بالعلم و العبادة، و تحرى أحكام الشريعة، و مكارم الاخلاق، و هما مما يثقل على النفس الانسانية التى تحيط بها الشهوات، و تتحكم فيهاالرغبات، أن تحصل عليه فى يسر و سهولة شد الله أزر الانسان المؤمن بطلب الجهاد فى قطع هذا الطريق الشاق، و قواه على تحمل أعبائه بضمان الفلاح له فى الدنيا و الاخرة، فقال((لعلكم تفلحون)) .

و الاية بعد هذا واضحة فى معناها، واضحة فى هدفها، ليس لها مدلول و لا دلالة على غير ما يتبادر منها و تقضى به بيئتها، و هو الاعتماد فى الوصولالى الله على

المعنى القلبى المؤثر فى امتثال الاوامر و اجتناب النواهى بقصد مرضاة الله، و عن طريق الجهاد فى سبيله، و لم تشر الآية فى قليل ولا كثير الى مشروعية الاعتماد فى الوصول الى الفلاح على شىء من خارج النفس، و قد أيد هذا بتأييد العذاب على هؤلاء الجاهدين الذين ظلوا طول حياتهم يعتمدون فى تقربهم الىالله على دعاء غير الله، و يؤكد لهم أن مدار النجاح و الفلاح ليس على ما يتوهمه هؤلاء فى الامر فديتة، و لو أن لهم جميع ما فى الارض و مثله معه، و قدموا ذلك كله ليكون فداءلهم من العذاب يوم القيامة لم يتقبله الله منهم، و لا يكون له أثر فى تخفيف العذاب عنهم، لأن الله قد رسم لعباده سبيل الفلاح و النجاة، و أنه لا يكون ألا نابعا من قلبالانسان و نفسه، لا تكتسبه من أحد سواه ((قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها)) فمن زكى نفسه بالايمان، و امتلا قلبه بعظمة الله، و اندفع بذلك الى امتثال أوامر الله، كانأهلا لرضوان الله و نعيمه و من دنس نفسه بالشرك، أو ظلمها بالمخالفة و العصيان، و كان مظلم القلب، كان من المغضوب عليهم، المخلدين فى النار، و لا تنفعهم شفاعة، و لاتقبل منهم فدية; اقرأ و تأمل قوله تعالى بعد النداء بطلب التقوى و ابتغاء الوسيلة. ((ان الذين كفروا لو أن لهم ما فى الارض جميعاً و مثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامةما تقبل منهم و لهم عذاب أليم)) .

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن توجهت قلوبهم اليه، و لم يعتمدوا فى قبولهم و نجاتهم الا عليه، وأن يجعل ايماننا زكاة نفوسنا، وثبات قلوبنا، و صلاح أعمالنا و فكاك اسارنا ((يوم لاينفع مال و لا بنون الا من أتى الله بقلب سليم)) .

و الى اللقاء فى العدد المقبل، لنتحدث عن ((النداء السابع)) مننداءات هذه السورة، فنفتتح به العام الجديد لمجلة (رسالة الاسلام) ان شاء الله.

و الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات.

/ 9