تفسیر القرآن الکریم؛ سورة المائدة (11) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة المائدة (11) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تَفْسِيْرُ القُرآنِ الْكَريمْ

لِحَضْرَةِ صِاحِبِ الفَضيلَةِ الاُسْتاذِ الجليل الشيْخمَحْمود شَلتوُتْ

سُورَة المَائِدَة

تلخيص ما سبق ـ النداء الأول في سورة المائدة: مسئولية الالتزام التعاقدى ـ ميثاق الإيمان بينالخالق و المخلوقين ـ من مقتضيات هذا الميثاق التزام التشريع الإلهى وحده ـ التعاقد محترم إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ـ العهد بين الحاكم و المحكوم ـ ميثاق أهل العلم ـالحلال و الحرام و طغيان الناس في التحليل و التحريم افتراء على الله ـ التذكية المعتد بها في الذبائح ـ ماذبح على النضب ـ الإستقسام بالأزلام و ما يشبهه في عصرنا الحاضرـ إباحة الطيبات و ما تصيده الجوارح و تدريب الحيوان ـ إباحة طعام أهل الكتاب و التزوج من نسائهم: هل تباح ذبائح أهل الكتاب مطلقا ـ رأى الجمهور ـ رأى طائفة من العلماءمنهم ابن العربي ـ حكم الأطعمة المستوردة من بلاد الكتابيين ـ لجنة الفتوى تفتي برأيين مختلفين في عهدين ـ دلالة هذا على وجود روح الاجتهاد في علماء العصر ـ رأينا فيالموضوع بعد المقارنة بين الفتويين ـ هل إباحة التزوج بالكتابيات مطلقة؟ ـ رأينا في ذلك ـ النداء الثاني: المحافظة على الشخصية الدينية للمسلمين بايجاب التمسك بالشعائرـ تقديس ما قدسه الله: الشهر الحرام ـ الهدى ـ القلائد ـ قاصدوا البيت الحرام ـ تقديس بعض الأماكن و الأزمان يتيح للناس نوعا من الهدنة و التحصن ـ كلام القرطبى في هذا ـختام النداء الثانى و ما يوحي به من المعانى السامية.

تلخيص ما سبق:

قلنا في العدد السابق إن هذه السورة تسمى سورة ((العقود)) كما تسمى سورة

/صفحه 7/

((المائدة)) و بينا وجه تسميتها بسورة ((العقود)) و وجه تسميتها بسورة ((المائدة)) و بمناسبة هذا عرضنا لمسألة المائدة و ما قيل في نزولها و عدمه، و ما ذكر فيوصفها و تحديد مكانها، و بيّنا الرأى الذى نطمئن اليه في ذلك. كما تكلمنا على ((الحواريين)) و هل كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين و ما تدل عليه الآيات في هذا الشأن. و شرحناالظروف التي نزلت فيها هذه السورة، و أشرنا الى أن الموضوعات التي اشتملت عليها كانت مما تقضي به حالة المسلمين التي صاروا إليها في ذلك الوقت الذى نزلت فيه. كما أشرناإلى جملة من الظواهر التي انفردت بها هذه السورة و كانت لها دلالة و اضحة في معرفة الوقت الذى نزلت فيه، و أنها جاءت متممة للأحكام التي يحتاج إليها المسلمون بعد أن تركزتحالهم و تميزوا عن غيرهم، و صار لهم جوار من أهل الكتاب، يحتاجون إلى معرفة أسس العلاقة بهم، و بذلك كان كل ما احتوته السورة دائراً في جُملته على أمرين بارزين تشريعللمسلمين فى خاصة انفسهم من جهة دينهم و من جهة ديناهم و تشريع لهم في معاملة من يخالطون، و إرشادهم لطرق المحاجة و المناقشة التي كانت تنشب بينهم و بين أهل الكتاب في مايختص بالعقائد و الأحكام و ذيّلنا ذلك العرض بسرد النداءات الإلهية التي وجهت من الله سبحانه للمؤمنين و للرسول عليه الصلاة و السلام، و لأهل الكتاب، و وعدنا القارىءالكريم بالتحدث عما تضمنته هذه النداءات الإلهية من تشريع و ارشاد، و ها نحن أولاء نأخذ في ذلك و بالله التوفيق.

النداء الاول:

((يأيها الذين آمنوا أوفوابالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد و أنتم حرم إن الله يحكم ما يريد)) .

مسئولية الالتزام التعاقدى:

هذا النداء يقرر الأساسفي مسئولية الالتزام التعاقدى، و الالتزامُ التعاقدى شأن اجتماعى خطير. و الوفاء، و الإيفاء. الإتيان بالشىء كاملا غير منقوص. و العقود، جمع عقد، و هو ما يلتزمه المرءلنفسه أو لغيره، و أساسه قد يكون شأنا

/ صفحه 8/

فطريا تدعو إليه الطبيعة، و قد يكون شأنا تكليفيا تدعو إليه العقيدة، و قد يكون شأنا عرفيا يدعو اليهالالتزام و التعاهد، و هذا يكون بين الفرد و الفرد، كما في البيع، و الزواج، و الشركة، و الوكالة، و الكفالة... الى آخر ما تعارفه الناس و يتعارفونه من وجوه الاتفاقات.

ميثاق الإيمان بين الخالق و المخلوقين:

فالفطرة التي فطر الله الناس عليها و ملأ بها الكون بالآيات، و الشواهد الدالة على وجوده و عظمته، ثم منحه الإنسانعقلا به يفكر و يستدل، و تهيئته للنظر ـ هذه الفطرة بمثابة عقد جرى بين الله و الانسان في أن ينظر، و يفكر، و يستدل حتى يؤمن بالله و لا يشرك به شيئا من دونه، و قد ذكرالقرآن هذا العهد و نبه الإنسان إليه، و أقام عليه الحجة به في قوله تعالى من سورة الأعراف: و إذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوابلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون و كذلك نفصل الآيات و لعلهميرجعون.

من مقتضيات هذا الميثاق التزام التشريع الإلهى وحده:

و الإيمان بالله، و رسله و كتبه بمثابة عقد بين المؤمنين و بين الله في أن يمتثل أوامره و يجتنب نواهيه، و يتبع ارشاداته التي تضمنها كتابه، و بينها رسوله، و ألا يحيد عنها قيد شعرة فضلا عن أن يستبدل غيرها بها، و يعتمد عليه في تنظيم حياته الخاصة أوالعامة; فالمحافظة على ما شرع الله من عبادات، و أرشد من معاملات، من مقتضى عهد الإيمان، و التزام ما رسمه الله في انشاء الأسرة من الزواج إلى تربية الأبناء و العدل بينهممن مقتضى عهد الإيمان. و القيام بموجب عقود البيع و الإجارة و الرهن و المداينة و التجارة على ما وضعه الله في كتابه، و بينه رسوله، من مقتضى عهد الايمان. و هكذا يوجبالإيمان القيام بكل ما شرع الله من أحكام.

/ صفحه 9/

التعاقد محترم إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا:

و الارتباط بين الإنسان و أخيه الإنسان في مالا يحرم شيئاً أحله الله، أو يحل شيئا حرمه الله، عقد يجب الوفاء به، و الارتباطات بين الناس ذات ألوان شتى، و أنواع مختلفة و كلها و اجبة الوفاء إلا إرتباطاً أحل حراما،أو حرم حلالا; فالعقود التي يُكره عليها الإنسان و تفقد عنصر الرضا، والعقود التي يتفق فيها على إفساد في الأرض أو استغلال حاجة الضعيف، أو الحصول على أموال من طريق غيرمشروع كالقمار و الرشوة، و الاتجار في الخمر و الخنزير، و ما شابه هذا، كلها عقود يحرم الوفاء بها و تجب محاربتها و القضاء عليها و تطهير المجتمع منها.

و الآيةبعمومها تتناول العقود التي تكون بين أمة و أمة، كما تناولت ما يكون منها بين الفرد و الفرد، و للقرآن الكريم موقف واضح في هذا النوع من العقود، يطلب فيه بنوع خاص ألا يمسالتعاقد القانون الأساسى للإسلام، و أن يكون مبنياً على التراضى و الاطمئنان من الجانبين، و أن يكون و اضحا في تحديد الالتزامات و الحقوق و الواجبات تحديداً لا يدع مجالاللتأويل و محاولة الخروج عن العهدة، و من ذلك يرى الإسلام ان التعاقد الذى يتضمن انتهاد الحرمة الشخصيه الاسلاميه فى بلاد الاسلام كالحكم في الأعراض و الأموال بغير ماأنزل الله، و كمنح غير المسلمين في بلاد الإسلام حقوقا تفسد أخلاق المسلمين و لا تتفق و سلطانهم في بلادهم ـ تعاقد باطل يحرم الوفاء به و يجب نقضه، و كذلك يرى أن التعاقدالمأخوذ بسيف القهر و سلطان الضغط و القوة، و التعاقد الذى يتخذ وسيلة للاحتيال على السلب و الاغتصاب، تعاقد باطل يجب نقضه و يحرم الوفاء به.

عهد بين الحاكم والمحكوم:

و تتناول الآية بعد هذا كله عهد الحكم بين الحاكم و المحكوم، و كثيراً ما عرض القرآن لهذا العهد ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتمبين الناس أن تحكموا بالعدل)) . هذا من جهة الحاكم، أما من جهة المحكوم فالطاعة و تنفيذ الأحكام و القوانين ما لم تكن في معصية الله ((أطيعوا الله و أطيعوا الرسول

/صفحه 10/

و أولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شىء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا)) .

ميثاق أهل العلم:

و تتناول عهد العلم بالبيان و الإرشاد بين العالم و الناس، و قد عرض له القرآن أيضاً، و حذر نقضه بالكتمان أو التحريف ((و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننهللناس و لا تكتمونه)) ((إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و يشترون به ثمناً قليلا اولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار و لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهمعذاب أليم. أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى و العذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار)) .

الحلال و الحرام و طغيان الناس في التحليل و التحريم افتراءً علىالله:

و بعد أن وضح الله هذه ((الكلية)) العامة الشاملة لجميع أنواع العقود على النحو الذي شرحنا، أخذ يفصل بعض ما تتناوله تلك الكلية في ما يتصل بحاجة الإنسانالشخصية و هى الطعام الذي به قوام حياته، و الذى كان للناس في جميع أطوارهم بالنسبة اليه مذاهب و آراء في ما يطعمون منه و ما لا يطعمون: يحرمون منه ما شاءوا، و يحلون منه ماشاءوا، تبعاً للأهواء و الأوهام، و قد أشار القرآن كثيراً ـ في هذا الشأن ـ إلى تصرفاتهم التي كانوا بها يحللون و يحرمون و إنك لتقرأ في سورتنا هذه: ((ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة و لا وصيلة و لا حام و لكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب و أكثرهم لا يعقلون)) .

و هذه أنعام كانوا يحرمونها بأهوائهم، و البحيرة، هى الناقة التيكانوا يبحرون أذنها. أى يشقونها شقاً واسعا. و كانوا يفعلون بها ذلك اذا ولدت خمسة أبطن أو عشرة على اختلاف الرواية في ذلك. و يقصدون بذلك الشق الدلالة على تحريم أكلها أوالانتفاع بها ركوبا، أو حملا عليها. و السائبة: هى الناقة التي كانت تسيب بنذرها للآلهة فترعى حيث شاءت. و لا يحمل عليها شىء، و لا يجز صوفها، و لا يحلب لبنها إلا لضيف، والوصيلة: هى الشاة التي تصل الأنثى بالأنثى في النتاج،

/ صفحه 11/

ليس بينهما ذكر. و الحامي: هو فحل الضراب و التلقيح، كانوا إذا أتم عدداً مخصوصا منالضراب يحمون ظهره و يتركونه دون أن ينتفعوا به.

نفي الله مشروعية ذلك كله، و جعله من تصرف الأهواء و الأوهام، و اغتصاب حق التحليل و التحريم الذى هو لله وحده.و قد رأينا لهذه العادة الضالة بقايا حتى فيما بين المسلمين في ما ينذرونه من الأنعام للأولياء، و المقربين: و ان اختلفت صور التقليد و التعليم للمنع و التحريم، و قد عرضتلذلك سورة الأنعام في مناقشة طويلة و تهكم

واضح من تصرفاتهم في التحليل و التحريم على هذا الوجه أو غيره مما كانوا يعتادون ((و جعلوا لله مما ذرأ من الحرث و الأنعام)) (( وقالوا هذه أنعام و حرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء ـ بزعمهم ـ و أنعام حرمت ظهورها و أنهام لا يذكرون إسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون)) . ((ثمانية أزواجمن الضأن اثنين و من المعز اثنين، قل آلذكرين حرّم أم الأنثيين أما اشتلمت عليه أرحام الأنثيين نبئونى بعلم ان كنتم صادقين، و من الإبل اثنين، و من البقر اثنين قل آلذكرينحرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء اذ و صاكم الله بهذا، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لايهدى القوم الظالمين)).

و لعل في هذا التقريع الشديد و التهكم اللاذع لفتا لأنظار هؤلاء الذين يجعلون لأنفسهم باسم تدينهم حق تحليل ما حرم الله، و تحريم ما أحل، الى أن التحليل والتحريم التعبّدين من خصائص الألوهية وحدها، و أن التصرف في المخلوقات بالتحليل أو التحريم ليس مما فوّض أمره الى البشر، نعم هناك من الشئون و الأعمال ما يبيحه اللهباعتبار ذاته و بقطع النظر عما قد يترتب عليه من أضرار و منافع، و مثل هذا قد أعطى للانسان الحق في تحريمه اذا كان حلالا متى تيقّن أو غلب على ظنه أنه سبيل لضرر أو ايذاء،كما أعطى الحق في ايجابة متى تيقّن أنه سبيل لدفع ضرر محقق أو جلب خير لا بد منه لصالح الفرد أو الجماعة، و هذا أصل عظيم في التشريع الإسلامى يجب التنبه له و الانتفاع بهفي ما تتوارد عليه المنفعة و المضرَّة بحسب الظروف و الأحوال.

/ صفحه 12/

و أمام هذا الطغيان في التحليل و التحريم بيّنت السورة ما أحله الله و ما حرمه،و ساقت في ذلك قوله تعالى ((أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد و أنتم حرم)) و معناه أن الأنعام و هى الابل و البقر و الغنم، أو هى و ما يشبهها من بقرالوحش و الظباء و نحوها حلال الا ما بينه الله بعد، و الا ما صدتموه و أنتم محرمون، فإن الأول حرام على الاطلاق، و الثانى حرام ما دمتم في الحرم أو محرمين، و قد ذكر الأولبقوله تعالى في السورة ((حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به و المنخقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع إلا ما ذكيتم و ما ذبح علىالنصب و أن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق)) . و ذكر الثانى بقوله في السورة نفسها ((يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و من قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل منالنعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما ليذوق و بال أمره عفا الله عما سلف و من عاد فينتقم الله منه و الله عزيز ذو انتقاماحل لكم صيد البحر و طعامه متاعا لكم و للسيارة، و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما و اتقوا الله الذى اليه تحشرون)) .

و مما ينبغى التنبه له أن محرمات الطعامنزلت قبل هذه السورة في ثلاث سور نزلت في سورة الأنعام ((قل لا أجد في ما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهللغير الله به فمن اضطر غير باغ و لا عاد فإن ربك غفور رحيم)) . و نزلت في سورة النحل بصيغة ((انما حرم عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغو لا عاد فإن الله غفور رحيم)) . ثم نزلت في سورة البقرة على نحو ما جاء في سورة النحل، و نزلت في سورة المائدة على نحو ما رأيت، و قد جاء فيها تفصيل لم يكن في ما نزل قبلها،كما أن ما نزل قبلها، مكياً كان أو مدنياً جاء فيها تفصيل لم يكن في ما نزل قلبها، كما أن ما نزل قبلها، مكياً كان أو مدنياً جاء بصيغة الحصر الصريح الواضح، أما هى فقداستفيد الحصر فيها من قوله في صدر الآية (( أحلت لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم)) . و الذي تلى عليهم هو المذكور في قوله: ((حرمت عليكم الميتة)) الى آخرة، و لم يخرج فيجملته عن الأربع التي سيقت

/ صفحه 13/

بصيغة الحصر الواضح في الآيات الثلاث الأخر، و للفقهاء في هذا المقام كلام كثير حول ما أذا كان و راء هذه الاربع محرماتأو لا، و قد قال الرازى

في تأييد القول بالحصر. و أنه ليس في ما و راء الأربع محرم: انه الحكم المستقر في الشريعة من أولها الى آخرها، و انه ذكر في المكى و أيّد فيالمدنى، و ان مدار الشريعة على أن الأصل عدم النسخ، و أن نسخ القرآن بخبر الواحد لايجوز، و ختم كلامه بقوله: ((فثبت بالتقرير الذى ذكرناه قوة هذا الكلام و حجة هذا المذهب، وهو الذى كان يقول به مالك بن أنس رحمه الله)) (1)

التذكية المعتد بها في الذبائح:

هذا و قد دل قوله تعالى في آية المائدة ((الا ما ذكيتم)) على أن مالم يمت منالمذكورات قبل، بالخنق و ما عطف عليه و ادرك و فيه حياة ماو ذكى كان حلالا طيب الأكل لاخبث فيه و ان كانت الاصابة في مقتل، و قد روى أن ابن عباس، سئل عن ذئب عدا على شاة فشقبطنها، ثم انتثر قصبها (( أمعاؤها)) فأدركت ذكاتها فذ كيت؟ فقال: كل و ما انتثر من قصبها فلا تأكل، و قال اسحاق بن راهويه السنة في الشاة على ما وصف ابن عباس، فإنها و ان خرجتمصارينها فإنها حية بعد، و موضع الذكاة منها سالم، و انما ينظر عند الذبح أحية هى أم ميتة؟

و لا ينظر الى الفعل هل يعيش مثلها معه أو لا؟ و قال ابن اسحاق: و منخالف هذا فقد خالف السنة من جمهور الصاحبة و عامة العلماء، و قال ابن العربى: اختلف قول مالك في هذه الأشياء فروى عنه أنه لايؤكل الا ما ذكى بذكاة صحيحة و الذى في الموطأأنه اِن كان ذبحها و نفسها يجري و هى تضطرب فليأكل و هو الصحيح من قوله الذي كتبه بيده و قرأه على الناس من كل بلد طول عمره، فهو أولى من الروايات النادرة، و قال القرطبي:أطلق علماؤنا على المريضة أن المذهب جواز تزكيتها و لو أشرفت على الموت اذا كانت فيها بقية حياة، وليت شعري أى فرق بين بقية حياة من مرض، و بقية حياة من سبع لو اتسق النظر وسلمت

(1) انظر الرازى في سورة الأنعام ج 4

/ صفحه 14/


/ 2