تقريب الاقطار الاسلامية
لحضرة الفاضل الأستاذ عبد الحليم كاشف الغطاء بعد الحرب العالمية الأولى تسهلتطرق المواصلات بين أرجاء العالم، بانتشار و سائل النقل الحديثة، كالقطار و السيارة و الباخرة و الطائرة، و كان من اللازم أن يزداد التزاور و التنقل و التقارب بين الأقطارالإسلامية، و لكن مع الأسف لم يحدث ذلك بل حدث ما هو عكس ذلك بأن ضعفت الصلة بين الأقطار الإسلامية بسبب زيادة تدخل الدول الأوربية فى الممالك الإسلامية و تقسيمها إلىمناطق مستعمرة أو مناطق نفوة بين المستعمرين، فوضعت جوازات السفر و القيود الشديدة على المسافرين، و رسوم الجمارك الباهظة على البضائع، و ضعف التبادل التجارى و التعاونالثقافى، و فى الحقيقة انعزالت بعض الأقطار الإسلامية انعزالا تاما عن غيرها، مثل تونس و الجزائر و مراكش و طرابلس الغرب، و تركيا و القفقاس و تركستان و ففى القديم كانتالصلات السياسية و الثقافية و التجارية أقوى منها فى الوقت الحاضر للأسباب الآتية: 1- لم تكن الأقطار الإسلامية مقسمة سياسياً إلى هذه الدرجة، بل نشأت فى أزمانمختلفة دول إسلامية كانت تحكم مناطق واسعة كالدولة الأموية، و صدر الدولة العباسية، و البويهية، و السلجوقية، و الفاطمية، و الصفوية، و العثمانية، و غيرها.
2- لم تكنقيود على السفر و التنقل، و قا قام فى الماضى كثير من العلماء و الشعراء برحلات واسعة فى الأقطار الإسلامية منهم: أحمد اليعقوبى، أبو على القالى صاحب الأمالى، علىالمسعودى المؤرخ، أبوعبد الله المقدسى،
/ صفحه 46/أبوالريحان البيرونى، الشاعر أبو تمام، الشاعر المتنبى، ابن البيطار المالقى النباتى، جار اللهالزمخشرى، أبو سعد السمعانى، ابن عسا كراالدمشقى، أبو عبدالله الشريف الإدريسى، ابن جبير صاحب الرحلة، أبو الحسن السائح الهروى، ياقوت الحموى صاحب معجم البلدان، محمدالفيروز آبادى صاحب القاموس، أحمد بن عربشاه، ابن خلدون، ابن بطوية صاحب الرحلة، جلال الدين السيوطى، السيد مرتضى الزبيدى صاحب تاج العروسى، أبو العباسى المقرَّرى صاحبنفح الطيب، عبد الغنى النابلى، الشيخ بهاء الدين العاملى، الحكيم ناصر خسرو صاحب الرحلة بالفارسية و غيرهم. و بعض هؤلاء قد شاهد جميع الأقطار الإسلامية تقريبا، فالمؤرخاليعقوبى ساح فى بلاد الإسلام شرقاً و غربا: رحل إلى أرمينية و الهند و مصر و بلاد المغرب، و المسعودى نشأ فى بغداد وجاء مصر و رحل فى طلب العلم إلى أقصى البلاد، فطاف فارسو كرمان سنة 309 ه حتى استقر فى اصطخر. و فى السنة التالية قصد الهند و سيلان و ركب البحر إلى بلاد الصين ثم عاد إلى عمان، و رحل رحلة سنة 314 إلى ماوراء آذربيجان و جرجان، ثمإلى دمشق، و استقر أخيراً بمصر و نزل الفسطاط سنة 345ه، و توفى فى السنة التالية. و عبد الكريم أبو سعد السمعانى قد رحل فى طلب العلم و الحديث إلى شرق الأرض و غربها و شمالهاو جنوبها و توفى سنة 562 ه. و ابن بطوطه أبو عبد الله محمد بن محمد عبد الله اللواتى الطنجى صاحب الرحلة ولد فى طنجة 703 ه و خرج من بلده عام 725 ه للحج ثم أخذ فى الرحلة، فبدأيالحرمين فالشام فالعراق ففارس فما بين النهرين فآسيا الصغرى فبخارى و أفغانستان إلى دلهى، و .قام هناك سنتين قاضيا، و أنفذه السلطان تغلق فى بعثة إلى الصين فوصل إلىملدافيا و أقام فيها سنة و نصف سنة، ثم رحل إلى سيلان و الصين فوصل إلى ملدافيا و أقام فيها سنة و نصف سنة، ثم رحل إلى سيلان و الصين و عاد إلى بلده سنة 750 ه و رحل فى السنةالتالية إلى غرناطه. ثم إلى السودان سنة 752 ه فدخل ملى و تمبكتو و توفى سنة 779 فى مراكش.
3- الهجرة إلى طلب العلم.
4- كانت المتاجرة منحصرة تقريباً مع الأقطارالإسلامية، أما الآن فالتجارة مع البلاد الغربية أوسع من التجارة مع البلاد الإسلامية.
5- زيارة الأمكنة المقدسة.
6- تكريم الملوك و الخلفاء لأهل العلم و الأدب والفن الوافدين عليهم.
و إن كنت أرى أنه من الممكن تكوين «اتحاد إسلامى» للأقطار الإسلامية بعضها مع بعض، و لكن يحول دون ذلك فى الوقت الحاضر موانع كثيرة أهمها:
1-الاستعمار و النفوذ الأجنبى.
2- وجود حركة قومية فى الأقطار الإسلامية مناوئة للحركة الإسلامية.
3- إنشاء الدول الحديث على ضوء الحدود الجغرافية، و العنصر الذىتمت إليه الشعوب القاطنة فى ضمن تلك الحدود، و الاختلاف فى اللغة يعتبر غالبا دليلا على اختلاف العنصر أو القومية. و هذا الأمر لا يتنافى مع التحاد غير مركزى و إن تعارض معوحدة مركزية، و مع كل ذلك، بما أن العالم الإسلامى فى الوقت الحاضر مهدد بالأخطار، و العمل بصورة جدية فى سبيل تقارب المسلمين أمر ضرورى، فهناك الخطر الصهيونى، و خطرالاستعمار الأمر يكى الجديد بالاضافة إلى المستعمرين القدماء، و الخطر الشيوعى. و من الممكن زيادة تقارب الأقطار الإسلامية بواسطة الأمور الآتية:
1- تسهيل معاملةجواز السفر و السماح بالسفر إلى الأقطار الإسلامية طيلة السنة.
2- تحسين المواصلات بين الأقطار الإسلامية.
3- تشكيل المؤتمرات.
4- الرحلات المدرسية.
5- قبولعدد معين من طلاب العالم من الأقطار الإسلامية فى مدارس كل قطر على حساب حكومة ذلك القطر.
/ صفحه 48/6- العناية باللغات الشرقية الأربعة: العربية والفارسية و التركية و الأوردية.
7- تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات من الأقطار الإسلامية، و رفع قيود التجارة، و عقد المعاهدات التجارية.
8- التقريب بينالمذاهب الاسلامية.
9- عقد حلف عسكرى بين الدول الإسلامية للدفاع عن الأقطار الإسلامية.
10- السعى لا ستقلال الأقطار الإسلامية المستعمرة.
11- تشكيل الجمعياتالتى تسعى فى كل قطر لتحرير المسلمين و تقدمهم و تقاربهم، و تؤيد فكرة الاتحاد الإسالمى و توضح فوائده للمسلمين و للسلام العالمى. وقد سرتنا فى الآونة الأخيرة مساعى بعضرؤساء الدول الإسلامية و ملوكها فى سبيل تقارب الدول الإسالمية، و هم صاحب الجلالة محمد رضاشاه ملك ايران، و صاحب السمو عبد الإله الوصى على عرش العراق، و صاحب الجلالةفاروق الأول ملك مصر و السودان، و صاحب الفخامة رئيس وزراء الباكستان ناظم الدين كما أنه توجد حركة عند رجال العلم و ا لدين و السياسة فى هذه الأيام تسعى لتقارب المسلمينخصوصاً من سبقت له جهود فى الحقل الإسلامى، نذكر منهم: سماحة الوالد الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء فى العراق، و كان قد بذل جهوداً فى خدمة المسلمين عن طريقالمؤلفات و الخطب التى تساعد فى التقريب بين المذاهب الإسلامية، و نبذ الخرافات، و عن طريق التجول و المذكرات السياسية و غير ذلك، و سماحة السيد أمين الحسينى، و معالىمحمد على علوبة باشا و الأستاذ محمد فريد و جدى بك، و سماحة الشيخ محمد تقى القمى فى مصر، و سماحة آية الله أغا حسين البر و جردى، و سماحة حجة السلام السيد أبوالقاسمالكاشانى، و سماحة حجة الإسالم السيد محمد سيد العراقين فى ايران، و سماحة محمد حسن الأعظمى فى الباكستان، و سماحة الشيخ مصطفى السباعى فى سوريا، و غيرهم، حقق اللهالآمال و نصر المسلمين بنصرتهم لدين الله، «إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم».