بحث عن الدولة العباسیة (2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بحث عن الدولة العباسیة (2) - نسخه متنی

السید محمدرضا الشبیبی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بحث عن الدولة العباسية

بحث عن الدولة العباسية

لحضرة صاحب المعالي السيد محمد رضا الشيبي

وزيرالمعارف السابق بالعراق

- 2 -

العصبيات القبلية ـ أسبابها و نتائجها:

تناول المؤرخون من قدماء و محدثين موضوع هذا التنافر العنيف و الجفاء القديم بين القحطانيين و اليمانيين، و عنوا بالبحث فيبواعثه و أسبابه، و للمؤرخ المسعودى رأى حاول فيه رد هذه المنافرات إلى أثر الشعر و الشعراء في حماية الاعراض و الذب عن الاحساب و تخليد المآثر، كما فعل الكميت في قصيدتهالتي يذكر فيها مناقب قومه في مضر و ربيعة و إياد و أنمار، و يكثر من تفضيلهم، و يطنب في نعوتهم، و أنهم أفضل من أبناء قحطان. و كان لاقوال الكميت أثرها في إحداث العصبية،أو الجفاء بين اليمنية و النزارية، و لم يجد شعراء اليمانية بداً من الرد على الكميت كما فعل دعبل الخزاعي، فذكر في قصيدة له عارض بها قصيدة الكميت: مناقب اليمن ومحاسنها، و افتخر بملوكها، و عرض بغيرهم. وكما فعل زياد الاعجم في الدفاع عن قبيلته حتى أحجم الفرزدق عن هجائها، و لهم في هذا الباب أخبار كثيرة، كما كان لكل قبيلة شاعرهاو خطيبها في المشاهد و المواسم و الايام و في المنافرات و المفاخرات.

شاعت هذه المنافرات بين قبائل العرب من قحطانيين و عدنانيين، ففخر بعضها على بعض، و أدلي كل فريقبما له من المناقب، و تحزب الناس، و ثارت العصبية في البدو و الحضر، حتى أن مروان بن محمد الجعدى لم يكتم تعصبه لقومه

 

/ صفحه 139/

من نزار على اليمن،فاضطر هؤلاء إلي تأييد الدعوة العباسية، ثم تلا ذلك ما تلاه من قصة معن بن زائدة في اليمن و قتله أهلها تعصباً لقومه من ربيعة، و نقض الحلف القديم المبرم بين القبيلتين، وما فعله عقبة بن سالم بعمان و البحرين، و

قتله من قتل من أحياء ربيعة كياداً لمعن بن زائدة، و تعصباً لقومه من قحطان، إلي غير ذلك من الاحداث الدامية(1)

و للمحدثينمن المؤرخين آراؤهم في منشأ هذه العصبيات القبيلة المذكورة، فمردها ـ فيما يراه بعضهم ـ إلى تباين المنشأ و البيئة و اختلاف الأخلاق و الطباع، فالقبائل العدنانية تميلغالبا إلي الحياء البدوية خلافا للقحطانية، فإن منشأها في بلاد عريقة في الحضارة و في تأسيس الدول و إنشاء الحكومات.

و يميل بعض المتحاملين على العروبة و الإسلام منالمستشرقين إلي القول بأن هذه الخصومة مظهر من مظاهر الخلاف بين المهاجرين و الانصار(2)، و يزعم فريق آخر منهم أن هذه المنافرات قامت على أساس من اختلاف الجنس،فالعدنانيون في الشمال عرب خلص لا تشوب دماء هم شائبة، و القحطانيون في الجنوب تشوب دماءؤهم شائبة من دماء شعوب أخرى: إما حامية، و إما آرية.

وليس هذا الرأى بشيء، فإنالقحطانيين بعد هجرتهم إلي الشمال تواغلوا في البداوة كالعدنانيين أوا أكثر من ذلك، بل كانت اليمن تسود ساداتها على

 

/ صفحه 140/

النسب كما كانت مضرتسودهم على أصالة الرأي، و ربيعة على تعجيل القرى و إطعام الطعام.

هذه آراء رهط من المؤرخين المحدثين أو المستعربين، و هي كماترى آراء مدخولة على الاكثر، و الحقيقة أنالفخر بالاحساب، و الاعتزاز بالأنساب أو الطعن فيها، من السجايا التي جبل عليها العرب و لم يفارقوها حتى اليوم، و لن يفارقوها إلي ما شاءالله، مع أن الغلو في هذا الضرب منالتفاخر منهى عنه في الاسلام، و لكن هذا الانسان قد يصبو إلى

 

ـــــــــــ

1- انظر مروج الذهب (2 / 139. 141) عن رأي المسعودي في منشأ هذه العصبية.

2-المعروف أن الخلاف وقع بين الاوس و الخزرج في الجاهلية ـ و هو الانصار بعد ذلك ـ بسبب التفاخر و المنافرات، وقد تطاولت الحروب بين الحيين عشرات من السنين إلي أن أشرفواعلى الفناء، و لكن الشحناء ارتفعت من بينهم بدعوة الإسلام، فأصبحوا يداً واحدة، أنظر عن الحرب بين الاوس و الخزرج قبل الإسلام، خزانة الادب للبغدادى (4 / 208 - 211) طبعةالسلفية.

 

أنظر ما أورده الجاحظ في كتاب: «شرائع المروة»

أنظر عن أشهر منافراتهم في الجاهلية شرح المقامات للشريفى و الاغانى. و قد وضعت كتب في منافراتالجاهلية منها كتاب منافرات العرب لابي عبيدة.

دين غير دينه، أو ينتحل عقيدة غير عقيدته، ثم تبقي كثير من سجاياه و أخلاقه الفظرية كما هي في كثير من الاحيان.

أضعفإلي ما تقدم أن هجرة القبائل من الجنوب إلي الشمال في سبيل العيش و حيازة الاراضى و المراعى الخصبة ـ كهجرة القبائل اليمانية و نزوحهم إلي الجهات الشمالية، و مجاورتهمللقبائل العدنانية ـ من أهم الاسباب في تكوين تلك الضغائن المتوارثة، و انتقالها من جيل إلي جيل.

المنافرات بعد الإسلام:

هذا ما كان في الجاهلية: و لما جاءالإسلام، اعتز العدنانيون به على القحاطنيين، فالرسول الكريم سيد ولد عدنان ولكن القحطانيين حتي بعد إسلامهم ظلوا ـ كما هوشأن العرب ـ يفخرون بمآثرهم فى الجاهلية، و لميستأصل الدين عاطفتهم المذكورة، أو ينتزع ما تأصل في نفوسهم أو خالط دماءهم من هذا القبيل، فكانت لهم في مجالس ا لامويين و العباسيين مواقف معروفة في المفاخرات والمناظرات.

كانت منازل الامويين و العباسيين و أعيان هاتين الدولتين ملتقي السراة من رجال القبائل يمنية و مضرية، و مجتمع العلماء من مختلف المنازع و المشارب، و كانتفي بعض أصحاب تلك المجالس نزعة ملحة إلى التعرف و الاستزادة من العلم و الاطلاع فكانوا يغرون بين زوارهم ورواد مجالسهم و يدفعونهم إلي المناظرات و المماتنات في هذا الشأن، و هي مماتنات بريئة فيها مادة أدبية أو تاريخية غريزة، و فيها بلاغة

 

/ صفحه 141/

و بيان عربي حر، و لايوجد لهذا الادب نظير في تاريخ آداب الأممغير الاداب العربية.

وكانت لتلك المجالس قوائدها و عوائدها المهمة في تحريك المواهب و إثارة البحث في أصول القبائل و فروعها و أيامها و أخبارها، و في مثالبها ومناقبها و حكمها و أمثالها، و في عاداتها و أو ابدها(1).

 

ـــــــــــ

1- النظر عن بعض هذه المفاخرات بين مضر و اليمن مهذب تاريخ ابن عساكر (5/58 - 59) و قد يكون شطرمن هذه المفاخرات من وضع الاخباريين، و انظر البيان و النبيين (1/103) و مروج الذهب، (1/238) و العقد الفريد (3/213)، و انظر ما كان يجري من هذا القبيل في مجالس عبدالله بن عامر فيالبصرة، البيان و التبيين (1/122). و عبدالله بن عامر هذا: من أشهر ولاة البصرة و له ترجمة في كتاب الاستيعاب (1/387 - 388) و عن مجالس البصريين فى التفاخر بأيام العرب في الجاهليةانظر العقد الفريد( 3/365).

 

الجاهلية لليمن و الإسلام لمضر:

و هذه المفاخرات في العصور المذكورة كثيرة، و أحسن مثال لها ما وقع في بعض مجالس العباسيين والامويين، و يلاحظ أن الدائرة تدور على اليمن في هذه المناظرات غالباً، لو قوعها في بلاد جل زعمائها من مضر، و في عصر هو عصر المضرية و حسبنا أن مثالب اليمن كلها جمعت فيكلمة موجزة قذف بها في وجوه زعمائهم خالدبن صفوان الاهتمي التمميمي(1) خطيب البصرة و عالمها بالأنساب و الاخبار

 

/ صفحه 142/

 في عصره، و لبعض علماءالنسب من العرب كلمة قيمة أجمل فيها المفاخرة بين العدنانيين و القحطانيين فقال: «الجاهلية لليمن و الإسلام لمضر» و قد أص اب هذا النسابة، و هو دغفل بن حنظلة(2) فيما قال،فمن الملاحظ أن جل مفاخر اليمن تعود إلي عصر الجاهلية، و حق لليمن أن يفخروا بماضيهم المجيد في الحضارة و الصناعة و الفنون، فانهم أنشأوا مدناً عظيمة و شيدوا قصورا ضخمةكقصر غمدان مقر التبابعة، و بنوا سد مأرب و مصانع المياه، و كان لهم ملوك و أقيال دوخو الارض و استولو على كثير من الاقطار، و هكذا نجدهم في سائر مفاخرهم يرجعون إلى أبعدعصور

 

ـــــــــــ

1- قال خالدبن صفوان، و هو بذكر فيما يزعم مثالب اليمن في مجلس السفاح: «ما ذا أقول القوم كانوا بين ناسج بر، و دابغ جلد، وسائس قرد، و راكبعرد، دل عليهم هدهد، و أغرقتهم فأرة، و ملكتهم امرأء؟» رويت هذه الكلمة ـ مع بضع الاختلاف في روايتها ـ في كثير من كتب الادب و التاريخ و ممن رواها اجاحظ في البيان والتبيين (1/103) و ابن عبد ربه في العقد الفريد (2/213، 339) و المسعودى في مروج الذهب (1/283). و هذه الكلمة في الذورة من البلاعة عند القوم، و لا يكتم الجاحظ إعجابه بخالد و إكبارهله، و يعني ينقل أقواله و كلماته في كتبه، و قد علق على كلمته المذكورة بقوله: «لئن كا ن خالد قد فكر و تدبر هذا الكلام إنه للرواية الحاف و المؤلف المجيد، و لئن كان شيئاحضره فما له في الدنيا نظير» إلي أن قال: «و لكلام خالد كتاب في أيدى الوراقين». انظر عن خالدبن صفوان و عن أخباره و أقواله البيان و التبيين «2/7، 72، 114، 129، 131» و «2/184» و تجدأوسع ترجمة له في تاريخ دمشق لابن عساكر «5/53 - 63».

2- دغفل بن حفظلة السدوسي الشيباني، قيل: له صحبة، و قتلته الازارقة، و في أمثالهم: «أنسب من دغفل». و لقبه عندالجاحظ: «العلامة» وعده من الرؤساء

عن كلمة دغفل المذكورة العقد الفريد «2/213» و لدغفل ترجمة مطوله في مهذب تاريخ ابن عساكر «5/242 - 247» و له ذكر في فهرست ابن النديم،كما أن له ترجمة في الاستيعاب لابن عبدالبر«1/173»

الجاهلية، ففى الجود يذكرون حاتما الطائى، و في الشعر امرأ القيس، و في الحروب و الفتوح الاذواء(1) وأقيال حمير، وملوك غسان، و المناذرة و الضجاعمة، و في الفتوة و الشجاعة: فرسان الازد، و همدان أحلاس الخيل، و كل هؤلاء جاهليون عريقون في الجاهلية.

والواقع: أن نصيب اليمن منالمآثر بعد الإسلام غير قليل، فإن منهم الانصار و هو الاوس و الخزرج أعز الناس نفساً و أشرفهم همما، لم يؤدوا إتاوة

 

/ صفحه 143/

إلي أحد من الملوك، وقد حاربهم تبع الاكبر فامتنعوا عليه، و من اليمن عدد غير قليل من أشهر مشاهير الصحابة و التابعين و تابعي التابعين، و قد روى في فضل اليمن ما روى من الاحاديث (2)

العباسيون و الحزب العباسي:

أجمع المؤرخون على أن جل شيعة بني العباس من أهل خراسان، و تلك هي الحقيقة، و لكن هذا الاجماع يوهم في ظاهره أن هؤلاء الخراسانيين برمتهمأعاجم، و قد بالغ بذلك رهط من المتشرقين المتأخرين و قو م قلدوهم من الشرقيين، و لا غرض لهم إلا التعريض ببني العباس و أن دولتهم صنيعة الموالي و الاعاجم، و في هذه الاقوالما فيها من الغلو و الاغراق.

إن التأمل الجيد في نصوص التاريخ كفيل بإزالة هذا الوهم، فإن قدماء المؤرخين و ثقاتهم إذا قالوا: «أهل خراسان» لم يقصدوا الاعاجم وحدهم، وإنما كانوا يقصدون بهذه العبارة ـ في كثير من المواضع ـ القبائل العربية المقيمة في خراسان، و لا تنكر مساهمة هذه القبائل في خدمة الدعوة العباسية، فأهل خراسان معناهأصحاب خراسان من العرب

 

ـــــــــــ

1- انظر عن أذواء اليمن الأدب للبغدادى «2/252 254» و كتاب: الاشتقاق لابن دريد.

2- انظر عن آراء علماء النسب فيبيوتات اليمن و بيوتات مضر و المفاخرة بينهما، العقد الفريد (2/211 - 254) و انظر أساليبهم في معرفة الانساب و أفوالهم في القبائل العقد الفريد (2/13) و يستحسنون في ترتيب طبقاتالانساب العربية ما أورده الماوردى في الاحكام السلطانية (180) طبعة الاتحاد، و انظر عن خبرتهم بهذا الفن نهاية الارب للقلقشندى (366) طبعة بغداد.

غالبا، و إنك لتجدمدلول هذه العبارات على هذا الوجه واضحا في خطب الولاة و الامراء و في أقوال المؤرخين، تجدها كذلك في خطب نصر بن سيار عامل الامويين(1) و في خطب قتيبة بن مسلم و غيرهما

 

/ صفحه 144/

من الأمراء، و كانوا ينسبون إلي المدن الخراسانية و الفارسية فيقولون: رازى، و أصفهاني، و مروزى، و كرماني ; لانهم ولدوا أو أقاموا فيها لاغير،و هم عرب صرحاء، و الامثلة على ذلك كثيرة. و هذا (الكرماني) و هو من أشهر رؤساء خراسان في أواخر عصر بنى أمية، وأخباره كثيرة في هذه الفترة من التاريخ و قدر ذكر بعضها ـ قدنسب إلى كرمان ; لانه و لد فيها و ما هو إلا عربي قح، و كان يقال له: (شيخ خراسان و فارسها) في العصر المذكور.

و قد ألف العرب هذا التنوع من الانتساب إلي حيث يولدون أويقيمون من بعض البلاد الفارسية أو التركية، ألفوا ذلك حتي أواسط عصور الدولة العباسية أو بعد ذلك، فهذا أبو الفرج الاصفهاني قد اشتهر بنسبته إلي أصفهان و هو كما لا يخفيمن أرومة أموية، بل كان نزيل بغداد.

و في كتب الفتوح ذكر الخطط العرب و منازلهم في البلاد المذكورة(2) و قد أشار غير واحد من الكتاب و المؤلفين إلى فعل البيئات الاجنبيةمن تركية و خراسانية و غيرها و أثرها فيمن نزل بها من القبائل العربية، فمن نزل من العرب (فرغانة) لا تستطيع تمييزه عن أهل (فرغانة) في السحنة و اللون و الهيئة، و مثلهم فيذلك من نزلوا في غير (فرغانة) من الخطط و الاقاليم التركية و الخراسانية.

و قد وصف الجاحط تأثر بعض هذه القبائل العربية بتلك البيئات(3)، و رأينا

 

ـــــــــــ

1- انظر خطب نصر بن سيار عامل خراسان في أيام مروان الجعدي، و في بعضها يقول: «يأهل خراسان، إنكم غمطتم الجماعة، وركنتم إلى الفرقة، السلطان المجهول تريدون و تنظرون؟إن فيه لهلا كهم معشر العرب» ألاترى أنهم لا يعنون بأهل خراسان إلا العرب في هذه الكلمة؟ و مثل ذلك كثير. وانظر وصية يزيد بن المهلب لابنه مخلد حين استخلفه على «جرجان» فقدأوصاه بأحياء العرب فيها من اليمن و ربيعة و الكامل لابن الاثير (5/142، 162، 172). ولاحظ الاختلاف في سرد نسب نصربن سيار نقلا عن الطبرى.

2 - انظر عن خطط العرب و منازلهم وأسماء قبائلهم في آذربايجان ـ فتوح البلدان للبلاذري (336 - 337) .

3- مناقب الا تراك للجاحظ (39)

 

/ صفحه 145/

بعض المؤرخين يقولون «فلان عربيخراساني»، أو «عربي من أهل خراسان،(1) والمكتشفات الحديثة تؤيد أقوال الجاحظ، فقد عثر الباحثون في تركستان، أو فيما وراء النهر على قبائل رحل تعيش في عزلة عن غيرها، أولها نغية أو لهجة تقارب اللهجات العربية، و من رأيهم أنها من بقايا العرب الاولين في تلك البلاد.

عروبة نقباء الدعوة:

كان عدد مقاتلة العرب من أهل المصرين: الكوفةو البصرة كبيراً في خراسان من عهد الفتوح الاولى، و هم من مختلف القبائل النزارية و اليمانية، بل كان جل نقباء الدعوة الهاشمية من زعماء العرب المنتمين إلي أشهر قبائلهم،فمنهم خمسة من خزاعة، و ثلاثة من تميم، و بعضهم من طيء و ربيعة و مزينة و غيرها من القبائل المشهورة(2)

و قد كتب الجاحظ فصلا ممتعاً في هذا الموضوع لم يسبقه إليه أحد فيرسالته المسماة (مناقب الاتراك)(3) و من هذا الفصل تعرف ان جل هؤلاء النقباء

 

/ صفحه 146/

من العرب و إن كان فيهم عدد من الموالى (4) وله في هذا الباب فصلآخر، أشار فيه إلي وقائع حاسمة في خراسان و العراق تفانى فيها أنصار الفريقين، و قد حاء فيه مانصه: «و هل أكثر الدعاة إلا من صميم ا لعرب و من صليب هذاالنسب،

 

ـــــــــــ

1- لاحظ العبارات التي يستعملها الجاحظ من هذا القبيل في رسالته السماة: «مناقب الا تراك»(34).

2- انظر عن عروبة رجال الدعوة تاريخ الطبرى (9/76) وتاريخ اليعقوبي (3/72) و مروج الذهب (2/141) و الكامل (6/9). و عن عروبة زعماء خراسان المصدر نفسه (5/191). و عن القبائل العربية المقيمة في خراسان من تميم و ربيعة و اليمن ـ كتاب:الوزراء للجهشيارى (269). و عن أحياء العرب في خراسان كلمة لقتيبة بن مسلم في البيان و التبيين (1/199). و عن بني تميم في خراسان كلمة خاطب الأحنف بن قيس قبيلة البيان و التبيين(1/184). و عن ضعائن العرب تخرج من مرو إلي سمرقند بدون جواز في خطبة لقتيبة بن مسلم. العقد الفريد (2/385).

3- مناقب الاتراك (8/12).

4- راجع فيما يتعلق برؤوس النقباءمن الموالي ـ و في مقدمتهم أبو مسلم الخراسانى صاحب الدولة، و أبو سلمة حفص بن سليمان، و بكير بن ماهان ـ «مناقب الأتراك» الجاحظ (14) و الكامل لابن الاثير (5/45، 59) و عنالتنكيل بهؤلاء الدعاة في خراسان الكامل (5/64، 88، 89) و عن شجاعتهم و صلابتهم المصدر المذكور (67)

كأبي عبد الحميد قحطبة(1) بن شبيب الطائي، و أبي محمد سليمان بن كثيرالخزاعي، و أبي نصر مالك بن الهيثم الخزاعي، و أبي داود خالد بن ابراهيم الذهلي، و كأبي عمرو لاهز بن طريز المزني(2) و أبي عيينة موسي بن كعب المراني، و أبي سهل القاسم بنمجاشع المزني، و من كان يجرى مجرى القباء و لم يدخل فيهم مثل مالك بن الطواف المزني. و بعد، فمن هو الذي باشر قتل مروان، و من هزم ابن هبيرة (3) وقتل ابن ضبارة (4) و من قتلنباتة بن حنظلة (5) الاعرب الدعوة و الصميم من أهل الدولة؟

 

/ صفحه 147/

يحتجون بكلام الجاحظ:

هذا و للجاحظ كلمة كثيراً ما رأينا شداة التاريخالاسلامي من عرب و مستعربين يحتجون بها في هذا ا لباب، و هي قوله: «دولة ولد العباس أعجمية خراسانية، و دولة بني مروان عربية أعرابية» (6) و من رأينا أنها كمة لا تصلحللاحتجاج فيما نحن فيه ; لان صاحبها قالها في معرض المقارنة بين الدولتين من حيث استخدام الشعر و الكلام العربى البليغ لحفظ الوقائع، و تقييد المآثر و تخليد المحاسن.

 

ـــــــــــ

1- كان قحطبة يقارن بأبي مسلم صاحب الدولة، و لال قحطبة دالة كبيرة على العباسيين الاول، و لما وقع أحد الماويئن للمنصور من آل قحطبة أسيراً فييده لم ينتقم منه و قال: «لست أقتل أحداً ومن آل قحطبة، بل أهب مسيئهم إلى محسنهم، و غادرهم لوفيهم». البيان و التبيين (2/156).

 

2- المشهور ابن قريظ لا ابنطريز.

3- انظر عن هزيمته في خراسان الكامل (5/192) و عن مقتله في حرب واسط المصدر نفسه (209 - 211)

4- قتله قحطبة سنة 131، و ما رؤى عسكر يجمع شتي المؤن و الالات والذخائر كعسكر ابن ضبارة، و كان يسمي: «عسكر العساكر» حتي كأنه مدينة، انظر عن ذلك الكامل (5/189 - 19) و تاريخ ا لطبرى (9/94 - 95) و نجد لعامر بن ضيارة الغطعاني المري المشار إليه ـو هو من أهل حوران ـ ترجمة في تاريخ دمشق لابن عساكر (7/155 - 1456)

5- انظر عن مقتل نباتة بن حنظلة و من معه من أهل الشام على يد قحطبه تاريخ الطبرى «9/105 - 106) و هذه الواقعةبين قحطبة و ابن ضيارة كسابقتها من الوقائع الحاسمة في هذا النزاع. و لا شك أن الكفاح كان مريرا جدا في خراسان و العراق بين عمال الامويين و بين أنصار الدعوة العباسية فيهذه المرحلة من مراحل ا لنزاع، أنظ ر الكامل لابن الاثير «5/184» و يراجع عن أخبار قحطبة «183، 188 - 192» من المصدر المذكور، و تاريخ ا لطبرى «9/104، 114، 116، 117» و عن مكانة القحاطبةفي الدولة العباسية و حرمتهم و دالتهم على المنصور البيان و التبيين «2/156 »

6- البيان و التبيين، المطبعة العلمية «2/154 »

و من رأي الجاحظ أن العصر الاموىامتاز بهذا الضرب من الادب البدوى العربي، و العرب و هم أميون أحفظ و أوعي لما يسمعون، و أكثر عناية بالاشاد و ضرب الامثال. و من رأيه كذلك أن أنصار بني العباس قصروا عنالامويين في حفظ و قائعهم و تدابير ملوكهم و سياسات كبرائهم في أهل الشام و ما جرى لهم في هذا السبيل من حر الكلام و شريف المعاني في الدولة العباسية، إلى أن قال: «كان فيماقال المنصور و ما فعل في أيامه و ما أسس لمن بعده منا يفى بجماعة ملوك بني مروان»(1).

أولع الجاحظ بتكرار هذا المعني في كتبه(2) على وجه يؤكد لنا أنه لم يقصد بالكلمةالمذكورة إلا الناحية الادبية العربية دون السياسية، و قد عقد في رسالته التي سماها (مناقب الاتراك) فصلا قارن فيه بين العرب و العجم من حيث استخدام

 

/صفحه 148/

صناعة الكلام لحفظ الوقائع و تسجيل المثالب و المناقب، فالشعر ديوان العرب، و هم أميون لا يتكلون على الكتب المدونة، و الخطوط المطرسة، و لبعض هذه العللصارت نفوسهم أكبر، و هممهم أرفع، و هم من جميع الأمم أفخر،و لايامهم أذكر»(3)

و خلاصة القول: يريد الجاحظ أن بني العباس اقتبسوا ما اقتبسوه من قواعد الدواوين و رسومالدول الاعجمية البائدة، فنقلوه إلي دار خلافتهم، فأصبحت رسوم دواوينهم و القواعد المتبعة فيها شبيهة بتلك العادات و الرسوم من بعض الوجوه، فليس في قوله ما يشين دولةبنى العباس، و كيف يفعل ذلك و هو أشهر كتاب العصر الأول من عصور الدولة؟ عاصر المأمون و المعتصم والواثق و المتوكل أي أنه عاش في أزهى عصور العباسيين أثيراً عند خلفائهم وأعيان دولتهم، و لهم ألف جملة من أحسن كتبه و رسائله، و منها كتابه الذي سماه «إمامة و لد العباس» (4) و يعد الجاحظ فيما يراه بعضهم من الغلاة في تعظيم العباسيين، فقد زعم أنالطواعين الجارفة زالت عن بنى آدم ببركة بنى العباس، و لم ير

 

ـــــــــــ

1- البيان و التبيين، المطبعة العلمية «2/154 »

2- البيان و التبيين «1/78، 145، 154(157» و «2/169، 171 »

3- مناقب الأتراك للجاحظ (12) و انظر أيضاً (42 - 43) من هذه الرسالة.

4- مروج الذهب (2/143).

الناس من هذه الطواعين ما رأوه في دولة بنى أمية.

هذا ما عناه فريق من قدماء المؤرخين و الكتاب بقولهم عن الدولة العباسية: إنها دولة فارسية، و عن دولة بني مروان. إنها دولة عربية أو أعرابية. و قد أسيء فهم هذهالأقوال من قبل بعض المعنيين بالتأريخ شرقا و غربا، و على هذا الوجه الذي بيناه آنفاً فهمت أقوال الجاحظ في عصره، و على هذا الوجه ينبغى أن تفهم في كل العصور. و من الخطأالشنيع، بل من الظلم الفاحش، أن تفسر هذه الاقوال بأن الدولة العباسية دولة فارسية في روحها و نزعتها، و أن دعوة أنصارها من الموالي و الخراسانيين و غيرهم كانت موجهة إليالكيد من الامة العربية، أو إلي بعث المجد الساساني البائد، و أن النزاع بين الدولتين إنما هو

 

/ صفحه 149/

نزاع بين الفرس و العرب، و أن المواليحاولوا في تأييدهم للدعوة الهاشمية استرداد مجدهم القديم، و أن يكونوا أصحاب الكلمة العليا و السلطان في الدولة الجديدة، إلى أمثال ذلك من أقوال واهية و مزاعم مردودة.

كان اقبال الفرس و أبناء خراسان على الدين الاسلامي منقطع النظير حتي استأصل تلك النعرات القديمة من نفوس الشعوب الايرانية و الطورانية، و إن لم ينزع كل ما تأصل فيالطباع، أو جرى في الدماء، أو امتزج بالارواح بالمرة، فلا يصح أن يقال اطلاقاً: إن الفرس حاولوا انتهاز الفرصة في العصر العباسى المذكور للرجوع إلى عوائدهم و أوابدهمالقديمة، و كل حكم يبني على هذا الاساس ظاهر البطلان. و ما أغنانا عن إثارة الخواطر، و نبش الدفائن، بمثل هذه الاقوال جريا على طريقة بعض المستعربين من الغربيين! اننا لاننكر أن تبقي في العصر العباسى المذكورة بقية من نحل فارسية، أو عادات و ثنية، خصوصاً في بعض الاصقاع البائية من الشرق، بيد أن ذلك لم يكن له أثر يعتد به في حياة الشعوبالمذكورة.

و الواقع أن الدعوة الهاشمية قديمة، بدأت في عصر معاوية بن أبى سفيان بعد صلح الامام الحسن، ثم في عصر يزيد بن معاوية بعد مقتل الامام الحسين.

بدأ بهاالهاشميون و أنصارهم في الحجاز و اليمن و العراق، ثم انتقلت إلى خراسان في تكتم شديد(1)

/ 1