حول ديوان الشّريف المرتضى
تحقيق وشرح الأستاذ رشيد الصفار المحامىبقلمالأستاذعبدالسلام محمد هارون
الأستاذ بكلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة
قصة نشر الديوان:
لم يكن نشر ديوان الشريف المرتضى ـ فيما يرى الناشر ـبالأمر المعتاد، بل هو أمر تسبقه مقدمات، ويتقدمه خيال وطيف أحلام. يقول الأستاذ الصفار في مقدمته الطريفة:
((قبل عشر سنوات، وفي إحدى اليالي الحالمات طاف علىطائف في منامي لازلت أتخيّله، شخصاً رَبْع القامة، نحيف الجسم أبيضه، مشربا بسمرة خفيفة مستملحة، ذالحية كثة وخط الشيب أكثرها، وعمامة سوداء حسن متعجرها، وقلنسوة فياللون مثلها ((جللّته الهيبة العلوية ووسمته السمات الهاشمية، فأضْفَت عليه حشمة ووقارا. أقبل على ثم قعد إلى جنبى ـ وأرانى في مكتبتي أترقب شيئاً أو أتوقع أمرا ـناولنى كتابا لف في منديل. كأ نّه مهدى إلىّ، أخذته مبتهجا فرحا. ولشدّ ما يبهجنى ويسرنى اقتتناء الكتب ومطالعتها، وبالأخص المخطوط منها.
/ صفحه 85/لم تمض علىصبيحة تلك الليلة الحالة الممتعة بضعُ ساعات، حتى وفانى أحد معارفى ـ وأنا في مكتبتى ـ وهو رجل عرف بمعاطاة الكتب النادرة والتحف النفيسة، فناولنى كتابا لف بمنديل كمارأيته في رؤياى وقال لي: خذ ضالتك. فتحته فإذا مكتوب على أول صفحة في طغرائه..)).
ثم يمضى السيد الصفار في صفة تحقيق تلك الرؤيا التي رأى; ويمضى في مقدمته ذاكرا أنه عرضعمله على العلامة الدكتور مصطفى جواد الذي كان له فضل أي فضل في أن يخرج الديوان على هذا الوضع الذي ظهر للناس...
وقد صُدّر هذا الديوان بثلاث مقدمات، أولاها للسيدالعالم العراقي الأستاذ محمد رضا الشبيبى. وقد تضمنت هذه المقدمة بحوثا عميقة تنم عن علم غزير واطلاع واسع، تناولت سيرة المرتضى من شعره، حيث وصح السيد فيها سيرة المرتضىمع معاصريه من رجال الدولة على اختلاف منازعهم وتباين مشاربهم، كما تناول مأساة الخليفة الطائع الذي أجبر على التنازل عن الخلافة، وأخذ خطة بذلك التنازل ليستخلف بعدهالقادر بالله، وذلك في أيام بهاء الدولة الديلمي.
وتناول كذلك الشريف المرتضى (الشاعر العالم).
وتلى هذه المقدمة مقدمة الدكتور مصطفى جواد، ينوه فيها بالديوان.ثم تغلبه طبيعة المؤرخ فيكتب تحقيقا في مدفن المرتضى، ذهب فيه إلى أن الشريف المرتضى دفن في داره، وأن التربة المجاورة لمشهد الإمام موسى بن جعفر المعزوة إلى الشريف ليستله ألبتة. ثم يكتب تحقيقا دقيقا في تعيين الموضع الذي كانت فيه دار الشريف. والمقدمة الثالثة لمحقق الديوان، وفيها ترجمة مستفيضة للشاعر ولأسرته، وذكر سماته الخلقيةوالخلقية، وكلمة في خزانة كتبه الخاصة وولوعه بجمع الكتب، وبيان شيوخه، وعقيدته ومذهبه الكلامي، ومذهبه في الفقه والأصول، واجتهاده ومسلكه في تعليل الأخبار وتأويلها،وبراعته في المناظرة وعلم الكلام، وعلمه باللغة وغريبها، وبيان فلسفته، ورأيه في النفس وعدم تجردها، وقوله في المنامات والأحلام وفيه نسبتها إلى النفس، ورأيه فيالمنجمين، وذكر ما كان بينه وبين أبي العلاء المعرى من محاورة فلسفة عميقة، وبيان منزلته الاجتماعية والسياسية، وبيان معاصريه وأصحابه من الخلفاء والملوك، والوزراءوالنقباء والأمراء والعلماء، ثم ذكر تلاميذه، ثم وفاته ومدفنه، وبيان عقبه ونسله، ثم بيان مؤلفاته وفهرس كتبه التي أربت على السبعين، والقول في شاعرية المرتضى وديوانشعره، ثم الكلام على فسخ الديوان.
/ صفحه 86/وهذه المقدمة الأخيرة كماترى، تعد دراسة جامعة للشريف المرتضى، تتضح بها شتى جوانب حياته الاجتماعية والسياسيةوالعلمية، وهي جديرة بالثناء العظيم، لما بذل المحقق قيها من جهد، وما أظهره من قدرة على البحث والتحقيق.
وقد اعتمد المحقق في إخراج ديوانه على مخطوطات ثلاث: هي نسخةالسماوي، ونسخة الشبيبي، والنسخة الهندية. وقد وصف هذه النسخ في دقة وعناية كاملة.
ولكن الذي يؤخذ على الأستاذ الناشر، أنه خرج على المألوف التحقيق، وجانب الأصولالمرعية في النشر.
1 ـ فهو قد ضم إلى الديوان الأصيل وفي أثنائه جميع ما عثر عليه من شعر المرتضى في المراجع المختلفة، أعنى كتب الشريف المرتضى نفسه، كالشهاب في الشيبوالشباب، وطيف الخيال، وكذا ما عثر عليه في كتب أخرى، مثل مناقب ابن شهرآشوب، وكشكول البهائى(1)، وأنوار الربيع، وغيرها مما لم يذكر في أصول الديوان.
وهذا بلاريبعدوان على الديوان، فإن ديوان أي شاعر من الشعراء إنما هو الكمية المعينة التي رواها الرواة له إن كان هو لم يُعن بجمع شعره، أو التي إرتضاها الشاعر من شعره وأجاز روايتهاإن كان قد عنى بجمع شعره.
/ صفحه 87/ونحن نعلم أن كثيراً من الشعراء المعاصرين وغيرالمعاصرين لا يثبتون في دواوينهم من الشعر إلا ما ترضاه أنفسهم وتطمئن إليهقلوبهم. ولذلك نجد ديوان شوقي ليس هو كل شعره، بل إنه طرح منه كثيراً ولم يعترف بالبعض الآخر.
ونعلم أيضاً أن الشريف المرتضى قد صنع ديوانه بنفسه، وقرىء شعره عليه كمايفهم من دراسة الأصول المخطوطة التي وصلت إلينا. ومعنى ذلك أن ديوان
(1) كذا. يريد كشكول البهاء العاملي، وهو محمد بهاءالدين العاملي. أنظر الكشكولمثل ص 335 ـ 336 وغيرها طبع سنة 1302.