فی غار حراء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فی غار حراء - نسخه متنی

هاشم معروف الحسینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

في غار حراء

هاشم معروف الحسيني

لقد أجمع المحدثون والمؤرخون على ان النبي (ص) وجماعة من بني هاشم كانوا قبل نبوته علىشريعة ابراهيم الخليل ولم تنحن رؤوسهم ولا خشعت قلوبهم لغير الله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

السؤال الذي يفرض نفسه في المقام ولا يغيب عنبال الكثير من الباحثين هو ان عيسى ابن مريم(ع) كان رسولاً لجميع البشر بلا استثناء وان الشرائع العامة ينسخ المتأخر منها ما تقدمه من الشرائع والأديان، وقد جاء عيسى بعدموسى وابراهيم وغيرهما من الأنبياء ولابد وان تستمر شريعته ورسالته الى اليوم الذي بعث فيه محمد بن عبدالله (ص) ومع هذا الواقع الذي لا كلام حوله، فلماذا كان محمد بنعبدالله قبل نبوته على شريعة ابراهيم ولم يكن على شريعة عيسى التي فرضها الله على الناس أجمعين واستمرت إلى الزمن الذي بعث فيه محمد بن عبدالله(ص)؟

ويمكن الجواب عنذلك ان جميع الأنبياء والمرسلين يتفقون على الدعوة إلى إله واحد لا شريك له ولا نظير وعلى الخير والاحسان ومحاربة البغي والعدوان ونحو ذلك مما يعود بالخير على جميعالناس.

ولا بد مع ذلك بأن يأتي المتأخر بتشريعات وتوصيات جديدة حسب مقتضيات الزمن وتطورات الحياة والمصالح التي لا يحيط بها في الغالب إلا الله.

ولقد بعث اللهعيسى ابن مريم إلى جميع الناس وقبل أن يرفعه إليه غالى فيه اتباعه أسوأ أنواع المغالاة وعبدوه وأمه من دون الله. وقد حكى الله ذلك بقوله:

(يا عيسى أنت قلت للناس اتخذونيوأمي إلهين من دون الله) وكان الجواب من عيسى:

(ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله).

ووقع منهم مع هذا الفلو الفاحش اختلاف شديد في طبيعته وطبيعة أمه وكيفيةولادته وتفرقوا من بعده شيعاً وأحزاباً يتلاعنون ويتراشقون بالسباب والتكفير والحروب الدامية طيلة قرون من الزمن .

وأعلن العاقبة انشقاقهم عن الكنيسة روما ظلالنساطرة على ولائهم لها، وسادت الحيرة على انسان تلك العصور وغطت بضبابها الكثيف على كل ما جاء به عيسى من مبادئ وتشريعات وحرفوا الانجيل حسب أهوائهم ومصالحهم حتىأصبحت المسيحية لا تعني إلا مجموعة من المتناقضات التي لا تقبلها العقول ولا تحدها الأفهام كما كان الحال في اليهودية قبلها، في هذا الجو المضطرب وجد محمد بن عبدالله قبلنبوته وليس للمسيحية معنى معقول ومقبول يمكن لإنسان كمحمد بن عبدالله الذي أدرك بفطرته الصافية زيف الوثنية وتناقضات النصرانية وانحرافها عن مفاهيم الرسالات، وضلالقومه أن يرجع إليه ويتخذه دينا من بين تلك الديانات المنتشرة هنا وهناك ولكن منها أنصار وأتباع يكفر بعضهم بعضاً.

في هذا الجو وجد محمد بن عبدالله فكان ينظر إلىالمسيحية فلا يرى فيها إلا ما يثير الدهشة والاستغراب ويرى ضلال قومه في عبادتهم الأصنام والأحجار فيعود إلى تأملاته بعيداً عن إنسان عصره يعبد إله الأرض والسماءوالبحار وما فيها من المخلوقات الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له شريك ونظير كما كان يعبد ابراهيم واخوانه الأنباء ولا يمكن لنبي من الأنبياء أن يحيد عن ذلك ويدعو الناسإلى غيره وان ضل اتباعهم وتفرقوا في متاهات الهوى والجهل وأصبح بعضهم يلعن بعضاً وستنهال اللعنات على كل من يعتنق المسيحية كما جاء على لسان عالم من النصارى عندما سألهزين بن عمرو بن نفيل عن المسيحية يوم ذاك ليتخذها ديناً له كما تنص على ذلك المؤلفات في سيرة الرسول (ص).

ومهما كان الحال فلقد اعتاد محمد (ص) على التفكير والتأمل في خلقالله وأحوال هذا العالم وتقلباته منذ شبابه ولم يكن ليشغله شيء عن التفكير والتأمل بما تموج به الدنيا من فتن وعدوان ومظالم وكان يتلوى حسرة وألماً وحيرة لأنه لم يكنيملك العلاج لما تتخبط به البشرية من ضلال طمس على أعين الناس فأصبحوا لا يبصرون.

لقد أصبح الصمت والتفكير وكأنهما جزء من حياته يتلمس في صمته أسباب الهدى وفي تأملاتهفي الحياة ومشاكلها أسباب السعادة لجميع الناس ليخرجهم من ظلمة الجهل إلى نور الهداية والمعرفة ومن التمادي في الباطل إلى حظيرة الحق لا ليكون كاهناً أو عرافاً يخبرالناس عن ضمائرهم وما يجري عليهم في غدهم القريب والبعيد، ولا ليكون حكيماً كحكماء الاغريق وفيلسوفاً كفلاسفة اليونان.

والتجأ قبيل مبعثه إلى جبال مكة وشعابها ليكونبعيداً عن الناس ولغوهم وضوضائهم، ووجد في غار حراء ما ينشده من الوحدة والخلوة مع نفسه، فكان يذهب إليه في شهر رمضان من كل عام يقيم فيه الشهر بكامله مكتفياً بالقليل منالعيش تحمله إليه زوجته خديجة الكبرى يطلب الحقيقة وحدها في خلواته مع نفسه ومن تأملاته في السماء ونجومها وكواكبها وفي الصحراء ولهيبها ساعة تكسوها الشمس بأشعتهاالمحرقة، وفي البحار وأمواجها والأرض وما فيها من أشجار ونبات وأثمار وأزهار وفصول وتقلبات وعجائب المخلوقات.

في كل ذلك كان يفكر في غار حراء ليبلغ الحقيقة العلياويخترق الحجب إلى ما وراء هذه المظاهر وهو على قناعة بأن ما يباشره قومه مع شؤون الحياة وما يتقربون به إلى آلهتهم ما هو إلا جهل وضلال وفي كل ساعة بل ولحظة يضيفون جهلاًإلى جهل وضلالاً بعبادتهم للأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن أحد غائلة شر يصيبه.

ان هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وكل الأنصابوالأصنام التي تراكمت حول ا لكعبة وفي جوفها وعلى سطحها لم تخلق يوماً ولو ذبابة ولم تدفع عن أحد شر ذبابة ولا صنعت لمكة وأهلها خيراً، وما هي إلا أخشاب وأحجار وتماثيلصنعها الإنسان بيده واتجه إليها بقلبه ولسانه من دون الله جهلاً وضلالاً وكلما رأهم يلوذون بها تتلوى نفسه حسرة وحيرة وتمنى عليهم ان يرجعوا إلى رشدهم فيعبدوا رب البيتالذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف.

في غار حراء كان محمد بن عبدالله في شهر رمضان من كل عام قبيل مبعثه وقد أخذت سنه تتجه نحو الأربعين يتجه إلى الله خالق الكون بعقلهوقلبه نائباً بجسمه وروحه عن أرجاس الجاهلية والوثنية ومساوئهما حتى بلغت نفسه الطاهرة مرتبة تنعكس فيها أشعة الغيب لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح، فإذا انقضى الشهرعاد إلى مكة وعلى وجه الكريم شحوب وفي جسمه نحول مما كان يعانيه على قومه وعلى المستضعفين

في الأرض فتستقبله زوجته الوفية الصادقة التي كانت تتلوى من أجله ولم تكنتعلم ما سيكون من أمره.

ثم يستأنف حياته العامة وادارة شؤونه وأهل مكة وكل من عرفه من الأعراب خارجها ينظرون إليه باكبار واعجاب وهو مع كل ذلك يزداد تواضعاً ووفاءوعطفاً على الفقراء والمعذبين، فإذا استدار العام وجاء الشهر الذي اعتاد أن يأوي فيه إلى حراء رجع إلى عبادة ربه وتفكيره وتأملاته، ونفسه تزداد صفاء واشراقاً والحقائقتنجلي لديه شيئاً فشيئاً وتنعكس على صفحات قلبه فيبصر في يومه ما سيكون في غده، ثم يعود إلى ما بأيدي الناس من تراث الهداة الأولين رسل الله موسى وعيسى (ع) فيجد أهلالأهواء قد عبثوا فيه فغيروا وبدلوا وحملة تلك الآثار قد سخروها لصالحهم وجهلة المسيحيين واليهود لم تتسع عقولهم لمعاني النبوات وحقائق الرسالات فتاهوا وضلوا سواءالسبيل وأصبح ما جاء به أولئك الهداة كالجوهر الممزوج بالتراب في منجم مظلم لا يهتدي إليه أحد من الناس ولو بذل كل جهوده وامكانياته وحتى لو كان عند أولئك الاتباع شيء منالحق ففي أيديهم إلى جانب هذا الحق صور مذهلة من الأوهام والأباطيل وألوان من الوثنية لا يمكن أن تتفق وتسير مع الحق المجرد الذي لا يعرف كل هذه المضاربات والتناقضاتوالأوهام مما يمعن فيه هؤلاء وأولئك من أهل الكتاب.

هذا الحق الذي تجلى لديه كما تجلى لاخوانه الأنبياء من قبله غريب عما يؤمن به قومه وغيرهم من أهل الكتاب الذيناتخذوا عيسى وأمه إلهين من دون الله، كما اتخذ اليهود من قبلهم عزيراً وعبدوه من دون الله.

لقد تكشف له حراء عن نور يسطع من قلبه بالإلهام والهداية بين يدي وحي مباركيناديه بصوت لا ينفذ لغير قلبه اقرأ يا محمد، فيصفي إليه بدهشة وحيرة، ثم يجيب مستفسراً ما أنا بقارئ، ويتكرر الطلب والرد بينهما وبالتالي يقرأ عليه الأمين جبرائيلويقرأ معه.

اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم.

المصدر: سيرة المصطفى


/ 1