بطلان العقود فی الشریعة الإسلامیة والقانون الوضعی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بطلان العقود فی الشریعة الإسلامیة والقانون الوضعی - نسخه متنی

مختار القاضی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بطلان العقود

بطلان العقود

في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

للدكتور مختار القاضي

العضو بالمكتب الفني لمحكمة النقض

ـ** ـ

سنتكلم في هذا الموضوع أولا: عن مراتب البطلان وأسبابه.

وثانياً: عن آثار البطلان.

1 ـ مراتب البطلان وأسبابه:

لم يكن القانون الروماني يعرف إلا نوعاواحداً من البطلان لا يتفاوت في درجته، فالعقد في نظر القانون الروماني إما عقد صحيح يؤتي آثاره كلها؛ وإما عقد باطل لا يؤتي شيئا مما يؤتيه العقد الصحيح.

أما أسبابالبطلان في القانون الروماني فهي متعددة، منها ما يرجع إلى الشكل حيث كانت العقود تتم في العهد الأول بمراسم وشكليات لابد منها، ومنها ما يرجع إلى عيب من عيوب الارادة،وقد شاع ذلك النوع من البطلان في العقود الرضائية في العهد المدرسي ' المتأخر ' للقانون الروماني بعد أن تحررت معظم العقود من الشكليات.

وقريب من النظرية الرومانية فيالبطلان رأي جمهور الفقهاء المسلمين، عدا الأحناف، فالجمهور يرى مرتبة واجدة من مراتب البطلان تلحق العقد؛ فهو إما إن ينعقد صحيحاً ويؤتي آثاره كلها، وإما إلا ينعقداصلا ويعتبر باطلا، فلا يؤتي شيئا مما تؤتيه العقود الصحيحة.

وحجة جمهور الفقهاء في ذلك أن الخلل الذي يلحق ركنا من أركان العقد فيعدمه كالخلل الذي يلحق وصفا لازمالركن فيه، وذلك بأن يكون الشارع قد نهى عن

/ صفحه 307/

هذا الوصف، ففي كلتا الحالتين يوجد الخلل، وفي كلتا الحالتين يكون العقد باطلا، ولا فرق عندهم بين أن يكونمحل العقد منعدما فينعدم العقد، وبين أن يكون موجوداً ولكن به وصفا لازما منهيا عنه، فالشارع حين ينهى عن أمر يكون هذا الأمر غير موجود في نظره، فكيف تترتب آثار شرعية علىعقود حرمها الشارع؟ وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ' كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد، ومن أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد ' وقد نهى الشارع صراحة عن عقود اختل فيهاوصف في أحد أركانها مع وجود هذا الركن فقال: ' ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ' مع أن الزواج من مشركة منهى عنه لا لانعدام ركن من أركانه، فالرضا والمحل موجودان، ولكنلانعدام وصف في أحد أركانه، وهذا الوصف هو الإيمان في الزوجة، واختلاله يوجب البطلان.

أما الشرائع التي ترى ازدواج مراتب البطلان فهي معظم الشرائع الحديثة، كالقانونالفرنسي والمصري والألماني والانجليزي.....

ويوافق هذا المذهب في البطلان مذهب الأحناف في الشريعة الاسلامية، وسنبدأ بشرح نظرية البطلان في القانون الفرنسي والمصريثم في القانون الانجليزي، ثم نقارن بين أحكام هذه القوانين في البطلان بأحكام المذهب الحنفي في البطلان، لأن هذا المذهب وحده هو الذي يقول بتعدد مراتب البطلان.

البطلان في فرنسا ومصر:

تقسم النظرية التقليدية في فرنسا البطلان إلى ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: هي حالة عدم انعقاد العقد، وينعدم العقد وفقا لهذه النظرية إذالم يتوفر ركن من أركانه، كما لو وقع الرضا على غير محل، أو كان طرفا العقد أو أحدهما معدوم الأهلية، أو لم يستوف العقد الشكل المقرر في القانون كالرسمية في بعض العقود.

والمرتبة الثانية: هي حالة البطلان المطلق، وهي حالة يتوفر للعقد فيها كل أركانه، إلا أن ركنا فيه ينقصه شرط لازم له، كما لو وجد محل العقد، ولكنه لم يعين ولا كان قابلاللتعيين، أو كان سببه مخالفا للنظام العام أو الآداب.

/ صفحه 308/

والحالة الثالثة: هي حالة البطلان النسبي، فإذا استوفي العقد أركانه ولكن الرضا، دون أن ينعدم،لم يستوف شروط صحته، كان العقد باطلا بطلانا نسبيا أو قابلا للإبطال، وذلك كما لو صدر العقد من صبي مميز أو من مكره أو مدلس عليه أو واقع في غلط، وفي كل حالة ينص القانونفيها على البطلان النسبي.

وقد انتقدت النظرية التقليدية من ناحيتين. أما الأولى فقيل فيها إن تقسيم البطلان إلى مراتبة الثلاثة غير منطقي، ووجه ذلك أن العقد الذي لايستوفي أحد أركانه هو منعدم في منطق هذه النظرية، فإذا كان المحل موجوداً ولكنه غير مشروع فهو باطل بطلانا مطلقا، ولكن كيف يقال إن المحل غير المشروع موجود مع أنه مستحيلمن الناحية القانونية؟ وإذا قيل في مجال التفرقة بين العقدين: إن العقد الباطل له وجود فعلى وإن لم يكن له وجود قانوني، رد على ذلك بأن العقد المنعدم له وجود فعلي أيضا فيبعض صوره.

أما الناحية الثانية، فقد قيل إن التقسيم غير منتج، وذلك لأن التفرقة بين آثار كل من العقد المنعدم والعقد الباطل بطلانا مطلقا معدومة من الناحية العملية.وإذا قيل إن العقد الباطل يحتاج إلى نص يقرر بطلانه، بينما العقد المنعدم لا يحتاج لمثل هذا النص، قلنا: إنه يكفي أن يقرر المشرع نصاً عاماً يقضي ببطلان كل اتفاق مخالفللنظام العام والآداب دون حاجة إلى نص خاص يحكم هذا المبدأ في كل عقد من العقود، ولقد كان سبب هذا التقسيم الثلاثي أنه عرض على القضاء عقد أريد بطلانه، فدفع الطرف الآخربالقاعدة المشهورة ' لا بطلان بلا نص ' ولما كان العقد عقد زواج شاذ اضطر القضاء إلى استعمال الحيلة لتقرير بطلان هذا العقد بالقول بأنه غير موجود أصلا، فلا حاجة إلى نصببطلانه، لأن النص إن وجد إنما ينصب على معدوم، وقد استعملت هذه الحيلة لأن القانون الفرنسي ليست فيه نصوص عامة للبطلان، بل إن أسباب البطلان فيه متناثرة في مواضع شتى،حتى لقد يفلت عقد من أحكام البطلان وإن كانت الآداب العامة تأباه.

النظرية الحديثة في البطلان:

هذه النظرية أقرب إلى المنطق، إذ تجعل الانعدام والبطلان المطلق فيمرتبة.

/ صفحه 309/

واحدة، تسميها البطلان المطلق، ثم تترك البطلان النسبي كما كان، في مرتبة واحده، وقد أخذ القانون المصري بهذا النظر، ولكنه أجرى تعديلا فيالتسمية، فالبطلان المطلق، وهو تعبير تقليدي سماه ' البطلان ' لفظا مرسلا، والبطلان النسبي، وهو لفظ تقليدي أيضا سماه ' قابلية العقد للإبطال ' (المادة 138 وما بعدها).

وقد أخذ القانون الانجليزي بمثل هذا التقسيم، فقسم البطلان إلى نوعين: النوع الأول: البطلان المطلق، ويدخل فيه العقد المنعدم على الوجه الذي بيناه، ثم البطلان النسبي،ولكن القانون الانجليزي أضاف نوعا آخر من العقود المعيبة سماها: العقود الموقوفة، ويقصد بها العقود التي لا تحميها دعوى قضائية لعدم إمكان إثباتها بالكتابة التي هيلازمة لمثل هذه العقود، فإن نفذ المدين العقد اختياراً صح تنفيذه، ولم يكن للمدين استرداد ما دفع، وإن لم ينفذ المدين التزامه اختياراً صح تنفيذه، ولم يكن للمديناسترداد ما دفع، وإن لم ينفذ المدين التزامه اختياراً لم يحق للدائن طلب إجبار مدينه على الوفاء، وتشبه هذه الحالة في القانون الفرنسي حالة الالتزام الطبيعي، ومثلهاحالة الدائن الذي سقط دينه بالتقادم، فانه لا يستطيع المطالبة به بدعوى، ولكن إن نفذه المدين اختياراً صح، ولا يجوز لهذا المدين استرداد ما دفع، وهذه الحالة موجودة فيالقانون المصري (م 199 و 386 مدني) كما إن القاعدة في الشريعة الإسلامية أن الديون لا تسقط إلا بالاداء أو بالابراء، ومع ذلك فإذا انقضى على هذه الديون وقت معين أمر القاضيبعدم سماع الدعوى، وهذه نفس الحالة، ومثلها ما نص عليه من أن دعوى الزوجية لا تسمع بين الزوجين ما لم يكن الزواج ثابتاً في وثيقة رسمية، وبهذا يصبح الزواج غير الموثق فيمصر كالعقد الموقوف في القانون الانجليزي مع خلاف في التفاصيل.

مراتب البطلان في المذهب الحنفي:

الأحناف دون جمهور الفقهاء المسلمين، تتفاوت عندهم مراتبالبطلان، وذلك كما فعل القانون الفرنسي والمصري والانجليزي، فالعقد اما باطل وإما فاسد، أما الأسباب التي توجب بطلان العقد عندهم فهي نفس الأسباب التي توجب البطلانالمطلق في القانون الفرنسي والمصري، فالعقد الباطل عند الأحناف هو ما لم ينعقد

/ صفحه 310/

لفقد ركن من أركانه، ومثاله العقد الذي لا تتم صيغته، أو تتم مع عدمالتمييز، كما لو صدر العقد من مجنون، أو صبي غير مميز، وكذلك الأمر إذا كان العقد مجهول المحل، أو لعدم وجود محله الذي يقبل حكم العقد، كبيع الميتة، أو لعدم سلامته، كبيعالمال المعد للمنافع العامة، أو لانعدام معنى العقد كالبيع بغير ثمن.

وبإمعان النظر في هذه الأسباب نجد أنها هي نفس أسباب البطلان المطلق عند الوضعيين، فهي أسبابتدور بين فقد ركن من أركان العقد كركن الرضا، أو ركن المحل، أو عدم شرعية المحل، فبيع الميتة باطل لعدم جواز التعامل في الميتة شرعاً، وبيع المال المخصص للمنافع العامةكذلك، لأن محل البيع غير جائز التعامل فيه، أو أنه غير مملوك للبائع، فهو في حكم المنعدم، وأما البيع بغير ثمن فهو أيضا باطل لانعدام أحد ركني العقد وهو الثمن، والثمنمعتبر ركنا عند الفقهاء الوضعيين.

إلى هنا ينتهي الاتفاق بين القانون الوضعي ومذهب الأحناف، حيث يبدأ الخلاف بينهم وبين الوضعيين، ويبدأ هذا الخلاف بالنسبة للعقدالباطل بطلانا نسبيا ' القابل للإبطال ' في القانون الوضعي، والعقد الفاسد عند الاحناف، ذلك بأن أسباب البطلان النسبي في القانون الوضعي أعم وأوسع من أسبابها في العقدالفاسد عند الأحناف.

فالبطلان النسبي في القانون الوضعي يتحقق إذا كان الرضا موجودا فعلا لكنه معيب، كالعقد الذي يعقده الصبي المميز، كما يتحقق في كل حالة ينصالقانون على البطلان النسبي فيها، كما فعل القانون المصري في حالات الغلط (م 120) والتدليس (125) والاكراه (127) والاستغلال (129) وبيع ملك الغير (466)... فهل هذه هي حالات العقدالفاسد عند الأحناف؟

إن بعض الحالات السابقة وزعها الأحناف على العقد الصحيح، ولكنهم جعلوها قسما مستقلا بذاته أطلقوا عليه اسم العقد الصحيح الموقوف ' في مقابلالعقد الصحيح النافذ ' (1)، والعقد الصحيح الموقوف هو ما كان بقاؤه متوقفاً على إجازة

*(هوامش)*

(1) العقد الصحيح النافذ إما لازم وهو ما خلا من الخيارات الأربعة:خيار التعيين، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرؤية، وغير اللازم ما كان فيه أحد هذه الخيارات.

 

/ صفحه 311/

من الغير، كعقد الصبي المميز فيالمعاوضات متوقف على إجازة وليه، وعقد الفضولي متوقف على إجازة رب العمل، والوصية في بعض صورها تتوقف على إجازة الورثة (1)، وتصرف المدين الراهن في المان المرهون موقوفعلى إجازة الدائن المرتهن (2).

ومعظم هذه الصور تدخل في البطلان النسبي في القوانين الوضعية، كما تدخل في البطلان العام في مذهب الجمهور من فقهاء الشريعة الاسلامية،فلا تلحقها الاجازة، فقد نص في مذهب الشافعي الجديد، وفي إحدى الروايتين عن أحمد، وعن أبي ثور: أن هذه التصرفات لا تلحقها الاجازة، لأنها نشأت أصلا باطلة، ولا يكون لأحدإجازة المحرم الباطل (3).

وأما الحالات الأخرى من حالات البطلان النسبي كحالات الإكراه الملجئ والتغرير ' التدليس ' فهي تدخل في العقد الباطل عند الجميع (4).

أماالعقد الفاسد عند الأحناف فهو الذي لحقت أحد أوصافه اللازمة كراهية من الشارع، ومثله بيع الدار لمدة عشر سنوات، وبيع دابة غير معينة، والبيع بمال غير متقوم، وإضافةالبيع أو تعليقه.

... هذه هي بعض حالات العقد الفاسد، ويلاحظ أن معظم هذه الحالات لا يلحقها البطلان في القانون الوضعي، ولكن لها علاجا يختلف باختلاف كل حالة، فإذابيعت دار بثمن مؤجل إلى وقت الميسرة، فسد العقد عند الأحناف، ولكنه يصح في القانون الوضعي، وإنما يتولي القاضى تحديد أجل لاستيفاء الثمن، وبيع

*(هوامش)*

(1) لاتعتبر الوصية في القانون الوضعي عقدا، بل تسمى تصرفا قانونيا.

(2) تصرف المدين في المال المرهون صحيح في القانون المصري، ولكنه غير نافذ في حق الدائن إلا إذااستوفي دينه.

(3) الاشتباه والنظائر للسيوطي ص 177، والقواعد لابن رجب قاعدة 53 ص 86 وما بعدها.

(4) إذا لحقت الكراهية وصفا غير لازم كوقت انعقاد العقد كان العقدمكروها لا فاسدا، ومثله البيع في وقت صلاة الجمعة.

 

/ صفحه 312/

دابة غير معينة (1)، وبيع دار لمدة معينة، أو بيعها بمال غير متقوم، وإضافة البيع أوتعليقه، كل هذه الحالات لا تبطل العقد نفسه.

من اجل ذلك نستطيع القول بأن حالات البطلان النسبي في القانون الوضعي يشملها البطلان العام في رأي الجمهور عند المسلمين،وهي موزعة في المذهب الحنفي بين العقد الصحيح الموقوف والعقد الباطل.

أما حالات العقد الفاسد عند الأحناف فهي صحيحة في أغلب حالاتها عند الوضعيين، وهي موزعة بينالصحة والبطلان عند جمهور المسلمين، فالعقد الفاسد اذن عند الحنفية ليس له مكافئ لا في القانون الوضعي ولا عند جمهور فقهاء المسلمين.

أثر ركن السبب على البطلان:

يعتبر السبب في القانون الوضعي ركنا في العقد، يؤدي أنعدامه أو عدم مشروعيته إلى البطلان المطلق، فما هو ركن السبب؟ وماذا يقصد به؟.

للسبب في القانون معان مختلفة،أما الأول: فهو الواقعة المنشئة للالتزام، أو هو مصدر الالتزام، فيقال إن العقد سبب التزام البائع بتسليم المبيع، فالعقد اذن هو مصدر الالتزام، وهو الواقعة التي أنشأتهذا الالتزام، وليس يعنينا هذا النوع من الأسباب أو مصادر الالتزامات، وهي في القانون الوضعي: العقد، والارادة المنفردة، والعمل غير المشروع، والاثراء بلا سبب، ونصالقانون.

أما النوع الثاني: فهو السبب القصدي، أو الغرض المباشر الذي من أجله قبل الشخص أن يلتزم: فالبائع قبل أن يتنازل عن ملكه في مقابل الثمن، فسبب التزام البائعبنقل الملكية هو التزام المشتري بدفع الثمن، وسبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بنقل الملكية، وسبب التزام المقترض برد المبلغ الذي في ذمته هو سبق تسلمهذا المبلغ من المقرض، وسبب رد الوديعة من المودع لديه هو سبق تسلمها من المودع، وسبب التزام الواهب بتسليم الهبة هو نية التبرع.

*(هوامش)*

(1) إذا كان محل العقدقابلا للتعيين صح العقد والا كان باطلا (م 133 مدني).

 

/ صفحه 313/

هذه هي الأسباب المباشرة للإلتزام في العقود المختلفة، ويتبين منها انه في العقودالملزمة للجانبين يكون التزام أحد الطرفين سبباً لالتزام الطرف الآخر(1)، وفي العقود العينية التي لا تتم إلا بالتسليم كعقد القرض والوديعة في القانون الفرنسي تكونواقعة التسليم هي سبب الالتزام بالرد. وفي عقود التبرعات تعتبر نية التبرع سبب عقد التبرع.

هذا النوع من السبب لا يتغير في النوع الواحد من أنواع العقود، فهو منمقتضيات كل عقد، ويعد جزءاً من العقد وركناً فيه، فهو في الواقع الغرض الذي قصد إليه المتعاقد من تعاقده، وهو الغرض المباشر، وهذا السبب القصدي، أو الغرض المباشر هو ركنفي العقد، يبطل العقد إذا انعدم هذا السبب فيه، فمن تعهد لزوجته بدفع مبلغ من المال نظير قيامها بإرضاع ابنتها منه بطل العقد لانعدام السبب، ذلك بأن الارضاع واجب يفرضهالشرع على الام، فهي لا تلتزم في هذا الاتفاق بشئ جديد فيكون التزام الزوج باطلا، لأن الزوجة لا تلتزم قبل الزوج بشئ ناشئ عن هذا الاتفاق (2)، ويرى الفقهاء التقليديون،وعلى رأسهم الأستاذ كابتان: أن السبب القصدي ركن في العقد، يعتبر العقد باطلا إذا اختل هذا الركن.

وكذلك يختل العقد إذا كان ركن السبب غير مشروع بأن كان مخالفاًللنظام العام والاداب، فإذا تعهد شخص لآخر بأن يدفع له مبلغا من المال نظير أن يتعهد هذا الاخير بارتكاب جريمة، فإن التعهد الأول والثاني باطلان، أما الالتزام بارتكابجريمة فباطل لأنه محل في العقد غير مشروع، ونظراً لأن الالتزام بدفع مبلغ من المال كان سببه ارتكاب جريمة، وهذا الالتزام باطل، فيبطل تبعا لذلك الالتزام بدفع مبلغالمال، وبذلك يبطل الالتزامان لعدم شرعية أحدهما في الوقت الذي يعتبر هو بنفسه سبباً للالتزام الآخر فيسقطه.

*(هوامش)*

(1) في رأي الأستاذ كابتان أن سبب التزام أحدطرفي العقد ليس هو مجرد التزام الطرف الأخر، بل هو تنفيذ التزام الطرف الأخر.

(2) محكمة السنبلاوين في 11/3/1940 محاماة السنة 20 ص 1246 رقم 526.

 

/ صفحه 314/

ولكن نظرية أخرى حديثة تزعمها الأستاذ جوسران في فرنسا (1)، ومؤداها أن السبب القصدي لا ينظر إليه في الالتزامات، وإنما ينظر إلى الأغراض التي قصدها الملتزم منالتزامه، وهي وإن كانت أغراضا بعيدة إلا أنها هي المنتجة في الالتزامات، ويفصل الأستاذ جوسران هذا الأمر بقوله: قبل أن يتعاقد الإنسان يتنازعه عدة بواعث تختلف باختلافكل شخص، فالشخص مثلا يرى أن له قريبا فقيراً يستدر الرحمة لأنه بائس، فهذا أحد الدوافع السابقة على أي تصرف، ويسمى جوسران هذا الدافع بالدافع الموجه، وهو يتعلق بالماضيويختلف باختلاف الاشخاص.

ودافع ثان يكون وقت انعقاد العقد، ويسميه: الباعث القصدي، وهو الغرض القصدي في النظرية السابقة، أو الغرض المباشر الذي يعتبر من مقتضياتالعقد ومقاصده الشرعية، وهو طبعا في العقود الملزمة للجانبين الالتزام المقابل، وفي العقود العينية التي لا تتم إلا بالتسليم تكون واقعة التسليم هي السبب المباشرللالتزام بالرد، وفي عقود التبرعات نية التبرع.

والاستاذ جوسران لا يلقي بالا للنوع الأول الخاص بالماضي، ولا بالسبب الثاني الذي يتكون وقت انعقاد العقد، ولكنه يهتمبالنوع الثالث من الأسباب، وهو الغرض النهائي اللاحق على العقد، ويسميه: الباعث الغائي، فهو يرى أن الملتزم ما التزم إلا لتحقيق غاية، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بعدانعقاد العقد، فالذي لمس بؤس قريب له كان هذا البؤس سببا سابقا على التعاقد، ولكنه دافع إليه، فيبدأ بالتعاقد بالهبة لهذا القريب، وفي ساعة انعقاد العقد لا يتبلور منالأسباب إلا نية التبرع، وهذه النية سبب مصاحب للعقد، ولكن ما هي الغاية التي ترجى من هذا التبرع؟ هي تحسين حال القريب، وهذا لا يأتي إلا بعد انعقاد العقد، وفي نظرالأستاذ جوسران أنه لا يعتد إلا بهذا الباعث الغائي، وهو في نظره يختلف باختلاف الاشخاص، وهو لاحق على العقد، وهو موجوداً دائما، لأن الناس لا يتعاقدون إلا لغاية، ولايتخلف عن ذلك إلا مجنون، هو إذن ركن في العقد،

*(هوامش)*

(1) في كتابه ' البواعث في الالتزامات المدنية '.

 

/ صفحه 315/

وركن موجود دائما، ولايتطلب فيه إلا أن يكون مشروعاً، بصرف النظر عن البواعث السابقة عليه، وهذا يفسر لنا تفريق القضاء الفرنسي بين حالتين: التبرع لامرأة بعد قطع علاقتها غير الشرعية معالمتبرع، وهذا التبرع صحيح، لأن الغاية منه تعويض المرأة عما أصاب عرضها من خدش، وذلك بصرف النظر عن الصلة السابقة بينها وبين المتبرع، فقد يكون السبب الدافع السابق علىالتبرع ما أصاب المتبرع من لذة محرمة، وهذا الدافع في الواقع مشوب بالرجس والدنس، أما الغاية فهي إصلاح حال المرأة، وهي غاية شريفة ولا شك.

وحالة من يتبرع بقصد تشجيعالمرأة الغاوية على الاستمرار في عشرتها المحرمة مع المتبرع، أو بقصد إعادة صلتها به بعد أن قطعتها، وهذه غاية غير مشروعة تبطل العقد، ويصبح التزام المتبرع باطلا لعدممشروعية سببه الغائي، وهذا هو اتجاه القضاء الفرنسي (1).

وقد تنازعت هاتان النظريتان تنازعا مدرسيا، فألفت الكتب للانتصار لهذه أو لتلك، وفي وسط هذا التناحر خرج عليناالقضاء الفرنسي بنظرية مختلطة، فرأى أن السبب القصدي، أو المقاصد الشرعية من العقود ' النظرية التقليدية ' لابد من وجوده، فإذا انعدم بطل العقد، ولكن المقاصد الأخرى، أوالغايات البعيدة معتبرة ايضا فيجب أن تكون مشروعة، فإن كان الغرض من العقد الوصول إلى غاية بعيدة غير مشروعة كتشجيع امرأة على الزنا، أو ردها إلى وكره، بطل العقد، وهذههي نظرية القضاء المصري أيضا.

ومرد التنازع بين هذه النظريات جميعا هو نزاع قديم: رجال القانون الكنسيون

*(هوامش)*

(1) محكمة بيرانسون في 24 يونيو سنة 1923 محاماةالسنة الرابعة رقم 752 ص 166 ونقض مدني فرنسي 4 أبريل سنة 1923 محاماة السنة الثالثة رقم 314 ص 351 و17 أبريل سنة 1923 محاماة السنة الثالثة رقم 462 ص 548 (إبطال هبات الغرض منها تسهيلمعاشرة غير شرعية أو استعادتها أو استمرارها) ونقض مدني فرنسي في 10 مارس سنة 1925 محاماة السنة السادسة رقم 509 ص 829 (إقرار هبة كتعويض عن علاقة غير شرعية انتهت فعلا).

 

/ صفحه 316/

يريدون أن يبطلوا العقود بناء على غاياتها غير المشروعة، ورجال القانون من أنصار القانون الطبيعي لا يريدون من القاضي إن يتدخل في سلطانالارادة والعقود المبنية على رضاء تام ولو كان غير مشروع، ويكفي عندهم أن يتيقين القاضي من السبب القصدي الظاهر دائماً في العقود، أما البحث فيما وراء ذلك عن الغاياتالدفينة فأمر يأباه القانون الطبيعي.

ومهما يكن من شئ، فإن السبب على أي وجه من وجوهه الثلاثة يعتبر ركنا في العقد، لم يشذ عن ذلك إلا طائفة قليلة من الفقهاءالفرنسيين، على رأسهم الأستاذ بلاتيول الذي يعتبر خصيما لنظرية السبب، ولا يرى أن يكون السبب ركناً من أركان العقد، ولا موجباً لبطلان الالتزام.

ومهما يكن الأمركذلك فإن السبب بمعنييه القصدي والدافع عنصر من عناصر الارادة (1) لأنه هو المولد للرضاء، فالبائع يرضى بتسليم المبيع لأنه يريد قبض الثمن، إذا كنا نأخذ بالسبب القصدي،والبائع يرضى بتلسم المبيع لأنه في ضيق اقتصادي، أو لأنه يريد أن يستبدل به شيئا آخر... إذا أخذنا بالسبب الدافع.

السبب في القانون الروماني:

لم يكن القانونالروماني يعرف السبب في عهده القديم، ذلك بأن معظم العقود كانت شكلية تتم بإجراءات ومراسيم إذا صحت صح العقد، وإذا تخلفت بطل العقد.

ومن اجل ذلك لم يكن للإرادةالحقيقة شأن جدي في هذه العقود، وتخلف الارادة معناه تخلف السبب وإهماله، لأن السبب بمعنييه القصدي والدافع عنصر من عناصر الارادة، فهو الاجابة على السؤال الآتي: لماذاالتزم المدين، ولا شك أن الاجابة تنبئ عن إرادة هذا المدين، أما في العهد المدرسي للقانون الروماني فقد تحررت العقود من الشكل وظهرت العقود الرضائية، ومن أجل ذلك كان هنالك مجال لوجود ركن السبب، وقد وجد هذا الركن بمعنى السبب القصدي

*(هوامش)*

(1) لا يرى الأستاذ جودميه إن السبب عنصر نفساني، بل هو فكرة اقتصادية، ويعبر عنه بأنهالمقابل الاقتصادي، ولذا يستبعده من نطاق التبرعات حيث لا يتصور وجود المقابل لها (النظرية العامة للالتزامات لجودمية) باريس سنة 1937 ص 116.

 

/ صفحه 317/

الذي شرحناه من قبل، ولم يكونوا يعرفون السبب الدافع إلا في حالتين: حالة الهبات المشروطة، ففي الهبة المحضة تعتبر نية التبرع هي السبب، أما إذا كانت الهبة مشروطة، وكانالشرط هو الدافع إلى الهبة يكون هذا الشرط سببا لها، فإذا لم ينفذ بطلب الهبة، والحالة الثانية: هي حالة الوصية، فقد مزج السبب في الوصية بالدافع، فإذا اعتقد الموصي أنوراثه قد مات فأوصى لغيره بماله، ثم اتضح بعد ذلك أن الوارث لا يزال حيا، بطلت الوصية لانعدام سببها.

السبب عند رجال الكنيسة:

تحررت الارادة تحرراً كاملا على أيديرجال الكنيسة المسيحية، وقد بدأ هؤلاء اولا بتحرير ركن الرضا بقولهم: إن الإنسان يرتبط بقوله، ثم بدأوا يقولون بأن الارادة مع ذلك لا ينبغي أن تكون طليقة كما تريد، بل يجبأن تتمشى مع مقاصد الشارع، فلا ينبغي أن تقوم اتفاقات مخالفة للأخلاق، وبذلك انتهوا إلى إباحة التدخل في نوايا الافراد، فالعقود يجب أن تكون مدفوعة بالنوايات المشروعة،ومتى تدنست هذه النوايا بطل العقد، وإذن فقد أخذ رجال الكنيسة بالسبب الدافع على اوسع وجوهه، وأصبحت البواعث قيدا على الارادة، حل محل الشكل الذي كان يقيد إرادةالرومان.

السبب في القانون الألماني:

اتخذ القانون الألماني بالنسبة لجميع مصادر الالتزامات أساساً واحداً، سماه: الاضافة إلى الذمة، فعنده أن الالتزام الماليبين الناس سواء نشأ عن عقد، أو كان تعويضا عن عمل غير مشروع، أو رداً لمبلغ مستحق في الذمة دفع خطأ، أو غير ذلك، هذا الالتزام ناشئ عن إضافة إلى ذمة الملتزم، فما هو سبب هذهالاضافة إلى الذمة؟ لقد انتهت اللجنة الفرنسية التي كلفت بترجمة القانون الألماني إلى أن السبب في جميع التصرفات القانونية ' التي تتدخل فيها الارادة ' يكمن في الغرض الذيقصد إليه المضيف إلى الذمة، أما إذا كان التصرف واقعة قانونية أضافت إلى ذمة شخص شيئا فإن القانون هو الذي يعين هذا السبب، لأن الواقعة

/ صفحه 318/

القانونية لايتداخل فيها عنصر الارادة، مثال ذلك: إذا قام الفضولي بعمل من الاعمال لصالح رب العمل فأضاف إلى ذمته شيئا، فيكون السبب هو الغرض المباشر هو استرداد مقابل الاضافة التيأنشأها في ذمة رب العمل، وهذا الغرض يتفق والغرض القصدي الذي تكلمنا عنه، أما إذا كانت الاضافة ناشئة عن واقعة مادية بحتة، كما لو أخطأ شخص فروي أرض الغير على أنها أرضه،فهذه الواقعة غير إرادية، وقد أضافت إلى ذمة الغير شيئا، ونظراً لانعدام القصد ا لى الاضافة لذمة الغير، فإن السبب لا يكمن في ارادة المضيف، بل القانون هو الذي يفرضه.

السبب في القانون الانجليزي:

تنقسم العقود في القانون الانجليزي إلى عقود شكلية، وهذه لا ينظر فيها إلى السبب إطلاقا، ومن بين هذه العقود عقود التبرعات، ومن أجل ذلكفإن هذه العقود لا يكون سببها نية التبرع، لأنها عقود شكلية، أما العقود الأخرى الرضائية فإن الانجليز يصححونها إذا صح الاعتبار، وهذا الاعتبار يقابل السبب القصدي فيالفقه اللاتيني، ولكن الانجليز لا يجعلون السبب أو الاعتبار لالتزام المدين ما أصابه هذا المدين من الغنم الذي اوجب التزامه كما هو مقرر في الشرائع اللاتينية بالنسبةللعقود، بل ينظرون إلى ما أصاب الدائن من غرم، ونتيجة لهذه النظرية إذا عقد عقد ولم يستفد منه أحد طرفيه فإنه مع ذلك يلتزم متى أصاب دائنه غرم من هذا العقد (1).

السبب فيالقانون الإيطالي:

السبب في هذا القانون قائم على نظرية مادية بحتة، هو المبرر الذي يوجب

*(هوامش)*

(1) هذه الصورة موجودة في الفقه الاسلامي، فقد قال مالك: إنمجرد الوعد لا يلزم الوفاء به إلا إذا كان مقرونا بسببه، أو إن ادخل الموعود بكلفة، فحينئذ يلزم الوفاء به، فمن قال لآخر تزوج ولك كذا فتزوج بذلك وجب ا لوفاء به (الفروق ح 4ص 27، وشرح المغني على البخاري ج 13 ص 257، والمحلي ج8 ص 28 وما بعدها) رقم 1135.

 

/ صفحه 319/

حماية القانون للتصرف، غير أن هذا المبرر يحدده القانون دون غيره،ولا يتعلق بإرادة الافراد من قريب أو بعيد.

ركن السبب في الشريعة الإسلامية:

ليس في الشريعة الإسلامية نظرية عامة للسبب، ولذلك لا يذكر السبب كركن من أركان العقد،ولكن ليس معنى ذلك أن الشريعة الإسلامية لا تعرفه، بل تعرفه بمعناه القصدي، كما تعرفه بمعناه الباعث أو الدافع.

أما السبب القصدي في العقود الشرعية فيستدل عليه منأقوال الفقهاء المسلمين، إذ للعقود في نظرهم سبب منصوب لحكم إذا أفاد حكمه المقصود منه صح، وإن تخلف عنه مقصوده يقال إنه بطل (1).

والمقصود من البيع ونحوه إنما هوانتفاع كل واحد من المتعاوضين بما يصير إليه، فإذا كان عديم المنفعة أو محرما لم يحصل منه مقصوده فيبطل عقده والمعاوضة عليه (2).

وليس من شك في أن رد المقترض مبلغ القرضهو واقعة تسلمه للمبلغ المقترض، فإذا ثبت أنه لم يتسلم مبلغ القرض فلا رد، وأن السبب في التبرعات هو إرادة الخير للواهب.

يدلك ايضا على وجود السبب القصدي كركن منأركان العقد في الشريعة الإسلامية أنه إذا تخلف السبب بطل العقد، فلو استأجر رجل زوجته لترضع طفلها منه لم يجز، لأن الإرضاع مستحق عليها ديانة (3)، وإذن يكون التزامهبالأجر التزاماً لا سبب له.

وأنه إذا ادعى شخص على آخر دارا فتصالحا على دفع بدل سلم إليه، ثم اتضح أن الدار ملك اللدافع وجب رد البدل إليه (4).

*(هوامش)*

(1)المستصفى للغزالي ج 1 ص 95.

(2) الفروق للقرافي ج 3 ص 254.

(3) الهداية ج 2 ص 38، وراجع حكم محكمة السنبلاوين في 11/19403 محاماة السنة 20 ص 1246 رقم 526، فهو يحمل نفسالمعنى.

(4) الفتاوي البزازية ج 3 ص 32.

 

/ صفحه 320/

وأن الاقرار المجرد في مذهب مالك لا يكون ملزماً للمقر إلا إذا كان مقرونا بسببه أو ادخل علىالموعود كلفة (1).

والشريعة الإسلامية كما تعرف السبب القصدي تعرف السبب الباعث أو الغرض البعيد الذي يرجى من وراء العقد (2)، فإن كان هذا الغرض غير مشروع أبطل العقد،ففي المذهب الحنبلي والظاهري، وفي قول لمالك: أن كل بيع قصد به غرض محرم فهو باطل، بشرط أن يعلم البائع بقصد المشتري، فبيع العصير والتمر والعنب لمن يتخذه خمراً، وبيعالسلاح لأهل الفتنة باطل (3).

وأفتى ابن عتاب بسقوط أجل الدين إذا طلق الزوج المدين زوجته التي أقرضته بأجل، لأن الاتفاق كل ملحوظاً فيه ود الزوجية واستدامة الصحبة،فإذا انفصمت فقد زال السبب الموجب للتأجيل (4).

وروى عن أحمد بن حنبل أنه قال: إن هبة المرأة زوجها صداقها إن طلب إليها ذلك، سببها استدامة النكاح، فإن طلقها فلهاالرجوع فيها (5).

من هذه التطبيقات نرى أن الشريعة الإسلامية تأخذ بالسبب الدافع، ولكن الشريعة الإسلامية وهي شريعة مادية النزعة لا تأخذ بالبواعث النفسية علىعلاتها،

*(هوامش)*

(1) فروق القرافي ج 4 ص 27، وشرح المغني على البخاري ج 13 ص 257، والمحلي لابن حزم ج 8 ص 28 رقم 1135.

(2) يقول الإمام الشاطبي في موافقاته: إن كل فاعلعاقل مختار إنما يقصد بعمله غرضا من الاغراض (الموافقات ج 3 ص 327)، ويقول ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين: إن القصود في العقود معتبرة، وأنها تؤثر في صحة العقد، وفي حلةوحرمته (ج3 ص 96).

(3) المغني والشرح الكبير ج 4 ص 40،41، 283، 284، والمحلىج 9 ص 29، 30، رقم 1542، وشرح الحطاب على سيدي خليل ج 4 ص 263 وما بعدها.

(4) تبصرة الحكام لابن فرحونج 2 ص 68 طبعة مصر سنة 1302 هجرية.

(5) القواعد لابن رجب، القاعدة رقم 150 ص 322، والبهجة شرح التحفة ج 2 ص 65.

 

/ صفحه 321/

بل تتطلب بمقاييس مادية محددةوالا اضطربت المعاملات، فهي لا تبطل العقد للدافع غير المشروع إلا إذا كان هذا الدافع مذكوراً في العقد، أي متفقا عليه بين المتعاقدين، وهذه هي أحدث نظرية في الفقهالفرنسي، حيث يؤيدها الأستاذ كابتان من فقهاء القانون (1)، ومعظم أحكام المحاكم مع تفاوت في التفصيلات.

من اجل ذلك نرى أن ركن السبب يجب إن يضاف إلى الالتزامات العقديةفي الشريعة الاسلامية، إذ يجب أن يكون السبب بمعناه القصدي موجوداً، وأن يكون بمعناه الدافع مشروعاً، والا بطل الالتزام العقدي، وإن شريعة تبطل عقود الفرد، وتأخذ بنظريةالغبن على نطاق واسع، لهي شريعة تقوم على قواعد السبب في شكلها المادي، وهي حين تمزج هذه القواعد بالدوافع النفسية، فلأنها تبغي أن تطهر معاملاتها من الدنس، ولكنها معذلك تأخذ في الاعتبار وجوب استقرار المعاملات حتى لا تتزعزع الثقة بين الناس (2).

*(هوامش)*

(1) كابتان: في السبب بند 112 ص 244، ومع ذلك فإن الدكتور السنهوري يرى على هذاالسلوك نوعا من التخلف (الوسيط بند 287 ص 470 هامش رقم 2).

(2) لم نشأ أن نتكل عن ركن الشكل، وهو ركن من أركان بعض العقود في القانون المدني، إذا لم يستوف بطل العقد، ذلكبأن الشريعة الإسلامية لا تعرف الشكلية الحديثة، ومن العقود التي تستلزم شكلية معينة والا بطلت في القانون المصري: عقد الرهن الرسمي (م 1031) وهبة العقار (م 488) وهبة المنقولإذا لم تتم بالقبض (م 488) والوعد بالهبة عامة (م 490).

 

 

/ 1