حَقّ الشُّعُوب الإْسلاميّة عَلى نَفسِهَا
لحضرة صاحب المعالى محمد حلمى عيسى باشا
«إنالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»
فى أعقاب هاتين الحربين العالميتين الطاحنتين، أخذت الدول الإسلامية تتبو، مكانا ملحوظا فى المحيط الدولي، و تستردمكانها السياسى و وجودها الجغرافى و تعمد إلى المطالبة باستكمال سيادتها و استقلالها، و استخلاص حريرتها و حقوقها، ـ طبقا لميثاق هيئة الأمم المتحدة ـ مما يشوبها مننقض، أو يعتورها من مساس بسيادتها، من نحو استبقاء سلطات عسكرية أو مزايا حربية هى بعض آثار معاهدات وليدة الاستعمار تبيح لها حق استخدام مرافقها الحربية فى زمن الحرب أوبقاء جيوش لها فى مواقع معينة فى زمن السلم.
ولكن على كل حال لانزاع فى أن مركزها السياسى و مقامها الدولى وصل بها إلى إدارة شئونها بنفسها من سياسة و مالية و اقتصاديةو اجتماعية و صحية، و أن تتولى حكومتها المؤلفة من أبناءها مقاليد الحكم و سلطة التشريع، و أصبح لأبناءها مقاعد فى هيئة الأمم المتحدة جعلتهم أندادا لمندوبى الدولالكبرى، فسياستهم الدخلية و الخارجية فى أيديهم، و هم المسيطرون على مرافق بلادهم و تصريف شئونها، فإن أحسنوا إدارتها كانت لهم الحسنى و زيادة، و إن أساءوا فعليهم «و ماربك بظلام للعبيد».
ولو نظرنا لمواقع تلك البلاد الإسلامية من الوجهة الجغرافية لوجدناها ـ عربية أو غير عربية ـ تكوِّن سلسلة متصلة الحلقات، متجاورة الأراضي، منالمحيط الأطلنطى
/ صفحه 134/
إلى المحيط الهادي، و وجدانها عامرة بالثروات الطبيعية، و المحاصيل الزراعية، و كافة المواد الأولية، فمن له حقاستغلالها و الا نتفاع بخيراتها؟ لا شك أنهم أهل البلاد و أبناؤها أوّلا، و إخوانهم الذين تربطهم بهم رابطة الدين و اللغة و الجنس ثانياً، فهم مقدمون على من عداهم منالأجانب.
ولكن هل هذا هو الواقع؟ كلاً! و تلك هى الحقيقة مجردة عن الخيال، نقررها ليتنبه الغافل و يستيقظ المخدوع، و يدرك إدراكا صحيحا أن خيرات بلاده التى ذكرنا، وثرواتها الطبيعية و مراكزها «الاستراتيچية» الممتازة مضافا إليها حالة أهلها الاجتماعية و الاقتصادية و العلمية من الضعف و الوهن الذى أصابها فى خلال استعمارها، حتّىخيم الجهل و انتشرت الظلمات فى ربوعها، كل ذلك مما يغرى الدول الأجنبية بالسعى فى سبيل استغلالها، و جنى ثمراتها، و الانتفاع بخيراتها بكافة الواسائل و المسميات الخادعةالغرارة حتّى لا يفطن أهلها و بنوها الى حقيقة ما ينتوون: أأرادوا بهم خيرا و رشدا، أم أرادوا بهم شرا و عنتا؟.
يتقاضانا تصوير هذه الحالات أن نتناول الموضوعات الأتية:
أولا: حالإ البلاد الإسلامية أثناء احتلالها و استعمارها.(1)
ثانيا: حالة أهلها بعد استقلالها كاملاً كان أم ناقصا من النواحى العلمية و الاجتماعية و الصحية والاقتصادية.
ثالثا: مرامى السياسية الأمريكية و الأوربية من حيث رغبتها فى إعانة تلك فى الدول ما ليا بدعوى رفع مستواها الاجتماعي، و الاستعانة بها على محاربةالشيوعية أو عقد معاهدات لتستعين بها عسكريا.
رابعا: ما يجب عليها القيام به فى سبيل نهضتها، و رفع شأنها، و وحدة كيانها السياسي، لتصل إلى مستوى الدول الأجنبية، وإفهام المسلمين أن هذه ضرورة تقتضيها تعاليم دينهم، و أحكام قرآنهم، و سنة رسولهم، و ضرورة يقتضيها العصر الحاضر، و ما وصل إليه من تقدم فى سائر النواحي.
و المقاميقتضى الإيجاز و الإجمال، و إنى لمتّبع فيه حد قوله تعالي: « فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر».
فالموضوع الأول هو: حالة البلاد الاسلامية أثناء احتلالها واستعمارها:
تكاد تستوى حالة البلاد الإسلامية عامة فى فترة الحتلاها على خلاف فى إدارة شئونها الداخلية، و سياستها الخاريجة و العسكرية، ففى الغالب كان يتركلأفرادها حرية ممارسة شعائرهم الدينية، و عوائدهم التقليديه، أما الشئون السياسية و الحربية، فكانت فى يد المسيطرين.
و الظاهرة العامة المشتركة، جرت على حرمانهم مننور العلم، و نعمة التعليم الصحيح، الذى سار فى بلاد المسيطرين شوطا بعيدا، أخرج العالم و الفنَّان و المكتشف و المخترع، و الصانع الماهر، و التاجر الحاذق، حتّى وصل بهمسموّ مداركهم، و علو كعبهم، إلى اكتشاف أسرار الكون، و مكنونات الطبيعة و خوارقها، و اكتشفوا الكهرباء و انتفعوا بمزاياها، و الطائرات التى تسابق الريح، و الغواصات التىتسير فى أعماق البحار، إلى غير ذلك مما نشاهده، حتّى وصلوا إلى اختراع آلات الدامار و الهلاك، و أهل البلاد المتعمرة لاهون غافلون، لأن العلم الذى يفتح العين، و ينبيرالبصيرة، كان يعطى لهم بمقدار، ولا يسمح المستعمر المسيطر إلا بالنزر اليسير منه، لأنه يعرف حق المعرفة، أنه لا يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون.
و كان من آثارذلك، أن سيطر الأجانب على ميادين التجارة و الصناعة، و أنشئوا الشركات، و استغلوا كنوزها، و ثمّروا خيراتها، و استمرءوا مرعاها، حتى إن الزراع لينتج أثمن محصول، ولايدرى ما يصنع به مشتريه منه، ولا يدرك طرق تصريف، ولا ما يدرّه من ربح فى تصديره، إذا تاجر ففى بضاعة
ـــــــــــ
(1) و يدخل فى هذه الحالة و قوع بعض البلادتحت النفوذ الأجنبى و إن لم تكن محتلة.
/ صفحه 136/
مزجاة، وأذا ربح فربح لا يسمن ولا يغنى من جوع، و نشأ عن ذلك بطبيعة الحال أن النحط المستوىالاجتماعى للفرد، و خيم عليه بكلكله الجوع و الفقر حيث لاربح يجدي، و المرض حيث لا علاج يشفي، و بُعد عن اقتحام ميادين التجارة و الاقتصاد، حيث لا علم يضيء، و هكذا كانتالخلاصة أن بقى معظم السكان زراعا فى الحقول، و عمالا فى المصانع، و العلم اليسير إنما يخرج طلا با للوظائف الضرورية، التى لا يستطيع أن يقوم بها المسيطر.
و كفى أننشير إلى ما لاقته مصر من تحملها عناء الامتيازات فى صميم مرافقها، كامتياز شركات قنال السويس، و المياه، و النور، و الترام.
الموضوع الثاني: حالة أهلها العلمية والاجتماعية و الصحية و الاقتصادية بعد استقلالها، كاملاً كان أم ناقصا.
إقرارا بالواقع يجب أن نشير إلى أن هذه الدول، و من بينها مصر تعمل بجد فى سبيل نهضتها، و حفظكيانها و رقيها، فهى تسعى لنشر التعليم يجمعيع مراحله، و مصر أنشأت الجامعات التى لا تقل برامجها و مناهجها عن برامج الجامعات الأوربية، و هى تكثر من البعوث ليحصلأبناؤها على أرفع الدرجات العلمية، و قد تبعها فى ذلك الأزهر الشريف، فإنه يبعث بخريجين من أبنائه ليتقنوا اللغات الأجنبية، و يقفوا على المدنيات الغربية، و يستطيعوا أنيقارنوا بينها و بين المدنيات الإسلامية، و يتمكنوا من الدفاع عن دينهم، و الذود عن حوضه، مما قد يوَّجه إليهم من تهجم، أوتهم باطلة، أو تضليل.
و قد انتهى عهد المحاكمالمختلطة، التى كان يجرى التقاضى فيها بلغات أجنبية، و وضعت قوانى على أحدث التشريعات، لتسرى على قاطنى مصر كافة بلا فارق بين أجبنى و وطني، و بين مذهب و مذهب، و أخذبإصلاحات اجتماعية كثيرة،
/ صفحه 137/
نذكر منها تحديد سن الزواج، و حق التطليق للزوجة عند المضارة، و اقرار الوصية الاجبارية، التى أزالت حيفا،فجعلت للحفيد الذى مات أبوه قبل جده الحق فى أن يرث نصيب أبيه، بشرط أن لا يزيد عن الثلث. و جعلت للمورث حق تقسيم تركته فى حياته بين ورثته تقسيما نابذا، دفعاً لخلاف أوشقاق بين الورثة بعد وفاته.(1)
وتعنى مصر بإرسال مدرسين من بنيها الى من يطلبهم من البلاد الشقيقة وهكذا الى كثير من ضروب الاصلاح .
ولكنا لا نزال نرى حالة الفرد فىمصر ـ وأغلب الظن أنها كذلك فى سائر البلاد الشرقية ـ دون ما يرجو المصلحون، مما يدعو الى الاقرار بأن حالته لم تتغير عما كانت عليه من قبل استقلال بلاده، فالفقر ما فتئجاثما، والمرض وبالأخص المتوطن منه ـ ما برح يحتاج الى وسائل العلاج الناجعة، القاضية على جراثيمه، ولم يبد اتجاه عملي، من حيث علاجه بالمجان، أسوة بما جرت عليه أمريكاوانكلترا، حتى يكون كل فرد سليم البدن، سليم العقل، صالحا لتلقى العلم، قادرا على حمل السلاح.
وأهم من ذلك ما نشاهد من تراخى الافراد فى الميدان التجاري، فالنشاط فيهغير متناسب ولا متناسق مع النشاط فى طرق التعليم.
وإقرارا بالحقيقة يجب أن نشير الى أن مرجع ذلك الى الأفراد لا الحكومات والقائمين بأمرها، إذ يجب أن نسجل ما نرى منتعاطف الدول الاسلامية وتوادها، وجمع كلمتها فى الهيئات الدولية، وسعى مندوبيها متضامنين لاستخلاص حقوقهم، وما نرى فى أحاديثهم من رغبة صادقة فى جمع كلمة البلادالاسلامية، وضرورة تعاونها، ونبذ الأهواء الشخصية، سواء أكان باعثها دوافع شخصية، أم دوافع خارجية، وهذا مما يبشر بأن الروح الاسلامى لا يزال بخير، وأنه يرجى من
ـــــــــــ
(1) فقه الشيعة الامامية يسمح بذلك.
/ صفحه 138/
ورائه الخير الكثير تحقيقا لقوله تعالى : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .وقوله جل جلاله : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .
***
الموضوع الثالث : مرامى السياسة الامريكية والأوربية نحو البلاد الشرقية : نقصرالكلام على سياسة هذين الجانبين نحو البلاد الشرقية، لأنهما راغبان فى توثيق العلاقات مع بلاد الشرق.
وطبيعى أن ندع الكلام جانباً عن سياسة السوفيت الشيوعية، فمنالموثوق به أن البلاد الاسلامية تأبى قبول النظم الشيوعية، وتنفر من سياستها ولا تستسيغها بحكم عقائد أهلها الدينية، وعوائدهم المرعية، والدول الأجنبية تدرك ذلك حقالإدراك، وقد أشارت الصحف الى أن الفاتيكان يحبذ سياسية التقرب والاتصال بالدول الاسلامية ليتعاون أهل الأديان السماوية على مناهضة الشيوعية ومحاربة مبادئها الهدامةالتى تقضى على حرية الفرد والعقيدة، وتؤدى الى تفكيك الأسرة وهدم نظام المواريث، وتدعو الى اضطهاد رجال الدين، والى الإلحاد، وقد أصبحوا يجاهرون بضرورة الاعتماد علىمبادئ الدين الاسلامى وسلامة تعالميه، ففى ذلك قوة لهم لمحاربة الشيوعية التى أصبح شرها مستطيرا، ووباؤها خطيرا، يدفع معتنقها الى إثارة الفتن والاضطرابات لتعطيلالمصالح القومية والمرافق العامة التى يتوقف علهيا نظام العمران وسلامة الدول وراحة الأهلين.
أما فيما يتعلق بالسياسة الامريكية والأوربية فيجب أن نشير الى أننا لانقصد الكلام على ما يراد من معاهدات صداقة وإقامة، أو تجارة او معاهدات سياسية وعسكرية يكون مدارها المساواة، وصيانة حقوق كل بلد، وسيادته، ومعاملة أهله معاملة الندللند، كما يجرى الحال مع أى بلد أوربي، فتلك واجبات الحكومات وكل حكومة تعرف كيف تصون مصالحها، فإنما الذى نخشاه ونريد لفت النظر اليه: هو السياسة الخادعة التى يكونمظهرها التعاون، وباطنها تسخير الأهلين،
/ صفحه 139/
واستخدامهم لصالح شركاتهم ومواطنيهم، فقد نوهت الصحف بأن السياسة الامريكية تبحث ضمن ما تبحث فىمؤتمراتها عن مدى حاجات البلاد المتخلفة اقتصادياً من دول الشرق الأوسط الى العون الاقتصادي، لأن أمريكا معنية بتوفير عوامل الاستقرار الاقتصادى السياسى فى هذهالمنطقة الاستراتيجية الغنية بالبترول، والواقعة بين القارتين الأوربية والأسيوية، وتريد نهضة الشرق الأوسط اقتصادياً حتى يصبح حاجزاً يوقف التوسع الشيوعى السوفيتىدون أغراض سياسية، وهو قول نتمنى أن يكون حقيقيا واقعيا، ولكن نبه بعضهم الى ضرورة اليقظة، وأشار الى أن السهيونيين يدفعون الامريكيين الى سياسة تؤدى لاستبقاء أهل تلكالبلاد فى حالة اجتماعية واقتصادية منحطة حتى يبقى أهلها عمالا فى المصانع مضمونها: أن أمريكا لا تزال تنظر الى البلاد العربية باعتبار أنها سوق للإستغلال، ويحرضهاالصهيونيون على ذلك، ويدفعونها للعمل على مقاومة الحركات الاستقلالية فى البلاد الشرقية، وعرقلتها لوقف نموها، والحيلولة بينها وبين تبوئ مكانتها التى تطمع اليهاويبعثها اليها مجدها القديم، وتاريخها الطويل، ومركزها الجغرافى الممتاز، اذ أن شواطئها تحتضن أهم بحار العالم، فيجب الحيوللة دون تكوينها تكوينا يخل بالتوازن الدولىفى المستقبل، كما يحرم أمريكا من استغلال بلاد بكر تنطوى أرضها على كنوز لا تنفد من الثروات المعدنية كما أن وضعها الجغرافى من الناحية العسكرية ذو قيمة لا تقدر من حيثحشد الجنود والتجمع والتمون والطيران.
ولهذا يخشى المخلصون أن يكون هؤلاء، إنما يرمون من وراء سياستهم ـ التى يسمونها بأسماء مختلفة ـ الى أغراض ظاهرها العونوالغوث، وباطنها ما يشير اليه ذلك الكاتب الغيور.
ولذلك يجب على أهل البلاد الاسلامية أن يكونوا على حذر، وأن يتنبهوا الى ما يراد بهم، فان كان خيرا قبلوه، وإن كانشرا أبوه إباء كريما عزيزا والله المستعان.
الموضوع الرابع: ما يجب على البلاد الاسلامية أن تقوم به لنضهتها ورفع مكانتها، استجابة لأحكام القرآن الكريم، وسنةالرسول الأمين، ومجاراة للتقدم العصرى الذى رفع البلاد الأجنبية مكانا عليا، وجعلها تسيطر على حظوظ غيرها من البلدان.
بينا فيما سبق حالة البلاد الإسلامية، و أنمستوى الفرد لا يسر ولا يرضى و ذلك لنبين الفرق بين حالته و حالة الأ و ربى و الا مريكي، و أن الذى رفع شأن هؤلاء هو العلم الذى أوصلهم إلى درجة ممتازة فى الاختراع والاكتشاف، وفن الاقتصاد الذى هداهم الى استغلال مواردهم، و سعيهم فى استغلال غيرهم، و لسنا نطلب أن ينقلب أهل البلاد الشرقية بين يوم وليلة الى مكتشفين و مخترعينلطائرات تسابق الريح، و غواصات تجرى فى أعماق البحار، و كهرباء، و علوم كيماوية سخروها لكل شيء حتى أدوات الهلاك و الدمار، و إنما نريد منهم أن يغذوا السير فى الطريقالقويم، و أن ينفضوا غبار الماضي، و يبدءوا بالتعاون الوثيق فيما بينهم أفرادا و حكومات و أمما و جماعات، و أن يتبادلوا المنافع و ينبذوا الأهواء الشخصية، والمطامعالذاتية، ليحققوا أوامر دينهم و أحكام شرعهم الذى جعل المؤمنين إخوة، و أمرهم بأن يتعاونوا على البر و التقوي، ولا يتعاونوا على الإثم و العدوان، و نهاهم عن التنازع حتىلا يفشلوا، و تذهب ريحهم، و أن بفهموا بأن الخطاب موجه للمجموع لا للفرد، و إلا لما تحققت معاني، ولا تمت مدلولاته و مراميه، فالواجب يقضى بألا تقتصر الدعوة مثلا علىتبديد الخلافات المذهبية بين الأمم الإسلامية، و إنما يجب أن تتناول الدعوة كذلك التعاون الفعلى فى أمورهم الاقتصادية، و مصالحهم المعيشية، و قد قال تعالي: «وجعلنا كمشعوبا و قبائل لتعارفوا» و متى تعارفوا تآلفوا، فان الأرواح جنودمجندة ما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، فيجب أن يتبادل أهل كل بلد مصالحه بمصالح البلاد التىتجمعه بها الأخواة الإسلامية، و الرابطة الدينية، و أن لا يتفرقوا شيعا و أحزابا كل حزب بما لديهم فرحون، فينتهز الأجنبى هذه الفرصة و يستمر فى تسخيرهم، واستغلالخيراتهم و هم لا يشعرون، أما إذا عامل بعضهم بعضا فى متاجرهم و اقتصادياتهم فان النفع يعود عليهم دون سواهم، و تكون الأرباح التجارية دائرة بين بعضهم و بعض، و بذلك يتحقققوله تعالي: «إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون».
و على هذا الأساس بدت لى بعض مقتر حات قد تتناول نواحى إيجابية، ‹أعرضها لتكون فاتحة لغيرها مما يدلى به أهلالرأى و العرفان من سائر البلدان، أو لتعدل و تحور بما يطابق المصلحة المشتركة، فما نبغى غير الإصلاح و الاصلاح و نلخصها فيما بلي.
العمل على تقوية دعائهم الأزهرالشريف و قد حمل رسالة الإسلام مدى ألف عام، وتقوية دعائم الجوامع التيت تقوم بتدريس الدين فى أنحاء كجا مع الزيتونة و مكناسة و النجف و قم (1) و غيرها، مع إنشاء جوامع علىنسقها فى بلاد الشرق الأقصى، و تدريس اللغة العربية. و هى لغة الدين بها كما تدرس بالبوسنه و الهر سك التابعة الآن ليوغوسلافيا، و قد أخرجت فيما مضى علماء و فقهاء أجلاء.
إرسال البعوث و بالأخص من بلاد الشرق الأقصى إلى الأزهر الشريف ليعود طلايه إلى بلادهم قادرين على أداء رسالتهم، سواء أكان ذلك بالتدريس فى معاهدهم الدينية أمبالقيام بالوعظ و الإرشاد.
العمل على إنشاء الجامعات بها أسوة بجامعات مصر ليقوم أبناؤها بالعبء العلمى و الصناعى و الاجتماعى و الاقتصادي، و يكونوا قادرين علىتمثيل بلادهم فى الهئيات الدولية.
إرسال بعثات من الأزهر لاتقان اللغات الأوربية و اللغات الشرقية كالفارسية و الأوردية لنشر الثقافة الإسلامية، و دفع المفتريات،و شرح ماجد من تشريعات يقصدبها الاصلاح الاجتماعي، و تبديد الشكوك التى أوجدها المستشرقون لأغراض سياسية.
ـــــــــــ
(1) الزيتونة و مكناسة بالمغرب، والنجف بالعراق، و هى مدينة علمية دينية منذ قرون أو قم بإيران، و بجامعتها آلاف من الطلاب ينخصصون فى العلوم الدينية.
/ صفحه 142/
إنشاء قسم فىالمجلات المعنية بأمور الدين كرسالة الإسلام و لواء الإسلام. و مجله الأزهر لنشر و ترجمة المقالات و المحاضرات الدينية و الإصلاحية، باللغات الشرقية كاللغات الفارسيةأو الأوردية و غيرها ليقف على مضمونها، و يستنير بموضوعها من لا يتكلم اللغة العربية من المسلمين.
الاهتمام بالإذاعة بتلك اللغات أسوة بالبلاد الأجنبية التى تذيعلغات متعددة غير لغة بلادها، و من ضمنها اللغة العربية، لتنشر دعوتها و تعمم دعايتها.
تبادل الزيارات بين أهل البلاد الشرقية، و خصوصاً بين المشتغلين بالتجارة حتىيتعارفوا، وتتآلف قلوبهم، و تنشأ الثقة بينهم، فيتبادلوا منافعهم التجارية فيما بينهم، إذ المشاهد إلى الأن ـ تحت تأثير الماضى ـ أن أهل تلك البلاد ما زال أكبر تعاملهممن تصدير و استيراد مع الأجنبي.
إنشاء مجلة أو ملحق للمجلات المعدة لنشرها بالبلاد الشرقية تتناول بيان ما تنجه كل بلد من محاصيل و مواد أولية، و ما تستطيع تصديره أواستيراده من البلاد الشرقية الأخري، و أسماء الشركات ليتعاون الجميع فى اقتصاد ياتهم على نحو ما قدما، و يكون النشر بجميع اللغات عربية أو شرقية.
إنشاء شركات مشتركةبين أهل البلاد الشرقية من المشتغلين بتجارة التصدير و الاستيراد، و من لهم منشآت خارج بلادهم ليكون بعضهم وكيلا عن بعض.
و بديهى أن أعلب هذه المقترحات يقصد بهاالأفراد و الهيئات التى تشتغل بالشئون الاقتصادية و التجارية، إذ يجب أن يتنبه الفرد إلى ما حالق به فى الماضى تحت كابوس الاستعمار، و أن يبدا، فيعرف ما أفاء الله عليه مننعم و فيرة، و خيرات كثيرة خلقها له لينتفع بها و يثمرها فإن أهمل أوقصر فلا يلومن إلا نفسه، و إذا ذهبت تلك النعم عنه فإنما يكون ذلك من عمله «ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمةأنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم و أن الله سميع عليم».؟