وهذا ينظر إلى حاله: فإن جحد ونفى النبوة عن محمد
(صلى الله عليه وآلهوسلّم)
، بقول قاطع فهو مؤاخذ ومستحق للعقاب، لأن من خفي عليه وجه الحق لا يجوز له أن يجزم ويقطع بنفيه إطلاقاً، فقد يكون الحق موجوداً، ومنع من الوصول إلى معرفته مانع،وهذا هو الغالب، فإن الأشياء الكونية موجودة في ذاتها، ومع ذلك لا نعلم منها إلا قليلاً، وكذلك الشأن بالنسبة إلى الأنبياء والمصلحين، وأي إنسان يحيط بكل شيء علماً?. وقد عبر أهل المنطق والفلسفة عن ذلك بعبارات شتى. منها: عدم العلم لا يدل على العدم. عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. كل من الجزم بالإثبات والنفي يحتاج إلىدليل، وقدرأينا الكثير من العلماء الأكفاء ينسجمون مع هذه الحقيقة، فيتهمون آراءهم، ويتحفظون في أقوالهم، ولا يتخذون من أنفسهم مقياساً للصواب، ولا يقولون: هذا الرأي مقدس لا ريبفيه، وما عداه ليس بشيء، بل ينظرون إلى كل الآراء على أنها عرضة للتساؤل، ولا شيء أدل على نقص العالم من غروره بنفسه، وتزكيته لعلمه، وازدرائه لرأي الغير وعقيدته. وعلى هذا، فإن مجرد عدم اقتناع زيد من الناس بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)لا يسوغ له نفي النبوة عن النبي الأعظم
(صلى الله عليه وآله وسلّم)، بقول قاطع،وإن فعل فهو مسئول، بخاصة بعد أن رأى العديد من الغرباء الأكفاء الذين يتأثروا بالوراثة والبيئة، رآهم يؤمنون بمحمد ورسالته لا لشيء إلا احتراماً للحق، واعترافاًبالواقع(1).
هذا إذا جحد، أما إذا نظر إلى الدليل ولم يقتنع، ولكنه لم يجحد، بل وقف موقف المحايد من نبوة محمد
(صلى الله عليه وآله وسلّم)، لم يثبت، ولم ينف، وفي
(1) منهم: (ليوبولاد) النمساوي الذي أسمى نفسه: محمد أسد، وألف كتاب: الإسلام على مفترق الطرق، ومنهم (فاغليري) الإيطالية صاحبة كتاب: دفاع عن الإسلام،وغيرهما كثير لم تحضرني أسماؤهم. وسمعت أن أحد الإيرانيين وضع كتاباً خاصاً في أسماء، من أسلم من الغربيين، وأنهم جمع غفير./ صفحة 77 /