دنيا الذرّة
للدكتور محمد محمود غالي دكتوراه الدولة في العلوم الطبيعية من السوربون
وكيل مصلحة النقل
قدماءالمصريين ودوران الكواكب ـ دوران الألكترونات داخل الذرة ـ بوهر ووثبات هذه الكواكب نحو نواة الذرة ـ علاقة ذلك بفكرة الكم ـ تشابه حركة الكواكب في الكون وحركة الكواكبفي الذرة ـ هذي هي الدنيا ليست هادئة.
متنقلين بين معابدهم في الليل البهيم على ضفاف النيل، أدرك الكهنة من قدماء المصريين، أن للنجوم حركة تستمر طول الليل، وأنهاتتكرر من ليل إلى آخر، ويقنيني أنهم أدركوا أيضاً، أن للكواكب حركة تختلف عن هذه الحركة للنجوم.
الم يعرف المصريون القدامى في سنة 265 قبل مولد المسيح، دوران عطارد حولالشمس ؟ هذا الكوكب الذي سماه المصريون ' سوبكو ' والذي يتم دورته حول الشمس في 88 يوماً، بينما اعتقد خطأ الذين عاشوا بعد ذلك العهد القديم ـ متأثرين بفكرة لأرسطو ـ أنالأرض مركز للكون.
أليس من العجيب أن يخطئ فلاسفة الإغريق فيما لم يخطئ فيه المصريون ؟ هؤلاء علموا الناس قاطبة أن عطارد كوكب دوار حول الشمس، وسائح مخلص دائمالدوران، هؤلاء علموا الناس هذه الحقائق، رغم أن عطارد لا يرى إلا في شهري ابريل وسبتمبر قبل طلوع الشمس بقليل، وفي شهري يناير ويونيو وقت الغروب.
/ صفحه 190 /إني أذكر مع الإعجاب معارف المصريين عن هذا الكوكب الذي لم يره في القرون الوسطى 'إلاّ سكوت أوريجين ' في القرن التاسع الميلادي، و 'براهية' في القرن السادس عشر. هذاالكوكب الذي كان لرؤية ' كاسندي ' له عند مروره أمام قرص الشمس في 7 نوفمبر سنة 1631 قصة رائعة، رآه المصريون وعرفوا دورته حولها قبل ذلك بما يقرب من ألفي عام.
مضطجعين حولأغنامهم في الليل الساكن على ضفاف الفرات، يرقبون السماء بعيونهم، ويتأملون الكون على حد عقولهم، أدرك رعاة الغنم من الكلدانيين هذه الحركة للنجوم، ولا ندري، أأدركواأيضاً هذه الحركة للكواكب؟
وفي الساعة الزمنية التي يُخيَّل إلى أنها لا تنتهي، أدرك المصريون والكلدانيون وغيرهم أن هذه الحركة للنجوم وللكواكب لا تتبع في سيرهاالصدفة العمياء، وإنما تسير وفق قوانين ثاتبة لا تتغير ولا تتبدل، هذه القوانين لم تتضح بطريق لا يقبل الجدل إلا بعد الأعمال الخالدة التي خطها ' كوبرنيك ' البولندي منذخمسة قرون، وهو الذي لم ير عطارد طول حياته، تلك الأعمال التي أثبت فيها أن أرضنا التي نعيش عليها ليست مركزاً للكون، إنما هي تابع لإحدى نجومه: الشمس، وأن هذه الحركةللنجوم التي نراها ليلا من الشرق إلى الغرب ما هي الا دورة للأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق.
ومر الزمن وكر، وتوالت القرون، وتتابعت الأحقاب، وجاء الفِرِنجة ورثةالاغريق، فأدركوا أمراً آخر له خطره، وفطنوا إلى تشابه عجيب بين الكواكب السيارة في دورانها حول النجوم وبين المادة التي يتكون منها كل شئ في الكون، ذلك أن المادة صلبةكانت أم سائلة أم غازية تتركب مما نسميه ذرات ' جمع ذرة ' وهذه الذرة التي كانت في نظر العلماء إلى عهد قريب جزءا لا يتجزأ، باتت في نظر العلماء المحدثين عالماً شمسياًكاملاً، فكل ذرة لأي عنصر
/ صفحه 191 /في الوجود تتكون على ضآلتها من نواة وسطى هي شمس الذرة يدور حولها سيارات متناهية في الصغر يسمونها ' الكترونات ' كل سيارمنها أي كل ' الكترون ' يدور حول نفسه ويدور حول النواة، كما تدور الأرض حول نفسها وحول الشمس، وإني أرجع القارئ في دوران هذا الكوكب الصغير حول النواة المتناهية في الصغرإلى أعمال خالدة ' لرذر فورد ' و ' نايلز بوهر ' الذي سناتي على ذكره في هذا المقال، كما أرجع القارئ في دوران هذا الكوكب حول نفسه خلال دورانه حول نواة الذرة إلى أعمال 'لأهلنبك '.
وهكذا ايقن العلماء أن الذرة على صغرها، وهي التي يتسع المليمتر الواحد في الطول لعشرة مليون منها، تتكون من نواة وسطى يدور حولها كواكب، ويطول الشرح إذاأردنا أن نوضح في هذا المقال لماذا افترض رذرفورد منذ حوالي أربعين سنة هذا النظام الشمسي للمادة، فعند رذرفورد ومدرسته تتكون ذرة الهيدروجين من جسيم واحد في الوسطشحنته الكهربائية موجبة يسمونه البروتون يدور حوله الكترون واحد كما تدور الأرض حول الشمس، بينما تتكون ذرة الكربون من نواة وسطى لا ندخل في تركيبها الآن، يدور حولهاستة كواكب، أي ستة الكترونات، ويدور في ذرة غاز النيون الذي نراه ليلا يتوهج في تلك الأنابيب الحمراء على واجهات دور السينما والبيوتات التجارية، عشرة الكترونات، ويدورفي ذرة الذهب 79، وفي الزئبق 80، بينما يدور في أفلاك مختلفة حول نواة ذرة اليورانيوم أثقل العناصر 92 الكترونا، وهكذا تكون الذرات المختلفة للعناصر المكونة للخليقة، وعدها92 عنصراً، شموساً مختلفة، كل عنصر يتميز بعدد من الكواكب الدوارة حول نواة ذرته، ويختلف عدد هذه الكواكب في العناصر المختلفة من كوكب واحد إلى 92 كوكباً.
ويمكن تمييزهذه العناصر بعضها من بعض الوسائل الكيميائية المعروفة، كذلك يمكن تمييزها بالوسائل الفيزيائية بامتحان أطيافها، والطيف هو ما نراه لحزمة ضوئية من الألوان والخطوط بعدمرورها في منشور زجاجي أو غيره من
/ صفحه 192 /الأجهزة التي تعمل على تحليل الضوء وتبيان ألوانه وخطوطه، ولا ندخل هنا في ذكر ما يسمونه خطوط الامتصاص، وتكتفي أننذكر أن لكل عنصر من العناصر الممثلة بهذه المجموعات الشمسية المتقدمة طيفاً معيناً، وخطوطاً معينة تميزه عن غيره مهما قلت المادة الموضوعة تحت الاختبار.
وهكذا عكفتجمهرة كبيرة من العلماء وطلاب المعرفة على دراسته الذرة ودراسة هذه الحركة للسيارات حول النواة، ولا يكفي كتاب بَلْهَ مقال لوصف المناسبات المختلفة الهامة التي أجريتفيها هذه البحوث أو الأسباب التي ألجات الباحثين إليها أو أو النتائج الهامة التي توصلوا إليها خلال بحوثهم، إن دراسة الألكترونات التي تدور في هذه الأفلاك حول شمسالذرة، ودراسة نوع هذه الأفلاك بالرجوع إلى الأسس العلمية الصحيحة من الأمور التي شغلت كثيراً من الباحثين، والتي كان لها نتائج هامة في التعرف على دنيا الذرة والتقربما أمكن من حقيقتها.
ولعل أهم ما حدث في العلوم خاصاً بحقيقة هذه الدنيا للذرة هو تلك الخطوات الجريئة والممتعة التي خطاها عالم معاصر ما زال ينعم بما ننعم به من حياة،هو: ' نايلز بوهر ' الدنمركي، ذلك أنه استخدم فكرة الكم عند ' ماكس بلانك ' لتفسير مواضع الخطوط الطيفية. ولقد تطلع ' بوهر ' إلى ' الالكترون ' هذا الكوكب السيار حول نواة الذرةمحاولاً أن يحدد له نموذجاً يتفق وفكرة الكم نموذجاً يفسر به الانبعاث الضوئي، ويفسر به مواضع ما نراه من خطوط الطيف مع استبقاء فكرة دوران الالكترون حول ا لنواة، وهيالفكرة التي تتمشى مع حالة عامة نلاحظها في الكون ونلاحظها في دوران الكواكب حول الشمس، فكرة لاحظها أجدادنا من قدماء المصريين منذ أكثر من ألفي سنة.
وإني أذكرللقارئ في اختصار ما هي فكرة الكم عند ' بلانك ' فالطاقة عنده في الكون ظاهرة غير متصلة، ونحصل عليها بوحدات تسمى الواحدة منها ' كمَّا ' معيناً.
/ صفحه 193 /لقدأفهمنا العلماء أن المادة لا توجد إلا بكم ووحدة معينة هي واحدة من جسيمات ذرة العنصر كالبروتون أو النترون، وهي الجسيمات المكونة للنواة في جميع العناصر، فلا يوجد نصفبروتون أو ربع نترون، وإنما تختلف العناصر بعضها عن بعض أيضاً بعدد ما يوجد داخل نواتها من بروتونات أو نترونات، كذلك أفهمنا العلماء أن الكهرباء لا توجد بدورها إلا بكممعين أي وحدة لا تتجزأ هي الألكترون، هي هذا السيار الدائر حول نفسه الحائر حول النواة الموجود في جميع العناصر، وتختلف العناصر بعضها عن بعض ايضاً بعدد ما يدور حولنواتها من الكترونات، وهذا الألكترون وحدة لا تتجزأ، فلا يوجد نصف الكترون أو ربع الكترون، ويحدثنا ' ماكس بلانك ' أن الطاقة في هذا الكون مهما كان نوعها لا توجد بدورهاإلا بكم معين لا ينقسم إلى كمين أي إلى وحدتين.
ولكي ندرك ذلك اذكر على سبيل المثال أننا إذا أردنا أن نلعب الكرة فاننا مخيرون أن نكون 11 لاعباً أو نزداد واحداً فيصبحعددنا 12 أو ننقص واحداً فيصبح عددنا 10، ولكننا لا نستطيع بأي حال أن نزيد العدد نصف لاعب، إن لاعبي الكرة لا يوجدون في الكون الا بوحدات معينة، كل وحدة منها هي الإنسانالكائن الحي الذي لا يمكن أن يوجد بنصف وحدة، فهذا الإنسان موجود في الخليقة بوحدات معينة، ويستحيل وجوده بأنصاف أو أرباع هذه الوحدات، كذلك الحال في الطاقة لا توجد فيالخليقة إلا بوحدة معينة، وكم معين.
ونعود الان إلى الفكرة عند نايلز بوهر من الاحتفاظ بالنموذج الشمسي للذرة مع تفسير مواضع خطوط الطيف، فقد نظر بوهر إلى الالكترونأنه يدور ولكنه يدور في مدار ذي قطر معين أو مدار آخر ذي قطر آخر معين أيضاً ومحدد وحسب أن لكل مدار كمية معينة من طاقة الكترونية تزداد بازدياد المسار، وفي هذا ازديادلطاقة الألكترون الكامنة، وهي الطاقة التي يعطيها كاملة فيما لو وقع في النواة مثلاً، وهنا أدخل بوهر فرضا جريئاً له علاقة بِكِمَّ بلانك الذي تقدم
/ صفحه 194/ذكره، ففرض أنه لا توجد مسارات للألكترون، إلا تلك التي تطابق التغيير في الطاقة بمقدار كَمِّ واحد، وقد حسب هذا الكم الذي يرتبط بمقدار المسار، وتتبع في ذلك الاعدادالصحيحة 1،2،3،4، الخ.
وكأني به، قد فرض في الحيز حلقات معينة حول النواة لا يمكن للألكترون أن يدور إلا فيها.
وفي ظني أنه يمكننا أن نفترض في الحيز هذا النوع من عدمالاتصال بجوار المادة، وهو فرض يبدو غريباً على الذهن، ولكن يصح لنا أن نفكر كما فكرت لنفسي أن وجود المادة تفرض على الحيز الموجودة فيه فرضية بوهر المتقدمة، هذا الرأيخطر لي وسبق أن ذكرته وأرجوا أن ينال موافقة العلماء المعاصرين.
ولقد حاول بوهر أن يفسر عملية انبعاث الضوء التي لم يعزها إلى دوران الألكترون، وإنما عزاها إلى حادثعظيم وقع لهذا الكوكب الصغير، حادث لم يقع على الأقل لكوكبنا الأرضي منذ دورانه حول الشمس، بل لم يقع لعطارد منذ دار أيضاً حول هذه الشمس، وهذا الحادث الجسيم الذي وقعلكوكب نواة الذرة هي وثبة له من احدى المدارات التي يدور فيها إلى مدار آخر ليس له أن يتعداه الا بحادث آخر مماثل للأول.
على أن هذه الحوادث وأمثالها التي أحدثتتغييراً في طاقة الالكترون هي التي سببت لنا على شبكة العين ما نراه من الأثر الضوئي في خطوط الطيف المعروفة، هذا الأثر الذي يرجع في أصله إلى هذا الاضطراب الالكترونيفنرى للصوديوم مثلاً خطوطه الطيفية ونرى هذا أحمر وذاك أصفر.
هنا يحررنا بوهر من كل قيودنا العلمية ويبعد بنا عن كل معارفنا وعن كل ما ورثناه وورثه فيزيائيو هذا العصرمن علوم، فمثلاً كيف يمكننا أن نتصور مع بوهر الكترونا دائراًفي مدار معين لا يرسل أمواجاً كهربائية وفق نظرية مكسويل، تلك النظرية التي اضطر بوهر إلى هجرها مع ما لها منقيمة عليمة، بل إننا نصادف
/ صفحه 195/بعد ذلك صعوبات جمه، أولها اننا لا ندري لماذا تعطي وثبة الالكترون إشعاعاً ؟ وثانيها لماذا يتبع نظام المسارات وحدةبلانك ؟ وأخيراً يقصر بنا الفكر أن ندرك ـ دون أن نقع في الحيرة ـ لماذا وثب هذا السيار ؟
ومهما يكن من خطورة هذه الأسئلة فان بوهر لم يعرها انتباها، وربما كان هذا سرعظمته، وهكذا كلما عارضته فكرة قديمة عمد إلى ترك القديم، وهكذا أحدث ثورة علمية كبرى.
وقد تخلل عمل بوهر صعوبات علمية، فبينما لا يشمل حساب مجموعتنا الشمسية الاتسعة كواكب هي: عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وإيرانوس ونبتون وبليتون، يشمل حساب المجموعات الشمية للعناصر عدداً أكبر من الكواكب، كلنا يعلم اليوم أنعدد هذه الكواكب يصل في اليورانيوم مثلاً إلى 92 كوكباً، من هنا نرى صعوبة يعرفها أولئك الذين وهبوا حياتهم لتتبع رياضيات بوهر المتقدمة.
وتنحصر صعوبة الحساب في تحديدما لهذه الكواكب (الألكترونات) من أثر لبعضها على بعض، وفي ميل مسارات الواحدة منها على الأخرى، بل في اختلاف درجة هذا الميل من كوكب إلى آخر.
ولعل أروع ما يتصورهالقارئ الآن أن يتصور أن كل هذا يجري في عالم صغير جداً، فقد سبق أن ذكرت أننا لكي نتصور ضآلة عالم الذرة المكون من شمس وسطى يدور حولها كواكب يجب أن نعلم أن هذا العالم منالصغر بحيث إنه يجب وضع عشرة ملايين منه الواحدة جوار الأخرى، لكي نشغل ملليمتراً واحداً في الطول.
هذا العالم الصغير له شمسه وله كواكبة بما لها من مسارات وما لهذهالمسارات من ميول.
ورغم أن الموضوع يعتبر من الموضوعات العسيرة، فقد اندفع جيش
/ صفحه 196/من الفيزيائيين النظريين في كل جامعات الأرض محاولين تتبع أعمالبوهر وتطبيقها، ومحاولين الاضافة إلى معارفنا، وذلك بدارسة العناصر المختلفة ودراسة أطيافها، متنقلين من عنصر إلى عنصر، ومتغلبين في ذلك على صعوبة كبرى في الحساب،وتعددت الرسائل العلمية في هذا الباب لسنين طويلة بعد بحوث بوهر التي ظهرت في سنة 1913، حتى أننى صادفت في السوربون سنة 1925 والسنوات العشر التي تلتها، عشرات من طلاب البحثالمشغولين بموضوع طيف العناصر والرجوع بخطوط الطيف إلى مواضع هذه السيارات الحائرة حول النواة، والى وثباتها العجيبة نحوها، وهؤلاء الطلاب تصادفهم في المكتبة، وتعرفهمفي معامل البحث، فترى بعضهم يتابع النظر إلى طيف العناصر، وبعضهم يتابع الحساب ويقابل النتائج التي يصل إليها بالنتائج التي تفرضها التجارب، وما زال من بين هؤلاء اصدقاءلنا عكفوا على أعمالهم أعواماً ليجدوا حلا موفقاً بين ما يصلون إليه من طريق الرياضيات، وما يعثرون عليه أو يعثر عليه غيرهم عن طريق العلم التجريبي، وما له اليوم من قوة.
هذه هي الألكترونات الحائرة تدور حول النواة في الذرة كما تدور الأرض حول الشمس أو القمر حول الأرض، بل هي تدور حول محورها أيضا، هذه الالكترونات من الصغر بحيث انالنسبة بين كتلة احداها وكتلة حبة المسبحة كالنسبة بين هذه الحبة والكرة الارضية التي نعيش عليها، هذه الكواكب الصغيرة أصبحت معروفة في كتلتها، في مقدار ما تحمله منشحنة كهربائية في دورانها حول محورها ودورانها داخل الذرة، بل إنها باتت معروفة في وثابتها داخل هذا العالم الذري.
وبعد فأي تشابه عظيم بين ما في الكون في مجموعة ـبين ما في العالم الشمسي مثلاً ـ وبين أصغر ما في هذا العالم وهو الذرة.
أي عظمة بلغت قوة العلوم النظرية والتجربيية في تتبع هذا النظام للعالم الكبير والعالم الصغير،ومعرفة هذا النظام معرفة بلغت حد اليقين.
/ صفحه 197/هذي هي الدنيا ـ دنيا هادئة وهي ليست بهادئة ـ شمس تبدو أنها تشرق علينا في الصباح حتى لقد ظننا خلال أجيالطويلة أنها هي التي تشرق علينا، وهذه الشمس تغرب في السماء، حتى لقد اعتقدنا خلال هذه الأحقاب أنها هي التي تغيب عنا، والواقع أن الأرض هي التي تدور أمامها، ومن دورانهايتكون الليل يتلوه النهار.
هذي هي الدنيا، وما الشمس إلا نجم في مجرة من ألف مليوم نجم، وفي المجرة ما هو أكبر منها وما هو أصغر، وما المجرة الا واحدة من مائه ألف مليونمجموعة مماثلة لها، وهذه الشمس تدور حول محورها وهي ليست ثابتة، بل تسير نحو ذات الكرسي المعروفة بهرقل، وهذه المجرة بما فيها من مائة ألف مليون نجم تدور حول نفسها وهي فيالوقت ذاته تبتعد في الفضاء المطلق عن مثيلاتها من المجموعات الأخرى، وهذه الشمس التي نراها تشبه النواة داخل الذرة، ألم تنفلق هذه النواة فأخرجت ضياء كضياء الشمس وطاقةفوق الوصف.
هذي هي الدنيا لا تعرف للهدوء سبيلاً، بل هي دائمة الحركة، وهذا هو الألكترون السيار الدوار حول نفسه وحول نواة الذرة، وكأني بها تشرق عليه وتغرب، وهو لايكتفي بدورانه بل له وثبات خطيرة يقف عندها الفكر حائراًهذي هي الدنيا ليست هادئة وهذي هي المادة: ملايين من المجموعات الشمسية تذكرنا بما قاله الهاتف الأصفهاني فيشعره منذ قرابة قرنين، وهو من شعراء الفرس: ' إذا شققت قلب كل ذرة وجدت في جوفها شمساً '.
هذي هي دنيا الذرة ' ما أشبهها الدنيا التي نعيش فيها، حدثتك عنها حديثاً لم يخلمن صعوبة، وإني لأرجو مخلصاً أن يفيدك أيها القارئ العزيز.
ولنا رجعة إلى المواضيع التي تشغل بال العالم اليوم إن شاء الله.