دور الفکر الأصولی فی تطویر الثقافة الإسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دور الفکر الأصولی فی تطویر الثقافة الإسلامیة - نسخه متنی

محمد علی التسخیری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دور الفكر الأصولي في تطوير الثقافة الإسلامية

آية الله الشيخ محمد علي التسخيري

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا نعني بالثقافة الاسلامية؟

يشيع بين المسلمين الكثير من المصطلحاتالتي لا تحدد لها مساحة معينة، مما يؤدي أحيانا إلى اختلاف عميق واستعمالات متهافتة، وتعطي الطرفين المتناقضين أحيانا وسيلة للتمسّك بها، فيصدق هنا قول الشاعر :




  • وكل يدّعي وصلا بليلى
    وليلى لا تقر لهم بذاكا



  • وليلى لا تقر لهم بذاكا
    وليلى لا تقر لهم بذاكا



وهي كثيرة من قبيل : ( التقدم والتأخر، الحضارة والتمدن، التطوير والجمود، الأصالة والحداثة، الطائفيةوالشموليّّة، التعصّب والتسامح، المرونة والميوعة، الموسوعيّة والتخصّص ).

ومن هذا القبيل: مفهوم الثقافة نفسها، إلى الحد الذي قد يفرّق فيها بين الموثق المسلموالعالم المسلم وكانهما متميزان عن بعضهما والى الحد الذي تضيع فيه معالم الثقافة الاسلامية وتبهت ضفافها، فتمتدّ ـ مثلا ـ إلى القصص، ومظاهر الفولكلور) الشعبي، وحتىبعض الخرافات المتداولة بين بعض المسلمين في حين يقتصرالبعض على مجرد النصوص المنقولة، مبعدا عن مجالها كل الانتاج العلمي الإسلامي الفلسفي والاجتماعي

والحقوقي، حتى ولو كان يستند إلى الاصول الاولى، إلا أن الذي يبدو للنظر هو: تحديدها كمفهوم على الشكل التالي :

الثقافة الإسلامية :

هي كل تصوريستند إلى الكتاب الكريم والسنة الشريفة في مجال تحديد الموقف من الوجود والتاريخ والإنسان في معتقداته وعواطفه وسلوكه الفردي والاجتماعيّ.

فكل عمل في هذاالسبيل هو عمل ثقافي اسلامي، وكل متخصص أو متبحر فيه هو موثق مسلم وعلى هذا الأساس وبملاحظة طبيعة الاسلام واسلوب فهمه بشكل مشروع، ولكي نضمن دقة التطبيق لهذا المفهومتجدنا بحاجة ماسة إلى العناصر التالية :

1 ـ تحديد معالم المصادر الاسلامية الرئيسة، وفي طليعتها : الكتاب والسنة والتوفر على علومهما بشكل كاف

2 ـ تحديدأساليب الاستنباط منها، بل وامتلاك الاقتدار الاستنباطي المطلوب، والالتزام بالملاكات والضوابط التي تقبلها الشريعة لعملية الاجتهاد.

3 ـ امتلاك القدرة علىتحقيق التنظير المطلوب؛ ذلك أن المراد لا يقتصر على فهم الموقف من هذا السلوك الفردي أو ذاك فحسب، بل يتجاوزه إلى تحديد الموقف النظري من مجموعة السلوكات المتناسقة، بلمن مجمل السلوكات في أحد المجالات : الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية والعبادية وغير ذلك،وربما تعدى الامر ذلك إلى محاولة تكوين موقف نظري اجمالي من مجمل الحياة أوالتأريخ أو الإنسان.

فالقدرة على التنظير في رأينا تتجاوز حتى قدرة الاستنباط الاجتهادي المتعارف الأصيل فضلا عن الاجتهاد الترجيحي، فكيف بنا ونحن نواجهممارسات ثقافية من اناس لا يملكون حتى هذه المستويات؟

4 ـ التوفر على عناصر المرونة المطلوبة؛ وذلك انسجامإ مع خلود الاسلام، وأنه متكفل للتخطيط الاجماليللمسيرة الاجتماعية إلى يوم الدين، وحل مشاكلها وتقيداتها باستمرار، وهو ما أثبته خلال هذه القرون الممتدة، رغم ما واجهه من وثبات متتابعة على مر العصور، وما صاحبها منتعقيدات ومشاكل.

إن الإسلام نفسه يحمل كل عناصر المرونة، ومن هذه العناصر ما أوكل تحقيقه للفهم الاجتماعي للمجتهد، وتركت منطقة فارغة ليملأها هذا على ضوءالأنوار الكاشفة التي تركها له الاسلام والمصالح التي تتجدد باستمرار، فتترك آثارها في تغيير الموضوعات، وبتغير المواضيع تتغير الأحكام بلا ريب وهذا يعني بطبيعة الحال: ضرورة معرفة عناصر المرونة، ودور الزمان والمكان في تنقيح المواضيع أو تغييرها.

5 ـ وأخيرا، فيجب ضمان توفر نظرة موسوعية للإسلام ككل وذلك باعتبار التخطيطاتالمرتبطة في الاسلام فلا يكاد ينعزل جزء أو حكم أو مفهوم عن هذا التخطيط العام؛ لذلك فلا يتم فهم كامل له إلا في الاطار العام المذكور، وفهم الإطار العام يتطلب الموسوعيةالتي أشرنا إليها.

هذه هي متطلبات تحقيق ثقافة اسلامية أصيلة ذكرناها، ولم نتحدث عن أساليب نشرها وتعميمها، فهي لا تدخل في صميم الموضوع وإن كانت تملك دوراكبيرا من منحها الصبغة العمليّة المطلوبة.

وهنا نتعرف على خصائص الفكر الاصولي؛ لنركز عليها، ونجد مدى قدرتها على اشباع هذه الحاجة الفكرية الثقافية.

خصائص الفكر الاصولي :

وقبل أن نحاول التعرف على هذه الخصائص يجب أن نلاحظ أننا نتحدث عن الفكر الاصولي الحي الممارس المستقل، إما مطلقا أو في إطار مذهب معينفهذا وإن لم يكن يحمل تلك الخصائص بكشل معمق إلا أنه ـ على أي حال يمثل مرحلة ما من مراحل الفكر الاصولي شريطة أن يتمتع بقدرة جيدة قد تشكل ملكة يرجح بها الأقوال، ويقدرعلى برمجة مسيرته الاستدلالية(1)

فإذا ضممنا الانطلاقة المنطقية الحرة للفرد الاصولي فإنّنا سنشهد الكثير من الخصائص المناسبة فقبل كل شيء يتميز المفكر الاصوليبالموسوعية؛ لأن البحث في علم الاصول يتوقف على معرفة واسعة في مختلف العلوم؛ ذلك أنّه أساس الاجتهاد.

وقد ذكر كثيرمن العلماء : أن عملية الاجتهاد تتطلب الخبرةبالقواعد الفلسفية والمنطقية، والاطلاع على القرآن الكريم وعلومه، والعلم بفهرست كل ما يرتبط بالنصوص وتحقيقها، وسلامة الرواة، ومعرفة المرجحات، وكذلك الخبرة في علوماللغة وهيئاتها المتشققات، وأساليب العرب البلاغية بالإضافة إلى خبرة تاريخية بالظرف الذي وردت فيه النصوص، والقرائن التي تصحب النصوص وغير ذلك(2)

وبهذا يكونموضوعه هو : الأدلة المشتركة في الاستدلال الفقهي، ومعنى ذلك : أن العناصر المشتركة في الاستدل وفي مختلف الأبواب الفقهية هي التي تقع موقع البحث وحينئذ يغوص المفكرالاصولي في مختلف الأبواب لاكتشاف هذه العناصر المشتركة، مما يمنحه نظرة شمولية لمجمل آراء الإسلام وأحكامه في مختلف الحقول.

هذا، وأن للمفكر الاصولي بطبيعةالأمر قدرة على معرفة التطبيقات المتفاوتة للقاعدة الاصولية، وربما راح يطرح افتراضات فكرية تطبيقية لما تتحقّق بعد في صعق الوجود، وهذه القدرة تعبّر عن مرونة تساعدهفي استيعاب الظروف المختلفة.

وبهذا نجد : أن الفكر الاصولي يشكل أهم ركيزة للثقافة الإسلامية، موفّرا لها كلّ ما تحتاجه من عناصر الحيوية والإبداع، وخصوصا إذاكان فكرا حرّا ملتزما بكلّ ما تتطلّبه العملية الاجتهادية الحرة من ركائز.

مصداقان من الماضي والحاضر :

ولكي يكون ما ذكرناه منسجما مع الواقعالتأريخيّ والحاضر فمن المناسب التحدّث عن بعض النماذج الاصوليّة والتي قدّمت أروع ثراء للثقافة الإسلامية، وقد اخترنا منها نموذجين :

أحدهما: نموذج الإمامالغزاليّ من الماضي.

والآخر: نموذج المرحوم الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر من الحاضر؛ لنكتشف من خلالهما مدى تأثير العمق الاصوليّ على سير الثقافةالإسلامية.

الإمام الغزاليّ في فكره الاصوليّ وآثاره الثقافية :

يمثّل الإمام الغزاليّ قمة الفكر الاصوليّ في أواخر القرن الخامس الهجري وأوائل القرنالسادس.

كما يمثل كتابه (المستصفى) أروع الثمار الاصوليّة خلال قرون عديدة، وتتجلى فيه كل الخصائص التي ذكرناها للفكر الاصوليّ بشكل جيد، ويكفي أن نمرّ بسرعةعلى محاور هذا الكتاب ليثبت لنا ذلك.

فهو يبدأ ذكرا : أنّ علم الاصول يدور حول أقطاب أربعة هي : الحكم، ومنبعه، وسبل الاستثمار والاستدلال، والمستدل المستنبطويقدّم للأمر بذكر مقدمة يحصر فيها مدارك العلوم النظريّة بالحدّ والبرهان، ثمّ يذكر ما يشتمل عليه كلّ منهما من فنون؛ لينتقل إلى القطب الأوّل لعلم الاصول، وهو : الحكم،ليتحدّث عن حقيقته، وأقسامه، وأركانه، وفيما يظهر به الحكم.

أمّا القطب الثاني وهو الأدلّة : فيتعرّض فيها للاصول الأربعة : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل،والاستصحاب، نافيإ بعد ذلك كل الأدلّة الأخرى التي ادعي دلالتها.

وفي القطب الثالث : يتحدّث بإسهاب عن كيفية استثمار الأحكام.

أمّا القطب الرابع :فيتحدّث فيه عن الاجتهاد والتقليد والترجيح. وهكذا نجد: أنه يسير بتسلسل منطقي عميق؛ ليقدّم لنا صورة منسجمة ومتكاملة عن هذا العلم الإسلاميّ الأصيل.

ولسنا نقول: إنّنا ننسجم معه في مثل هذا التخطيط، وإنّما نريد القول : بأنّ هذا التخطيط يكشف عن منطقية وشمول وعمق بشكل واضح وقد كان لهذه الروح الاصوليّة دورها الكبير في تمكّنه منطبع الثقافة الإسلاميّة آنذاك، بل وحتّى إلى قرون بعده بطابع اصولي أصيل.

وكما بنى علم الأصول وأقامه على أربعة دعائم فإنّنا نجده يقيم الدين وإحياءه في كتابه(إحياء علوم الدين) على أربعة شعب هي : ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات،وربع المنجيات وهكذا يسير بشكل منطقي في هذه الأرباع، مكتشفا العلاقات فيما بينها،مبدعا في الإشارة إلى الصورة المتكاملة التي يخططها الدين للحياة، وهو يقول في هذا الصدد :

(وإنمّا حملني على تأسيس هذا الكتاب على أربعة أرباع أمران : أحدهما-وهو الباعث الأصلي ـ : أن هذا الترتيب في التحقيق والتفهّم كالضرورة؛ لأنّّ العلم الّذي يتوجّه به إلى الآخرة ينقسم إلى : علم المعاملة وعلم المكاشفة..، ثمّ إنّ علمالمعاملة ينقسم إلى : علم ظاهر، أعني : العلم بأعمال الجوارح، والى علم باطن، أعني : العلم بأعمال القلوب.

والجاري على الجوارح : إمّا عادة، وإمّا عبادة....)(3)

وقد بلغ هذا الكتاب شوا من العمق والحكمة، بهر به النفوس،حتّى أنّ فريد وجدي يقول في دائرة معارفه عنه بأنّه : ( مصوغ في قالب من الحكمة العالية، لا يدانيه فيه كتابسواه)(4)

وقال عنه الإمام محمّد بن يحيى : (الغزاليّ هو الشافعيّ الثاني ). وقال أسعد الميهنيّ :

(لا يصل إلى معرفة علم الغزاليّ وفضله إلاّ من بلغ أو كاديبلغ الكمال في عقله)(5)

والّذي أعتقده : أنّ ما تمتّع به من فكر أصوليّّ ترك أكبر الأثر في إنتاجه الثر الّذي طبع الثقافة الإسلاميّة عبر قرون.

الإمام الشهيد الصدر مثال حاضر :

وبهذا المثال نطوي القرون، حتّى نصل إلى القرنين : الرابع عشر والخامس عشر، ونركّز بالتحديد على مدرسة النجف الأشرف الأصوليّة؛لنجد جهابذة في الفكر الأصوليّ من أمثال : الميرزا النائينيّ، والمحقّق الأصفهانيّ، والمحقّق العراقيّ، والمحقّق الخوئيّ، والإمام الخمينيّ، والإمام الشهيد السيّدمحمّد باقر الصدر رحمه الله، وكلّ منهم يكاد يشكّل بنفسه مدرسة أصوليّة واسعة تركت أثرها على الثقافة الإسلامية العامّة بشكلٍ واسع.

وقد كان ما تركه المرحومالشهيد الصدر وخصوصاً على طلاب الثقافة العربية ـ غزيراًَ جدّاً، فقد قدّم للمثقف المسلم أوّل نظريّةٍ اقتصاديّةٍ متكاملةٍ، وأوّل نظريه إسلامية حول البنك اللاربوي،وأول نظرية منطقية حديثة حول مباني الاستقراء، وأول اطروحة للمرجعية الدينية الرشيدة واول كتابة مدرسية لعلم الاصول، وأول وأقوى مناقشة للفكر المادي والماركسي منهبالخصوص، وأول اطروحة للدستور الإسلامي للدولة الإسلامية، وغير ذلك الكثير من العطاء الثر والواسع.

واحاول هنا أن الخص خصائص هذا الفكر عبر ذكر النقاط التاليةفي فكره الحي وهي :

1 ـ التنظير :

فلقد كان رحمه الله منظرا إسلامياً يقلّ نظيره في الزمان، ومدرسةً فكريّةً مجدّدةً في مختلف الحقول، لها خصائصهاوصفاتها الفريدة، والتي يمكن اختصارها في النقاط التالية :

أ ـ الشموليّة والكلّيّة في النظرة :

هو خصوصيّة يلاحظها كل من يتعرّف على مؤلّفات الاُستاذالشهيد ولأول مرّةٍ...، فيجده لا ينظر لكل قضية وفي أي حقل كانت إلا في إطارها العام، ومن خلال متابعة صلاحياتها وجذورها والمؤثرات في صياغة الموقف حولها.

فإذاعالج قضيّة (الإمامة ) ـ تأريخياً ـ ربطها بالمسيرة الإنسانيّة الكبرى والهدف الكبير.

وإذا درس الفلسفة نفذ اليها من خلال موقعها الاجتماعيّ الرفيع.

وإذا عالج قضية منطقيةً ـ كالاستقراء ـ نفذ من خلالها الى أعظم حقيقة في الكون.

وإذا تعرض لنظام العبادات درس دوره في نفي أكبر أعراض المرض في المسيرة الحضارية.

وإذا درس الماركسية ناقش من خلالها نظريات العامل الواحد.

وإذا ركز على الواقعة الفقهية انتقل لدراسة كل القواعد الفقهية الأوسع فالأوسع.

وإذاعالج موضوعا اصوليا نظر اليه من جميع الجهات، وربما تطرق الى نظريات عالمية لم يعهد طرحها في مثل المجالات الاصوليّة كما تمّ في بحث (الوضع).

وإذا ذكر الاجتهادوكيفيّته درسه من خلال حركته والمؤثّرات الخارجيّة فيه، أو من خلال نقاط الخطر النفسيّة والتأريخيّة العاملة على انحرافه.

وإذا درس قضيّةً معاصرة ً ـ كقضيّةالبنوك ـ فإنّه يضعها في ظروفها، ويسدّ كلّ ثغورها، ويقدّمها اُطروحةً كاملةً قابلةً للتطبيق.

وإذا درس الموقع الإنسانيّ سار به منذ بدء مسيرته وعبر به كلّالمراحل الاجتماعيّة.

وإذا طالع القرآن الكريم انتقلت روحه العظيمة في آفاقه ورجعت بتفسيرٍ موضوعيٍّ اجتماعي رائع. وحتّى عندما كان يكتب رسالته العمليّةلمقلّديه فكان يطرح نموذجإ جديداً للرسالة العمليّة، يبدأ بالعبادات ويمرّ بالمعاملات، ويصل الى السلوك الخاصّ، وينتهي بالسلوك العامّ.

وهكذا نجده عندمايخطّط للمرجعيّة الموضوعيّة التي تقود الجامعات العلميّة دون تأثّرٍ بالذاتيّات والعلائق الشخصيّة.

وأروع ما نجده من تخطيطٍ وتنظيرٍ هو : ما تجلّى في كتابهالرائع (اقتصادنا)، فهو أفضل نموذجٍ لبيان هذه الخصوصيّة.

ب ـ العمق :

وهي خصوصيّة يشهد لها كلّ من هو بمستوى فهم البحث المعمّق حين يطالع كتبهالرائعة. إنّه يتجلّى كلّ كتابٍ من كتبه، وكلّ حديثٍ من أحاديثه، وكلّ درسٍ من دروسه القيّمة.

إنّه يتتبّع الفكرة، مناقشاً إيّاها بكلّ على أساسٍ ممّا تقوله هي،وهو ما صنعه حين ناقش (المادّيّة الديالكتيكيّة) على ضوئها هي.

وأروع ما يتجلّى العمق في كتبه الفقهيّة والاُصوليّة التي عبّرت عن مرحلةٍ جديدةٍ في هذا المجال،كما يتجلّى بوضوحٍ في كتابه الرائع (الاًُسس المنطقيّة للاستقراء)، والذي قال عنه : (إنني أقمت البراهين في هذا الكتاب بما لو قرأه المادي لآمن بالله وبالعلوم الطبيعيةمعاً، أو كفر بهما معاً، وأغلقت في وجه الكافر باب الخضوع للعلم والتمرّد على الله سبحانه).

ج ـ الموسوعيّة :

فقد ألف في مختلف المجالات الإسلامية :الاجتماعية، والاقتصادية، والفلسفية، والماليّة والاُصوليّة، والفقهيّة، والتأريخيّة، والحضاريّة، والتفسيرية، والحديثيّة والعقائديّة وغيرها، وجاء في كل هذهالمجالات بالجديد العميق، وهو ما يقودنا الى الصفة الاُخرى وهي :

د ـ الاصالة :

فهو يستقي من القرآن والقرآن لا غير، يسلك الطريق الوسطى، رافضاً كلّالسبل الأخرى، غير متأثرٍ بأية فكرةٍ لا تأتيه من منبع الوحي وإن كان يستوعبها بحثاً ونظراً، ولا يقف منها موقف الرفض اللاموضوعيّ.

إنه يناقش الفكر الماركسيالمادي بأروع مناقشة، كما يناقش الفكر الرأسمالي بكل عمق، فاذا انتهى من نفيهما عاد الى منبع الوحي، يستقي منه المذهب الاقتصادي الإسلامي الأصيل.

وكذلك يناقشالأفكار اللامنطقية المنحرفة بكل منطقية وبرهنة، ثم يختار الرأي الأصيل. وأنت تجد هذه الأصالة في كل ما كتب وخطب.

هـ البعد الاجتماعي :

وهي صفة هامةالى جنب الصفات الأخرى التي يتسم بها تنظيره الفريد... إنه يرى الإنسان موجوداً يتكامل في الإطار الاجتماعي لا غير، ووعى الإسلام ديناً، يركز على المسيرة الإنسانيةالاجتماعية المتكاملة وإن كان يمنح الفرد أصالته الذاتية.

هذه النظرة الاجتماعية الواسعة قد تجلت في أغلب بل في كل ما كتب، حتى تجده يطرد النظرية الفلسفيةالإسلامية من خلال مقدمة اجتماعية. وإذا تعرض لحركة الاجتهاد طرحها بهذا المنظار. وإذا درس فكرة الإمامة أو الخلافة الإنسانية تجلى هذا البعد بشكل رائع، كل هذه كانتملامح للشهيد العظيم، منظراً للامة ومخططا لها صورتها ونظرتها الكونية (وأيديولوجيتها) السلوكية العامة.

2 ـ التربية :

وهي تستحق أن تشكل بعدا ضخماًمن أبعاد شخصية الشهيد الصدر العظيمة، ولقد قضى كل عمره الشريف المبارك مربيا يصنع الجيل الناهض الواعي من خلال :

أ ـ تربيته للعديد من العلماء الواعين الذينانتشروا يبثون أنوار التربية الإسلامية في جسم الامة المسلمة.

ب ـ محاضراته العامة التي كانت تترك أكبر الآثار في نفوس الشباب الإسلامي والعراقي المتطلع.

ج ـ مؤلفاته التي تخاطب القلب والعاطفة، كما تخاطب العقل، فتترك أثرها المتوازن على شخصية الجيل الإسلامي، مما أمكننا أن نقول بحق : إنه ربى جيلاً كاملاً وحصنه ضد كلالهجمات الإلحادية والاستعمارية.

د ـ سلوكه المناقبي الرائع، الذي كان يجذب اليه كل واع متطلع فيربيه التربية المثلى.

3 ـ الحب الإلهي والفناء فيالإسلام والعمل به :

فلقد كان رحمه الله شعلة حب لله وتفان في الإسلام، وشوقً لتطبيقه لا يوازيه شوق...، عاش معه ومات من أجله.

لقد كان يخطط للحكم الإسلامينظريا عندما بدأ بالتخطيط لكتابة (فلسفتنا)، و(اقتصادنا)، و(مجتمعنا).

كما اتجه لنفس السبب الى إيجاد ظاهرة التنظيم الإسلامي في المجتمع، بعد أن واجه هجمة شرسة منقبل الشيوعية والعلمانية.

وقاد عملية توعية فكرية ضخمة في هذا المجال، ثم قام بدور أساسي في إنشاء جماعة العلماء، وراح يدعو للتحديد الواعي لاسلوب المرجعية ثمعمل على مقارعة الحكم المنحرف، مما جعله يتعرض للتضييق والاعتقال مرات عديدة.

وفي خاتمة هذا الحديث :

يحسن لنا أن نوصي كل المفكرين والمنظرين، وكلاولئك الذين يهمهم أن تنعم جماهيرنا الإسلامية بفكر قوي ومعنويات يدعمها الفكر الإسلامي الأصيل، نوصيهم بالعناية بالدراسات الاصولية، سواء في إطار الاجتهاد الحرّ وهوالأمر المطلوب حقا، بعد أن انتفت كل عوامل الجمود والحصر والانغلاق، أو حتى في إطار الاجتهاد الترجيحي، خصوصا مع الايمان بانفتاح معقول على الآراء المتنوعة لدىالمذاهب، بما يشبه عملية التلفيق بين الفتاوى، إلا أن التلفيق هنا تلفيق بين الآراء الاصوليّة يقوم على أساس فذلكة للدليل وترجيح للمستندات.

لننبذ من حياتناالفكرية تلك الآراء المطروحة على أساس استحسان ينقدح في الذهن لا يعلم مستنده !! أو قياس ضعيف الشبه أو خفيه، لا يملك صاحبه شرحاً إلا ما ركنت اليه نفسه من وجه الشبه بن علةالأصل وعلة الفرع، أو حتى مصلحة سياسية أو اقتصادية نتصورها فرديا فيبني عليها حكم الإسلام ونظرته للحياة.

إنها مزالق حقيقية يجب أن يتجنبها المفكر المسلم،حتىيمكنه أن يحمل نور الثقافة الإسلامية إلى امتنا المنطلقة إليها؛ لتصنع غدها القرآني العظيم.

قال الامام علي عليه السلام في كتاب له إلى عمّاله :

(فأنصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم، فإنكم خزان الرعية ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة) نهج البلاغة الخطبة 51.

1 ـ لا حظت أثناء مناقشات مجمع الفقه الإسلامي الدولي : أن سير الاستدلال هناك في كثير من موارد غير طبيعية إذ يعتمد : إماعلىالاستنادالىأقوال الأئمة، أو حتىالى المجتهدين في إطار المذاهب أو الاستناد إلى أدلة مختلفة المراتب في إطار المذاهب، أو الاستناد إلى أدلة مختلفة المراتب في سلّمالاستدلال : كالاستناد الى بعض الأصول العملية التي تشخّص الوظيفة العمليّة فقط قبل تحقيق الأمر في الأدلة الاجتهادية التي تنظر إلى الواقع وتعمل على كشفه، وهي مقدمة ـاصولية ـ على تلك الأدلة العملية فيجب ضمان البرمجة الاستدلالية، والتأكد من كونها برمجة منطقية طبيعة، والحديث عن هذا مفصل لا مجال له هنا.

2 ـ راجع أصول الفقهالمقارن للسيّد محمّد تقي الحكيم : 571 ـ576.

3 ـ إحياء علوم الدين 1 : 1،طبعة دار المعرفة، بيروت.

4 ـ دائرة المعارف الإسلاميّة 7 : 66، طبعة دار المعرفة،بيروت.

5 ـمقدّمة كتاب (إحياء علوم الدين).

/ 1