فقد قرر هذه الفكرة القزويني (وهو سابق لابن خلدون) في كتابه، (عجائب المخلوقات)؛ و أشار إليها قبل القزويني: ابن الطفيل في كتابه (حى بن يقظان)؛ و من قبل ابن الطفيل: ابن مسكوية (المتوفى سنة 421هـ) في كتابه(تهذيب الأخلاق و تطهير الأعراق)؛ و من قبل ابن مسكويه : (إخوان الصفاء) في رسائلهم التي ظهرت بين سنتي 334 و 373 على أرجح الآراء، و أشار إلى هذه الفكرة نفسها من قبل هؤلاءجميعا أرسطوا في نظريته في ترتيب الكائنات و تدرجها في سلم العالم.
* * *
ولكن ابن خلدون تختلف نظريته عن هؤلاء جميعا من وجهين:
أحدهما: أن الرقي عند هؤلاء هورقي في المرتبة فحسب، فهم يحاولون ترتيب الكائنات من الأسفل إلى الأعلى ترتيبا عقليا منطقيا؛ حتى إن (إخوان الصفاء) ليضعون الفيل والفرس و النحل و الببغاء و بعض الطيورالذكية في مرتبة قريبة من الإنسان ، و في أعلى مراتب الحيوان. أما ابن خلدون فيقصد الارتقاء من الناحية العضوية البيولوجية.
و ثانيهما: أنه لم يقل أحد من هؤلاءباستحالة هذه الكائنات بعضها إلى بعض، أما ابن خلدون فقد قرر في عبارات صريحة أن الكائنات الأخيرة من كل مرتبة قابلة بطبعها لأن تستحيل إلى الكائنات الأولى من المرتبةالتي تليها، و أنها قد تستحيل إليها بالفعل: كما تدل على ذلك النصوص التي أوردناها فيما سبق. و بهذين الوجهين تقرب نظرية ابن خلدون من نظرية دارون و ممن تابعه من جماعة(الارتقائيين) المحدثين، بقدر ما تبعد عن آراء من عرض لهذا الموضوع من قبله.