وعلى الرواية الثانية عول السيوطي في شرح شواهدالمغني (الصفحة السادسة والثلاثين) إذ يقول: مات جميل بمصر سنة اثنتين وثمانين . وهي الرواية الصحيحة، ويقضي بصحتها تصريح جميل بها عند احتضاره في أول المقطوعة التي حاولأني بلغ بها نعيه إلى بثينة:
بكر النعى وما كنى بجميل ونوى بمصر ثواء غير قفول
إن جميلا رحمة الله عليه غلبت عليه حكمة العقل على هوى العاطفة، فلم يصب بتدله يذهببرشده، فيهيم على وجهه، كما وقع لمجنون ليلي العامرية، مع تقاربهما فيما جلب عليهما الأسر في شرك الغرام.
قيس بن المُلوَّح:
إن قيسا وليلاه كانا يرعيان البهملأهلهما وهما صغيران، فشبا على التحاب، ولما حيل بينهما بعد الكبر وحجبت عنه تبله الحب، فاختل عقله، وهام مع الوحش. فكان ما كان مما جرى مجري الأمثال. وفي ذلك: تعلقتليلي وهي ذات تمائم ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صبيان نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم يكبر البهم (2)
لقد تبين لكم قبل هذا الاستطراد أن حال جميلوحالنا مختلفان، فأنه في وادي القرى نشبت المقاولة مع الحبيبة أخذاً ورداً، شهية في النفس متعة للروح. ونحن في غرفة المحاضرات إنما نبدئ ونعيد ما زورناه من قبل فيالفكرة،
(1) الوفيات ترجمة جميل.(2) ذات تمام جمع تميمة رواية تزيين الأسواق، وذات ذؤابة رواية الأغاني 2: 11، والذوابة شعر الساعية، وروايةالشعر والشعراء (غر صغيرة) ـ البهم: جمع بهمة وهي الصغير من أولاد الغنم والبقر وغيرهما، الذكر والانثى في ذلك سواء.