نفر من أصحابرسول الله
(صلى الله عليه وآله و سلم)
من الأوس و الخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم و جماعتهم و صلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كانبينهم من العداوة في الجاهلية. فقال: قد اجتماع ملأ قيلة بهذه البلاد(2)، لا و الله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار.
ثم أمر فتى شابا من اليهود كان معه،فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث و ما كان قبله، و أنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، و كان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس و الخزرج، و كان الظفرفيه يومئذ للأوس، و هو يوم يطول ذكره، و ليس هنا بيان أمره.
ففعل ذلك الشاب اليهودي ما أمره به شاس بن قيس، فما إن ذكرهم بأيام حروبهم حتى تكلموا فيها و تنازعوا وتفاخروا، و اشتد التنازع و التفاخر بينهم، حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه، إن شئتم رددناها الآن جذعة، و غضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة، - الحرة- السلاح السلاح . فخرجوا إليها يريدون القتال ، و كاد يتم لشاس ابن قيس ما أراد من الإفساد بينهم.
ولكن رسول الله
(صلى اللهعليه وآله و سلم)
بادر إليهم حين بلغه أمرهم، فأدركهم قبل أن يقتتلوا ، و قال لهم: يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم، بعد أن هداكم اللهللإسلام و أكرمكم به، و قطع به عنكم أمر الجاهلية، و استنقذكم به من الكفر، و ألف به بين قلوبكم. فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فبكوا و عانق الرجالمن الأوس و الخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله (صلى الله عليه و سلم)سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم شاس بن قيس، و في شأنه نزل قوله تعالى فيالآيتين - 100، 101 - من سورة آل عمران: (يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا
(2) قيلة: أم الأوس و الخزرج. / صفحة 307 /