تحِيَّة إِلى الرّوحِ العلَوِيَّة وَوحدة المُسْلِمِيْن
تحِيَّة إِلى الرّوحِ العلَوِيَّة
من الذكريات التاريخية التى يذكرنا بها شهر رمضان؛ذكرى مقتل الإمام الشهيد على بن أبى طالب عليه سلام الله و رضوانه، فقد طعنه الشقى عبدالرحمان ابن ملجم طعنة مصْمِيَة لا يزال يضطرب لها كل قلب يؤمن بالله و اليوم الآخر، وينطوى على حب رسول الله و آله الكرام. إن عليا كرم الله و جهه هو الإمام الذى التقت على حبه و إجلاله جميع الطوائف الاسلامية، فلن تجد اليوم فى شعب من شعوب الاسلام إلاقلوبا على ذكراه حانية، و بعلومه و آثاره الطيبة و منزلتة من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مُدلة فاخرة، و قد كان عليه صلوات الله و رحمته مرموق المكانة بين جلةالأصحاب مقدماً فيهم، مستشاراً، ثاقب الرأي، نافذ البصر، صادق الفراسة،ذرب اللسان، قوى الجنان، متمسكا بالحق، زاهدا فى الدنيا، كثير الخوف من الله، أمينا على ماائتمنه عليه، لم يحاب فيه أحداً من الناس حتى أخاه.
إن من الولاة مَنْ يعملون لدولتهم، و منهم من يعملون لأمتهم، فالعاملون للدولة هم الذين يجعلون همهم حفظ سلطانهم، وتثبيت أقدامهم، و توجيه كل شيء إلى أنفسهم و أبنائهم و أهليهم، أما العاملون لأمتهم فسواء عليهم أثَبَتَتْ فى الملك و السلطان أقدامهم أم تزلزلت، فإنما يرجون الصلاح والخير لهذه الأمة، و يرتادون لها الطيبات، و يحرصون على أن يكونوا فيها خلفاء الله حقاً، فهم خدامها المخلصون، و وكلاؤها الناصحون، لا يذكرون أنفسهم، و لا يحفِلونبأشخاصهم و لا يدورون مع أساليب السياسة حيث دارت، ولا يلتعوون مع أهوائها حيث التوت، أولئك مُثل الحكم الصالح، و ألوية القيادة الرشيدة الموفقة، و منابع الخير و اليمنيفيض الله بها على من يشاء
و كذلك ـ لعمر الحق ـ كان أبوالحسن، فإنه لمن الراشدين الموفقين الذين أدَّواالأمانة، و نصحوا لله و رسوله و للمسلمين، و عاشوا لله،و ما توا فى سبيل الله، و لم تأخذهم الدنيا ببريقها الخادع، و سرابها اللامع، و ما كان ابن أبى طالب بغرّ يجهل أفانين السياسة، و لا بنكْس يضعف عن تحمل التبعات، ولو شاءلكان مّلِكا جباراً يبطش بأهل عداوته، و يتلطف لأهله و خاصته، و لكنه آثر الله، و ابتغى ما عنده، فكان لدينه و أمته، و لم يكن لمُلكه و دولته.
و هذا ضِرار الصُّدائىيصفه فى مجلس معاوية فيقول «كان والله بعيد المدَي، شديد القوُي، ، يقول فصلا، و يحكم عدلا. يتفجر العالم من جوانبه، و تنطق الحكمة من نواحية، يستوحش من الدنيا و زهرتها،و يستأنس بالليل و وحشته، و كان والله غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلْبُ كفه، و يخاطب نفسه، يعجبه من اللباس من قصر، و من الطعام ما خشن، و كان فينا كاأحدنا، يجيبنا إذاسألناه، و ينبئنا إذا استنبأناه، و نحن مع تقريبه إيانا، و قربه منا، لا نكاد نكلمه لهيبته، و لا نبتدئه لعظمته، يعظم أهل الدين، و يحب المساكين، لا يطمع القوى فى باطله،ولا ييئس الضعيف من عدله، و أشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه، و قد أرخى الليل سدوله، و غارت نجومه، و قد مثَلَ فى محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تملمُل السليم، و يبكىبكاء الحزين ، و يقول: يا دنيا، إليك عني، غُرِّى غيري، ألِى تعرضت؟ أم إلى تشوقت؟ هيهات .. هيهات! قد باينتك ثلاثاً لارجعة فيها، فعمرك قصير، و خطرك حقير، و خطبك يسير! آهمن قلة الزاد، و بعد السفر، و وحشة الطريق».
و إن معاوية ليسمع هذا الوصف فيبكي، حتى تبتل لحيته بدموعه، و يقول: رحم الله أبا الحسين، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليهبإِضرار؟ قال: حزن من ذُبح و احدها فى حجرها!
فسلام الله و رحمته و بركاته على هذه الروح الطاهرة، سلام عليها فى عليين، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقينو الشهداء و الصالحين، و حسن الولئك رفيقا؟