بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
غير متأثرين بحكم سابق ضد هذا المذهب أو ذاك. ولذلك يجب أن يخلع الباحث العلمى ثوبه المذهبى قبل أن يدخل قاعة الدرس، وإلا كان الزعم بأن ما يفعلهمقارتة بين المذاهب زعماً غير صحيح، بل كان ذلك أشبه بالظهور بالمظاهر التمثيلية. ولذلك لا نفهم السرفى التشقيق الذى أتى به المعترض فى قوله: «هل يدرس لبيان زيفه أوعلى أنه حق» ونقول له: كيف فاتك أن الدرس يجب أن يكون على أساس من الإنصاف والمعدلة وخلو الذهن من حكم سابق، وإلا لم يكن درساً، ولم يكن منهجا علميا محترما. إن البحثوالدليل والبرهان هى الأساس فى الحكم، وليس هناك من يزعم أن مذهباً ما من المذاهب الإسلامية حق كله، وأن مذهباً آخر باطل كله. ولكن كل مجتهد متعرض لأن يخطىء ويصيب، ويؤخذمنه ويرد عليه. وقبل أن نترك الحديث فى هذه النقطة نحب أن نقول: إن ماقرره الأزهر من الاكتفاء بدراسة مذهبى الإمامية والزيدية ضمن منهاج الفقه المقارن، لم يكن مرجعهفى نظره أنه يستنكر دراسة هذين المذهبين على سبيل الاستقلال، كلا، ولكن لأن الدراسة الجامعية الأصلية هى الدراسة المقارنة، وليس مما يهم الأزهر أن يزيد مذهباً علىمذاهبه الأربعة كى يدرس مثلها على سبيل الاستقلال، بل لعله يرمى إلى مستقبل تكون فيه جميع الدراسات الفقهية فى كلية الشريعة وأقسام التخصص بها دراسات مقارنة. ولعلقائلا يقول: ولماذا تحلفون بما تسمونه «الفقه المقارن» إلى هذ الحد، وتعدن دراسته هى الدراسة الجامعية الحق، وترتكبون فى سبيله ما لم يرتكبه أحد من قبلكم؟ فنقول له: «إن الفقه المقارن» هو الفقه على الحقيقة، وهو صناعة الفقيه على الحقيقة، أما الحافظ للفروع الذى لا يعرف إلا سرد الأحكام; فما ذاك بالفقيه. /صفحه 377/ وهذا الذىنقرره هو ما تقرره كتبكم المعتمدة التى تدرسونها، وتنقطعون لخدمتها، ألا ترون أنهم يقولون: «الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية» ويقولون: «من لم توجدعنده ملكة العلم بالأحكام على هذا الوجه فلا يعد فقيها ولو حفظ جميع أحكام الفروع، ومن وجدت عنده الملكة ولو فى بعض المسائل فهو الفقيه. وقد سئل مالك عن أربعين مسألةفأجاب عن أربع منها، وقال فى ست وثلاثين: لا أدرى! ولم يمنعه ذلك من أن يكون فقيهاً; لأن ملكة الفقه وجدت عنده». ثم إن هذه الدراسة قائمة جارية على أيدى العلماء فىكل عصر، وكتب المذاهب عامرة بها، وكتب الحديث والتفسير والأصول الأمهات، لا تكاد تخلو منها صفحة من صفحاتها، وكم رجح المالكى قولا للشافعى. ورجح الحنفى قولا لغير أبىحنيفة، وأصحاب أبى حنيفة وتلاميذه ومن ينتسبون إليه، كثيراً ما يقررون غير ما قرره الإمام، لضعف مأخذه عندهم، أو لا نكشاف دليل لهم لم ينكشف له، وكذلك كل أصحاب الأئمةوأتباع المذاهب. ولا شك أن هذا منهج مستقيم من الناحية العلمية الفقهية، ومن الناحية الإسلامية: فأما استقامته من الناحية الفقهية فلأن الفقيه المنصف الذى لا هدفله إلا البحث عن الحق; لا يسعه أن يغض الطرف عن قول قاله مجتهد، فى المسألة التى يبحثها، مادام لا يصادم نصا قطعيا من كتاب أو سنة، ولا يسعه أن يعرض عن دليله. فقد يكون هذاالدليل سليما، ولو أن فقيها باحثا ارتضى لنفسه أن يغض النظر عن قول غيره ودليل غيره; لكان من الذين قال الله فيهم «ألا إنهم يستغشون ئيابهم ليستخفوا منه». ولا شك أن منهجهحينئذ لا يكون إلا منهاجا فاسداً غير معتد به من العلماء. /صفحه 378/ وأما استقامة هذا المنهج من الناحية الإسلامية; فلأن المسلمين أمة واحدة لا ينبغى التفريقبينهم، بل ينبغى أن ينظر كل فريق منهم إلى الفريق الآخر على أنهم جميعاً إخوة متعاونون على معرفة الحق، والعمل به، ولا يستقيم ذلك إلا إذا كان أهل القبلة جميعاً، وأهلالدين الواحد، والأصول المشتركة; أحراراً فى الإدلاء بآرائهم، مادامت فى الدائرة الإسلامية; وقد قلنا من قبل: إنه لا فرق بين السنة والإمامية والزيدية فى أصل جوهرى منأصول الإيمان. * * * 4ـ ونرى بعض الناس يقول. ياليتكم وقفتم عند تدريس الفقه المقارن بين المذاهب ومن بينها الشيعة، ولكن فضيلة الأستاذ الأكبر صرح فى حديث لهبأن مذهب الإمامية يجوز التعبد به، مع أن هؤلاء الإمامية يعتقدون أن القرآن قد دخله النقصان، ويرون عن فاطمة أن الذى بقى منه نصف الذى نزل، أو ما فى معنى ذلك. فكيفتجيزون تقليد غير الأربعة؟ وكيف ـ إذ أجزتم ذلك ـ تجيزون تقليد هؤلاء الإمامية بالذات؟. ونحن نقول لهم: 1ـ أما تقليد غير الأربعة فجائز شرعا; وفضيلة الأستاذ الأكبرقد أشار فى فتواه إلى ذلك ويحسن بنا أن نسجلى هنا كلاما جاء فى كتابه «مقارنة المذاهب» الذى يدرس منذ سنة 1936 فى كلية الشريعة، فإنه فصل الخطاب فى هذا الشأن; قال: «إنالمتأخرين حينما تحكمت فيهم روح الخلاف وملكته العصبية المذهبية، راجوا يضعون من القوانين ما يمنع الناس من الخروج عن مذاهبهم، وانتقلت المذاهب بهذا الوضع عن أن تكونأفهاما يصح أن تناقض فترد أو تقبل، إلى التزامات دينيد لا يجوز لمن نشأ فيها أن يخالفها، أو يعتنق غيرها، وحرموا بذلك النظر فى كتاب الله وسنة رسوله، أو حرموا العمل بثمرةالنظر فيهما ونشأ /صفحه 379/ عن ذلك أن فترت الهمم، ووقف الفقه الإسلامى، واشتغل علماء المذاهب بالانتصارات المذهبية، واختصار المطولات، وشرح المختصرات، وهكذاحرم الناس الفقه، وحرموا ملكة الفقه، وقد وصف الشيخ عز الدين بن عبد السلام موقف هؤلاء المتأخرين فقال: «من العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذإمامه، يحيث لا يجد لضعفه مدفعا وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة له، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده» ثم قال: «لم يزل الناسيسألون من اتفق من العلماء من غير تقيد بمذهب، ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عنالأدلة مقلداً له فيما قال، كأنه نبى أرسل، وهذا نأى عن الحق، وبعد عن الصواب، لا يرضى به أحد من ذوى الألباب». وقال الإمام أبو شامة: «ينبغى لمن اشتغل بالفقه ألايقتصر على مذهب إمام، ويعتقد فى كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا حصل العلوم المتقدمة (وسائل الاجتهاد) وليجتنب التعصبوالنظر فى طرائق الخلاف المتأخرة، فإنها للزمن مضيعة، ولصفوه مكدرة، فقد صح عن الشافعى أنه نهى عن تقليده وتقليد غيره، قال صاحبه المزنى فى أول مختصره: «اختصرت هذا منعلم الشافعى ومن معنى قوله لأقربه على من أراد، مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه، ويحتاط لنفسه». إن واجب المسلم إذا تعذر عليه أن ينال الأحكاممن أدلتها أن يسأل أهل الذكر، وليس عليه أن يلتزم مذهباً معينا، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل منالأمة، قال شارح مسلم الثبوت: «فإيجابه تشريع شرع جديد» ثم قال: «ولك أن تستدل عليه /صفحه 380/ بأن اختلاف العلماة رحمة بالنص، وترفيه فى حق الخلق فلو ألزم العملبمذهب معين كان هذا نقمة وشدة» ا هـ. 2ـ وأما أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله، وإنما هى روايات رويت فى كتبهم كما روى مثلها فى كتبنا، وأهل التحقيق منالفريقين قد زيفوها وبينوا بطلانها، وليس فى الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما أنه ليس فى السنة من يعتقده. ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب «الإتقانللسيوطى السنى»(1) ليرى فيه أمثال هذه الروايات التى نضرب عنها صفحا. وقد ألف أحد المصريين فى سنة 1948 كتابا اسمه «الفرقان» حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمةالمدخولة المرفوضة، ناقلالها عن الكتب المصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمى أوجه البطلان والفساد فيهفاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً، فحكم القضاء الإدارى فى مجلس الدولة برفضها. أفيقال. إن أهل السنة ينكرون قداسةالقرآن، أو يعتقدون نقص القرآن، لرواية رواها فلان، أو لكتاب ألفه فلان؟!. فكذلك الشيعة الإمامية، إنما هى روايات فى بعض كتبهم كالروايات التى فى بع كتبنا، وفى ذلكيقول الإمام العلام السعيد أبو الفضل بن الحسن الطبرسى، من كبار علماء الإمامية فى القرن السادس الهجرى، فى كتابه «مجمع البيان لعلوم القرآن»، وهو بصدد الكلام عنالروايات الضعيفة التى تزعم أن نقصا ما دخل القرآن ـ يقول هذا الإمام ما نصه: «روى جماعة من أصحابنا، وقوم من حشوية 1-انظر ص 30 من الجزءالثانى من كتاب الإتقان. /صفحه 381/