العمل بالحديث و شروطه عند الامامية
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنيه
ان مصادرالاسلام و مبادئه أصولا و فروعاً أربعة: الكتاب، و السنة و الاجماع، و العقل.
معنى السنة:
و معنى السنة باصطلاح العلماء قول النبى صلى الله عليه و آله و سلم، أوفعله، أو تقريره، و معنى التقرير: الرضا و الموافقة.
أدلة الثبوت:
و قد نستكشف رضا النبى و موافقته من الكتاب، أو الاجماع، أو العقل، و قد يحصل لنا الوثوق بأنه قال،أو فعل، أو وافق، عن طريق النقل و الرواية.
و عقدنا هذا البحث لاثبات السنة بطريق النقل و الرواية فقط، و على الاصح لبيان القيود و الشروط التي يجب توافرها في الخبرالحاكى عن السنة عند الامامية.
و قد ذهبوا إلى أن الباحث المنقب عن السنة النبوية لايجوز أن يعتمد لاثباتها على خبرته الشخصية، و مجرد اجتهاده و نظره مهما كان مصدرالظن و الاجتهاد. و لا على مجرد خبر الراوى أيا كان، و كانت صفته، و انما تثبت السنة بخبرين لاغير: الخبر المتواتر، و الخبر الواحد.
الخبر المتواتر:
و عرفوا الخبرالمتواتر بأنه خبر جماعة بلغوا من الكثرة مبلغاً أحالت العادة اتفاقهم و تواطؤهم على الكذب، على شريطة أن يستوى التواتر في جميع الطبقات،
/ صفحه 225/
بحيث تكونالطبقة الاولى التي أخذت عن صاحب السنة مباشرة متواترة، و كذا الطبقة الثانية و الثالثة، و لا تشترط العدالة في رواة الخبر المتواتر بالاتفاق، أما عددهم فلا يتعين بحد، والمهم أن نعلم بامتناع التواطؤ على الكذب، و أن يكون الخبر من شأنه و طبعه مفيداً للعلم، بحيث لو اطلع عليه ذو الفطرة السليمة لعلم بوجود السنة، فلو افترض أن شخصاً اطلععليه، و لم يحصل له العلم، لسبب من الاسباب يكون - مع ذلك - حجة عليه، و يلزمه العمل به.(1)
الخبر الواحد:
الخبر الواحد في اصطلاح العلماء هو الذي لايبلغ حد التواتر،سواء أكان الراوى له واحداً، أو أكثر، فوصف الوحدة هنا يراد به عدم التواتر، لا عدم التعدد، لا عدم التعدد، و بتعبير ثان أن المتواتر أخذ ((بشرط شىء)) أى بشرط التواتر، والواحد أخذ ((بشرط لا)) أى بشرط عدم التواتر، و الخبر الشامل لهما معا ((لا بشرط)) أى لايشترط فيه التواتر و لا عدمه، و من هنا قالوا: ((ان كلا من الخبر المستفيض و الخبرالمشهور نوع من الخبر الواحد.
و المستفيض في اصطلاحهم ما رواه أكثر من اثنين، و لم يبلغ مبلغ المتواتر، و المشهور ما اشتهر على الالسن، و في الكتب، و ان كان روايهواحداً، و عليه تكون الاستفاضة وصفاً لرواى الخبر لا للخبر، و الشهرة و صفا للخبر لا للراوى.
أما الخبر الذي حصل العلم بصدوره من القرائن الداخلية أو الخارجية، كخبر((انما الاعمال بالنيات، ولكن امرىء ما نوى)) أما هذا، و ما اليه فلا جدال و لا نقاش بين العلماء في أنه حجة معتبرة، لا للشهرة أو الاستفاضة، و لا للتواتر أو أى شىء آخر، بللمجرد العلم بالصدور الذي هو حجة بنفسه، و بدون جعل جاعل
ــــــــــ
(1) و بهذا يتبين ما في قول صاحب ((الاصول العامة للفقه المقارن)) فقد جاء في صفحة 196 طبعة أولى:((أن المدار على العلم، فإن حصل فهو الحجة)) و يلاحظ بأن المدار على صفة التواتر الذي من شأنه أن يفيد العلم نوعاً، و ان لم يحصل للفرد.. هذا، إلى أن الخبر المتواتر ليس بأسوأحالا من الخبر الواحد، اللهم الا أن يدعى بأن الخبر المتواتر هو الذي يحصل منه العلم الشخصى.. و هذا مجرد دعوى.
/ صفحه 226/
و بهذا يتبين معنى أن كلا من الخبرالمتواتر، و المحفوف بالقرائن المفيدة للقطع يجب الاخذ به، و الاعتماد عليه بالاتفاق، أما الخبر الذي لم يبلغ حد التواتر، و لم يعلم بصدوه من القرائن فهو محل الكلام والبحث، سواء أكان مستفيضاً، أو مشهوراً، أو غريباً، لم يروه الا فرد، و لم يشتهر على الالسن، و لا في الكتب.
و تكلم الفقهاء عن هذا الخبر من جهات شتى، تكلموا في أصلصدوره عن صاحب السنة، و قسموه من هذه الجهة إلى أقسام: صحيح و ضعيف و حسن و موثق، و تكلموا في جهة الصدور، و أنها لبيان الواقع أو غيره، و أيضاً تكلموا في متنه. و المعنىالظاهر من لفظه، و في ارادة هذا الظهور، و في الدليل على اعتباره و وجوب العمل به.. أما نحن فينحصر كلامنا في أصل الصدور، و بالاصح في ذكر شروط السند التي تسوّغ نسبة الخبرإلى صاحب السنة في حال عدم العلم و القطع بصدوره عنه، و بديهة أن أهم شىء في الحديث هو الاسناد، لانه كالاساس للبناء.
الشروط:
اتفق الامامية - الا من شد (1)- على أنالسنة تثبت برواية الراوى، ثم اختلفوا فيما بينهم، فقال بعضهم: ان كل خبر يحصل منه الظن بالحكم الشرعى، أو بحجية الخبر فهو حجة متبعة، سواء أكان الراوى ثقة، أم غير ثقة، واستدل هؤلاء ((بأنا نعلم بوجوب الرجوع إلى السنة و العمل بها تماماً كما يجب الرجوع إلى القرآن الكريم، فإن أحرزنا السنة بالعلم فذاك، و الا فلا بد من الرجوع إلى الظنلتعيينها، و معنى هذا أن علينا أن نطيع أوامر الله بطريق العلم، فإن تعذر العلم و انسد بابه وجب الامتثال بأقرب الطرق إلى العلم، و ليس من أن أقرب الطرق اليه الظن.. و هذافي حقيقته عمل بالظن لا بالخبر الواحد، و العمل به عمل بلا دليل، بل قام الدليل
ــــــــــ
(1) ذهب ابن قبة و من تبعه إلى وجوب الاختصار على الخبر المتواتر، والمحفوف بالقرائن القطعية، و عدم العمل بالخبر الواحد اطلاقاً، و حاول بعض العلماء أن يوجه ذلك بما يرجع إلى قول الاكثرية الغالبة، فقال: ان مراد ابن قبة و من اليه عدمالعمل بالخبر الواحد الذى لم يجمع الشروط، و منهما يكن فإن هذا القول متروك.
/ صفحه 227/
على تحريم العمل بالظن، لان مجرد الشك في حجية الشىء، أى شىء، دليل علىعدم حجيته، هذا، إلى نص القرآن الكريم على أن الظن لايغنى عن الحق شيئاً.
و مهما يكن، فقد استثى علماء الامامية من تحريم العمل بالظن موارد قام الدليل القطعى عندهمعلى اعتبارها، و أنها تماماً كالعلم، منها الظن الحاصل من الخبر الواحد إذا كان راويه مسلماً عاقلا بالغا موثوقاً ضابطاً.
اشترطوا الاسلام في الراوى، مع أن غيرالمسلم قد يكون صادقاً في النقل، و ربما أصدق من بعض المسلمين، و اشترطوا الاسلام تعظيماً لنبوة محمد و الايمان بها، و بديهة أن المجنون لا يعتمد عليه في شىء، و الصبىملحق به، و اشترطوا الوثوق و الامانة في النقل للاحتراز من الكذب، أما الضبط فلان المغفل قد يزيد أو ينقص، و يغير و يبدل فيما يسمع.
القوى و الضعيف:
يعتقد كل منالسنة و الشيعة أن في أحاديثهم القوى و الضعيف، و الصحيح و السقيم، و من هنا وضعوا علم الرجال، و ألفوا فيه العشرات من الكتب للغربلة و التصفية، قال المحقق القمى في الجزءالثانى من كتاب القوانين ص 222 طبعة سنة 1319 ه: ((ان دعوى قطعية أخبارنا - أى العلم بصحتها جميعاً - من أغرب الدعاوى... مع أن في الاخبار الموجودة في كتبنا ما يدل على أن الكذابةو القالة قد لعبت أيديهم بكتب أصحابنا، و أنهم كانوا يدسون فيها)).
و روى الشيخ الانصارى في كتاب ((الرسائل)) الذي هو عمدة التدريس في النجف أن الامام الصادق قال: ((إناأهل بيت صديقون لانخلو من كذاب يكذب علينا. ان الناس أولعوا بالكذب علينا، كأن الله افترضه عليهم، و لا يريد منهم غيره.. ان لكل منا من يكذب عليه)).
و نقل صاحب سفينةالبحار في الجزء الاول مادة ((حدث)) أن بعض أهل البصرة جمع الاحاديث الموضوعة، و عرضها على الامام الصادق.
و في احدى خطب نهج البلاغة ذكر الامام رواة الحديث، و فيطليعتهم ((المنافق الذي لايتأثم و لا يتحرج من الكذب على رسول الله متعمداً)).
/ صفحه 228/
و أفضل كتب الحديث عند الامامية كتاب ((الكافي)) للكلينى، و مع هذا ضعّفعلماؤهم الكثير من أحاديثه، و أحصى بعض الفضلاء الاحاديث التي ضعفها و وهنها العلامة المجلسى في شرحه للكافي فبلغت الالوف.
و الان، و أنا أكتب هذه الكلمات تركتالقلم، و رجعت إلى أصول الكافي و عددت ثلاثين حديثاً من أوله، فوجدت منها ثلاثة عشر حديثاً ضعيفاً، و ثمانية أحاديث مرسلة، و حديثين راويهما مجهول، و السبعة الباقية منالثلاثين بين صحيح و موثق بشهادة الشارح المتتبع العلامة المجلسى الذي و صف الكافي بأنه ((أضبط الاصول و أجمعها، و أحسن المؤلفات و أعظمها عند الامامية)).
فهل بعد هذايقال: ان لدى الاماميه صحاحاً في الحديث، أو صحيحاً واحداً من أوله إلى آخره؟
و لو صدق هذا القيل لكان احتجاج مجتهد على مجتهد امامى بحديث من الكافي تماماً كالاحتجاجبآية من آى الذكر الحكيم، مع أن لكل مجتهد امامى أن يرفض أى حديث لايرتضيه في الكافي و غيره، و يأخذ بحديث موجود في البخارى أو مسلم، و لا يحق لاحد أن بحتج عليه من وجهةدينية أو مذهبية.
من هو الثقة عند السنة؟
ذكرت في كتاب ((الشيعة و التشيع)) ما يلى:
سألنى أحد الاخوان: أصحيح أن السنة يشترطون في الراوى أن لايكون فيه رائحةالتشيع؟ و هل وجدت في كتبهم مصدراً لهذا القول؟
قلت له: هذا قول المتعصبين منهم(1)، و ليس مبدأ عاماً عند علمائهم، فقد نقل الغزإلى عن الشافعى، في كتاب المستصفى أنهقال: ((تقبل شهادة أهل الاهواء الا الخطابية من الرافضة، لانهم يرون الشهادة بالزور لمن وافقهم بالمذهب)).
و قال الخضرى في كتاب أصول الفقه: ((أما المبتدعون ببدع غيرمكفرة
ــــــــــ
(1) راجع كتاب ((فواتح الرحموت)) المطبوع مع المستصفى: ص 140 ج 2، لتعرف من هؤلاء المتعصبون.. ان أحببت أن تعرفهم.
/ صفحه 229/
فأكثرهم - أىأكثر علماء السنة - على القول بقبول رواياتهم، و هو المعقول ما داموا لايدينون بالكذب، و لا نظن هذا معتقداً لاى طائفة من المسلمين، و ان نسب إلى الخطابية أنهم يدينونبالشهادة لمن يوافقهم في الاعتقاد)).(1)
و روى أصحاب الصحاح الستة عن رجال من الشيعة، كابان بن تغلب، و جابر الجعفى، و محمد بن حازم، و عبيدالله بن موسى، و غيرهم.
منهو الثقة عند الامامية؟
و الذي جرى بين علماء السنة جرى أيضاً بين علماء الامامية، حيث اشترط البعض أن يكون الراوى امامياً، و ذهب المحققون منهم إلى الاكتفاء بمجردالوثوق بصدق الراوى، امامياً كان و غير امامى، من هؤلاء العلامة الحلى في كتاب ((الخلاصة)) و منهم صاحب القوانين، قال في الجزء الاول ما نصه بالحرف: الاظهر قبول أخبار غيرالموثقين منهم - أى غير الاثنى عشرية - فإن التثبت يحصل بتفحص حال الرجل في خبره، فاذا حصل التثبت في حاله، و ظهر أنه لايكذب في خبره فهذا تثبت)).
و قال السيد الزوينى فيحاشيته على الجزء الثانى و من القوانين: ((ان المعتبر تحصيل ما يوجب الوثوق بصدق الرواية)).
و جاء في كتاب ((تنقيح المقال)) ج 1 ص 206: ((ورد النص عن الامام أن نأخذ برواية منخالفنا دون ما رآه، و قد لزمنا بذلك العمل بالخبر الموثوق الذي هو في اصطلاح العلماء من كان ثقة غير امامى)).
و قال الشيخ الانصارى في ((الرسائل)) عند كلامه في الخبرالواحد: ان الامام الصادق قال: ((خذوا ما رووا، و ذروا ما رأوا)) ثم قال الانصارى: ((و الاخبار متواترة بالاخذ بخبر الثقة و المأمون)).
ــــــــــ
(1) جاء في أحاديثأهل البيت أن الخطابية يشهد بعضهم لبعض بالزور، و الخطابية نسبة لابى الخطاب محمد بن مقلاص، و كان في عهد الامام جعفر الصادق، و قد تبرأ منه الامام و لعنه.
/ صفحه230/
و قال السيد محمد تقى الحكيم في ((الاصول العامة)) ص 219 طبعة أولى: ((اعتبر الشيعة الامامية أخبار مخالفيهم في العقيدة حجة إذا ثبت أنهم من الثقات، و أسموا أخبارهمبالموثقات، و هي في الحجية كسائر الاخبار، و قد طفحت بذلك جل كتب الدارية لديهم)).(1)
و بهذا يتبين معنى أن علماء السنة و الشيعة متفقون على أن مقياس العمل بالحديثهوالثقة بصدق الراوى، و أمانته في النقل، سنياً كان أو شيعياً تماماً كالحكمة يأخذها المؤمن أنى وجدها.
و بالتالى، فقد كتبت هذه الكلمة الموجزة بمناسبة الحركةالمباركة التي تعتزم القيام بها ((دار التقريب)) من جمع الاحاديث المتفق عليها بين السنة الشيعة، و التي ترتكز على الوثوق بصدق الراوى، جمعها في كتاب واحد، عملا بمبدأالدار، و تحقيقاً لهدفها الانسانى الإسلامى، وبهذا تقدم الدار شهادة العدل و الصدق على أن الفريقين يصدران من معين واحد.
أخذ الله بيدها، و كتب لجميع مشاريعهاالخيرية النجاح و الفلاح
ــــــــــ
(1) اهتم الامامية بالحديث اهتمام; بالغاً، و ألقوا فيه كتباً متنوعة: النوع الاول أدرجوا فيه الاحاديث بالفاظها، والثانىتكلموا فيه عن أحوال الراوى، و هل هو ثقة أمين أولا؟ و هذا هو علم الرجال، و الثالث تكلموا فيه عن حكم الحديث بمجموعه، و قالوا: ان كان الحديث كذا فحكمه كذا، و أسموه علمالدراية.