قال شيخي
لحضرة الكاتب الفاضل الأستاذ أحمد محمد بربري
قليل غرار النوم أكبر همه
يماصعه كصل يشجع قومه
قليل ادخار الزاد الا تعلة
يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه
على غرة أو نهزه من مكانس
رأين فتىلا صيد وحش يهمه
و لكن أرباب المخاض يشفهم
و من يغر بالأعداء لا بدأنه
و اني و ان عمرت أيقنت أنني
سألقى سنان الموت يبرق أصلعا
دم الثأر أو يلقى كميامقنعا
و ما ضربه هام العدا ليشجعا
فقد نشز الشرسوف و التصق المعا
و يصبح لا يحمى لهذا الدهر مرتعا
أطال نزال القوم حتى تسعسا
فلو صافحت انسا لصافحنه معا
اذا اقتفروه واحدا أو مشيعا
سيلقى بهم من مصرع الموت مصرعا
سألقى سنان الموت يبرق أصلعا
سألقى سنان الموت يبرق أصلعا
/ صفحه 66/
أو آجلا ـ ملاق سنانالموت يبرق أصلع، ذلك بأن من شأنه أنه مغرى بالعدو يترصدهم ويتتبعهم فيقتلهم، لابد مصادف مصرعه كما صادفوا هم كثيراً على يديه مصارعهم.
قلت: أفحياة هذه تستحق أنيحياها الانسان هكذا قائلا أو قتيلا: أسنة براقة و دماء مهراقة، و انسان يكاد يكون وحشا، و وحوش تكاد تكون أناسى من طول ما عاشرها و ساكنها. فتركها ترتع أو لآن شاءت تقبع فيكنسها آمنة مطمئنة بقدر ما هو آمن مطمئن ساكن اليها حتى لكأنه و اياها جماعة من فصيلة بعينها لا تختلف بل تأتلف أوثق ما تكون الألفة. أفليس ذلك هو قلب الوضع و مناقضة الطبع.فشأن الآدميين ـ طبيعة ـ أن يأتلفوا و أن يكونوا قوة تدفع الوحوش و تمنعها مراتها، بل تلج عليها أغيالها و مرابعها، فهي مسخرة لبني آدم دماؤها و لحومها و جلودها و أوبارهاو أشعارها. فماذا كان يضير صعلوكنا هذا الفاتك، لو أنه جادل عدوه بالتي هي أحسن فتفاهم و اياهم، فخالفهم فتعاونوا فقاوموا جميعاً تلك الوحوش. بل الطبيعة كلها، حيوانها ـغير الانسان ـ و نباتها و جمادها: أنواء و عواصف و سيولا و قواصف و بوارق و صواعق، و شروراً كثيرة كبيرة جديرة تستنقذ الطاقة الانسانية، تلك التي تبددها في غير ما وضعت له،اذ يقتل بعضنا بعضا فتخرب الكرة الارضية، في حين أنه سبحانه و تعالى انما استخلفنا فيها لنعمرها، و ها نحن أولاء موشكون أن ندمرها …
قال: رويدك بعض غلوائك. فلقدتركتك تهذى ما شاء لك الهذيان، فما كان حديثك هذا ليوائم صعلوكنا العزيز تأبط شرا. بل ما كان ليفهمه لو أنه نفض غبار أربعة عشر قرنا و استجم و استحم ثم قعد مقعدى هذامنك… أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى، أن تدع تأبط شرا في ظلمات العصور و الدهور التي توالت ثم ولت مذ قتله قاتلوه و تركوه بين الصخور. ثم تتحدث هاويا ما شئت الى أممممن معك على الارض ممثلة في أحسن من يمثلها من بينها النجوم المضيئة في أجمل آفاق البشرية حيث يستمعون القول و يسجلونه و تطير به البوارق في سائر الآفاق حتى
/صفحه 67/
لقد تبلغ بدويا في شملته منزويا في باديته لا يختلف كثيراً عن تأبط شرا، و عساك أن تلقاه عند «رحى بطان» أو «الغميصاء» أو غيرهما من الأماكن التي كان يرتادهاسلفه منذ قرون و قرون.
قلت: هبوني تحدثت الى علية القوم، و طار قولي حتى ذلك البدوى عند «رحى بطان» أو حيث ما كان، فبم تشيرون أو أي هدف تقصدون؟
قال: الامتاع والاسماع.
قلت: غير مفهوم.
قال: الامتاع بالاسماع. و الاستمتاع بالاستماع أو لعل العبارة لم تؤد المدلول الذي أنشده، فأنت في واقع الأمر تستمتع بما تقول استمتاع منيستمع اليك. بل عسى أن تكون وحدك المستمتع، و هو وحده المتجرع بلاء ما يسمع… انها ـ من حيث المنطق ـ واحدة من ثلاث: احداهن محدث و سامع يستمتعان. و الثانية محدث يستمتع وسامع تتجرع أذناه العذاب. و الثالثة محدث يعانى القول عذابا، و سامع يسيغه برداً شرابا.
قلت: الظاهر أنهن أربع. فثم أخرى تقابل الأولى حذوك النعل بالنعل، أعنى تلك التييشقى بها الطرفان: السامع و المسمع.
قال:
أي كما و أعربت ما لم تضف
وصدر وصلها ضمير انحذف
وصدر وصلها ضمير انحذف
وصدر وصلها ضمير انحذف
قلت: على رسلكم. فلست أدري فيم نحن، و أية علاقة بين هذا وذلك الذي كنا فيه؟
قال: العلاقة أو وجه الشبه أو المناسبة أو هي جميعاً منطق الأشياء في الأحوال
/ صفحه 68/
الاربع، انها أربع لا غير سواء أكنت متحدثاً الىالامم جميعاً أم كنت متحدثاً الى واحد. و كذلك «أي» شأت أن تساير منطق الأشياء. مادامت في جملة أي مادامت مسهمة في شركة. و هذه قاعدة جديدة لا يحسن السكوت عنها. أعني ضرورةالمشاركة مادمنا في منطق الاشياء الاربعة … ان الطرف الواحد لا يمكن أن يتمخض عن أربعة أو عن واحد من الأربعة، لابد من طرفين كي تتأتى المشاركة. و بالتالي الأشياءالأربعة أو واحد منها في الأقل…
قلت: رويد سيدي الشيخ. فلست أدري ما حماداه.
قال: أفتراه كلاماً فارغا، فكذلك أكثر ما تقول وتسمع و تقرأ، و كذلك على وجه الخصوصالسخف الذي كنت تهذى به حين عرضت على تابط شرا «اقتراحا برغبة» أو «اقتراح قانون» أو «مشرع قانون» أو سمه ما شئت، فهو على أية مشروع السلام العام، أو السلم العالمي، أوالغاء الحرب بين بني الانسان كي يفرغوا لحرب الطبيعة ممثلة في حيوانها و نباتها و جمادها و عناصرها جملة، أفليست فكرتك أم تراني بترتها أو شوهتها؟
قلت: بل هي هي مركزةأجمل تركيز.
قال: فمشروعك مرفوض لأسباب، أولها: أن المقترح عليه أو المرغوب اليه لا يستطيع نظر المشروع. بله الموافقة عليه ووضعه موضع التنفيذ. ذلك بأنه قد مات لا حتفأنفه، بل قتل قتلا، و لم يترك الجناة أي أثر يفيد التحقيق. وارجع ان شئت الى ملف القضية في أغاني أبي الفرج الاصفهاني أو في أي مرجع سواه.
قلت: سيدي الشيخ. ان الانسانيةكلها تمثل تأبط شرا من حيث المشروع محل الحديث.
قال: أما و قد ورثتها اباه، أو مخلفاته، فاني أستعديها كلها عليك، تلك الانسانية المظلومة التي تحاول أن تحمل عليهاأوزار تأبط شرا كاملة… الا أنه قد جر على نفسه و على أهله الجرائر و أهوال الجرار. و اذا كانت الفتنة قد عفى عليها الزمن فنامت في أطواء التاريخ ، فانك تريد أن تبعثهاجذعة.
/ صفحه 69/
قلت: حبذا لو استطعت أن أولى جدكم الجاد شطر هذه المسألة الحيوية.
قال: أي نعم. أفليس الغاء الحرب بمعنى استبقاء الحياة و ابطال الموت من حيثصورته البشعة على الأقل. صورة الحب، تالله انها لحيوية. ذلك الحق لا ريب فيه، فدعني اكراماً لك أبعث تأبط شرا حيا يسعى بسيفه و سنانه، أفتراه يفهمك أو يفقه فكرة السلامالعالمي، و اذ فقهها أفتراه موافقاً عليها، و اذا كان قد فسد طبعه و وافق عليها، أفترى الانسانية جمعاء قد فسد طبعها، فيقر قرارها على فكرة السلام العالمي؟ يقول سبحانه وتعالى: «و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض» ففساد الارض رهن فساد الانسان، يركن الى الدعة و حب السلامة، فلا يدافع عن حمى و لا يدفع عدوانا.
قلت: و لماذاالمدافعة و الدفع اذا اعتدل الطبع بالقضاء على الوحشية الكامنة في نفوسنا، و سوينا كل ما يمكن أن يشجر بيننا من خلاف بالوسيلة السلمية؟
قال: محال أن تجتمع الناس علىكلمة سواء، و لو كانت كلمة السلام العالمي، ذلك بأن اختلاف الرأي غريزة مغروزة في أعمق أعماق النفس البشرية، و تلك حقيقة علمية عملية من الحقائق القليلة التي ترتفع عنمستوى المناقشة… فما تسميه اعتدال الطبع ان هو الا فساده، رضيتم أو سطختم، فما كان أحكام الحاكمين ليلغى نواميس الكون اكراماً لمن اتخذ الهه هواهن و أضله الله على علمأو جهل، و ختم على سمعه و قلبه. و جعل على بصره غشاوة.
قلت: انكم لتبعثون في خيالي صورة الاستاذ الكبير العلامة (سبيتو بنتور) فلقد أراه سنة تسع و ثلاثين و تسعمائة بعدالالف، أراه و اسمعه حينئذ محذرا من أولئك المجانين الداعين الى السلام العالمي، الغافلين عن حرب عالمية تقدم حديثا، فقد جاء أشراطها… كان يدرس القانون الدولي لطلبةالدراسات العليا في جامعة القاهرة، فكان مغيطا محنقا أن يرى الذين لا يعلمون يصخبون، فيطغى صخبهم على أصوات الذين يعلمون.
قال: دعني من «بنتور» وغيره من أصحابالدراسات القانونية الدولية،
/ صفحه 70/
فلست من فقهاء السياسة، و لا أحب أن أكون منهم، و انما أنا شيخ ذو فكر مجرد، أو صاحب مثل ان شئت، و اذا تحدثت عن أناسفعن أولئك الذين كانوا منذ قرون طويلة أتى عليها دهر الدهارير. نحن في تأبط شرا و شعره المشهور، أعني العينية التي كانت صدر حدثنا.
قلت: فلعند اليها، و انها لصورةمسلية أن أراه في غاره يلاعب نمراً ألفه فاتخذه صديقاً بدل صديقه الآدمي.
قال: لا تخلط. فذلك ليس تأبط شرا، و انما هو القتال الكلابي صاحب النمر في الغار، ذلك الصاحبالذي يعدل صديقه أبا الجون.
ولى صاحب في الغار يعدل صاحبي
أبا الجون الا أنه لا يعلل
أبا الجون الا أنه لا يعلل
أبا الجون الا أنه لا يعلل
قلت: بديه أنيحقد الشيب على الشباب، و أن يروا سواد شعره رمداً في عيونهم كما قال شاعر قديم.
قال: بل شاعر لابد جديد متصاب حيث فاته الصبا، فأما القديم فانه الذي يقول:
و لمارأيت الشيب لاح بياضه
و لو خفت أني ان كففت تحيتي
و لكن اذا ما حلكره فسامحت
به النفس يوماً كان للكره أذهبا
بمفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
تنكب عني رمت أن يتنكبا
به النفس يوماً كان للكره أذهبا
به النفس يوماً كان للكره أذهبا
قلت: و لكن ثم خطأ في تعبير الشاعر القديم حيث يقول: ولو خفت أني. الخ فانمؤل المصدر ليس أمراً مخوفا بل مروعا.
/ صفحه 71/
قال: ما أخطأ الشاعر، انما اخطأ الصواب دماغك، فليس معنى (خفت) هنا ما يفهمه الطفل الصغير من خاف يخاف خوفا، وانما معناها العلم. و لو خفت أني: تعنى لو علمت أو اعتقدت… ألا فتريث قبل أن تحكم فتلك هي الحكمة.
قلت: انه لأمر أمر لغتنا العربية. كيف تتطلبون من متعلميها بلعلمائها أن يعلموا أن خاف يخاف خوفا تعنى علم يعلم علما، على بعد ما بينهما معنى و مبنى.
قال: فالبعد بعدك عن المعرفة، و الا فكيف يكون متعلماً لغتنا أو عالماً بها منلم يقرأ وثيقتها الأولى، بل الوحيدة التي ترتفع عن موطن الشبهاتن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفة.
قلت: فما دخل كتاب الله فيما نحن فيه؟ قال: قوله تعالى: «و ان امرأة خافت بعلها نشوزاً أو اعراضاً_ وقوله: «فمن خاف من موص جنفا_ فبين أن الخوف فيهما انما هو العلم، و لا يمكن أن يكون الرعب أو الفزع أو الرهبة أوالجزع أو ما اليها.
قلت: مهما يكن الأمر، فان الاشتراك و الترادف و النقل و لغة الأضداد و أشباه هذه الفصائل ونظائرها هي العاثور الذي يمنع بعض الدارسين أن يسعوا الىحمى اللغة العربية المحمى بتلك المخوفات المعلومات.
قال: لكل لغة من اللغات المعروفات و غير المعروفات ماشاء الله من عقبات و مثبطات، و ليس طرق المعارف ـ عامة ـ مفيدةميسرة لكل نكس برم، و لكنه علو الهمة و مضاء العزم وسائل أهل العرفان اليه … و ليس الاشتراك وغيره مما سميته و لم تسم بدعاً في لغة القرآن وحدها، لكنه قدر مشترك بيناللغات جميعا، على أن للغتنا الشريفة من رسو القواعد، و عموم الأحكام، و ندرة الندرة، أو شذوذ الشذوذ، لامتيازات فلما تجدها في غيرها من اللغات.
قلت: لكل أن يتغزل فيلغته، و يخلع عليها ماشاء من جميل الصفات.
قال: و نضع الموازين القسط. و هات اللغة الأجنبية التي تختار، و سنرى ما يشول في الميزان.
/ صفحه 72/
قلت: و نزنويستمر الوزن الشهور تلو الشهور، أو حتى يوم النشور، و لا والله ما تبين الغث من السمين.
قال: بل يستبين الا أن نكون من المكابرين، و لعن الله شيخاً يدعى الى اللجاجفيستجيب.
قلت: بعدنا عن تأبط شرا، و سنان الموت الأصلع الذي يبرق.
قال: فالعود أحمد. أو لا تراه رجلا اذا هم ألقى بين عينيه همه و نكب عن ذكر العواقب جانبا، كما قالشبيه له فيما بعد؟
قلت: انه يذكر الموت كثيرا. فتارة الموت «خزيان ينظر» و أخرى «يبرق سنان الموت» و ثالثة «نجا من الموت و لما ينزع سلبه» و رابعة و خامسة، فقلما ترونله شعراً يخلو من ذكر الموت، أفلا ترونه قلقاً نفسياً و اشفافا أن يحبن حينه.
قال: و لم لا يكون حنيناً الى الحين، فأصحاب علم النفس يعرفون بجوار غريزة البقاء غريزةالفناء، أو حب افناء الذات، ان حب الحياة و حب الموت كليهما من مركبات النفس الحيوانية، و انما يغلب أحدهما على الآخر حسب ظروف كل و ملابسته، فهنا شعراء جدد مدنيون يذكرونالموت اشفاقا أن يقع عليهم، و هناك شعراء قدماء بادون يذكرونه شوقا اليه:
ألا أيها الباغي البراز تقربن
فما في تساقي الموت في الحرب سبة
على شاربيه فاسقني منه و اشربا
أساقك بالموت الذعاف المقشيا
على شاربيه فاسقني منه و اشربا
على شاربيه فاسقني منه و اشربا
قلت: فمن هو؟
قال: شاعر عربي غير جاهلي، ليس ممن يرتاب في حيواتهم أو في صحة نسبة شعرهم اليهمز
قلت:لذيذ تاريخها و سعرها و نثرها هذه اللغة العربية التي شرفها الخالق سبحانه و تعالى فنسب اليها كتابه الكريم.
/ صفحه 73/
قال: و لقد كان في سابق علمه جل و علا أنتشرف هي فيما بعد بنسبتها اليه، فهي الآن اللغة القرآنية و هذا حسبها و كفى، فليست لغة و لدى عدنان و قحطان، الا كما هي لغة الهند و باكستان و تركيا و ايران و افغانستان وأوغندة و الصومال و السودان و سائر بلاد المسلمين، فليس منا من يتكلمها غريزة، بل كلنا يتعلمها تعلماً، و دعني من اللهجات العامية، و لقد يتعلم القرآنية سوداني أو حبشي،فيجيدها أحسن مما يجيدها عربي نجدي أو مصري، و ما المعيار في اجادتها الا القرآن، فهو وحده المثل الأعلى، الذي يحاول كل جهد طاقته أن يقترب منهن فمكانتك من أصحاب البيانانما تقاس بمدى قربك من لغة القرآن.
قلت: أفترون القائمين عليها ـ و أنتم منهم ـ يقرون هذه التسمية «اللغة القرآنية» و اذا أقروها أفترون العرب أنفسهم يرضون أن يكونواسواء و غيرهم من الشعوب الاسلامية من حيث انتسابهم الى لغة القرآن؟
قال: فذلك أمر أقره و رضيه خالق السماوات و الارض، فأنت ترى أنه سبحانه و تعالى شاء أن تفسد السلائقالعربية، و لما تمض عشرات السنين على نزول القرآن، فيفطن أولوا الامر حينئذ للخطر المحدق لا بلغة ربيعة و مضر، بل بلغة القرآن، فما كان الاعتبار الأول ليعنيهم، و لكنهالاعتبار الثاني الذي دعا المسلمين الأول الى استنباط الأحكام أو الأسس التي قام عليها صرح اللغة نحوها و صرفها و بلاغتها و سائر فروع معرفتها، هذا العمل الضخم الفخمالذي يقدره العالمون الآن حق قدره، لم يكن عمل «يعرب» وحدها، بل لعل أسهمها في الشركة كانت أقل من أسهم سيبويه و نفطويه، و من ثناء الله من المسلمين غير اليعربين، و منيدري فعسى أن يكون العمل قد قسم تقسيما تلقائياً نسبياً بين المسلمين، أفلا ترى المؤلفين الأولين في علوم اللغة و الدين أكثرهم من الأعجميين، فهم يخدمون لغة القرآن، لالغة عدنان و قحطان. و كذلك حقت كلمة ربك صدقاً و عدلاً أن تكون لغة الشرع لا فضل لعربي على عجمي فيها. اذن لا تقل: ترضى العرب أو لا ترضى تلك التسمية: اللغة القرآنية، فتلكارادة الله سبحانه و تعالى أفسد الغريزة العربية من
/ صفحه 74/
حيث اللغة ليصلحها المسلمون كافة، و أكثرهم من غير العرب، كي لا يكون لفريق شرف حرمه فريق آخر، انهالغة المسلمين لغة الدين لغة القرآن المبين «فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و ما الله بغافل عما يعمل الظالمون».
قلت: فمن الظالمون؟
قال: الذين يبغونها عوجا ويصدون عن سبيل الله بما يكيدون لوحدة المسلمين، أفليس من الكيد أشد الكيد أن تدعو الى عصبية أو الى لهجة حجازية أو نجدية أو مصرية أو عراقية، و أن تعمه فتعمى أو تتعامى، عنأن لمصر و العراق و الحجاز و ايران و أفغانستان و غيرها من بلاد المسلمين لغة واحدة هي اللغة القرآنية؟ انها لغتنا نحن المسلمين جمعاء نحن فيها أسواء، فلم لا تكون اللغةالرسمية للدول الاسلامية، أعني أمة محمد عليه صلوات الله و الناس أجمعين «ان هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون» صدق الله العظيم، و بلغ رسوله الأمين، و نحن على ذلكمن الشاهدين.
قلت: فيتخلص لنا في هذا:
أولا: أنه جدير باللغة العربية أن تسمى اللغة القرآنية، فذلك تعبير صادق عن الحقيقة الواقعة.
ثانياً: أنه جدير بالدولالاسلامية ـ أعني الامة الاسلامية ـ أن تكون لغتها الرسمية هي اللغة القرآنية، فتلك سبل الوحدة، لا فرقة و لا عصبية للجهة شرقية أو غربية.
قال: فلخص ماشاء لك التلخيص،وادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن. ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين.