قال شيخي
لحضرة الكاتب الفاضل الأستاذ أحمد محمد بريري
يركب الهول وحيداً ولا يـ
وفتوّاهجروا ثم أسروا
كل ماض قد تردى بماض
فأدركنا الثأر منهم ولما
فاحتسوا أنفاس نومفلما
هوموا رعتهم فاشمعوا
صحبه إلا اليماني الأفل
ليلهم حتى إذا انجاب حلوا
كسنا البرق إذا ما يسل
ينج ملحيين إلا الأقل
هوموا رعتهم فاشمعوا
هوموا رعتهم فاشمعوا
إن الحيين اللذين لم ينج منهما إلا الأقل ربما لما الشعث أو جمعا الأشتات ليقتفيا آثار أولئك الفتوّ الذين فعلوا بهما الأفاعيل، وقد تجديالكرة بعد الفرة.
فهلا كررتم كرة بعد فرة
ألا رب من قد فر ثمت أقبلا
ألا رب من قد فر ثمت أقبلا
ألا رب من قد فر ثمت أقبلا
الأمر مقبلفمنغمس في غمرة الموت.
القائلين إذا هم بالقنا خرجوا
عودوا فما عاد أنكاس ولا كشف
لا شئ أكرممنهم حين قال لهم
محرض الموت عن أحسابكم ذودوا
من غمرة الموت في حوماتها عودوا
عند اللقاء ولا ميل رعاديد
محرض الموت عن أحسابكم ذودوا
محرض الموت عن أحسابكم ذودوا
لقد خرجوا من غمرة الموت والنجاءميسور، ولا تثريب عليهم إلا أنهم لا يرضون، إنهم منتصرون أو مقتولون ولا ثالثة، يقولون بعضهم لبعض: عوداً إلى الغمرات التي شاءت بعض أحوال القتال أن ننأى عنها، ولقدعادوا وأبلوا أحسن البلاء، فلم يكن في الناس أكرم منهم حين قال لهم محرضهم على القتال: دافعوا عن أحسابكم.
ولست أدري لماذا كلما سمعت أو قرأت هذا الشعر ذكرته
(صلىالله عليه وسلم)وهو يقول: قم يا عبيدة، قم يا حمزة، قم يا علي، يدعو بني عبد المطلب ليقتلوا أو ينتصروا حين أبت كبرياء السادة من بني عبد شمس إلا أن يقاتلوا أكفاءهم منبني عمهم، فلقد ردوا الأنصار الذين برزوا لهم قائلين: أنتم أكفاء كرام، ولكننا نريد أكفاءنا من بني عمنا، أفلا يعجبك أدب عتبة وذويه أنهم لم يتعالوا على الأنصار ولميسيئوا خطابهم: أنتم أكفاء كرام ولكننا نريد أكفاءنا من بني عمنا، إنه الحقد الأسود على الرسول والمهاجرين الأولين، وبخاصة العشيرة الأقربين، فإذا خلصوا منهم فربماعادت الأحوال إلى ما كانت عليه قبل أن يصدع
(صلى الله عليه وسلم)بما أمر أن يصدع به، ورجعت العلائق بين المصرين من مكة ويثرب كما قامت زمنا طويلا ودية طيبة، بيد أنالقوم أرادوا أمراً، وأراد سبحانه وتعالى أمراً، ولن يغلب جل وعلا على أمره.
على أنني لست أدري كيف فعلت بي الشيخوخة فتركت الذي يركب الهول وحيداً هو والفتو الذينهجروا، ثم أسروا، فأدركوا ثأرهم واستراحوا، أو لم يستريحوا، فلقد أزعجهم صاحبهم حين هوموا وكان عليهم أن يشمعلوا كيلا يدركهم العدو، فكيف تراني تسللت من جنازة قتيلبني هذيل الذين طالما قتلهم تقتيلا قبل أن يصبح دمه في الشعب الذي دون سلع؟.
قلت: لقد كان التسلل منطقيا، والحديث طبعيا جر بعضه بعضا.
قال: إياك ثم إياك أن تخدعني،فما ابتلى الشيوخ أشد الابتلاء إلا بالتلاميذ
/ صفحه 289/المتعصبين السفهاء الذين يرون في جبة الشيخ شيخهم الأفخم الروح الأمين تجسد في صورة الآدميين، فيحين أنه فيما علم الله عفرية نفرية من كبار الشياطين الضالين المضللين والعياذ بالله رب العالمين.
قلت: رويد سيدي الشيخ، فما كنت ممن يخدعون فيما وراء الجبة، أو فيمنوراءها، ولو لعبت بكم الأهواء، وحرفتم الكلم عن مواضعه لكنت أول الخارجين المشهرين المشنعين عليكم، المحذرين الناس من أحاييلكم وأضاليلكم، حاشا لله فما علمت عليكم منسوء والحمد لله.
فلنعد إلى ما كنا فيه إلى الذين احتسوا أنفاس نوم، فلقد كنت أحسبهم ـ بناء على قاعدة عود الضمير إلى أقرب مذكور ـ من الحيين اللذين لم يبق فيهما إلاالأقل.
قال: عود الضمير على أقرب مذكور قاعدة ترجع إليها إذا تشابه الأمر عليك، فأما إذا كان الأمر واضحاً تكون ضغثا على إبالة، اقرأ مثلا قوله تعالى: وإنه لتنزيل ربالعالمين. نزل به الروح الامين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين. أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعضالأعجمين. فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين. كذلك سلكناه في قلوب المجرمين، فهل يرد الضمير من سلكناه إلى أقرب مذكور، وإذا أنت فعلت أفتكون حيواناً ناطقا؟.
لقد حضرتنيهذه الآيات البينات لأنه جرى ذكر الروح الأمين في كلامنا، وإن كتاب الله ليتضمن كثيراً جداً من الضمائر التي لا تعود إلى اقرب مذكور، والامر فيها بين فلا لبس ولا غموض. قلت: والذين يقول فيهم: وأدركنا الثأر منهم أفليسوا هم الفتية الذين هجروا ثم أسروا.. كل ماض قد تردي بماض ؟.
قال: نعم هذا إذا لم تكن مارست لغة العرب، وخبرتأساليبهم، إن هؤلاء الذين أدركوا ثأرهم منهم لعدوهم الذين لم يجر لهم ذكر، فالضمير في منهم يعود على مذكور ذهنا لا قولا، وذلك من دأبهم أيضا، وأمثلته في القرآن كثيرة،
/ صفحه 290/إن اللغة التي نتكلمها الان ونكتبها لهي عربية من حيث أحكام النحو والصرف، فأما من حيث الأسلوب والتركيب فإن لغة القرآن والشعر والنثر العربيين تكادتكون غير مستعملة، أنا لا أتكلم بطبيعة الحال عن الألفاظ فهي واحدة.. نحن نستعمل الألفاظ نفسها التي كان العرب تستعملها قبل الإسلام، وإلا أننا نصوغها صياغة لا شك أنهاطريفة أعني جديدة بقدر ما هي سخيفة.
قلت: فهل تريدوننا على أن نسجع ونزاوج وما إلى ذلك من المحسنات اللفظية؟.
قال: بل على النقيض أريدكم على أن تنطلقوا مع الفطرةدون تكلف، فكذلك كانت تتكلم العرب، وكذلك تجد لغة القرآن.
قلت: أعتقد أننا لو انطلقنا مع الفطرة لجئنا بالعجب العجاب سخفاً وركاكة.
قال: ذلك بأنكم فقراء لغة، ولوقد كنتم تمرستم بالقرآن ولغة العرب قبل أن يدخلها التزويق إذن لجئتم بالسهل الممتنع.
إن أحد زملائنا في المجمع ليتكلم ويكتب لغة هي البساطة عينها، ولكنها من حيثالتركيب والسلامة لغة الجاهليين، لغة الشعر الجاهلي والنثر الجاهلي، ولغة المسلمين أيام محمد (صلى الله عليه وسلم).
ولو بعث الله الوليد بن المغيرة لأعجبته لغةصاحبنا هذا الذي أحدثك عنه.
إن دراسة أحكام العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وما إليها ليس لها من غناء إلا أن تدعمها مخالطة النصوص القرآنية والعربية الفصيحة قبل أيامالمحسنات اللفظية التي قد تشبه جداً لغة كهان الجاهلية.
قلت: قد تشبه جدا.. إن قد هنا للتقليل وجداً للتكثير، فكيف يجتمعان؟
قال: قد تشبه معناها: قد كانتتشبه، إن قد هنا كهي في قوله تعالى: ولقد نعلم أنك يشق صدرك بما يقولون فعل ماض في صورة مضارع، وأحسبنا تعرضنا لمثل هذا في أحاديثنا الماضية.
قلت: نعم إلا أنه يشتبهالأمر علينا كثيراً في كثير من النصوص القديمة، فلا يتبين بصفة قاطعة أفعل مضارع أم فعل ماض، ذلك الذي تلا قد؟.
/ صفحه 291/قال: قل ما يرد ذاكرتك من القرآن الكريممما يأتي المضارع فيه بعد قد.
قلت: قد نرى تقلب وجهك في السماء ، قد يعلم ما أنتم عليه ، قد يعلم الله المعوقين منكم ، ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمدربك .
قال: فهذه كلها مواض، فلقد رأى جل جلاله عبده ورسوله يقلب وجهه في السماء، وعلم ما هم عليه والمعوقين منهم، وأنه
(صلى الله عليه وسلم)ضاق صدره، بل كان يضيقكثيراً مما يقولون.
قلت: لقد استشهد السيوطي في الهمع بقوله: قد يعلم ما أنتم عليه للمضارع المحقق الوقوع بعد قد.
قال: لقد اضطرب الإمام السيوطي في هذا البابكما اضطرب القدماء قبله، ألا يكفيك أنه ناقض إذ استشهد بقول الشاعر:
قد أترك القرن مصفرا أنامله
على أن قد تقليلية، يعني أن أترك هنا مضارع أو مستقبل لفظاًومعنى، وأن قد قللته (الجزء الأول ص 7) ثم أورد البيت نفسه في الجزء الثاني ص 73 مستشهداً به على أنها للتكثير.
على أنه لا خفاء في معنى البيت، والشارع إنما يفتخر بأنهبطل مغوار قتال، طالما ترك مبارزه وقد اصفرت أنامله إذ نزف دمه، إنه ليزهو بأنه فعل ذلك كثيراً بالأبطال، ولا يمكن أن يقال إنه يفخر بأنه قلما فعل هذا، فكون قد تقليلية فيهذه الحال مستحيل.
لقد قال القدماء ـ بحق ـ إنها خبرية مثبتة، ويقتضي هذا أن الفعل بعدها لابد ماض لفظاً ومعنى، أو معنى، وإن كان في صورة المضارع.
إن المضارع في كلالآيات القرآنية التي ذكرت لماض من حيث معناه، وإن كان مضارعا من حيث مبناه.
قل ما يحضرك بديهة من الشعر العربي الجائز الاستشهاد به مما يلي فيه قد المضارع.
/صفحه 292/قلت:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
وقد أتلافى الهم عند احتضاره
وقد تعدى على الحاجاتحرف
وقد أغدو تدافعني سيوخ
ولقد أبيت ضجيع كل مخضب
رخص الأنامل طيب الأردان
فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
بعوجاء مخزام تروح وتغتدي
كركن الرعن ذعليه عقيم
كأن نسورها عجم جريم
رخص الأنامل طيب الأردان
رخص الأنامل طيب الأردان
وأنها لأبيات خمسة قد في كلها داخلة على ماض معنى مضارع مبنى. وأكاد أقطع ـ وإذا شئت حذفت أكاد ـ بأنك لن تجد في الشعر العربي، ولا في القرآن فعلا مضارعا بعد قد إلا على هذه الشاكلة.
قلت: معنى هذا أنكم تنكرون ما أجمع عليه القوم،فما اختلف اثنان، ولا انتطح عنزان في أن قد تجئ تقليلية يليها المضارع مبنى ومعنى.
فقد يجمع الله الشتيتين بعد ما
فقد تلتقي الأهواءبعد تفرق
وقد تدرك الحاجات وهي بعيد
يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وقد تدرك الحاجات وهي بعيد
وقد تدرك الحاجات وهي بعيد
قال: على رسلك، فإن المضارع متوقع بحكم كونه مستقبلا لا بدخول قد عليه، لاحظ ذلك القدماء أنفسهم، وأذكر رجلا من كبار متعلقة النحاة:ابن هشام، على أن الذي لا شك فيه هو أن الأفعال في الشعر الذي أنشدت ماضية في صورة المضارع، ذلك بأنه إذا قال: عواذل قيس ليلى، أو قيس لبنى، أو جميل بثينة، تسل عنها فقدبعدت، وقلما يلتقي الشتيتان، فاان جوابه حتما وبالضرورة: ولماذا لا يجتمع لقد جمع الله الشتيتين بعد يأس، أو بعد أن اعتقدا أنه لا تلاقي، وقد أدركت الحاجة.
/ صفحه293/وهي بعيدة، أما أن يكون جوابه: قلما يلتقي الشتيتان، أو قلما تدرك الحاجات البعيدة، فهو لا يريد على أن يكرر كلام العواذل، إذا كانت قد يجمع الله الشتيتين تساوي فلما يجمع الله الشتيتين ـ وإنها لكذلك إذا حجوت الفعل مستقبلا بعد قد ـ فإنها لا تصلح جوابا من ذلك الذي يصر على أن يظل سادرا في هواه، ولكنها خير جواب إذا كانت قدكم قال القدماء أنفسهم خبرية مثبتة: دعوني أيها العواذل، أفليست حجتكم أننا تشتتنا فطلبي بعيد.. إلا فإنه قد التقت الأشتات وقد أدركت اللبانات وهي بعيدات.
كذلك يقولمجنون بن عامر أو غيره مما يروي لهم الشعر الذي سقته، وذلك هو اللسان المبين، ودعك مما قال المتأخرون أو المتقدمون.
قلت: وإذا قلت قد يجود البخيل، أو قد يشفي صاحبالداء العضال.
قال: فذلك معناه، قد جاء البخيل، وشفى صاحب الداء العضال.
قلت: فإذا قلت قد يجود زيد وهو البخيل المعروف المشهور ـ مثلا ـ فما أحسبكم تستطيعون أنتقولوا: معناها: قد جاد زيد.
قال: ولماذا لا أستطيع؟ بل إني لقائل إياها … إن زيدا في مثل هذا التعبير إنما يفصح عن حالة أنه بخيل جداً، وقد رغبت إليه مثلا في أن يسهمفي عمل خيري فقيل لك: إنه زيد فكيف تريده على أن يحسن؟ يعني: أنه البخيل أو عين البخل، فكيف تطمع ان يجود؟ فتقول: قد جاد زيد أي البخيل، ويحتمل أن يجود هذه المرة كما جادمراراً سلفت قلت أو كثرت.
إنه لمن شأن العرب أن يتخذوا العلم تعبيراً عن حالة أو صفق غالبة، فأنت تعلم مثلا أن لا تنفي الجنس لا العلم، إلا أنهم قالوا: قضية ولا أباحسن لها.
لقد اتخذوا الإمام مثالا معبراً عن حال هي مثالية القضاء، كأن أبا حسن تفيد في أصل وضعها القاضي القدوة فإذا جدت قضية ورأيت قاضيها غير أهل لها قلت: قضيةولا أبا حسن لها، إن أبا حسن هنا ليس كنية ولا لقبا ولا علما، وإنما هو وصف، أحسبني أوضحت معناه إيضاحا ليس وراءه إلا اللجاج.
/ صفحه 294/فإذا أنت قلت: قد يجودزيد، فزيد معبر عن حال هي البخل، ولقد جاد البخيل، وشجع الجبان، وشفي صاحب الداء العضال، إلى آخر ما يمكن أن يجئ بعد قد إفصاحاً عن هذا المعنى الذي أبدأت فيه وأعدت، وماأظنك إلا قد فهمت، خذها عن شيخك الذي كشف في النصف الثاني من القرن العشرين، أن القدماء فاتهم أن يحققوا معنى قد تحقيقاً كافياً شافياً.
قلت: أجل في الوقت الذي كشففيه بعض الناس ـ أو كادوا ـ سكان المريخ أو الزهرة.
قال: كل ميسر لما خلق له، وهؤلاء الذين كشفوا ما شاء الله أن يكشفوا من شؤون السماء والأرض لهم فقهاؤهم اللغويونالذين يتحدثون ويكتبون في مثل ما نتحدث به ونكتب.
قلت: حدثني فقيه ثقة من فقهائنا اللغويين الدكتور ظاظا عن مستشرق غربي له مبحث في قد العربية، فأدى به إلى أن أصلاشتقاقها من قدم لا من قد بمعنى قطع، فهي تدل على معنى الفعل، بل على قدمه: قد قام محمد، تساوي قدم قيام محمد.
قال: سواء أكان مرجعها إلى قدم أم إلى قد فإنها فيكلتا الحالين مردودة إلى الماضي، ان الماضي كان على كل حال، أي قدم، أو قد، أو انصرم، إن رد الفروع إلى أصولها التاريخية أو اللغوية له طرق عدة كلها معقول، وعلم الحقيقةعند علام الغيوب، ولكني أحرص على أن تعرف أن القرآن الكريم يستعمل عسى ورب في المواضع التي يستعمل فيها الكتاب قد للتقليل فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراًكثيراً ، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، عسى الله أن يأتي بالفتح ، ربما يود الذين كفروا فلو أن كاتبا ممن يكتبون في أيامنا وردتههذه المعاني لقال: فقد تكرهون شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، قد تكرهون شيئا وهو خير لكم، وقد تحبون شيئاً وهو شر لكم، قد يود الذين كفروا …. الخ. لست أدري: أقلت لكإن قد يفعل تساوي ما يسمونه بالفرنسية الماضي الناقص: كان يفعل، فلو أن
/ صفحه 295/الكتاب الذين يعرفون اللغات الأوربية حفظوا هذا الضابط: استعمال قد يفعل فيمقام كل الناقصة لسلمت لغتهم، وأحيوا عربيا سليما يكاد يكون ميتاً الان مع شدة الحاجة إليه.
قلت: أظن العرب والمسلمين عامة في شغل شاغل عن قد يفعل وكان الناقصةوالاخرى التامة، وإذا هم أضاعوا وقتهم وجهدهم في مثل هذا الهراء، فإنها والله لضيعة، إن العالم حوالينا يشتغل بغزو السماء، فكيف تريدوننا على أن تستمر أحاديثنا في الخبر والانشاء وباب فعلان فعلى وأفعل فعلاء .
قال: تأبى إلا لغو القول والسفسطة التي أضاعت كثيرين وردتهم أسفل سافلين، أفرأيت صاحب الخبر والانشاء، وفعلان فعلىوأفعل فعلاء صدوا أصحاب الفضاء أو ارسلوا على رواد السماء شواظا من نار ونحاس فعاقوهم أن ينتصروا؟ أم رأيت الذين فرحوا بما عندهم من العلم لم يعلموا إلا بعد أن أهملوالغاتهم أن يفقهوها، وسخروا بعلمائها أن يتدارسوها؟ أرأيت غربيين وشرقيين ، يمانيين ويساريين عدوا فقه اللغة حرما محظورا وحجر ومحجورا، فأنت تتشبه بهم من باب أنالتشبه بالرجال فلاح .
إن هذه اللغة العربية ـ أعني اللغة القرآنية ـ لهي حجر الأساس في الوحدة الإسلامية والعربية سواء، إلا ان سلمان الأصفر وصهيبا الأحمر وبلالاالأسود إنما كانوا عربا ـ أعني معربين بلسان عربي مبين ـ إني لأعرف ناساً درسوا ـ على كبر السن ـ الانجليزية ليقرأوا ما كتب شكسبير، أو الفرنسية ليقرأوا ما كتب راسين، أوالألمانية ليقرأوا ما كتب جوته. أفلا تستحق حياة الأبد أن يدرس من أجلها لغة القرآن الذي لا يمكن ان يفقهه فقيه إلا أن يكون من فقهائنا؟.
قلت: في الترجمة غناء لمن كانله قلب.
قال: هذه فرية بدليل أن إعجاز القرآن يصبح قرية إذا أنت جعلته ألمانيا أو انجليزيا أو روسيا، لقد جعله سبحانه وتعالى قرآنا عربيا لمن كان له قلب أو ألقى السمعوهو شهيد.
/ صفحه 296/قلت: تبعد الشقة ويتطاول الدهر لو أردنا أن نتخذ العربية الفصحى أداة عاملة في صرح الوحدة الإسلامية.
قال: بل هو السهل يمتنع إذا انتفىشرطان، ويتحقق ما تحققا، أفليست العلة دائرة مع المعلول وجوداً وعدماً، والظاهر أني أخرف، أفلا تراني أخلط بين العلة والمعلول، وبين السبب والمسبب.
قلت: العلةوالمعلول، والسبب والمسبب أمور عسى أن تفرغ لها يوما ما، أما اليوم فنحن في الشرطين اللذين إذا تحققا تحققت الوحدة التي تنتفي بقدر ما ينتفيان، ماذا يكونان؟.
قال:الإيمان والعمل وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون .