قال شیخی (26) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قال شیخی (26) - نسخه متنی

أحمد محمد بریری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

قال شيخي

للسيد الكاتب الفاضل الأستاذ أحمد محمد بريري

قال شيخي:




  • تضحك الضبع لقتلى هذيل
    وعتاق الطير تغدو بطانا
    تتخطاهمو فما يستقل



  • وترى الذئب لهاتستهل
    تتخطاهمو فما يستقل
    تتخطاهمو فما يستقل



ليس براعة استهلال أن تستهل الذئاب وتضحك الضباع فرحاً بجثث القتلى:

قتلى هذيل التي تغدو سباعالطير عليها خماصاً، فلا تلبث أن تصبح بطاناً من اللحم والشحم، فهي تتخطى الجثث، ويكاد امتلاؤها يعوقها أن تطير فتثاقل إلى الأرض وما تستقل، على أن الشعر ليس استهلالا فيواقع الأمر، بل هو ختام القصيدة، والقصة قصة (الشعب) الذي دون سلع، وقتيله الذي لم يطل دمه.

قلت: تضحك الضبع: تعبير قرأته منذ أيام في قصة لأحد كبار كتاب فرنسا أسمها (حربالنار) ذلك بأن الكاتب الكبير يحدثنا عن بني آدم، وكيف كانوا يعيشون منذ نحو مائة ألف سنة.. أيام لم يكونوا بعد قد عرفوا كيف يستنبطون النار إذا هي خمدت، فكانوا مضطرين إلىاستبقائها حية.. يقدونها آناء الليل وأطراف النهار لا يفترون ولا يغفلون لحظة، فهم لو فقدوها لم يكن من اليسير أن يفتدوها، ويأبى الحظ العاثر للعشيرة التي يحدثنا عنهاكاتبنا الكبير إلا أن تنطفي نارها أثر معركة كانت بينها وبين عشيرة أخرى معادية.

قال: بحسبك أن تقول (بينها وبين عشيرة أخرى) فإن (الأخروية) تتضمن العداء ضرورة ما دامالحديث عن الإنسان القديم الذي كان يعمر الأرض منذ نحو مائة ألف سنة، ولماذا مائة ألف؟ إنه منذ أقل من عشرة آلاف سنة ليم يكن يعرف (العشيرة الصديق) فكل جماعة غير ذويه عدومبين ما دام الدم الذي يجري

/ صفحة 183 /

في عروقها ليس دم فصيلته ـ أعني الفصيلة بمعناها اللغوي لا بمعناها الاصطلاحي الحديث ـ فالأجنبي ليس به حاجة إلى صفة أخرىكيما يكون عدوا، أفلا تلمح هذا في لغتنا العربية، أفليس (العدو) من: ع د و. أنه كل من عداك، أو عدا العشيرة التي أنت منها.

قلت: أعرف أن عدا يعدو عدواً: أسرع في مشيته، وأناعتدى عليه يعتدي اعتداء: نال منه أو تعدى عليه أو ظلمه، قال تعالى وكرر القول: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).

قال: أوليست تعدي أخت عدا؟ إنك لتعلم، أو عسى ألاتعلم، فلست أدري، إن الماديات في اللغة أسبق وضعاً من المعنويات، فأنت تقول: عدا عليه أي جرى نحوه، بيد أنه لا يجري نحوه إلا ليقتله أو يأسره أو ينال منه نيلاً أيا ما كان،ثم أجد اللفظ يكتسب سماته المميزه، ومعانيه أو طلاله المختلفة التي نعرفها الآن، فأنت تعدو الآن دون أن تعدو ـ إن صح هذا التعبير ـ أعني تعتدي وأنت قاعد أو جالس أو نائم،أليس الشتم والسب عدواناً؟ بلى وإنه لعدوان مبين تستطيع أن تنال به الواحد والعشرة والألف بل الإنسانية كلها وأنت مضطجع ناعم البال، إن (العدو) و(العداء) كليهما صيغةمبالغة من (ع د و) ولكنك تعرف الفارق الكبير بينهما، فالأول يعتدي على غيره، فيحن أن الثاني لا يزيد على أن يعدو عدواً شديداً أو كثيراً، أي يجري ما شاء الله أن يجري أويضرب في الأرض دون أن يلحق الناس أو غير الناس منه أذى، أفتحسب هذه المعاني والتفريعات المتباينة كان اللفظ يتضمنها جميعاً حين وضع أول ما وضع؟.

قلت: ولم لا إن كانالإنسان علم البيان توقيفاً كما يرى ذلك بعض فقهاء اللغة، لا أعني اللغة العربية وحدها، بل سائر اللغات، فهي نظرية عامة في فقه اللغات الحضارية.

قال: تستطيع أن تثرثرفي هذا الموضوع كما ثرثر فقهاء اللغة قديماً وحديثاً، وأحسبهم ما زالوا يثرثرون، ولن تنتهي المناقشة أبد الآبدين ودهر الداهرين،

/ صفحة 184 /

أنسيت مسألةالبيضة والدجاجة أيتهما أسبق وجوداً؟ إنه لا سبيل إلى معرفة البدايات، وأحسبني في هذا الصدد مقتنعاً أتم الاقتناع بقوله تعالى: (ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلقأنفسهم) ولست أرتاب في أنه جل شأنه كذلك لم يشهدهم خلق الدجاجة والبيضة ولا خلق اللغة، إنه لطريف حقاً ذلك البحاثة الأوربي الذي قال: إن اختراع اللغة يستلزم أداة ضروريةهي اللغة نفسها.. أجل فليست نظرية التوقيف، أو بعبارة أخرى إلهام الله الإنسان البيان مجرد ورع ديني كما يحلو لبعضهم أن يقول، ولكنها شيء تضطر إليه بعض العقول اضطراراً لااختيار لها فيه ما دامت اللغة هي الأداة الضرورية لاختراع اللغة، ولكن فقه اللغة شغلنا عن موضوعنا الذي كنا نعالجه، أفلم تكن تقص على قصص العشيرة التي خمدت نارها؟.

قلت: نعم فبعد أن حسب رئيس العشيرة على أصابع يديه ورجليه حسب المحاربين الذين فقدهم فرغ لحديث النار إلى انطفأت، فماذا تراهم فاعلين؟ أفيحيحون حياتهم كلها لادفء ولاانضاج طعام؟ وأدهى من ذلك وأمر ن الذئاب والكلاب الوحشية والضباع والنمور والفهود وسائر الضواري ستجرؤ عليهم، فليس غير الناس ما يصدها عنهم إذا أردف الليل اعجازه وناءبكلكله، إذن لابد مما ليس منه بد تقوم (بعثة) أو (سرية) تبحث عن النار في مظانها المختلفة، ويتشاور القوم فيما بينهم ويقر قرارهم على أن (ابن الفهد) خير من يحمل تلك التبعةالتي ندب لها، واختار اثنين يصحبانه في تلك الرحلة، بيد أن (ابن الثور) يغضب ويريد أن ينقض على ابن الفهد ليمثل به، ولكن هذا ليس أقل منه شجاعة ولا قوة عضل.. ويقوم شي حكيممبيناً للملأ أن العشيرة فقدت كثيراً من محاربيها الأشداء، وأن (ابن الفهد) و(ابن الثور) كليهما لازم بقاؤه لخير الجماعة، فليذهب كل منهما في وجه عسى أن يوفق فيكسب النار..ويعلن الرئيس أن (جاملا) بنت أخته أجمل فتيات العشيرة ستكون حظ لذي يجئ بالنار، وكذلك يولي ابن الثور وأخواه وكلهم ذو بأس شديد وجهة، وابن الفهد واللذان اختارهما وجهةأخرى.

قال: واضح أنهم كانوا ينسبون إلى جد أعلى غيرحيوان ناطق.

/ صفحة 185 /

قلت: وأحياناً إلى الشجر، أفلسنا في أزمان (الطوطمة) وما(الطوطم) إلا حيوان أو شجرةإليه أو إليها ينتهي نسب القبيلة، فهو أبوها الأعلى المشترك بينها وبين الحيوان أو الشجر الذي لم يتطور كما تطور الناس، وما دمنا في باب النسب والتطور فهانحن أولاء نرىأن (الطوطمة) هي الجدة العليا لنظرية التطور إلى ذهب بفخارها (دارون) و(لامارك) ولكن (الطوطم) ليس قصاراه أنه أبو القبيلة، فهو أيضاً معبودها المقدس أو إلهها المعبود، ومنهنا تحريم بعض صنوف الحيوان أن يذبح ويؤكل حتى بعد أن تنوسيت ألوهيته وعبادته، فلا يتردد المؤرخون الوضيعيون في أن تحريم لحم الخنزير في التوراة أثر من آثر الطوطمة التيسبقت الديانة الإسرائيلية.

قال: مهلا، فثم تخليط وارتباك، وما شئت من متناقضات إن مؤرخيك، هؤلاء الوضعيين ليقصون علينا كذلك أن الطوطمة هي الأصل في استئناس بعضالحيوان والنبات الوحشي، فلقد كان من السنن الموروثة أن الطفل أو الشاب يشرب من دم جده هذا الحيوان أو يأكل من لحمه أو يطعم ثمر الشجر إن كان طوطمه شجرا، ومن أجل هذا جرىالعرف على أن يربي صغار الحيوان ويزرع الشجر، ليذبح ذاك ويؤخذ ثمر هذا فيما بعد، أفلا تراهم تارة يردون استئناس الحيوان وذبحه بوصف كونه جداً يجب أكله أو شرب دمه، وتارةأخرى يردون منع ذبحه وأكله إلى تلك القداسة الأهلية أو الإلهية.

ثم هم يفرقون بين (الصنم) وبين (الطوطم) من حيث أن هذا ليس ذا قوى سحرية كذاك.. على أن ثم أصناماً تعبدلذاتها، فهي فيما يرون آلهة أو تتقمصها الأرواح التي تملك الضر والنفع ، وثم أصنام أوسمها ان شئت أوثانا لاتتقمصها أرواح، وإنما هي تماثيل أو رموز للآلهة، فالصنف الأولهو ما يسمى (فيتيش) والثاني (إيدول) أما عندنا في اللغة العربية فلا نعرفه، بل يحدثك صاحب القاموس عن الوثن معرفا إياه بان الصنم، وعن الصنم معرفاً إياه بأنه الوثن، على أنلأصحاب الملل والنحل عندنا اصلاحات لا تتفق وأصل الوضع اللغوي.. والظاهر أن الوثنية أعم وأكثر شمولً من الطوطمية إلى عسى أن تكون خاصة

/ صفحة 186 /

ببعض العشائروالقابائل، أجل. فنحن نحب الآن في عصرنا هذا قبائل بدائية إفريقية وغير إفريقية وثنية لا تعرف شيئاً عن الطوطمة قل أو كثر، فأما القبائل أو العشائر ذوات الطواطم فإنها لاتعطي طواطمها اختصاصات إلاهية، بل حدها قربى الدم التي تجمعها والحيوان أو النبات الطواطم، تلك هي الحال في أيامنا هذه.. ولكن مؤرخي الأديان رأوا الشعوب القديمةكالإغريق والمصريين عبدت الحيوان فاستنتجوا أن تلك العبادة مردها أصلاً إلى الطواطمة التي ما تزال قائمة حتى أيامنا هذه، فهي إذن سنة إنسانية، أو طور عام لا تخلو جماعةآدمية من أن تكون مرت به، ثم تجاوزته أو لزمته فلم تبرحه كبعض سكان أمريكا الشمالية الأصليين، إن المسألة لا تعدو أن تكون احتمالاً رجحوه، ومن يدري فعسى أن يقلب شأن شؤونافلا يلبث الراجح أن ينقلب مرجوحاً، وتبين مثلاً أن المصريين الأقدمين عبدوا (أبيس) دون أن يمروا بطور الطوطمة، وأن (زيس) إله آلهة الإغريق كان يحلو له أن يتزين أحياناًبرأس نسر دون أن يكون لذلك علاقة بطوطمة سابقة.

قلت: إن دراسة التاريخ القديم تقوم على (الحدس) أو الألمعية التي تجعل صاحبها (يظن بك الظين) كان قد رأى وقد سمعا، أفلميقل (رينان) نفسه أنه وأضرابه صناع مصنع ما ينفك يقام ليهدم ثم يعاد بناؤه من جديد.

قال: حذار من تحريف الكلم عن مواضعه، أو استعمال الألفاظ المبهمة، أو التي اكتسبتلوناً جديداً يضاف إلى ألوانها القديمة، إلا أن العين لم تتألفه بعد فهي ما تزال تخطئه أو تزوغ عنه، ولقد لكلمة (حدس) عندنا في العربية بعد أن ترجمت بها كلمة (برجسون)الفرنسية مدلول اصطلاحي فلسفي، فهي تعني ما يسميه أبو حامد الغزالي رضي الله عنه عين البصيرة، نعم فإن برجسون يحدثك عن معلومات أو سمها إن شئت (فيوضات) باطنية تستمد منالداخل استمداداً ثابتاً يقينياً أدق وأصفى مما يستنبطه العقل عن طريق القياس المنطقي، أفليس ذلك هو الإلهام؟ ولكنك تعلم طبعاً أن الوضعيين يبتسمون لهذه المعارفالحيوانية، وكيف تريدهم على أن يتذوقوا شيئاً يتطلب تذوقه حاسة خاصة هم قد حرموها،

/ صفحة 187 /

فلا أقل من أن يفكروا، بيد أن للفيلسوف العبقري الفرنسي سلطاناًلم يستطيعوا أن ينقصوه شيئاً، ولقد فعلوا لو استطاعوا.

قلت: تريدون: ولو استطاعوا لفعلوا.

قال: ما كنت لآبي لو أنك رددتني إلى الصواب، وحسبي أن أقول لك:

كلاجانبي هرشي لهن طريق خذا جنب هرشي أو قفاها فإنما

أجل: فإن (وقد فعلوا لو استطاعوا) تساوي: (ولو استطاعوا فعلوا، أو لقد فعلوا).

بني عمنا لو كان أمراً مواتياً وقدساءني ما جرت الحرب بيننا

قلت: فلقد ظللت دهراً أحسب أنه يأسف، وأنه قد ساءه ما جرت الحرب بينهم، ولكني تألقتها فيما بعد وفقهت أنه يريد: لو كان الأمر يسيراً لساءني ماجرت الحرب بيننا، ولكنه ليس يسيراً، فلم يسوءني ما حدث بيننا جراء ذلك الأمر العظيم.

هذا، ولقد أرانا نقع فيما يؤخذ علينا من أننا نستطرد ـ نحن المشايخ ـ من الموضوعالذي يشغلنا إلى مسألة نحوية أو لغوية، وبالله لقد صدق الذي قال:

حتى يوارى في ثرى رمسه والشيخ لا يترك أخلاقه

على أن المشايخ في فرنسا يفعلون فعلتنا، إلا أنهمهناك لا يؤاخذون بما فعلوا.

قال: فمن ترى يؤاخذنا بما نفعل، أما والله لو آخذني غير جاهل بتلك اللغة الشريفة التي نتحدث بها، إذن والله لسمعت ونظرت في مسلكي وغيرت إناقتنعت بأن الصواب في التعبير، ولكن الذي أضيق به هو أني أنسيت فيم كنا قبل المسألة النحوية؟.

قلت: كنا في الوثنية والطوطمة.

قال: ليت قليلاً في اللغة، لم لا تكونتلك الطوطمة هي التميمة العربية، فلست تدري في اللغات القديمة أيتها أخذت من الأخرى، أفليست التمائم أو التميم ـ جمع تميمة ـ هي ذلك الخرر المرقط أو المنقش، لم لا تكونتلك صوراً أو تماثيل

/ صفحة 188 /

لهذا الحيوان أو الجدل القبلي الأعلى؟ وماذا لو قلنا تميمة وتميم أو تمائم بدل طوطم وطواطم؟ أم تراني أخرف، وعسى أن تكون الأمةالعربية من تلك الأمم التي لم تمر بطور الطوطم.

قلت: فأصحاب تاريخ الأديان الوضعي يرونه ـ كما أسلفنا ـ طوراً لازماً، أفلم تقرأوا الفلسفة الوضعية وتاريخ الأديانوالأطوار التي مرت بها الفكرة الدينية، أفليس الدين ظاهرة اجتماعية كغيرها من الظواهر بدأت بسيطة ثم أخذت تتعقد مع مرور الزمن.

قال: فهم على النقيض يرونها بدأت معقدةثم انتهت إلى بساطة التوحيد.

قلت: يحضرني لهذه المناسبة ما قرأته للأستاذ (بيير ربيم) في كتابه (التاريخ العام للأديان) فهو يروي عن (ديلافوس) أن في أفريقية الغربيةديناً سامياً ـ من السمو لا السامية ـ يحجبه عن أعين الغربيين ما تراكم عليه من الوثنيات حجباً غير مستحكم، يمكن أن تلمح خلاله هذا الدين القويم، فالسكان هناك يؤمنونبإله واحد خلق كل شيء، خلق الكون كله بجميع ما يحتويه من ماديات ومعنويات، والجدير بالملاحظة حقاً أن القوم على بدائيتهم يفرقون بين المادي والمعنوي، ولا يدق علىأذهانهم أن الخلق عمل ينصب لا على ما يقع عليه الحس فحسب، بل على المجردات أيضاً، والخالق نفسه فيما يرون روح مجرد، بيد أنهم من حيث العبارة يخلطون بينه وبين السماء، وإذاكانوا لا يتجهون بالعبادة أو الدعاء إلى هذا الإله الأحد خالق كل شيء، فذلك يعني أن نظرتهم إليه تشبه نظرة الإغريق القدامى إلى (القدر) على أن مما يزيد في عناء الباحثويجعل مهمته متعسرة أو متعذرة ذلك الطابع السري الذي يميز الجماعات الدينية هناك.

قال: حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، فليس خفياً أن التوحيد هو الأصل عند تلكالجماعات البدائية التي لم تثبت بعد أن طال عليها الأمد أو زمن الفترة إن استسلمت إلى التعدد والوثنية والطوطمية أو ما شاء الشيطان من سبل الضلال.. إن الإنحراف عن جادةالصواب أمر سهل وقوعه يسير تصوره، فهؤلاء قوم أرسل الله إليهم رسولاً مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فهو

/ صفحة 189 /

ما ينفك يرشدهمحتى انتقل إلى بارئه علقوا ذكراه، وبدأوا يقدسونه قداسة شبه إلاهية ثم إلاهية، وعسى أن تكون له ذرية يتناولها التقديس كذلك، ولا تلبث الصور والتماثيل أو الأوثانوالأصنام أن تتخذ أماكنها في المعابد أو الهياكل.. على أن أصل الهداية مهما يقدم به العهد فهو لابد واجد متنفساً أو متسرباً إلى نفوس ذوى الألباب، إن هذا التوحيد الإفريقيأو الإسترالي لابد منته إلى رسالة قديمة، فلست تزعم بطبيعة الحال أن القوم أعملوا عقولهم فوصلوا إليه، كلا فهم قد أعملوها إلا أنهم وصلوا بها إلى التعدد والوثنية، أو ماتسمية الطوطمية، وأسميه (التميمية) أفليس عندنا (بنو أسد) و(بنو كلب) و(ثعلب) و(أنمار) أو لم يكن لهم جميعاً (تمائم) نيطت عليهم أيام الطفولة فخفظتهم من تحوايل الحدثان:

وأول أرض مس جسمي ترابها بلاد بها نيطت على تمائمي

هذا ولا يفوتنك أن ذلك التوحيد توحيد (السود) في العالم القديم (والحمر) فيما اصطلح على تسميته العالم الجديد.

قدانتفى أن يكون مرده إلى عقول العقلاء وحكمة الحكماء من (الهوتنتوت) وأشباه (الهوتنتوت) وإنه لمنتف كذلك أن ترده إلى الإسلام أو النصرانية أو اليهودية، فليس بين معتنقي تلكالأديان وبين أولئك المتخلفين أسباب متصلة أو كانت متصلة فيما يعلم أصحاب التاريخ، فليس ثم إلا احتمال واحد يفرض نفسه فرضاً بالضرورة.. ذلك أنه ينتمي إلى وحي قديم أوحىالله به سبحانه وتعالى إلى من أوحى من رسله الذين قال فيهم مخاطباً خاتم الأنبياء والمرسلين: (منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) أجل، فإنه (جل وعلا) لم يؤثر قوماًعلى قوم، أو لوناً على لون، بل اتصل بخلقه جميعاً عن طريق رسله مذ كان على الأرض آدميون، أو أناس مكلفون: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنهاوأشفق منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً) أفلم يحدثنا القرآن الكريم عن إرسال آدم ونوح وإبراهيم وعن قرون بينهم كثير؟.

قلت: إذن فما دلالة أنه سبحانه وتعالىفضل بني إسرائيل على العالمين؟ أفليس مؤداه أنه آثرهم بنعمة التوحيد في حين أن غيرهم من الناس مترد في حمأة التعدد؟.

/ صفحة 190 /

قال: واضح أنه تفضيل محدودزماناً ومكاناً وموضوعاً، فلقد كان التوحيد ولم يكن إسرائيل بعد.. ثم أن بني إسرائيل كفروا بنعمة الله عليهم، وجحدوا ميثاقه الذي واثقهم به، بل أنهم قارفوا الوثنيةورسولهم بين ظهرانيهم، أفلم يتخذوا عجلاً جسداً له خوار وقالوا هذا إلهكم وإله موسى؟ إن أصحاب التاريخ الوضعي الذين تبدي ويعيد في ذكرهم ليقررون أن التوتحيد ظل مزعزعالأركان في بني إسرائيل قروناً طويلة، فلم يستقر استقراره الأخير إلا نحو سنة خمسمائة قبل ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام.

ولكن كيف تسللنا من (حرب النار)والبعثتين اللتين خرجتا تبحثان عنها إلى بني إسرائيل، ماذا كان مصير ابن الفهد وصاحبيه، وابن العجل أو الثور وأخويه، و(جاملا) أو (جاميلا) التي تتبدى من خلال حروف اسمهاجميلة من كان صاحبها ابن الفهد أو ابن الثور؟ أفلم ينته بك فصاصل الفرنسي إلى مستقر تلك الأنباء؟.

قلت: بل انتهى إلى أن ابن الفهد استطاع أن يكسب موقعة النار بعد عناءأي عناء، وأهوال أي أهوال، على أنه وفق توفيقاً لم يكن يخطر له على بال، فلقد تكشف له سر استخراج النار من شجرتها، وإن كان احتفظ به لنفسه، فلم يشأ أن يطلع عليه العشيرةالتي عاد إليها يحمل النار حية مشتعلة، بيد أنه لم يبلغ قريباً من الحي حتى ظهر له ابن الثور وأخواه يريدانه، باسم القوة، التي ما كانوا ليعرفوا قانوناً غيرها ألا ينزللهم عن كسبه هذا العظيم.. أن ابن الثور ليتخلب لعابه على بنت أخت رئيس العشيرة، فهي الثمن أو جائزة الفوز لمن يدفيء العشيرة، ويسعد في إنضاج طعامها وحفظها أن تتخطفهاالسباع جراء غياب هذا الحيوان النافع الضار.. فلقد كان القوم حينذاك (استحيائيين) بلغة الاصطلاح، أعني أنهم يضفون الحياة على النار والحجر والشجر وسائر صنوف الجماد، فكلشيء عندهم حي حتى الأموات الذين ماينفكون يزورونهم في الأحلام، ذلك بأنهم كانوا ليفرقوا ين الرؤيا في النوم وبين الرأى، رأي العين في اليقظة، ولكن ابن الفهد كان شجاعاًباسلاً لا يعنيه أن يلاقي ابن الثور نوماً أو يقظة، فلم يتردد في أن ينازله وأخويه ويقتلهم جميعاً، والظاهر أن (جاميلا) كان يسرها أن ينتهي الأمر هذه

/ صفحة 191 /

النهاية السعيدة.. ولكن المؤلف يحرص على أن يبين لنا أنها ما كانت لتحتج أن تكشف عن حقيقة عواطفها لو أن الديرة كانت على ابن الفهد، والنصر حليف ابن الثور، فهي تعرفالقانون، قانون حق الأقوى، وتصدق في طاعته مهما تكن العواقب فهي راضية على كل حال.. إنها إنسانية موغلة في القدم، فتلك أحداث وقعت، أو كان من الممكن أن تقع فيما خيل إلىالمؤلف منذ مائة ألف سنة.

قال: فنحن إذن، فيما قبل التاريخ الذي لا تتجاوز فيما تحسبون وتؤرخون سبعة الآلاف سنة الأخيرة.

قلت: ولكن الآثار والحفريات وعلم طبقاتالأرض تخبرنا كثيراً من أخبار القرون الأولى.

قال: فتلك علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.. كذلك أجاب موسى عليه السلام حين سأله فرعون: (فما بال القرون الأولى)ولست أكتمك أني أشك، لا فيما وراء الآلاف السبعة فحسب، بل في محتواها.. أفلا ترانا نختلف في الوقائع والأحداث التي نراها رأي العين، فما بالك بما أتى عليه كر الغداة ومرالعشى ما شاء الله أن يأتيا؟.

قلت: تلك نظرية في التاريخ لها أنصارها الجادون الدارسون، ولكن الذي يشغلنا من حيث الدين هو: أفي الحق أن الإنسان الأول بدأ يعدد آلهته،ولم ينته إلى فكرة التوحيد أو يهتد إليها إلا بعد أن أتى عليه حين من الدهر طال أو قصر؟.

قال: ملاك الأمر كله آية الحدثان، أعني قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم منظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى(إيها لأوسع وأخطر من أن نعرض لها بعد أن كل ذهني عاقبة (حرب النار) وكاتبك ذلك الفرنسي الذي أبيت ألا نشغل به أكثرحديثنا، فإلى فرصة أخرى تفرغ فيها لمبادئ التوحيد والوحدة التي هي أصل كل شيء، وهل كانت الكثرة إلا منها وإليها.

/ 1