بطش بالمتجبرین من أکبر براهین ألوهیته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بطش بالمتجبرین من أکبر براهین ألوهیته - نسخه متنی

عبدالوهاب حموده

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

البطش بالمتجبرين





من أكبر براهين ألوهيته

لحضرة الأستاذ عبد الوهاب حموده

أستاذ الأدب الحديث بكلية الآداببجامعة فؤاد الأول

يظل الإنسان سادراً في غلوائه، تائهاً في ظلال نعمائه، يبطش ويتجبر، ويطغى ويتكبر، ما دام يشعر بالقوة طوع بنانه، وبالصولة رهن إشارة سلطانه (كلاإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) فيخرج على قومه في زينته، ويستعلي عليهم بجبروته، وحوله أنصاره وشيعته، ووراءه جمعه وعصبته، يدعي لنفسه البطش والغلبة، ويزعم لأصحابهالقوة والمنعة، يبغض العلماء وإباءهم، ويمقت الأحرار وعزتهم، لأن للعلم نوراً يكشف به ظلمات المتجبرين، وسلطاناً يهزأ بسلطان المفسدين، وأن للأحرار نفوساً تتضاءلأمامها نفوس العتاة المتكبرين.

فلا يجد الطاغية محيصاً عن محاولة إطفاء نور العلم (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) ولا يجد بدأ من أن يضطهد الأحرار فلا يزيدهم اظطهاده إلاقوة وتأييداً، فيلجأ إلى العوام، وهم قوت المتجبر وقته، بهم يصول، وعلى غيرهم يطول، يستبد بهم فيهللون لشوكته، ويخونهم في أمانته فيهللون لخيانته، ويعبث بأموالهمفيرتضون عبثه، ويهينهم فيتقبلون إهانته، لأنهم عباد المال، وعبيد المنافع، قد غطت المصالح الشخصية على أعينهم، وطمست المنافع المادية على قلوبهم، وغلبت الأهواء علىضمائرهم، فعجزت المواعظ أن تصل إلى قلوبهم، وأخفقت الزواجر أن تجد لها سبيلاً إلى نفوسهم، وضاعت كلمة الحق بينهم، وضل صوت الإرشاد في ضوضائهم.

/ صفحة 153 /

عند ذلكيتولى الله تأدييهم، ويذكرهم بجبروته، ويذيقهم من بأسه، فيبدل أمنهم خوفاً، وعزهم ذلا، ونعيمهم بؤسا (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بماأتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين). (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرتبأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد).

وفي ذلك أقوىبرهان على وجوده، وأكبر دليل على ألوهيته، لأن الحاسة الدينية مرتبطة أشد الارتباط ببعض الغرائز الإنسانية كغريزة الخوف والعجب والخضوع وحب البقاء، فمهما كابر الطاغيةوعاند وتجلد وقاوم، لابد أن يضعف ويخضع، ويستكين ويخشع، إذا ما شعر بيد الجبار تأخذه، وبقوة القهار تقهره.

ألا ترى إلى فرعون موسى بعد أن كان ينادي في قومه أنه ربهمالأعلى وعلا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً، واستنكف أن يلبي دعوة موسى، ويتبع دينه معتزاً بسلطانه، تياهاً بجناته وعالي بنيانه، لما أدركه الغرق، وظهر له ضعفه، آمن بإلهموسى، وصرخ بأنه يطيع ما أطاعه ويلبي نداءه (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين).

هكذا سنة الله في تأديب الطغاةالمفسدين من أفراد وأمم وجماعات وأحزاب، يتولى الله تأديبهم بالبأساء، وينزل بهم صاعقة من مقته، ويقرعهم بصفعة من سخطه عبرة لغيرهم، وإيقاظاً لأمثالهم، خشية أن يستولياليأس من الحق على النفوس ويستبد القنوط من العدالة بالقلوب، فتمتليء قلقاً وزعزعة، واضطراباً وبلبلة، بل ربما قذف بها اليأس إلى مضيق الشك في وجود الإله والارتياب فيعدل الخالق، لو لا صاخة من انتقامه تصيب المتجبرين، وقارعة من بلائه تنزل بالمفسدين فتعود النفوس إلى طمأنينتها، وتستيقظ القلوب من غفلتها، ويؤوب إليها إيمانها.

ألاترى إلى قصة قارون، وقد كان رجلاً من بني إسرائيل، آتاه الله بسطة

في الرزق، وأدر عليه أخلاف الثراء، حتى إن مفاتيح خزائنه كانت تعجز عن حملها العصبة منأولى القوة، فكان مرموقاً بعين الغبطة من كل من رآه في زينته.

وكان أولوا البصائر من قومه يعظونه ويبذلون له النصح ويحذرونه، فلا يزداد إلا زهواً وخيلاء.

أماالمولعون بالدنيا، الذين يزدهيهم زخرفها فقد قالوا: (ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) فوعظهم أهل البصر النافذ فيما وراء المظاهر الخلابة، وقالوا لهم: (ويلكمثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً).

ولكن سرعان ما أزال الله عنه لباس النعمة، وأذاقه عاقبة طغيانه، فخسف به وبداره الأرض، ولم يجد له ناصراً ومعينا، فأدرك الذينتمنوا مكانه بالأمس عاقبة الطغيان، ومصرع البغي والعدوان، وتيقضوا إلى سنة الله العادلة (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا).

لهذابني الإسلام على قول (لا إله إلا الله) فهي شطر الإيمان وأفضل الذكر، بني الإسلام بل كافة الأديان عليها، لأن معناها لا يعبد حقاً سوى الصانع الأعظم، والإله الأوحد، ولامعنى للعبادة إلا التذلل والخضوع، فيكون معنى (لا إله إلا الله) لا يستحق التذلل والخضوع غير الله.

فإذن كل من يطلب من الناس التذلل له، والخضوع لقهره، فهو مشارك للهفي ألوهيته، خصم له في وحدانيته، فيقصم القهار ظهره ولا يبالي، ويبطش الجبار بصولته ولا يداري.

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيما يحكي عن ربه عز وجل: (الكبرياءردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني منهما شيئاً قصمت ظهره ولا أبالي).

عند ذلك تيقظ ضمير الإنسانية وقد كان نائماً ويفطن لقوة الإله السرمدية، وقد كان غافلاً، فيوقنأن هناك قواما على العدل، حفيظاً على القسط إنه لا يحب المعتدين (والسماء رفعها ووضع الميزان).

/ صفحة 155 /

على أننا لو أخذنا في تحليل نفوس المتجبرين، والكشف عنبواطن المستبدين، لوجدنا أن شر تجبرهم، ومبعث عتوهم في الغالب نفوس مريضة، أحتواها مركب النقص، واستولى عليها الحقد، فآثرت أن تلتمس لها شفاء في الطغيان، وتبحث لنا عنستر لنقصها في العتو وعدم الاتزان.

كثيراً ما يقولون إن الشرق مريض بداء الاستهتار بالدين. ولو أنصفوا فردوا الأمور إلى أسبابها، والعلل إلى منابعها، لقالوا إن هذاإلا ثمرة من ثمار سياسة المستبدين، ونبيجة من نتائح الطغاة المفسدين، لذلك سلك الأنبياء (عليهم السلام) ـ وكلهم من الشرق وفي الشرق ـ سلكوا أول ما سلكوا في إنقاذ أممهم منشقائها والنهوض بها من كبوتها والخروج بها من ركودها، أن فكوا العقول من تعظيم غير الله، والإذعان لسواه، ولذلك بتقوية شعور الإيمان المفطور عليه وجدان كل إنسان.

ثمبعد إطلاق العقول من عقالها، صاروا ينظرون إلى الإنسان بأنه مكلف بقانون الإنسانية، مطالب بجميل الأخلاق والواجبات الإجتماعية، فهدموا بذلك حصون المتجبرين، وسدوامنابع الفساد على المتعجرفين، فإن كل نبي ما جاء إلا ليحارب البغي والتسيطر، ويقاوم الفساد والتجبر.

وذلك لأن التجبر المشئوم يؤثر على الأجسام فيورثها الأسقام،ويسطو على النفوس فيجعلها فريسة للآلام، ويعصف بالقوى فيمنع نماءها، وبالكفايات فيقتلها في مهادها، وبالعمران فيقوض من أركانه، وبالعدل فيهد من بنيانه.

وتعيشالجماعات في ظلال الطغاة الباغين عيش الأشجار الطبيعية في غاباتها، والأحراش المتكاثفة المعبرة في منابتها، يسطو عليها الحرق والغرق، وتحطمها العواصف والأنواء،وتقصفها الأيدي والأقدام، ويتصرف في فسائلها وفروعها الحاطب الأعمى، والخابط الأعشى، فتعيش ما شاءت لها رحمة الحطابين أن تعيش، وإنما الخيار للصدفة والأقدار في أن تظلمعوجة أو مستقيمة، مثمرة أو عقيمة.

/ صفحة 156 /

أما في ظل الإنصاف وتطبيق موازين القسط والإنسانية، فتعيش الجماعات نشيطة على العمل بياض نهارها، وعلى التفكيروالإبتكار سواد ليلها، ناعمة البال، تروح وتغدو، مترقية في سلم السعادة، متسامية في نعيم الحضارة، مدركه لقيمة الأوقات والساعات، شاعرة بوجودها وما عليها أن تؤديه فيبناء الحضارات.

والمتجبر كثيراً ما يضطر الناس إلى الكذب والتحيل، والخداع والتدلل، ويعمل على إضعاف ثقة الناس بأنفسهم، وربط عزائمهم بإرادته، وإراداتهم بأهوائه،فيعيشون مساكين بائسين متواكلين متخاذلين متقاعسين متفاشلين، قد عطلوا سر خلافة الله للإنسان، وهدموا ما أنشأه من عامر البنيان.

عندئذ تنزل المحنة بالأخيار، فإماأن يلجئوا إلى ألفة النفاق والرياء ومسايرة الأشرار والخبثاء، ليأمنوا على أنفسهم وأهليهم ويتمتعوا باللذة الحاضرة القريبة، ويعيشوا في راحة فانية سريعة، وإما أن تشتدمنهم العزائم، فيقاوموا الطغيان، ويحاربوا النزق وحزب الشيطان، ويتحملوا في سبيل ذلك ما يتحملون من عنت وأذى، ويذوقون ما يسامون من اضطهاذ وبغى طمعا فى ارضاء الله،ودفاعا عن حرمه، وهم موقنون أن البقاء للأصلح، وأن الغلبة للأنفع.

(فأما الزبد فيذهب جفاه وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

بيد أن هذه المجاهدة عسيرة، وهذهالمقاومة صعبة عزيزة إلا على من عصم الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر).

لذلك نجد الله تعالى يظهر بطشه قبل أن تتم فصولالرواية، وينفذ سنته قبل أن تصل الأمور إلى النهاية، فيأخذ ـ سبحانه من قادر ـ في البطش بالمتجبرين، والأخذ بيد المقهورين، خشية أن يؤمن الناس بالطغيان، ويستسلموا لدعاةالبغي والعدوان، وفي هذا تذكير بسنته، وإظهار لعزته وقهره.

(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).

/ 1