قوانين الزواج والطلاق
بين الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعيّة
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليلالشيخ محمّد عرفهعضو جماعة كبار العلماء في مصر الآن ضجة حول قوانين الأسرة من الزواج والطلاق وما إليهما من حقوق وواجبات وذلك بمناسبة تأليف لجنة لتعديلقوانين الأحوال الشخصية، وقد زادت هذه الضجة حينما أشيع أن هذه اللجنة أبقت هذه القوانين دون تعديل لأنها رأت أن ليس في الإمكان أبدع مما كان.
وقد أخذ الكتاب مسائلمعينة من قانون الأحوال الشخصية المعمول بها وتناولوها بالنقد والتجريح وقد سمع صوت التجريح ولم يسمع صوت التعديل حتى لقد خيف أن تنسخ الشريعة الإسلامية بالقوانينالوضعية في وسط هذه الضجة ووسط هذا الاءعوال والتجريح ويكون لهذا النسخ مبرراته إذ يقول الناس إنه نسخ لأحكام شهر بها وعلم الناس فسادها وظهر أنها بالية عتيقة لا تصلحلهذا الزمان.
ولا يدفع هذا المحظور إلا إذا سمح للمدافعين أن يقولوا رأيهم كما سمح للمجر حين أن يصولوا ويجولوا ويقولوا ما أرادوا.
وقد جئت في هذه العجالة بدفاع عنالشريعة فهل أستطيع أن أبلغ صوتى وأسمع النّاس.
من النّاس من يرى عزل الشريعة الإسلامية عن قوانين الأسرة وأن يلجأ إلى القوانين الوضعية يقتبس منها ما يناسب العصر. ومن النّاس من يرى إبقاء ما كان على ما كان بدون تغيير ولا تبديل ولا اقتباس أحكام أخرى من المذاهب الإسلامية بدل هذه الأحكام التي ثار حولها هذا الضجيج.
/ صفحه 29/والرأى العدل أن الشريعة يمكن أن يؤخذ منها ما يناسب الزمان والمكان والعاده إما من اجتهاد العلماء المتقدمين وإما من اجتهاد حديث يراعى قواعدها وأصولها وأغراضها ولايخرج على قواعدها العامة وأصولها المرعية لأن الشريعة الإسلامية ليست مذهباً معيناً وحده كمذهب أبي حنيفة بل هي كل ما استنبط من القرآن والسنة والقياس على ما في القرآنوالسنة سواء أكان المستنبط من الفقهاء المتقدمين أم من المتأخرين وسواء أكان ممن استأثر الله بهم أم كان من الأحياء الذين يعيشون على الأرض الآن.
فإذا كان الإقليمالجنوبى من الجمهورية العربية المتحدة قد فرض قانونه أن الحكم في مسائل الزواج والطلاق بالقول الراجح من مذهب أبي حنيفة النعمان ثم ضاق على الأمة حكم من أحكام هذاالمذهب لم يكن ثمة ما يمنع من اللجوء إلى مذهب من المذاهب المتقدمة التي قال بها الفقهاء المتقدمون، فإن ضاق ذلك أيضاً لم يكن يمنع من أن يجتهد بعض الفقهاء العارفينبالكتاب والسنة والقياس وبلغة العرب وكيفية الاستنباط، فإن باب الاجتهاد لا يزال مفتوحاً لم يسد، وأن الله أرحم بعباده من أن يحكم عليهم في العصور المتأخرة ألا يفصلواملابسهم على قدر أجسامهم ويضطرهم إلى أن يلبسوا ملابس قد فصلت من قبل قد تضيق وقد تتسع فيضيقون بها ولا تحصل المصلحة في لبسها.
والآن ما الذي يستند إليه إخواننا الذينيريدون نسخ الشريعة الإسلامية
بالقانون الوضعى في قوانين الأسرة. إنهم يقولون أولا توحيد القضاء يقضى بذلك وثانياً يذكرون مسائل معينة من الزواج والطلاقويستنكرونها ويقولون إن هذه المسائل المستهجنة يجب أن تمحى ونقتبس غيرها من القانون الوضعى.
أما وحدة القضاء فهل يمنعها أن تكون قوانين الزواج والطلاق مقتبسة منالشريعة الإسلامية؟ ولم لم تمنعهم وحدة القضاء من الاقتباس من القانون الفرنسى والقانون الرومانى وما شاء الله من القوانين.
/ صفحه 30/ولا أدرى كيف يستقيمإلغاء قوانين الشريعة في الزواج والطلاق والاستعاضة عنها بقانون مدنى قد يحرم ما تبيح الشريعة ويبيح ما تحرمه ـ هذا رجل مسلم مؤمن بدينه ويعتقد أن الطلاق بيد الرجل وفعلما هو من حقه وطلق، ولكن القانون الوضعي يرى أنه ليس من حقه، وإنما هو من حق القاضى، وحكم القاضي بعدم وقوع الطلاق، فماذا يفعل؟ أيطيع دينه وضميره أم يطيع القانون وحكمالقاضي؟ أليس في ذلك حرج أعظم الحرج ألا يسئ هذا الرجل ظنه بالدولة؟ ويرى أنها تعمدت أن تفتنه عن دينه، وتختله عن يقينه.
إن ذلك لا يستقيم إلا لرجل لا يؤمن بدين، ويرىأن قانونه الوضعى هو شرعه الذي تجب طاعته والامتثال له ولكن القانون لا يبنى على الشاذ ولا يبنى على الجمهور الأعظم.
إن القوانين إنما تراد لطاعتها والعمل بها ولنتطاع إلا إذا احترمت وأي شئ ادعى إلى احترامها من أن يعلم النّاس أنها من وحى الله وأمره ونهيه.
إن الزوجين إذا علما أنهما تزوجا على شريعة الله. وأن يد الله هي التيربطت بينهما ووثقت صلاتهما احترما ذلك الرباط وقدساه وإذا علما أن الحقوق التي لهما والواجبات التي عليهما هي من فعل الله وأمره كان ذلك أدعى إلى طاعتها والامتثال لها.
لهذا أرى أنه لو كانت قوانين الأسرة مأخوذة من غير الشريعة لوجب أن ننسخها بقوانين الشريعة.
إن القوانين السماوية يطيعها المرء فيما بينه وبين نفسه ولا يخالفهاولو أمن من يطلع عليه غالباً ـ أما القوانين الوضعية فيكثر من يخالفها إذا أمن أن يؤخذ بذلك، وشتان بين ما يطاع في السر والعلن وبين مالا يطاع إلا خوفاً من الشرطةوالأعوان.
إن العلماء من رجال القانون وأصول الشرائع يقولون إن الأمة لاتحكم بقوانين تخالف مشاعرها وروحها ومزاجها النفسي وأنه يجب مراعاة العرف والعادة والاعتقاد.
/ صفحه 31/وبعد فإنه خير لمصر أن يبقى ذلك الخيط الدقيق الذي يربطها بالفقه الإسلامي لتبقى لها تلك الزعامة الروحية التي يقر بها المسلمون في سائر أقطار الأرضولا تحاول قطعها كما قطعتها أمة من قبل فتتحول عنها تلك الأمامة كما تحولت عن تلك الأمة وليس ذلك من مصلحتها ومصلحة المسلمين وهي تقوم بجمع كلمتهم وضم شتاتهم.
ثم ماذاينكر المخالفون من الأحكام المعمول بها الآن.
إنهم ينكرون أشياء استهجنوها وشهروا بها وسنذكرها واحدة واحدة ونبين آراء الشريعة والرأي الميسر فيها وسيجدون أن مايبغونه من القوانين الوضعية من اليسر سيجدون ما هو أيسر منه في الشريعة الإسلامية. فمما أنكروه قِصر مدة الحضانة في الشريعة الإسلامية.
وقد قالت السيدة سهيرالقلماوى:
إنها متناقضات، شاذة خارقة قد بلغت من الشذوذ ما يجعلها فوق مستوى التصديق، هذه أم تفرغت بعد الطلاق لتربية ابنها، لم تتزوج، استقالت من وظيفتها لتعنىبابنها، لها من علمها وبيئتها وتربيتها، ما يمكنها من تربية الطفل تربية مثالية، وفجأة بعيد سن السابعة يأتى زوجها السابق ـ أبوالطفل وقد تزوج أخرى وأنجب منها فرقة منالبنين والبنات ثم تزوج ثالثة عليها وهي على وشك أن ينجب طليعة الفرقة الثانية وانحدر مستواه وانحدرت معه أخلاقه فننزع الطفل من أمه في ظل القانون ليضاف إلى فرقة الزوجةالثانية لأنها لا تزال على ذمته والثانية ساخطة على الزواج الثالث والبيت شقاق ونفاق ومقالب، ويراد للأم أن ترى مصير طفلها هادئة راضية لأن هذا هو الشرع، كلا يالجنةتعديل القوانين ليس هذا من الشريعة في شيء. ونريد أن ننبه إلى أن السيدة الجليلة لم تقل ذلك لتخرج عن الشريعة كما يفعل غيرها، وإنما أرادت أن تبحث عن حكم آخر منالشريعة يكون أيسر وأسهل ويحقق ما رأته من المصلحة.
/ صفحه 32/ونحن نقول أولا: ما قالته فرض حال قليلة الوقوع، وهناك أحوال كثيرة تناقضها، والأحكام لا تنبى علىالأقل النادر.
ونقول ثانياً: إن في الشريعة ما يمكن معه رفع سن الحضانة، فهذا مذهب المالكية يرى أن الحضانة حقّ للأم ثم لمن يأتى بعدها بالترتيب، ومدتها أوسع معالأحكام المعمول بها الآن، فهي تمتدمع الصبى إلى بلوغه، ومع الأنثى إلى أن تتزوج ويدخل بها الزوج، وقد يمتد ذلك إلى العشرين وفوق العشرين.
فهل ترون أرحب صدراً وأندىكفاً من الشريعة؟ إنكم كنتم تريدون رفع سن الحضانة سنة أو سنتين فقد جاءكم ما لم يخطر لكم ببال، رفعها إلى بلوغ الصبي وزواج الأنثى.
أرأيتم أنه يمكن إدراك المصلحةالمرجوة من الشريعة دون الخروج عليها والتماس الدواء من غيرها.
أرأيتم أنه يمكن تحصيل المصلحتين، تحصيل الحكم بالأصلح وما يحقق المصلحة، وتحصيل اطمئنان النّاس علىأنهم يحكمون بشريعتهم، وعلى مقتضى دينهم.
وسنحاول مثل هذا إن شاء الله في جميع المسائل التي أثاروها ونعوا على الشريعة بها والله الموفق.