تقریظ و نقد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تقریظ و نقد - نسخه متنی

عبد الرحمن الخبر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تقريظ ونقد

كتاب التّعايش الدّينى فى الإسلام

للسيد الفاضل الأستاذ عبد الرحمن الخبر

نزيل دمشق من القرداحة ـ اللاذقية

اطلعت على كتاب «التّعايش الدّينى فى الإسلام» بقلم الأستاذ محمود العزب موسى من أدباء مصر وكتابها البارزين. تقديم ومراجعة الدكتور بدوى عبد اللطيف الأستاذ بكليةأصول الدين ودار العلوم.

والكتاب حرىّ بأن يقرأ بإمعان وخاصة فى هذا الظرف بالذات، الذى يعالج فيه المفكرون بيننا مشاكل الحياة فى أغلب الحالات على أساس آراء مفكرينوساسة أكثرهم أجانب بعيدون عن معرفة الإسلام أو التدين به. ونحن، الذين نشأنا على هذا الدين الإلهى السامى المبادىء والغايات نرى أنه لا يمكن أن تحل مشاكلنا حلا صحيحاًإذ لم يراع فى ذلك الأسس التى قررها الإسلام وقام عليها، فأنار بها سبيل العالم عامة والعرب خاصة، فانتقلوا بهداه من أسر الجهالة وذل التفرقة ونقيصة التعصب الذميم، إلىحرية المعرفة وعزة الوحديد وفضيلة التسامح. فكانت أمتنا بذلك رائد الحضارة الإنسانية وفاتحة الممالك، التى لم

/صفحه 428/

يعرف التاريخ فاتحاً أرحم منها. واستمرتكذلك مادامت ملتزمة تعاليم الإسلام الواضحة فلمّا عملت الأطماع عملها فى النفوس الضعيفة، وبدأ المسلمون يتنكبون طريق دينهم السمح، تطرق الخلل إلى وحدتهم فتفرقواوضعفوا وذلوا.

وكتاب «التّعايش الدّينى» دراسة شاملة تعرض فيها المؤلف إلى أعقد مشاكل العالم والحلول التى أرتآها رجال الفكر، وقارنها بالحلول التى اهتمت بهاالأديان السماوية وأهم المذاهب التى تفرعت منها. وخلص إلى التقير بأن الحلول التى جاء بها الإسلام، أرسى قواعدها العلمية هى الكفيلة، من بين ذلك جميعه، بإخراج الإنسانيةعامة والعرب خاصة من حمى البلبلة الفكرية والتناحر الهدام والتكالب المادى المضلل.

ونطيل كثيراً إذا ما حاولنا نقل نماذج من الدرسات والمقارنات التى قام بها المؤلفلتدليل على صحة ما يرمى اليه. ولكن الإخلاص للحقيقة التى يتوخاها المولف يقتضينا عرض وناقشة بعض أقواله، استدراكا للصواب وابرازاً لفكرة «التعايش الدينى» موضوع الكتابعلى أصح وجوهها وأسلمها من المطاعن.

1ـ خلال عرضه للموضوع الأول (طغيان المادية على القيم الروحية) وجه / 22 و 23 / يقول:

«ونظر الإسلام بعين الرعاية فى أهمية الأموالفى حياة الأمم والأفراد لأن المال عصب التقدم فى بناء العمارة الشاملة وصرح الحضارة الرفيعة وتأليف الجيوش. ومن أهمية الاقتصاد أن القرآن الكريم قد أورد الأموال سابقةعلى البنين ليذكر الناس بهذه الأهمية. إذ أن الإنسان بطبعه متفان فى أولاده ولكن عليه أن ينظر فى أهمية المال الذى تقوم عليه دعائم الدولة. ونرى فى الآيات التالية ما يوضحما ذهبنا إليه بتقديم المال على البنين، تذكرة للناس فقد قال سبحانه وتعالى:

/صفحه 429/

ـ المال والبنون زينة الحياة الدنيا.

ـ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا منأتى الله بقلب سليم.

ـ يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين.

ـ ذرنى ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا.

ـ لأوتين مالا وولدا.

-شغلتنا أموال وأهلونا.

ـ إنما أموالكم وأولادكم فتنة.

ـ وفى أموالكم (كذا) حق للسائل والمحروم.

ولكن ما الحيلة وقد لجأ نفر من المستبدين فى السياسة إلىالاعتماد على نفر من رجال الدين فى الدعوة إلى المذهب السياسى، فأعان رجال الدين المستبد السياسى بتأويل الدين وتحريفه بحيث يوائم المزاج السياسى؟

وقد رأينا الحكمالفاطمى ينشر حركة التشيع ليمكن لحومته وفقا لأغراضه السياسية. ورأينا الحملات الصليبية تخفى وراءها المقاصد الاستعمارية المتباينة، فسالت باسم الدين دماء زكيةوتناثرت أجساد البشر أشلاء فى الميادين...

انتهى ما أردنا نقله فى هذا الموضوع من كلام المؤلف ولنا عليه بالنسبة لغاية الكتاب ملاحظتان:

الأولى: هى أن تقديم المالعلى البنين فى الآيات الكريمة المذكورة قد ورد عطفنا بالواو. والعربية حين تقصد الترتيب والأهمية إنما تعطف بثم أو بالفاء، ولا ترى فى العطف بالواو إلى أية أهميةوالشواهد على هذا فى القرآن الكريم ولغة العرب أكثر من أن تحصى.

ففى مجال الترتيب يقول الله جل شأنه: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكينثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا

/صفحه 430/

المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر» /المؤمنون: 12 ـ 14/.

وفى مجال عدم قص الترتيبوالأهمية يقول جل شأنه:

ـ هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن.

ـ ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون.

ـ يامعشر الجن والإنس.. وانّا ظننا أن لن تقول الإنسوالجن على لله كذبا.

ـ أم لم ينبأ بما فى صحف موسى وإبراهيم الذى وفى (بتقديم موسى وهو المتأخر على إبراهيم وهو جده البعيد).

ـ وأوحينا إلى إبراهيم واسماعيل وإسحقويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا داود زبورا. (يلاحظ عدم الترتيب فى ذكر الأنبياء لا بالنسبة للقدم الزمنى ولا بالنسبة لأهمّية الرسالة).

ـ قللا يستوى الخبيث والطيب.

ـ يوم يفر المرأ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.

ـ يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التى تؤويه، ومن فىالأرض جميعاً ثم ينجيه.

ويقول حسان بن ثابت من قصيدة يرثى بها أهل «مؤتة»:




  • فما زال فى الإسلام من آل هاشم
    هم جبل الإسلام  والناس حوله
    هم أولياء الله أنزل حكمه
    بها ليل منهم جعفر وابن أمه
    وحمزة والعباس منهمومنهم
    عقيل وماء العود من حيث يعصر



  • دعائم عز لا ترام مفتخر
    رضام إلى طوق يروق ويقهر
    عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر
    على ومنهم أحمد المتخير
    عقيل وماء العود من حيث يعصر
    عقيل وماء العود من حيث يعصر



ومن كل هذا يتضح أن العطف بالواو فى العربية لا يعنى اية أهمية بخلاف ما

/صفحه 431/

يقرر المؤلف بهذا الصدد، ونضيف إلى ذلكأنه ورد فى القرآن الكريم تأخير الأموال فى آيات منها:

ـ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحباليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين (التوبة: 24).

ـ زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطيرالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسؤمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (آل عمران: 14).

فقد ورد هنا تأخير الأموال، حتى القناطر منها،عمّا قدمت عليه فى الآيات التى استشهد بها المؤلف، وجميع هذا التقديم والتأخير بالواو فلا يحتمل فى العربية شيئاً مما أراده المؤلف الكريم ومن الخير أن لا نحمل آياتالكتاب الكريم ـ من المقاصد، تدعيماً لرأينا الخاص ـ مالا تتحمله ومالا يؤديه التفبير العربى.

وبهذه المناسبة نشير إلى ما أورده المؤلف فى الوجه / 56 / من أنه يرى فىالآية الكريمه: «فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب» كشفاً عن الغدتين اللتين ينتج عن امتزاجهما الجنين: غدة الذكر فوق الكلى وغدة الأنثىتحت الثدى، وتكتقى هنا بالقول لأديبنا الكريم: إن الاختصاص يقتضيه ترك مثل هذا الرأى للأطباء الإخصائيين، فالقرآن الكريم إنما هو كتاب عظة وإرشاد، وترغيب وترهيب، وضربأمثال لإيقاظ النفوس من غفلتها، وليس كتاب جغرافيا ولا تاريخ، ولا اكتشافات علمية ولا تشريح. وأرى أنّ أسلوب النظم القرآنى المعجز بفصاحته وبلاغته هو ما يقتضى التقديموالتأخير فى الآيات المار ذكرها عند العطف بالواو. ومن محاولة تقديم المتأخر يتضح ذلك: (البنون والمال زينة الحياة الدنيا) يلاحظ اختلال النظم

/صفحه 432/

البيانىالرائع (يوم لا ينفع بنون ولا مال...) يلاحظ نبوّ هذا التغيير فى السمع (ويمددكم ببنين وأموال) (لأوتين ولدا ومالا) حاشا بلاغة القرآن وإعجازه. والآية الأخيرة من استشهاداتهلا دخل لها بالموضوع. وفى كتابتها خطأ والصواب «وفى أموالهم» (سورة الذاريات: 19). (وسورة المعارج: 24 و 25).

والملاحظة الثانية:

لا علاقة البتة لما عقب به على رأيه فىأهمية المال من لجوء المستبدين فى السياسة إلى الاعتماد على نفر من رجال الدين فى الدعوة المذهب السياسى، ولا من رأيه فى الحاكم الفاطمى ونشر حركة التشيع ليمكن لحكومتهوفقا لأغراضه السياسية، ولا من رأيه فى الحملات الصليبية وتناثر أجساد البشر أشلاء فى الميادين، فكل ذلك عن الموضوع، وارد فى غير محله من سياق البحث. وأرى أن مصلحةالمسلمين تقضى على المؤلف وأمثاله بألا يتعرضوا بمناسبة وبدونها إلى تجديد الحملات على التشيّع ووصمه بما هو منه براء. فيكفى ما اتخمت به بطون الكتب من ذلك، يوم كان ذلكالافتراء وسيلة للتقرب من ذوى السطان والحظوة لدى الأمراء، وذريعة للشهرة العلمية باسم التحقيق. بينما العلم والتحقيق بعيدان عن التدنى إلى تلك الأساليب. وليس هذا مقامتفنيد تلك الاتهامات بالبراهين التاريخية الدامغة لئلا تخرج عن الغرض من الموضوع حول «التّعايش الدّينى» فنرجىء ذلك إلى تعليقنا على كتاب «المذاهب الإسلامية» للأستاذالشيخ أبو زهرة، التعليق الذى سينشر فى كتاب مستقل، ونخص مجلة رسالة الإسلام ببعض فصوله إن شاء الله.

وفى البحث الثانى: ثورة الإسلام الفكرية يقول (وجه 37 و 38 و 39):

«ويفيض التاريخ فى الحديث عن ندوات المأمون، وهى صورة طيبة موفقة لتوضيح الفكرة الخاصة بالتعايش الدينى، فقد كان يرتاد هذه الندوات كثرة من أهل العلم والفكر والرأى منمسلمين ونصارى وغيرهم. ولم تكن هذه الندوات

/صفحه 433/

للمنادمة والمسامرة. وإنما كانت أكاديمة فكرية تثار فيها المسائل الدقيقة وتعرض مشاكل الفكر الشائكة ويدورفيها الحديث فى حرية تامة ومطلقة. وكل عضو فيها يتحدث بما لديده من وجوه القول دون خوف أو مجاملة. ولم تكن الخصومة فيها خصومة تعصب لجنس أو لملة أو دين. وإنما خصومة علميةبحتة رائدها الوصوا إلى الحقيقة... وما كان أحدهم يخشى أن يضار بسبب رأى ارتآه أو عقيدة آمن بها أو دين اعتنقه أو مذهب فكرى آثره على غيره من المذاهب.. إلى قوله: ونتبين منهذا أن الإسلام دين لا يعرف التعصب وإنما يقوم على التسامح وإفساح المجال للحريات والعقائد وطرائق العبادات... وهكذا أراد الإسلام الحياة للناس لتسير فى مجراها الطبيعى،لأنه لا يخشى على عقيدته من مناقشة أو حرية الدرس والبحث، ويرى الأصول التى قام عليها أقوى وأرسخ من أن تعصف بها الآراء والأفكار المعارضة. وإذا كانت البشرية قد منيت فىسنوات التأخر والانحطاط بما يسىء إلى هذا الوعاء الرائع فليس مرده الدين، ولكنه يرجع إلى فريق من الناس الذين لا يتعمقون المسائل، وإنما تأخذهم المظاهر السطحية، أو لأنالذين يدلون بدلوهم فى هذا من الحمقى الجاهلين الأحمق لا يستطيع أن يرد على الرأى المعارض بالتى هى أحسن بل إنه يرده بعنف وغلظة وهما أران نهى عنهما الدين».

بمثل هذاالعرض الواضح يبرز الأستاذ العزب فكرة «التعايش الدين» فى الإسلام فيجى ويصيب الهدف. وليته استمر فى التزام هذه الخطة الرشيدة فى العرض ولم يجنح عنها جنوحاً كاد يذهببروعة عرضه السابق. فقد نقل فى بحث «مجادلات نظرية» فى الكتاب صفحة 117، قول ابن الأثير فى تاريخه عن هشام بن عبدالملك مانصه:

«... إن الجعد بن درهم قد أظهر مقالته بخلقالقرآن أيام هشام، فأخذه وأرسله إلى خالد القسرى، وهو أمير العراق، وأمره بقتله. فحبسه خالد ولم يقتله، فبلغ

/صفحه 434/

الخبر هشاما فكتب إلى خالد يلومه ويعزم عليهأن يقتله. فأخرجه خالد من الحبس فى وثاقه، فلما صلى العيد يوم الأضحى قال فى آخر خطبته: انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم فإنى أريد أن أضحى اليوم بجعد بن درهم، فإنه يقول: ماكلم الله عما يقول جعد علوا كبيرا. ثم نزل وذبحه».

ولم يكتف بذكر الحادثة بل علق عليها بقوله:

«وتدل هذه الرواية على أن بدعة خلق القرآن قد نبتت فى العصر الأموى،غير أنها قوبلت من الخليفة هشام بن عبد الملك يحزم وشدة، فأطاحت البدعة برأس صاحبها ولم تجد التربة الصالحة التى تنبت فيها فى ذلك الحين.. وبهذا صان هشام العقيدة إذ كانيخشى على الأمة من الفتنة إذا تراخت الدولة فى وقف مثل هذا الرأى».

ومن مقارنة تعليق المؤلف هذا بما نقلناه آنفا من قوله: «وهكذا أراد الإسلام الحياة للناس لتسير فىمجراها الطبيعى لأنه لا يخشى على عقيدته من مناقشة أو حرية الدرس والبحث، ويرى الأصول التى قام عليها أقوى وأرسخ من أن تعصف بها الآراء والأفكار المعارضة».

ومن هذهالمقارنة يتضح أن ـ المنهج العلمى الذى أخذ به المؤلف فى ابراز فكرة التعايش كان يقتضية عند ذكره مصير جعد; التعليق على الحادثة بما يظهره بمظهر المستنكر لأسلوب المعاملةفيها ليكون منسجما مع نفسه فى الغاية التى يتوخاها من الكتاب وخاصة فى حكمه الآنف الذكر: «والجاهل الأحمق لا يستطيع أن يرد على الرأى المعارض بالتى هى أحسن، بل إنه يردهبعنف وغلظة وهما أمران نهى عنهما الدين» أجل كان منهاجه فى الكتاب بقتضيه التعليق، مثلا، على غرار ما قاله سيد قطب فى مثل الحادثة ذاتها بأنها: «فى الغالب كانت تتلبس بهاحالات سياسية وتمكن خلفها نزعات حزبية، وهى على وجه العموم ليست طابعا بارزا ـ للحياة الإسلامية وقد جاءت على أيدى أناس

/صفحه 435/

ينكر عليهم الإسلام أن يكونوافهمة للإسلام» (كتابه العدالة الاجتماعيه وجه 115 من الطبعة الخامسة).

ليس موضوعنا الآن الهجوم أو الدفاع عن أى من جعد بن درهم مربى آخر الخلفاء الأمويين ولا هشام بنعبد الملك وواليه خالد القسرى، ولا أضرابهم فهم ملاقون أعمالهم عند من لا تخفى عليه خافية. ولكن موضوعنا الآن التقرير بأن على من يتصدى لعرض الأفكار ونقدها وفق الطرطقةالعلمية أن يتجرد بنزاهة عن العصبيات التى تنحرف به عما يتوخاه من نصرته للحقيقة ومن التزامه للتدقيق العلمى.

ومرة ثانية يورد الؤلف اتهامة التشيع لعلى ((عليهالسلام)) بمناسبة وبدونها فيختم هذا البحث بقوله:

«يمكن القول بأن المسبب الأول لهذه المجادلات إفراط الناس فى محبة على ابن أبى طالب والجدل فى مسألة الخلافة حيث ربطالناس بين الخلافة وأمور الدين...»

وبهذا القول خرج بعيداً عن المنهج الذى سلكه فى إبراز التعايش، وانجرف فى تيار ـ التعصبات المذهبية والمناورات السياسية فزعزع ثقةالقارىء المتعمن بنزاهة أحكامه. وليته لم يفعل فما دام موضوعه فى الكتاب إبراز فكرة التعايش الدينى فى الإسلام وتقديمه البرهان تلو البرهان على التزام الحكومةالإسلامية لفكرة التعايش الدينى فقد كان عليه أن ينعى على أى كان من المسلمين الخروج عن تلك الخطة الرشيدة، خطة التسامح والتعايش السلمى، ولا سيما والقرآن الشريف يصفالمسلمين ونبيهم الأمين بقوله تعالى «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (سورة الفتح / 29) ويخاطبهم فى سورة الحجرات بقوله تعالى. إنما المؤمنون إخوةفأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» وقوله «يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن

/صفحه 436/

يكونوا خيراً منهم ولانساء من نساء عسى أن يكن خبراًمنهن...» (آية 10 و 11)، وخطبهم فى سورة محمد بقوله تعالى «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم» (آية 22)، ومن هذا يتضح أن سماحة الإسلام للتعابير العصرية،لم تكن مقتصره على تعامل المسلمين مع غيرهم من الأديان الأخرى بل تعنى قبل ذلك تعاملهم مع إخوانهم فى الدين «رحماء بينهم». وأىّ رحمة فيما بيننا أن يتصلب كل من المسلمينفى رأيه ويرمى مخالفيه فى الرأى من أهل القبلة بما يترقع عن أن يرمى بمثله مخالفيه من أهل الملل الأخرى.

وفى وجه 118 يقول:

وخدم المأمون فكرته السياسية بشتى الوسائلمتذرعأ بالغايات المختلفات فأعلن أن علياً رضى الله عنه أشرف الخلق بعد النبى (صلى الله عليه وسلم). وبنيت على هذا الإعليان نظرية الإمامية أو الزعامة الدينية وهى التىتنقل من عضو إلى عضو من بيت على. وقد شاء بذلك أن يدخل إلى القلوب التى عارضته فى منهجه السياسى ويصل إلى مراتب الشهداء والصديقين. ويشغل التاريخ به بوصفه إماماً دينيابجانب مركزه خليفة للمسلمين. ومهدت ميوله الفارسية ـ وكانت أمه وزوجه فارسيتين ـ أسباب الإسراف فى المغالاة فى الشئون العامة والخاصة، وكان المأمون طامعاً فى أن تخلععليه صفات تميزه عن غيره ممن سبقه من خلفاء المسلمين.

وذهب المأمون إلى تلقين الناس جديداً فى أمر دينهم. وذلك أن المصالح المرسلة للمسلمين مصالح تتسع بها المجالاتوليس لها سند فى القرآن ولا فى الحديث. وعلى هذا فإن هناك مصادر يمكن الاسترشاد بها فى مسائل الدين غير القرآن والحديث. فكان يفسر القرآن بغير لفظه حتى أمكنه بهذا التفسيرتذليل كثير من العقبات التى كانت تعترض آراءه السياسية وأطماعه الدينية، من ذلك أباحته شرب الخمر وزواج المتعة.

/صفحه 437/

ويعقب المؤلف على أقواله هذه بنقله تعليقالأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار على هذه الروح لدى المأمون بما يلى:

«قد رجع المأمون عن هذه المقالة ـ يقصد شرب الخمر وزواج المتعة ـ بعد أن أقام أحمد بن داود الحجةعليه بما ملخصه: إن زوجة المتعة ليست الزوجة التى تجب نفقتها وترث ويثبت نسب الولد منها كما هو الحال فى الزوجة الشرعية. فهى ليست زوجة ولا ملك يمين. فزواج المتعة زنا.وعامة أهل الإسلام على هذا سوى الشيعة والرافضة.

وعلى مر السنين تحولت فكرة المأمون فى خلق القرآن من مجرد رأى إلى إعلانه المشؤوم الذى حمل فيه رعاياه بالاضطهادوالعقوبات على اتخاده عقيدة لهم. وقدأرسل إلى بغداد; وهو فى حملته الأخيرة على الروم; أمراً إلى واليها بأن يجمع كبار الفقهاء والعلماء ويمتحنهم فى هذه المسألة الخطيرة.ويرسل إليه اجاباتهم. وقد تأث كثيرون من العلماء فى مجلس المناظرة الذى كان أشبه بمحاكم التفتيش حتى أظهروا القول بخلق القرآن. إلا أن البعض بقى ثابتاً على عقيدته بأنالقرآن غير مخلوق كأحمد بن حنبل صاحب المذهب الحنبلى، الذى حملوه مكبلا بالحديد إلى معسكر الخليفة. وقد خلعت كتفه بسبب الإيذاء الذى حق به. ولقد ذكر التاريخ أن اثنين منهؤلاء المخالفين هددا بالقتل. وأرسل عشرون منهم تحت الخفارة لينتظروا فى طرسوس عودة الخفيفة من حروبه، ولكن جاءتهم الأنباء أثناء سيرهم بموت المأمون. ولقد سودت أمثالهذه الفضائع سمعة المأمون فى سنوات كثيرة».

انتهى ما أردنا نقله فى هذا الصدد من أقوال المؤلف واحتجاجه برأى الآخرين. ولنا على هذه الأقوال بالنسبة لموضوع الكتاب،ملاحظات:

الملاحظات الأولى: من مقارنة تعليقه على حادثة جعد مع هشام وواليه خالد بما نقله عن المأمون و موقفه من مخالفيه فى الرأى، يتضع أن المؤلف ابتعد كثيراً

/صفحه 438/

عن غايته من هذه الدراسة ولم يلتزم المنهج العلمى الذى بنى عليه فكرة التعايش الدينى فى كتابه. فبينما هو يمتدح ذبح جعد لمخالفته الرأى الذى يتبناه هشامويعتبر أن بهذا العمل قد صينت العقيدة، إذا به ينتقص من المأمون مجرد إذائه لمخالفى الرأى الذى يتبناه. فى هذين الموقفين المتضاربين يزعزع المؤلف إيمان القارىء بفكرة«التعايش الدينى» التى يصورها فى كتابه بأبهى أشكالها فى مواقف أخرى. وبينما هو يمتدح ندوات المأمون بقوله عنها إنها «لايضار فيها الخصوم بسبب رأى أو مذهب وإنها أوجدتألفة مباركة بين كافة الشعب» إذا به ينتقص تلك الندوات فينقل عنها: «وقد تأثر كثيرون من العلماء فى مجلس المناظره الذى كان أشبه بمحاكم التفتيش حتى أظهروا القرآن بخلقالقرآن». وأية غاية فى التحيز أكثر من امتداح خليفة لذبحه مخالفة فى الرأى ذبحا، وذم خليفة آخر لمجرد كونه سبب خلع كتف مخالفه فى الرأى. واعتبار العمل الأول صونا من هشامللعقيدة الإسلامية التى «لا تخشى من مناقشة أو حرية الدرس والبحث والتى هى أقوى من أن تعصف بها الآراء والأفكار المعارضة» واعتبار العمل الثانى «فظائع سودت سمعة المأمونفى سنوات كثيرة».

ونعيد القول هنا أننا لسنا فى موقف الدفاع أو الهجوم لا على هشام وجعد ولا على المأمون ومخالفيه ولا فى معرض إثبات أو نفى فكرة أى من الفريقين. ولكن«سماحة الإسلام»: هذه الفكرة التى يضمنها المؤلف كتابه هى ما تعنينا هنا، وهى ما نطالبه به أن يظل أمينا عليها فلا يجعل مبدأ «التعايش الدينى» الذى ينادى به خاضعا لرأيهالشخصى ولا لرأى فئة ينحاز هو إليها لأنه بذلك ينسف عملياً، من قواعده وأسسه، المبدأ الذى يقرره نظريا. وهذا ما لا نرضاه له.

الملاحظة الثانية: إننا نستغرب كيف سمحلنفسه، وهو فى مجال تمحيص الحقائق، أن يزعم بناء نظرية الإمامة على إعلان المأمون « أن عليا رضى الله عنه أشرف الخلق بعد النبى (صلى الله عليه وسلم)» فى حين أن المأمونإنما كان على

/صفحه 439/

عهد الإمام الثامن من الأئمة الاثنى عشر الذين تقول الشيعة بأمامتهم، وحين أن التاريخ الإسلامى يثبت إثباتا قطعيا أن عقيدة الإمامة كانتقبل الدولة العباسية وقبل الدولة الأموية. وفى سبيل القضاء على عقيدة الإمامة لدى الشيعة خاصة ولدى المسلمين عامة ممن يرون الإمامة العادلة شرطا لحمل الناس على شريعةالإسلام وسنة الرسول الواضحة ويرون أن الإمام الجائر لا تجب طاعته فى جوره «لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق»، ويمتدحون خلافة الراشدين لما فيها من شروط الإمامة العادلة،فى سبيل القضاء على هذه العقيدة الصحيحة فى الإمامة أريقت دماء آلاف الأبرياء من أجلاء الصحابة والتابعين بإحسان أمثال الحسين وأهل بيته ((عليهم السلام)) وسعيد بن جبيروحجر بن عدى وأصحابه وغيرهم، وغيرهم ممن لايتشسع المجال لتعديد أسمائهم، ولا تسمح فكرة «التعايش الدينى» الصحيحة، فى هذا الظرف بالذات، أن يتحيز الباحثون فى تلكالأخطاء التى وصمت تاريخ المسلمين بعار التخلى عن «سماحة الإسلام» أو «التعايش الدينى» ـ على حد تعبير المؤلف ـ وانه سبحانه يصف المسلمين بأنهم «رحماء بينهم» «إنماالمؤمنون إخوة» «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم».

الملاحظة الثالثة: إننا نستغرب من الأستاذ العزب وهو الأديب البحاثة الغيور على جلاءالحقائق فى المنهج الإسلامى الواضح  كيف يتعرض بمناسبة وبدونها إلى التنديد بالشيعة والتشيع مع أنه يمتدح الاجتهاد فى أكثر من محل فى كتابه فهو يقول:

«وتبين أنالاجتهاد فى الإسلام ضرورة لأنه يفتح المجال أمام العلماء لمواجهة حاجات الأمة التى يعيشون فيها والزمن الذى يمر بهم... والجمود أمام حركة التطور يؤدى إلى القضاء علىأصحابه... ومعنى هذا أن الشخصية، الإسلامية هى شخصية متحررة وإغلاق باب الاجتهاد يقتضى على قيام هذه الشخصية،

/صفحه 440/

ويقسر الأمة فى تطورها على أن تكون نسخةعتيقة لحياة ماضية» «وجه 95 و 96». وفقهاء الشيعة هم الذين استمرا فى اعتبار باب الاجتهاد ومنع منه منعا باتا إلى أن التيقى الأخوان المسلمان: السنى والشيعى فى هذا العصر علبساط الإسلام السمح «التعايش الدينى» بين جدران الأزهر الشريف فأقرت مشيخة الأزهر فتح باب الاجتهاد أسوة بما عند الشيعة.

الملاحظة الرابعة: وتتعلق بما نقله من تعليقالأستاذ الشيخ عبد الوهاب انجار من أن المأمون قد رجع عن مقالته بتحليل شرب الخمر وزواج المتعة. ونتساءل ما الذى حمله على إغفال تفنيد قضية الخمر وتعمد الرد على قضيةالمتعة والحكم بأن زواج المتعة زنا وأن عامة أهل الإسلام على هذا سوى الشيعة والرافضة، بينما موضوع الكتاب إنما هو إبراز فكرة التعايش الدينى فى الإسلام لا نقد أعمال بعضالفرق الإسلامية فيما لا دخل له بفكرة التعايش.

والأستاذ العزب لو رجع إلى ما قيل فى المتعة لوحد تحريمها مضطربا لدى من يقولون به: فبعضهم يقولون إن الرسول ((صلى اللهعليه وسلم)) هو الذى نهى عنها بعد أن أباحها لضرورة كانت ثم زالت. وبعضهم يحتج فى أن الآية التى يستشهد بها القائلون بحلها «فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن» (النساء 24)هى منسوخة بآيات «والذين هم لفروجهم حافظون إلا أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون» (سورة المؤمنون ـ 5 و 6 و 7). ومن دراسةتاريخ النزول يتبين أن سورد المؤمنون نزلت قبل سورة النساء التى منها الآية السابقة فى المتعة والناسخ لا يكون قبل المنسوخ. ومن مراجعة تفسير الطبرى والناسخ والمنسوخلابن حزم يتضح ما نقلناه من القول بنسخها كما يتضح زيادة على ذلك أن أبى بن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود قرءوا آية المتعة: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»ونعود فنكرر القول بأن موضوعنا هذا ليست الغاية منه الدفاع أو

/صفحه 441/

الهجوم على القائلين بتحريم المتعة أو بحلها، وإنما الغاية منه الحرص على أن يظل الباحث فىقضية «التعايش الدينى فى الإسلام» ملتزما المنهج العلمى فى بحثه لإبراز «سماحة الإسلام» على وجهها الصحيح نظريا فى المبادىء الإسلامية وعلميا فى علاقات المسلمينببعضهم أولا وبغيرهم ثانيا.

الملاحظة الخامسة والأخيرة:

لقد تابع المؤلف، وهو المسلم الغيور على دينه، رأى الأستاذ (ميور) فى كتابه عن الخلافة فنقل قوله «وفى الحقأن المأمون كان متعصبا لفرس مسقط رأس أمه وزوجه، شديد الميل إلى العلويين» (وجه 117)، وكان عليه أن يتبين قبل أن يتابعه وخاصة بعد أن نقل اعتراض الأستاذ الشيخ عبد الوهابالنجار على زعم الأستاذ (ميور) أن من عقائد الدين الصحيحة أن العقيدة التى كانت لا تنازع هى أن القرآن أزلى غير مخلوق فقد رد الأستاذ النجار بقوله «... ما كان عند المسلمينعقيدة بهذا الوصف» (وجه 118).

وهذه المتابعة، التى لا نرضاها لمثل الأستاذ العزب، كثرا ما اندفع إليها من يتصدون للتحقيق العلمى أو لتعليل الحوادث التاريخية منالمسلمين، والدين الإسلامى أرفع من أن يتدنى لهذا الظلم الاجتماعى الناتج عن التعصب العنصرى، تعصباً فى غير هدى العقل الإسلامى. ومن يرجع إلى تاريخ المسلمين فى أدوارهالوضاءة المشرقة يجد أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى بن أبى طالب (عليه السلام) وهما من هما فى بنء مجد الإسلام وصيانته قد زوجا ابنيهما من فرسيّتين، وأنجبتا عندهما منخيرة علماء التابعين. بل يجد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد بنى بمارية «القبطية» وأولدها إبراهيم وتزوج من صفية بنت حيى بن أخطب (اليهودية) كما بزوج من أم جبيب بنت أبىسفيات يوم كان أبوها رأس المشركين لا يفتر عن الكيد للإسلام.

ولو كان فى الزواج من غير العربية مغمز يلحق بالأزواج والأبناء لما كان النبى

/صفحه 442/

(صلى اللهعليه وسلم) ولا صاحباه عمر وعلى، وهما من أحسنا حياطة الإسلام، وحاشاه، أراد شيئاً من هذه العنصرية البعيدة عن «التعايش الدينى» لما كان النبى الكريم قد اختص مؤذنة بلالا«الحبشى» ولا صاحبه ومستشاره فى وفعة الخندق سلمان (الفارسى) ولا صهيبا (الرومى). وحاشا لهذا الدين السمح الذى جاء عاما «هدى للعالمين» أن يعنى بشىء من التعصب العنصرى الذىأعاده الأمويون فى حياة المسلمين لمآرب وقتية فى الاحتفاظ بالحكم والتسلط على المؤمنين كما أعادوا العصبية الجاهلية، من قبلية وعشائرية وعائلية، فمزقت وحدة العرب بعدأن جمعهم الإسلام السمح على بساط التقوى والتعارف بقوله تعالى: «يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن اللهعليم خبير» (سورد الحجرات ـ 13).

ونختم بحثنا هذا بالثناء الصادق على الدراسة الواسعة التى أودعها الأستاذ العزب كتابه القيم راجين أن يتسع صدره لملا حظاتنا البريئةوأن يحملها هو والقارىء الكريم على الغيرة الصادقة على الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية ومصلحة المسلمين، الله من وراء القصد.

/ 1