الوحدة والتكامل ودورهما في
النهضة الإقتصادية للعالم الإسلامي دراسة موجزة في أبعادها وشروطها
الدكتورة فهيمه الساعدي
باحثة عراقية مقيمة في مدينة قم بسم الله الر حمن الر حيم
المقدّمة:
قبل ظهور الفترة الإستعمارية، وتكالب الغرب على الشرق ونهب ثرواته، كانت البلاد الإسلامية خصوصاً والشرق عوماً في مقدّمة بلدان العالم برمته علىالأصعدة كافة. وهذه الحقيقة من ضمن الحقائق التاريخية الكبرى التي يدركها كل مؤرّخ أو متتبّع لمجريات الأحداث الدولية منذ العصور الوسطى وحتّى وقتنا الحاضر.ولعلّ الباحث والمؤرّخ الغربي يدركها ويفهمها أكثر من الشرقي والإسلامي.
كتب المؤرّخ هـ. أل. فيشر يقول: لم يكن هنالك في الجزيرة العربية ـ البقعة الشرقية ـ قبلالإسلام أثر لحكومة عربية أو جيش منظم أو لطموح سياسي عام، كان العرب شعراء خياليّين محاربين وتجاراً، لم يكونوا سياسيّين،... إنّهم كانوا على نظام منحطّ من الشرك، ولكنبعد مائة سنة منه انتزعوا افريقيا من البيزنطينيّين والبربر، واسبانيا من الغوط، وهدّدوا فرنسا في الغرب والقسطنطينية
ــ[90]ــ
في الشرق، ووجدت الدولالنصرانية من أقصى اوربا الى أقصاها منذرة مهدّدة بحضارة شرقية مبنية على دين شرقي، ألا وهو دين الإسلام(1).
ولعلّ تعبيره: «بحضارة شرقية مبنية على دين شرقي» يعطيانطباعاً خاصاً مشوباً بدلالات كثيرة يفهمها المراقبون جيداً.
وأمّا المؤرّخ الاميركي ستودارد فقد اعتمد الصراحة اكثر في قوله على هذا الصعيد، يقول: كاد يكوننبأ نشوء الإسلام الأعجب الذي دوّن في تاريخ الانسان، لقد ظهر الإسلام في أمة كانت قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان وفي بلاد منحطّة الشأن، فلم يمض على ظهوره عشرة عقود حتّىانتشر في نصف الأرض، ممزّقاً مماليك عالية الذرى مترامية الاطراف، وهادماً أدياناً قديمة كرّت عليها الحقب والأجيال، ومغيرّاً ما بنفوس الأمم والأقوام، وبانياً عالماًحديثاً متراصّ الأركان هو عالم الإسلام(2).
وكتب الباحث والمؤرّخ المعروف البارون كارل دو حول التاريخ الشرقي ـ الإسلامي وأحداثه، ولم يخف اندهاشه من عطاءالحضارة الإسلامية الشرقية وسخائها، فيقول: إنّ المسلمين اكتسبوا توفيقاً كبيراً في علوم مختلفة، فهم الذين علّموا الناس استعمال الأرقام والأعداد...، وهم الذين نظّمواالجبر والمقابلة على شكل علم صحيح، وتقدّموا به خطوات كبرى، وأسّسوا اساس الهندسة التحليلية، ولا شك انّهم هم مخترعوا المثلّثات السطحية والكروية التي لم يكن لها سابقةفي اليونان من قبل، حينما كان العالم المسيحي الغربي في حروب مع البربر كان المسلمون العرب مشتغلون بدراسة العلوم، وكانوا يسعون سعياً حثيثاً
1) تاريخ اوربا: 137.
2) حاضر العالم الإسلامي: 67.