کیف نشا الاختلاف فی العقائد و الفروع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کیف نشا الاختلاف فی العقائد و الفروع - نسخه متنی

محمد محی الدین عبد الحمید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كيف نشأ الاختلاف





في العقائد والفروع

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد

المفتش بالأزهر

هذه كلمات أردت بكتابتها أن أبحث بحثا علمياً خالصاً، في اختلاف أهل الاسلام وبواعث هذا الاختلاف وآثاره، وسأحاول ـ جهد استطاعتي ـ أن أثير دفائن التواريخ التي أتتعليها الحقب المتطاولة، وقد يطول بي القول، وقد يقصر في بعض الأحيان، ولعل قراء (رسالة الإسلام) لا يضيقون بهذا الطول ولا يتبرمون به، بل إني لأرجو أن يجد بعض هذا الطولمنهم رضا.

ولعل عجباً أن يكتب إلى مجلة نشأت كي تدعو إلى التوفيق في موضوع كهذا الذي أردت أن أكتب فيه، ولكن العلاج الناجع يستدعي معرفة الداء، وكيف بدأ، وكيف تهيأ لهأن يتمكن، وكيف أتيح له أن يتشعب وتكون له أصول وفورع، فإن لم يتلمس الطبيب ذلك، أو هو حاول أن يغضي عن بعض ذلك لم يؤت علاجه ثمرته وإن بذل فيه الجهد الجاهد.

سأكتب إذنفي بواعث هذا الاختلاف وأسبابه، وفي نشأته وتطوره، وفي آثاره ونتائجه، ولكني لن أكتب هذه الفصول لازيد شأن الاختلاف ذيوعاً وانتشاراً، ولن أكتب هذه الفصول لأزين فيهاالاختلاف، فهذا ما لا سبيل إليه، وإنما أكتب هذه الفصول لأظهر الناس على جراثيم هذا الداء، ولأبين لهم أين نبتت هذه الجراثيم، وكيف نبتت، ثم لأبين لهم الذين أنبتوهاوتعهدوها، ثم ألقوها في آناف الناس وحلوقهم، فإن هم علموا ذلك على وجهه فهم إن شاء

/ صفحة 290 /

الله أحرياء أن يتجنبوا أسباب الاختلاف، وهم أحرياء أن يطلبوالأنفسهم النجاة منه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

*  *  *

انبثق فجر الهداية الاسلاميه يوم بعث الله رسوله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلّم) على حين فترة منالرسل، والعالم يومئذ يخوض في ردغة الخيال، عقائدهم زائفة وأحلامهم عازبة، ونزواتهم ثائرة، وشهواتهم غالبة، وهم بين قوى ليس له هم غير الاستعلاء على الناس يعدو عليهمفيظلمهم ويهتضمهم ويسخرهم ما استطاع السبيل إلى ذلك، وضعيف حال به أمد الضعف والاستكانة حتى خنع ولانت قناتِه فلم يعد` له أمل، بل لم يعد يفكر في الانتصاف ممن يسومهالهوان ويستذله ويغتصب حقوقه، ولا يأبه له إلا كما يأبه للحيوان الأعجم، وسواء في كل ذلك الأمم البدائية والأمم الضاربة في الحضارة بسهم، لا فرق بينهم إلا أن يكون الظلميجري على الأمم البدائية بحكم الغلب والقوة الخالصة، في حين أنه يجري على الأمم المتحضرة باسم القانون والنظام الذي وضع مبادئه السادة المتبوعون على أن يكفل لهم دوامالسيادة والاستعلاء.

فالعرب ـ وهم قوم النبي وعشيرته الأدنون ـ كانت يومذاك أمة واغلة في تأليه الأوثان أو اتخاذهم وسائط إلى خالق الكون، ولم تكن لهم قدمة ولا قدم صدقفي الرقي الاجتماعي، ولا لهم ضمير يزَعهم عن المغاورة أو التكسب عن طريق النهب وشن الحروب والاعتداء على الحقوق والحرمات، بل لم يكن قانون من خلق أو دين يزجرهم عن وأدالبنات والغيلة وما أشبه ذلك من دنئ الخصال، وليس لجماعتهم من حصافة العقل ورقى الإدراك ونور المعرفة ما يحول بينهم وبين إتيان السحرة والكهان والعرافين يلتمسون عندهمأخبار الغيب والفصل في أسباب النزاع والخصومة، ومن كان منهم ذا دين فإنما صار دينه إلى جمل محرفة وعبارات مبدلة ممسوخة مما وضعه لهم رؤساؤهم وأولوا الأمر منهم: فجماعةزين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا فاعتقدوا التثليث والحلول والوساطة بين الخالق والمخلوق، وجماعة تخلوا عن عقولهم فوضعوها بين يدي أحبارهم يسخرونها ويأمرونها

/ صفحة 291/

بما شاءت لهم أهواؤهم فدانوا بما ابتدعه هؤلاء الأحبار من التجسيم ونحوه مما لا يليق بمبدع الكون الواحد القهار، وجماعة عبدوا الأجرام العلوية ونصبوا لها الهياكلورصدوها وقدسوها.

وغير العرب شر من العرب وأسوأ حالاً: منهم الثنوية، ومنهم عبدة النار، ومنهم الدهريون والطبيعيون، ومنهم الذين لا يدينون بغير ما يقع عليه الحس،ومنهم الذين ينكرون النبوات. ومن كان من هؤلاء يتدين ديناً أو يؤمن بنبي لم يكن بأهدى ممن يتدينون من العرب ولا بأقوم سبيلا.

في وسط هذا الليل الدامس من الاضطرابالاجتماعي والخلقي والديني بعث الله تعالى عبده ورسوله محمد بن عبدالله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فكان كالنجم يطلع على قوم مدلجين فيموماة بعيدة الأطراف، مترامية الجوانب يضل فيها الخريت، فمنهم من القى إليه باله وأنبث عنده ناظره فاهتدى به ونجا من التيه، ومنهم من لم يفطن إليه فابتلعه الظلام وكان منالهالكين.

أقام الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الحجة، وأيقظ العقل، وأعلن في الناس سلطان هذا العقل الذي حقروه ونبذوه، وحاكمهم إليه، ودعاهم إلى اطراح التقليد،وألا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، وسلك بهم في هذا السبيل طريقا وسطا لا يدق على أذهان العامة، ولا يرتفع عن مستوى إدراكهم ولا يُسف حتى يستبذله الخاصةويستنكروه، وأنت واجد في كل ما أوحى الله به إلى هذا النبي الكريم، وفي كل ما أجراه ـ سبحانه! ـ على لسانه من سنته، وفي كل ما عمل به حياته كلها إلى أن لحق بالرفيق الأعلى،أنت واجد في كل ذلك أصدق المثل وأعلاها إلى هذه الدعوة التي أشرنا إلى بعض خصائصها.

ولم يلبث العرب ـ حين رأوا أن قد دمغتهم الحجة وأخذت عليهم سبل الالتواء والمعارضة ـأن دانوا لهذه الدعوة تباعاً، ودخلوا في دين الله أفواجا، وقد رأوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصف لهم ربه ـ سبحانه! ـ بما وصف به نفسه

/ صفحة 292 /

في كتابهالكريم، وبما أجراه على لسانه من سننه، فلم يسأله أحد منهم ـ على اختلاف عقولهم ومداركهم ـ عن شيء من ذلك، كما كانوا يسألونه عن أمر الصلوات والزكاة والحج والصوموالكفارات، وغير ذلك من كل ما عملوا أن لله تعالى فيه أمراً أو نهياً، وكما كانوا يسألونه عن أحوال الآخرة وعن الجنة والنار، وذلك بعض ما نستدل به على أنه سلك بالناس فيهذا السبيل طريقا وسطا لا يدق على أذهان العامة ولا يسف حتى يستبذله الخاصة أو ينكروه. وإنما قلنا إنه (لم يسأله أحد منهم عن شيء مما وصف به ربه) لأن هذا مما تتوفر الدواعيعلى نقله لو أنه حدث، وكيف لا تتوفر الدواعي على نقل ما يتعلق بصفات الخالق، وهو أصل الأصول في العقيدة التي هي الأساس الأول للدين؟ ولم ينقل لنا أن أحداً التبس عليه شيءمن ذلك، فأنشأ يسأل ليكشف شبهة عرضت له، أو ليزيل البحث عن أحكام الحلال والحرام، وعن أحوال القيامة، وعن الملاحم والفتن، ونحو ذلك؛ فدل هذا على أنهم فهموا ما نقله لهم عنربه مما وصف به نفسه في يسر وهوادة من غير أن يفلسفوه أو شيئاً منه. قال العلامة المقريزي (الخطط 2|356 بولاق): (من أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي ووقف على الآثار السلفيةعلم أنه لم يرد قط ـ من صريح صحيح ولا سقيم ـ عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم ـ على اختلاف طبقاتهم وكثرة عددهم ـ أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن معنى شيء مما وصفالرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم)، بل كلهم فهموا معنى ذلك، وسكتوا عن الكلام في الصفات، نعم، ولم يفرق أحد منهم بين كونهاصفات ذات أوصفات فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعز والعظمة،وساقوا الكلام سوقاً واحداً. وكذلك أثبتوا ما أطلقه سبحانه على نفسه الكريمة من الوجه واليد ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين؛ فأثبتوا بلا تشبيه ونزهوا من غير تعطيل،ولم يتعرض ـ مع ذلك ـ أحد منهم إلى شيء من هذا،

/ صفحة 293 /

ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله تعالى، وعلىإثبات نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) سوى كتاب الله تعالى، ولا عرف أحد منهم الطرق الكلامية، ولا مسائل الفلسفة).

على هذا انتهى القرن الأول كله؛ لأن أصحاب الرسول (صلىالله عليه وسلم) ومن تبعهم بإحسان فهموا ما ذكره الرسول عن ربه، ولم يروا بأنفسهم حاجة إلى الفلسفة وقواعدها، ولا إلى مباحث الكلام التي تمت بأوثق الأسباب إلى الفلسفةوقواعدها، فكتاب الله الذي حدثهم عن ربهم وفرض عليهم حقوقاً يؤدونها إلى ربهم، وحقوقاً يؤديها بعضهم إلى بعض، هذا الكتاب عربي مبين وهم قد فهموا العبارة التي فرضت عليهمهذه الحقوق وتلك، وما احتاج من هذه العبارة إلى كشف وبيان سألوا عنه الرسول فكشفه لهم وبينه، فلماذا لا يفهمون العبارة التي يحدثهم فيها ذلك الكتاب الكريم عن ربهم؟ وكيفسكتوا عن طلب البيان إن لم يكونوا قد فهموها أو شيئاً منها؛ ولسان الرسول عربي مبين، وشأن ما تحدث به إليهم من عند نفسه كشأن ما أنزل عليه من القرآن، وهم ـ في الأكثر ـ عربيتكلمون العربية الفصحى ويفهمونها إذا خوطبوا بها، فليفهموا القرآن والسنة إذن على النحو الذي يفهمون به ويُفهمون، ومن كان منهم غير عربي فليس يحتاج لكي يفهم مثل ما فهمالعرب إلى الفلسفة وقواعدها، وإلى مباحث الكلام التي تمت بأوثق الأسباب إلى الفلسفة وقواعدها، وإنما هو محتاج إلى معرفة اللسان العربي وطرق دلالة ألفاظه على معانيهاوإدراك خصائص هذا اللسان، فإذا تيسر له ذلك فسبيله سبيل أهل العربية الأصيلين.

*  *  *

وقد كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ عند التحاقه بالرفيق الأعلىوبعد ذلك ـ على عقيدة واحدة وطريق واحد، ولم يكن احدهم ليختلف مع آخر إلا في فهم أو تيه في شيء من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقد كانوا من صفاءالنية وسلامة العقيدة وحب الاستمساك بالعروة الوثقى بحيث يعرض

/ صفحة 294 /

أحدهم على أخيه ما آتاه الله من فهم، فإن وجد عنده ما يدفعه من سنة أو فهم في كتاب أو سنةرجع عنه، وإن لم يجد عند أخيه شيئاً من ذلك أخذ كلاهما به وتقبله أحسن القبول، ونستثني من ذلك قوماً كانوا يبطنون النفاق ويظهرون الوفاق، وهؤلاء كان منهم المعروف في عصرالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).

وإذا نحن نظرنا في الأمور التي اختلفوا فيها وجدناهم يختلفون في أمور اجتهادية لا يوجب الاختلاف في واحد منها إيمانا ولا كفرا، بل لايوجب الاختلاف فيها كلها إيماناً ولا كفراً، ثم إذا نحن نظرنا نظرة أخرى تبين لنا أن غرض كل واحد من المختلفين في كل مسألة من مسائل الاختلاف إقامة شرائع هذا الدين وإدامةمناهجه. بل نحن نجدهم قد اختلفوا في بعض هذه المسائل، والرسول صلى الله وسلم بين أظهرهم لم يفارق هذه الدنيا، وبعض ما اختلفوا فيه قد عرض على النبي (صلى الله عليه وسلم)فأقر احدى وجهتي النظر، وبعضه قد عرض عليه فأقر كلا على رأيه، فكان ذلك دليلاً على أن لهم أن يختلفوا في الفروع التي لم يرد فيها نص، وكان ذلك دليلاً على أنه يجوز في بعضالمسائل المختلف فيها أن يبقى كل واحد من الرأيين معمولاً به.

كل ذلك قد كان والإسلام غض تخالط بشاشته القلوب، وكل ذلك قد كان معروفاً عندهم، ولم يكونوا يرون أن شيئاًمن ذلك لا يجوز أن يكون، ولكن قوماً من المنافقين ممن عاش في الصدر الأول أو ممن جاء بعده استغلوا اختلاف الصحابة في بعض ما اختلفو فيه استغلالاً دنيئاً، واتخذوا منهسبيلاً إلى تفريق كلمة هذه الأمة، وراحو يلتمسون لبعض وجهات النظر أدلة لم يقتنع بها الذين خالفوا هذا الاتجاه، بل إن هؤلاء المنافقين تمسكوا بوجهات من النظر عدل عنهاأصحابها، إما اقتناعاً بما استدل به مخالفوهم، وإما إبقاء على وحدة الأمة وإيلافها؛ إذ لم يكن في أحد الرأيين ما يخالف كتاباً أو سنة صريحة ذلك لأن غرض هولاء المنافقينهو تمزيق الوحدة وهدم ذلك الصرح الشامخ الذي أقذى عيونهم.

/ 1