الخصوصية الثالثة: الرحمة والرأفة والمحبّة والود
وتتضمّنها الآية المباركة (الرحمن الرحيم)وهي ليست مجرّد صفة جيء بها تكراراً لما في (البسملة) وإنّما اُريد منها تحديد خصيصة اُخرى في علاقة الله تبارك وتعالى بالعبد وهي علاقة (الرحمة)، فقد خلق الله عزّ وجلّالخلق عن إرادة واختيار وجعله حسناً ومتناسقاً وسائراً في طريق التطوّر والتكامل، غير انّ بالإمكان أن نفترض في مسيرة تكامل الإنسان - الذي هو جزء من هذا الخلق، بل أشرفجزء فيه - ثلاثة فروض هي : 1 - أن تكون العلاقة خلال هذه المسيرة علاقة القهر والإرادة التكوينية باُسلوب العذاب، غير انّ هذا النوع من العلاقة قد نفاه القرآنالكريم.
قال تعالى :
(وَلَوْ شاء رَبّك لآمن مَنْ في الارض كلّهم جميعاً أفأنْتَ تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)(1).
(إن نشأ ننزّل عليهم منالسماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين)(2).
2 ـ أن تكون العلاقة علاقة (العدل الإلهي) حيث يأخذه أثناء عملية تكامله وتطوّره عندما يذنب بذنبه مباشرة وعندما يحسنبإحسانه مباشرة، وهذه العلاقة أيضاً قد نفيت في القرآن الكريم وانّ الله تعالى يؤخّرهم إلى أجلٍ مسمّى.
قال تعالى : (ويستعجلونك بالعذاب ولو لا أجل مسمّىً لجاءهمالعذاب)(3).
( ولو لا كلمة سبقت من ربّك إلى أجلٍ مسمّىً لقضي بينهم)(4).
(يَغْفِر لَكُمْ مِنْ ذِنوبكُم ويُؤخّركمْ إلى أجَلٍ مُسمّىً)(5).
(وَرَبُّكَالغَفَورُ ذو الرحمة لَوْ يُؤاخِذُهُم بِما كَسَبوا لَعَجّلَ لَهُمُ العَذابَ بَلْ لَهُمْ موعدُ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دونِهِ مَوئِلاً) (6).
3ـ أن تكون علاقةالتكامل والتطوّر علاقة رحمة (الرحمن الرحيم) وهو ما أشارت إليه هذه الآية كخصيصة من خصائص علاقة الله عزّ وجلّ بعباده.
وذلك بأن تقسم حياة الإنسان إلى الحياةالدنيا والحياة الأخرى وتكون الحياة الدنيا محكومة - بشكل عام - بعلاقة الرحمة الإلهية المطلقة لتحقق للإنسان من خلالها فرصة التكامل والتطور وباعتبار أن عملية التطوروالتكامل مرتبطة بالإرادة والأفعال الاختيارية للإنسان في هذه الدنيا حيث تكون له من خلالها فرصة التكامل والتطور فتح الله سبحانه وتعالى أمام الإنسان باب التأجيلللعذاب والعقاب والثواب والحساب من ناحية وباب التوبة من ناحية أخرى.
ـ يونس : 99.
2 ـ الشعراء : 4.
3 ـ العنكبوت : 53.
4 ـ الشورى : 14.
5 ـ نوح : 4.
6ـ الكهف : 58.