ما نعلم و ما لا نعلم
لحضرة صاحب العزة الاستاذ الدكتور أحمد أمين بك مدير الإدارة الثقافية بجامعة الدولالعربية وف مرة الأستاذ آينشتاين العالم الكبير عند درج صغير فى أسفل مكتبته و قال: «إن نسبة ما أعلم إلى ما لا أعلم، كنسبة هذا الدرج إلى مكتبتى، ولو أنصف لقال: إنهأقل من هذه النسبة. فإنا لا نعلم أى شىء هو؟ إنا نعيش فى عالم مملوء بالحقائق و القوى، و لا نعلم أى شىء هى؟ و هذا فى الدنيا التى نعيش فيها و نلمسها و نزاول شئوننا فيها،فكيف بالعوالم الأخرى البعيدة عنا؟ نقول إن العالم مكون من ذرات، و نقول إن الذرة مكونة من إليكترونات، أو من نواة و شحنة كهربائية سالبة و موجبة، و يتغير رأينا فى تكوينالذرة بمعدل مرة فى كل أربع سنوات، و نتبجح فنعمل من الذرة قنابل ذرية، و نحن لا نعلم عن حقيقتها شيئا، نقول إن الأجسام تسقط لقانون الجاذبية، و المصباح يشتعل بالكهرباء،و نسخر الكهرباء فى إيجاد الحرارة و البرودة و الحركة، و إيجاد الأمواج و استقبالها، و لكن ما الكهرباء؟ لا نعلم عن حقيقتها شيئا، إنما نعلم كيف تستخدم، بل الحياة نفسهالم نعرف حقيقتها، و إن كانت تسكن فينا و كل ما حولنا لا نعلم حقيقته و إنما نعرف أعراضه، و بعبارة أخرى نعرف «كيف» و لا نعرف «ما» و «لماذا».
ما الحب، ما الجمال، ماالقبح، ما الجرية، ما كل شىء معنوى؟ كل هذه لا نعرف عن حقيقتها، شيئا، و كل ما يستطيعه العقل أن يعرف صفاتها ما الدين، ما الخوف، ما الأمل، ما الشجاعة، ما الفضيلة، ماالرذيلة؟ لا شىء غير الصفات.
/ صفحه 25/قد نعلم أن و اثنين أربعة، ثم نعلم أجزاءها و مضاعفاتها، أما سائر ال.شياء فنعرف أعراضها، و لا نعرفها، و كأنامنحنا عقلاليس من طبيعته أن بعرف شيئا عن الحقائق، و كل الذى يعرفه الإنسان لو كان ذكياً أن يوجه سلوكه فى الحياة حسب طبائع الأشياء و حقائقها. و لذلك أنصف أصحاب مذهبالبرا جما تزم إذا أنكر و اقدرة العقل على معرفة الحقيقة، و قصروه على معرفة الوسائل للغايات. و الذين يشتغلون بالعلوم و يقولون إنهم و ضعوا قوانينها كقوانين الجاذبية وقوانين الطبيعة و الكيمياء، لا يزعمونها شرحا للحقائق، و لكن شرحا لأوصافها، و حتى هى شرح لصفاتها الظاهرة، لا صفانها الباطنة، إنك تقول إن فلانا يحبنى و فلانا يكرهنى، ولكن، ما حقيقة الحب و الكره؟ لا نعرف! قد تكون معرفة الفن أسهل من معرفة العلم، أو بعبارة أخرى أسهل من معرفة الحقيقة، لأن الفن عمل، و العلم فهم، و نحن على العمل أقدر مناعلى فهم الحقائق، و لذلك سهلت الحياة، لأنها فن، و صعبت معرفة الحقائق، لأنها علم، إنك تستطيع أن تعلم أنك إذا صنعت القطار على نمط صحيح لا يصطدم، و لا تخرج عجلاته، وتستطيع بقدر الإمكان أن تتقى الأحداغث، و تستطيع أن تترقب النجاح فى عمل إذا سرت فيه سيراً حسناً، لأن هذه كلها فن لا علم، و حتى أنت فى هذه عرضة للخطأ، فقد يحدق ما ليس فىالحسبان، و يخرج القطار عن القضيب، و يصطدم بجاموسة مرت عرضاً فى الطريق، و تصطدم سيارتك بمالم تقدَّر مطلقا أنها تصطدم به فكيف الحقائق المجهولة؟
إن كان ذلك كذلك،فكيف نأمل أن نعرف للعقل و النفس و حقيقة الشعور و ما إلى ذلك، كل ما نتحدث به عن هذهع الأشياء ألفاظ جوفاء، و تشدق سخيف، لا حقيقة و راءه، و لو أنصف مؤلفو المعاجم، ومحاولو التعريفات، لكفواعن
/ صفحه 26 /ذلك، لأنهم لا يصلون إلى حقيقة، و انما يدورون حول أنفسهم، ولو دققث النظر فى تعريفاتهم، لوجدتها تعريفا بالمثللا تعريفاً بالحقيقة، و أكثر الناس يعيشون بعقيدتهم لا بعلمهم، و بخرافاتهم و أوهامهم لا بعقلهم، فكيف و عقلهم لا يدرك حقيقة ماحوله؟ إن كان هذا حقا، فكيف يحاول العقلالإنسانى البحث عن الله؟ إنه يكون كقوم لم يعرفوا أرضهم، فبحثوا عن المريخ، أو لم يعرفوا ما أمامهم، فخاولوا أن يعرفوا ما فوقهم.
و يعجبنى ما ينسب إلى الإمام على كرمالله وجهه فى الله تعالى: «إنه لا تدركه الشواهد، و لا تحويه المشاهد، و لا تراه النواظر، و لا تحجبه السواتر، لا بذى عظم تناهت به الغايات، فعظمته تجسيداً، و لا بذى كبرامتدت به النهايات فكبّرته تجسيما» كما يعجبنى قول ابن أبى الحديد:
و الله لا موسى و لا
علموا و لا جبريل و هو
كلا، و لا النفس البسيطة
من كنه ذاتك غير أنك
فلتخسأ الحكمإ عن
من أنت يا رسطو و من
و من ابن سينا حين مرّ
هل أنتم إلا الفرا
فدنا فأحرق نفسه
و لو اهتدى رشدأ لأبعد
عيسى المسيح و لا محمد
إلى محل القدس يصعد
لا، و لا العقل المجرد
حرم له الأفلاك سجّد
أفلاط قبلك يا مبّلد
د ما بنيت له و شيد
ش رأى الشهاب و قد توقد
و لو اهتدى رشدأ لأبعد
و لو اهتدى رشدأ لأبعد
فيك يا أعجوبة الكو
أنت حيرت ذوى اللبت
كلما أقدم فكرى
تا كصا يخبط فى عمياء
لايهدي السبيلا
ن غدا الفكر قليلا
و بلبلت العقولا
فيك شبراً فرّ ميلا
لايهدي السبيلا
لايهدي السبيلا