الاقِتصاد الاسْلامىّ
لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الجليل الشيخ محمد أبوزهرة
أستاذ الشريعة الإسلامية في كليةالحقوق بجامعة القاهره
1ـ سيطرت المادة على كل شى ء في العالم هذه الأيام حتى صارت مقاييس القيم خاضعة لها ،فهى المقولة لأقدار الأمم ،و هى المقولة لأقدار الجماعات،والمقولة في المجتمع ،و بمقدار ما ينتج من مادة يكون أثره في البناء الاجتماعى ،و بمقدار على موارد المال يكون نفوذها السياسى ،و يكون تأثيرها في توجيه العالم نحو ماتبغى ،أو يبغى لها الطامعون فيما تحت أيدى غيرها،ممن هم دونها ثروة و قدرة على الاستغلال ،ليمنعوهم من أن يستغلوا ما في أيديهم ،و يعلموا على بقاء قصورهم المادى ليكونواطعمة لهم ،و تكون أرضهم مستراداً لنشاطهم. 2ـ هذا حكم الزمان ،و من أجل أن يتم لهم ما يطمحون إليه فصلوا الدين عن أعمالهم ،و جعلوا الأديان في المعابد ،لا يتجاوز حكمهاالصلوات ،فالخضوع لحكم الدين فيها وحدها،حتى إذا تجاوزوا المعبد إلى ميدان العمل تركوا كل ما يتصل في كثير من الأحيان ،فلأن منطق المادة يدعوهم إلى الاستمساك بها لامنطقالدين ،و لا منطق الأخلاق الفضيلة ،وذلك لأن الأمانة تجلب الثقة ،والثقة يزنونها بميزان الذهب و الفضة ،لأنها ثروة في ذاتها ،وقدتكون الثقة ابتداء رأس مال وحدها. و لقدعجب بعض الكتاب من أن الغربيين و غير هم يُرمون بأن المادة تسيطر عليهم ،وأنهم جانبوا حكم الروج ،مع أنهم يذهبون إلى الكنائس زرافات و وحدانا،و يجتمعون في الصلوات ،وسماع المواعظ من القسيسين و الرهبان ،و تمتلى ء قلوبهم إيماناً بالمسح ،و تظهر على جوارحهم كل مظاهر الخشوع و القنوت !
/ صفحه 24 /
ولكن لا عجب فإن تلك الظاهرةالروحية هى في الكنيسة وحدها ،لانعدوها،فإذا خرجوا منها تسلمهم سلطان المادة يفرض عليهم نفوذه وقوته ،فهم يرجون منها لاهين في المراقص ،والعشاق والعشيقات يتلاقون علىمائدة الشيطان ،وعلى موائد القهار،ثم يستأنفون من بعد إشباع نهماتهم المادية .
3ـوتحت سلطان المادة كان التناحر بين المذاهب ،وقامت مذاهخب ثلاثة تتنازع هذا الوجود:مذهب يجعل السلطان الكامل لرأس المال ،فكل امرىء ومايملك ،و ملكية الرجل في ماله مطلقة لا يحدها قيد من القيود ،إلا ما تضطر الدولة لفرضه أحيانا في أضيق حدود ،فللشخص فيماله أن بتصرف بكل أنواع التصرف على حسب ما يراه من طرق الاستغلال ،وينفق غلاته في كل ما يشتهى و مايريد ،وإنه في هذا السبيل يستغل كل قوى غيره ،و كل ثمرات الجهود التييبذلها سواه.وقد ترتب على ذلك النظام أمور اجتماعية خطيرة ،كان لها شأن في سير المجتعمات ،فكان ثمة طبقة كادحة عاملة ،و طبقة رافهة ،و كانت فيها سُخرة ٌ إنسانية عامة،تسخير فيها طائفة كبيرة من بنى آدم لخدمة طائفة أخرى ،وترتب على هذا النظام أيضاأن ذهبت المودة التي تربط بين آحاد المجتمع ،والتي دعت إليها الأديان السماوئة كلها ،بكلالطرق من غير نظر إلى المصلحة العامة ،فُوجِد الاحتكار،و وجد الربا الذي يكسب له دائما، و الخسارة على المدين دائما،و قد تولد عن ذلك الأزمات المختلفة كما سنبين إن شاءالله تعالى .و كانوا حريصين أيضاً على المحافظة على بقاء الثروة حتى لا تتعرض للآفات السماوية،.فكانت التأمينات و غيرها ،و في الجملة هو نظام يربى روح الأثرة في الآحاد والجماعات ،حتى لقد رأينا دُوَلا تقود الفكر الاقتصادى في العالم تحرق الأقوات ،ولا تبيعها للمحتاجين إليها في الأمم الأخرى ،فأْهراد ُ أمريكا مملوءة بالقمح ،و يتعرضللتلف ،و لاتقدمه لأمم ينقصها القمح ،لتخضعها لاقتصادها،أو سياستها ،أو لكيلا يكون العرض صفحه 25
أكثر من الطلب فترخص الأسعار ،و ذلك ما لاتريد.
وإن تثبيت أقدامهذا النظام الذي يجعل رأس المال حاكما ،و متحكما-كان بعمل اليهود ،فهم الذين نشروا نظمه ،و وسعوا نطاقه ،وأقاموا دعائمه ،وسنبين ذلك واضحاً عند الكلام في نظام الفائدة.
4ـ وفي مقابل النظام الفردى الذي يُطْلق سلطان الفراد في الثروات حتى كأنه منقطع عن جماعته: النظام الشيوعى ،و قد انبثق بِفْورَة عنيفة تحت تأثير مظالم النظام الأول،و انقطاع الصلات الأدبية التي تربط مابين الناس ،وقد قام النظام الشيوعى على أساس سلب الآحاد قوة السلطان على المادة و جعلها تحت سلطان الجماعة ،هى التي تدبر أمرالاستغلال بكل الوسائل المختلفة،سوائأكانت الدولة هى التي تتولى استغلال الأموال بنفسها ،أم كانت تتولاه بمؤسسات تحت سلطانها ،وإن طبيعة ذلك النظام أن يمنع تحكمالقُوَى المالية ،و أن يكون لكل إنسان بقدر عمله ،ولا متسع لمن لا يعمل ،ولذلك لم يعتبر رأس المال عاملا بنفسه ،وماتت نظرية الربا في النظام الشيوعى أو اختفت ابتداء،لأنه وليد تحكم رأس المالى في قوة العمل ،فلا يبقى بعد زوال قوة رأس المال .و لكن تفاوت نتائج الأعمال و ثمراتها ،و زيادة الأجور بمقدار زيادة التبعات ،مع تفاوت النفقاتالشخصية ،أو جد مدخرات للأشخاص لم تمانع الدولة في اكتنازها واستغلالها بنظام الفائدة ،فحرق النظام من جانبه بوجوده القوة الاستغلالية في أيدى بعض الأفراد ،و وجود اأسمال يَعْمَل من غير جهد من صاحبه،ولاتعرض للكسب والخسارة.
5ـ و بين النظامين اللذين اجتذبا الحبل الاقتصادى نظام سموه نظاماً اشتركياً،فهو لا يطلق إرادة الشخص من غيرقيود ،و هو لا يمنعها منعاًمطلقا،بل هو بين هؤلاء و هؤلاء ،يمنح الملكية للأموال المغلة ،و لكنه يو جه طرق استغلالها
/ صفحه 26 /
وجيها فيه إجبار أحيانا ،و فيهاختيار في بعض الأحيان ،ثم لا تكون كل الغلات للمالك ،بل للدولة فيها حظ كبير ،أو الحظ الأكبر ،على حسب مقدار الغلات ،معلى حسب قوة النظام في الاشتراكية .وهذا النظام معإقراره لملكيه الأموال المغلة يعمل على توزيعها بالقسطاس في نظره،فإن تَدَخل في حرية الملكية ،فلكى يوزعها على مقدار القوى العالمة .وهو بهذا يمنع التحكيم من أصحاب رءوسالأموال ،و يوجه الملكية إلى ما يفيد المجتمع، ويقيم العدالة الاجتماعية فيه على ما يرون ،ويعتبر أصحابُ ذلك النظام الملكية وظيفة اجتماعية اقتصادية ،وليست حقاًشخصياً،و يجعلون الملكية تحت ساطلن الدولة توزعها بالطريقة التي تراها عادلة ،والطريقة التي تنتج بأكبر قدر من الإنتاج ،فالملكية مستمدة من الدولة، فلها التغييروالتبديل فيها كما تراه موزعاًللعدالة المادية.
6ـهذه النظم الثلاث نظم مادية ،لا تقوّم المعنويات ،ولكنها تقوم الماديات وحدها ،وقد استرعت بعض هذه النظم رجالايتسمون بالعلم الدينى ،فأخذهم زخرف بعضها ،واستزلهم الاستهواء فحالوا إخضاع الحائق الدينية لحكمها،فمنهم من استباح سلب الملكية من الآحاد سلباً مطلقاً كما دائرةالنظام الشيوعى ،ومنهم من حاول أن يخضع الحقائق الإسلامية لنظام رأس المال المتحكم المتسلط ،و حاول آن يثبت أن نظام الفائدة يقلبه الإسلام ،و ليس هو الربا الذي حرمهالقرآن ،و نادى بتحريمة محمد صلى الله عليه وآله و سلم في حجة الوداع، فقال:«ألا وإن ربا الجاهلية موضوع ،و أول ربا أبدأ به ربا عمى العباس بن عبدالمطلب». ونحن بحمداللهتعالى و عونه نتجه إلى بيان الاقتصاد الإسلامى غير مأخوذين بأى نظرية من هذه النظريات ،وإذا وافق الإسلام بعض ما شتملت عليه في بعض مقرراته ،فانه نذكره على آنه نظاممستقل ليس بتابع لأى نظام غيره.
7ـ وقبل أن نخوض في بيان نظام الإسلام الاقتصادى نذكر حقائق مقررة ثابتة ،لايصح لأحد أن ينكرها ،ومن أنكرها فقد فصل الإسلام عن معناه،واعتبره شكلا لا حقيقة.
/ صفحه 27 /
وأول هذه الحقائق أن الإسلام يتجه إلى المعنويات والبواعث والمقاصد والنيات فيجعلها موضع حساب عندالله يوم القيامة ،و حكمُهعلى الماديات لا ينفصل عن النية والبواعث ،وإذا كانت أحكام الماديات تطبق في الدنيا بين القضاء،و في مجالس الحكام ،فأحكام البواعث للديان ،ولنضرب لذلك مثلا في عقد لهدخل في المعاملات الاقتصادية الآن ،و هو عقد السلم ،و معناهأن يبيع شخص شيئا ً ليس ذلك ذريعة للربا ،كأن يقترض شخص مبلغاً من المال على أن يسلمه بعد بضعة .شهر بأكثر مماقبضه،و يتخذ السلم سبيلا لذلك بأن يشترى منه قطنا بثمن بخس يدفعه ،على أن يقبض القطن ،والثمن الذي قبض في تقدير العاقدين لايمكن أن ينزل إلى ذلك الثمن ،فاذا جاء وقت حصادالقطن تسلم قطناً يبيعه بأكثر مما أعطى ،بل ربما بضعف ما أعطى ،فمن الناحية الدنيوية هذا العقد يكون صحيحاً،ولا يسع القضاء إلا أن يحكم بصحته ،ولكنه من حيث الباعث عليه،والنية المطوية عند التعاقد يحاسب الله تعالى عليه ،لأن النبى صلى الله وآله و سلم يقول:«إنما الأعمال بالنيات ،وإتما لكل امرىء مانوى ،فمن كانت هجرته لله ولرسولهفهجرته لله ولرسوله ،ومن كانت هججرته لامرأة ينكحها ،أو لدينا يصييبها فهجرته لما هاجر إليه».و هكذا نجد المعانى والمقاصد لها حساب بجوار الصور والأشكال ،و بذلك يفترقالمسلم عن غيره ،فهو يعلم أن دينه دين قلوب ،كما هو دين نتائج و ثمرات ،وقد قال عليه السلام:«إن ا لله لا ينظر إلى صوركم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم »و يعلم المؤمن أندينه يتغلغل في كل ما يعمل ،ومن يقصد الخير يكن خَيِّرا ،ومن يقصد الشريكن شريرا،و على المؤمن أن يعرف أن مقدار رضاالله عن عمله بمقدار نيته ،ولذلك قال عليهالسلام:«استفت قبلك ،وإن أفتاك الناس وأفتوك »و بهذا يتبين أن الدين ليس في المساجد وحدها ،بل في كل عناصر الحياة وأعمالها .
8ـوالحقيقة الثانية التي يجب اعتبارها،وهى مبينة على الأولى -أن كل شىء في الإسلام ،سواء أكان في الأعمال أم كان في الاقوال ،و سواء أكان في المال أم كان غيره ،يجب أن يكون خاضعاً لقوانين الأخلاق ،ولأحكامالفضيلة ،فالاقتصاد الإسلامى يجب أن يكون كل شئون الإسلام خاضعاًلأحكام الفضيلة ،فليس لامرىء أن ينسى حق غيره عليه ،ولقد وضع النبى صلى الله وآله وسلم قانون الفضيلة فيالتعامل الإنسانى ،فقال عليه الصلاةو السلام:«عامل الناس بما تحب أنيعاملوك به »وقدقال عليه الصلاة والسلام في هذاالمعنى أيضاً:«أحب لغيرك ما تحب لنفسك».وإن هذهالقاعدة تنطبق على الاقتصاد ،وكل أعمال الإنسان ،فالمستغل لماله عليه أن يعامل الناس بما يريده لنفسه ،وأن يجب لهم ما يحبه لنفسه ;وإذا لوحظ ذلك لايكون تحكم القوى فيالضعيف ،ولا المنافسه التي تنتهى إلى نزاع اقتصادى ،ومغالبة بالمال ،فلايكون من التاجر القوى الإرخاص في الأسعار ،ليفلس منافسه ،أو تَحرِق دولة ما عندها لتغلى الأسعار،أو لتتحكم في الاقتصاد العالمى ،أو تخضع الأمم لسياستها ،أو يحتكر امرؤنا ما عنده و يخفيه ليبيعه بغلاء فاحش، فقد قال عليه الصلاة و السلام:«المحتكر خاطى ء »و هكذا كانتهذه المحرمات لأنها خارجة عن قانون الفضيلة العادل ،و هو«أحب لغيرك ما تحب لنفسك».وبهذا يتبين أن قانون الخير والشر يسير مع النظام الاقتصادى الإسلامى ،بل يحكمه ويسيرهويهديه و يرشده ،ومن فصل الاقتصاد عن الأخلاق، فإنه يفتح باب الاعتداء ئالاحتكار ،والطغيان و الظلم ،وكل نظام يخالف قانون الأخلاق مآله الهدم ،لأنه مبنى على فيرهار،فينهار به ،كل نظام يتفق مع قانون الأخلاق والفضيلة هو نظام ثابت العائم ،قوى الأركان ،لأنه قائم على تقوى من الله و رضوان .
9ـوالحقيقة الثالثة أن الاقتصاد الإسلامىيجب أن يكون متلاقياً مع الغاية الأولى من الإسلام ،و هى الرحمة بالخلق ،فإن الرحمة هى مقصد الرسالة المحمدية ،فقد قال تعالى:«وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين »وقالتعالى:«يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لما في الصدور ،وهدى و رحمة للمؤمنين ،قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا،هو خير مما يجمعون »وإن رحمة الإسلام هىالرحمة العامة الشاملة ،لا الرحمة الخاصة المحدودة فقط ،فقد قال عليه الصلاة و السلام:«الراحمون يرحمهم الرحمن ،ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء »فالرحمة بمن فيالارض
/ صفحه 29 /
جميعاًهى غاية الإسلام الأولى و مرماه، و لقد أكثر النبى صلى الله عليه و آله وسلم من الحث على الرحمة، حتى قال له بعض صحابته :لقد أمرتنا يا رسولالله بالرحمة ،وإنا نرحم أزواجنا و أولادنا .فقال عليه السلام:«ما هذا أريد ،وإنما أريد الرحمة بالعامة »أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
و إن الرحمة بالناس قد نظمهاالإسلام بتنظيم المصالح ،فقرر الفقهاء أن الإسلام حمى المصالح الإنسانية المعتبرة ،فأجب المحافظة على النفس الإنسانية ،وعلى العقل ،وعلى النسل ،وعلى الدين ،وعلى المال،فالمال ركن من أركان المصالح الإسلامية التي تجب المحافظة عليها ،وتنميتها بكل وسائل الاستغلال ،ولذلك نهى الإسلام عن كنز المال ،ومنعه من الاستغلال أو انفاقه في سبيلالله ،ففقد قال الله تعالى:«والذين يكنزون الذهب و الفضة ،ولا ينفقونها في سبيل الله ،فبشرهم بعذاب أليم ،يوم يحمى عليها في نار جهنم ،فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم،هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون »وكنز المال هو منعه من التعامل و الانتفاع به ،واستغلاله ،ولهذا قال عليه السلام:«اتجروا في مال اليتيم ،حتى لا تأكلهالصدقة».
وإن الرحمة يجب أن تكون ملازمة للمنفعة ،لكى تكون المنفعة خارجة عن دائرة الأثرة الضيقة إلى منطقة الإيثار المتسعة الرحاب ،فليست المصلحة التي يدعو إليهاالإسلام مجردة من الرحمة ،بل إنها ثمرتها ،والرحمة غايتها .وإنه إذا كان قانون الرحمة مسيطرا في كل التعامل الاقتصادى ،والتنظيم المالى في الإسلام ،فإن الاقتصلد يكون فيدائرة النفع ،ولايكون مغالبة للاستيلاء على الأسواق بطرق محللة وغير محللة ،وإن كل مغالبة اقتصادية بين الجماعة أو الدول أو الآحاد تستخدم عنصر الاحتكار ،والمغالبةالتي تكون على هذاالنحو تتجافي عن الرحمة ،وكل اقتصاد يخلو من الرحمة بالإنسان هو شر في الأرض ،تتولد عنه الأزمات المختلفة .وإن النافسة الحرة الشريفة التي يكون أساسهاالإجادة والإتقان ،لاتدخل في ذلك النزاع الاقتصادى ،وإنها سبيل الرقى ،وذلك أمر محبوب في الإسلام دعا إليه النبى
/ صفحه 30 /
صلى الله عليه وآله و سلم ،فقد ورد عنالنبى أنه قال:«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».
10ـوإن الإسلام قد اتجه إلى تنمية الموارد ما أمكنت التنمية ،وإن ذلك بلا ريب مبنى على الرحمة العامة الشاملة،و قد وردت النصوص الدينية داعية إلى تنمية المال و تثميره 7واعتبار ذلك صدقة مقبولة ،فقد قال عليه السلام:«مامن مسلم يزرع زرعا ،أو يغرس غرسا، فيأكل منه إنسان أو دابةإلا كتب له به صدقة »وقد قال عليه السلام:«من أحياأرضاً ميتة فهى له »وذلكليشجع المؤمن على عمارة الأرض وإصلاحها ،ولتتحقق له الخلافة الإنسانية الكاملة في هذه الأرضخليفة ،قالوا أتجعل فيها من يفسدفيها ،و يسلفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك ،قال إنى أعلم ما لاتعلمون »وإن الله قدر فيما قدره أن يسخر كل ما الكون من مصادر النفعتحت سلطانه ،وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين ،ليكون القسط و العدل بين الناس فيما يعملون .ولقد جعل الإسلام لولى الأمر سلطان الإشراف على كل ما يكون فيه تنمية للمال بإحياءمواته ،ولذا ورد أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال:«لايحل للمسلم إلا ما تطيب به نفس إمامه »ولذلك قرر بعض الفقهاء أن الملكية في الأرض الميتة لا تتم لمن أحياها إلابإذن من الإمام ،فله الإشراف على توزيع الأموال التي ليس لها مالك أماما لها مالك ،فإن لها حكما آخر سنبينه في غضون بحثنا إن شاءالله تعالى .
11ـ وإنه في سبيل استغلالكل الثروات حث الإسلام على العمل وإتقانه كما أشرنا ،فقد قال تعالى:«إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا »ودعا إليه ،وإن القوى العاملة ثروة في ذاتها ،إذا عملت فكثرة العدداعتبره الإسلام ثروة ،ولم يعتبره عبئا ،و لذلك حث على كثرة النسل لتكون تلك الثروة الإنسانية العاملة التي هى مصدر كل الثروات. ولم يفرق الإسلام بين عمل يدوى ،و عمل غيريدوى ،بل إنه حسَّن العمل اليدوى ،ودعا إليه ،فقد قال الصلاة والسلام:«ماأكل لبن آدم طعاماخيراً من
/ صفحه 31 /
عمل يده ،وإن نبى الله داوود عليه السلام كان يأكل منعمل يده» وذلك لكيلا يكون بين الناس طبقات بسبب تفاوت الأعمال. ولقد منع النبى صلى الله عليه وآله و سلم التواكل ،و ترك السعى في الأرض فقد قال عليه السلام:«لأن يأخذ أحدكمحبله فيحتطب على ظهره خير من اليد السفلى».وإن من يعمل لاخير فيه ،ولوترك العمل لأجل العبادة ،فقد جاءه عليه السلام قوم فيهم عابد قد انصرف إلى العبادة ،فقال عليهالسلام:«كلكم خير منه »ويروى أنه جاءه عابد آخر قد انصرف للعبادة ،فسأل أيضاًومن يؤكله ،فقالوا :أخوه، فقال النبى القوى:«أخوه أعبد منه».ولقد حث الإسلام على العمل،والتنقيب في الأرض والسعى وتكشف ما فيها من خير ،فقد قال تعالى:«هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها،وكلوا من رزقة وإليه النشور».
12ـهذه تقدمة نقدم بهابحثنا في الاقتصاد الإسلامى لكى يعرف الباحثون أن له منطقا مستقلا ،ليس تابعا ،وأن على الذين يفكرون في الفكر الاقتصادى الإسلامى ألا يفصلوه عن المعنى الدينى ،فإن ذلكالمعنى هولبابه و هو غايته ،وعلى ذلك لا ينتظر أن يكون متفقا كل الاتفاق مع المناهج المادية التي خلت منالمعانى الروحية ،أو أنه يكون متفقا كل الانفاق مع بعضها ،وإنالذين يحاولون أن يخضعوه لبعضها يحرفون حقائقه عن مواضعها ،وينسون أنه دين ينظرإلى المعانى الإنسانية السامية قبل أن ينظر إلى المعانى المادية المجردة ،وكاكانتالمادية إلا خادمة للروح كشأن كل دين سماوى لم يزجه أتباعه عن منهاجه المستقيم ،ونقف عند هذا الحد ،وسنبين في المقالات التالية:الملكية في الإسلام ،وطرق الاستغلال،وتوزيع الثروة فيه ،ونضرع إلى الله تعالى أن يهدينا لطيب القول ؟