بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
فهي سياسة مقررة من قديم الزمان، ولابد عندهم أن تكون السيادة للغرب على الشرق، كما كان في عهداليونان والرومان. ثم اشتد أذي قريش على المسلمين في أوائل الإسلام أيضاً، فلم تتطلع نفس النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى أرض مسيحية يهاجر من يشاء منهم إليها، إذالم يمكنه الصبر على ما يناله من الأذي، وخاف أن يفتن في دينه فيدتد إلى الشرك، فاختار لهم أرض الحبشة المسيحية، وآثرها على أرض الروم المسيحية، مع ما كان من ميله إليها فيالمنافسة بينها وبين أمة الفرس، لأن مسيحية الحبشة كانت مسحية شرقية خالصة لم تدنسها المطامع السياسية التي دنست مسيحية الروم الغربية فجعلتها هذه السياسة تؤثر أن يبقىالعرب على جاهليتهم، ليبقوا في جهلهم وتأخرهم، ويستغلوا من يمكنهم استغلاله منهم في حروبهم، ولا تتطلع نفوس من وقت تحت سيادتهم منهم إلى التخلص من ذل هذه العبودية،والتمتع بنعيم الحرية، والإيمان بدين يوصلهم إلى هذه الأمنية العزيزة، وينشر بينهم وسائل الحضارة والثقافة، حتى يساووا فيهما غيرهم من الأمم. وكانت المسيحيةالشرقية الحبشية البريئة من المطامع السياسية عند حسن ظن النبي صلى الله عليه وسلم بها، فقد جمع من آمن به وقال لهم حين اشتد الأذى عليهم: تفرقوا في الأرض، فإن اللهسيجمعكم. فقالوا: إلى أين نذهب؟ قال: ههنا، وأشار بيده إلى ارض الحبشة وفي رواية أنه قال لهم: اخرجوا أي جهة أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم أحداً وهي أرض صدق، حتى يجعلالله لكم فرجا مما أنتم فيه. فلما وصلوا إلى أرض الحبشة نزلوا بخير دار، عند خير جار، وقد بعثت قريش خلفهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة بهدية إلىالنجاشي، ليردَّ من جاء إليه من المسلمين، فلما جاءا إليه قالا له: إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك فرغبوا عنا وعن آلهتنا، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقدبعثنا إلى الملك فيهم أشراف قريش لتردوهم إليهم. فقال: وأين هم؟ قالوا: بأرضك. / صحفة 430 /فأرسل النجاشي في طلبهم، فجاءوا إليه وفهم جعفر بن أبي طالب عمالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد دعا أسافقته، وأمرهم بنشر مصاحفهم حول، فقال لهم فيها قال: ما تقولون في ابن مريم وأمه؟ فقال جعفر عنهم: نقول كما قال الله عزَّ وجلَّ،روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول التي لم يسمها بشر، ولم يفرضها ولد (1). فقال النجاشي: انزلوا حيث شئتم بأرضي، فأنتم سيوم أي آمنون. وأمر لهم بما يصلهممن الرزق، وفي رواية أنه قال: ما أحب أن يكون لي جبل من ذهب وأن أوذي رجلا منكم. وفي رواية أن النجاشي قال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم؟ ولم تدخلوا في دينيولا في دين أحد من الملل. فقالوا له: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف،فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولا كما بعث الرسل إلى من قبلنا، وذلك الرسول منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كانيعبد آباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا أن نعبد الله تعالى وحده، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسنالجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، ؤقذف المحصنة، فصدَّقناه وآمنَّا به، واتبعناه على ما جاء به، فعدا علينا قومنا ليردُّونا لاي عبادةالأصنام، واستحلال الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورجونا الأ نظلم عندك، يأيها الملك. فقال النجاشي لجعفر: هل عندك مما جاء به شيء؟ فقال جعفر: نعم: (1) يفرضها بمعنى يشقها ويخرج منها.