ناس السودان نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ناس السودان - نسخه متنی

محمد محمود الصیاد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ناسُ السُودان

للدكتور محمد محمود الصياد

أستاذ الجغرافيا المساعد بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول

في النصفالجنوبي من حوض النيل، وفي أرض تبلغ مساحتها نحو مليون ميل مربع يعيش الشعب السوداني الذي يبلغ سبعة الملايين عداً أو يزيد. وهو تقدير ليس لدينا ما يدفع على الجزم به، فلميشهد السودان حتى الآن تعداداً دقيقا كاملا كتلك التعدادات التي ألفناها في مصر والتي تجرى كل عشر سنوات.

ولعل أول تعداد يمكن الاعتماد على نتائجه إلى حد ما هو ذلكالذي أجرى في سنة 1944 ولكنه لم يكن تعداداً شاملا، بل اقتصر على المدن الكبرى، والمراكز الحضرية كالخرطوم وأم درمان والعطبرة. ويقوم مفتشو المراكز ومدير والمديرات بإعطاءتقديرات سنوية للسكان في مناطقهم، ويتبعون في ذلك طرقا تختلف من إقليم إلى إقليم ومن عام إلى عام مما يقلل من قيمة هذه التقديرات في إصدار أحكام عامة عن البلاد، ولذلك ليسغريباً أن يصل عدد السكان في سنة 1948 إلى أكثر من سبعة ملايين ونصف مليون من الأنفس، على حين أنه لم يزد قليلا على ستة ملايين في سنة 1942، وليس مرجع هذه الزيادة بطبيعة الحالإلى نمو عدد السكان، وإنما مردها إلى الاختلافات في التقديرات لعدم وجود أساس ثابت تبني عليه.

/ صفحة 188 /

وكل سكان السودان تقريباً من أبنائه، وليس فيهم منالأجانب إلا نحو خمسة وعشرين ألفا معظمهم من الهنود واليمنيين والأحباش، وقليل منهم من الأوربيين، هذا بالإضافة إلى عناصر أخرى إفريقية هي عناصر(الفَلاَّتة) و (البرقو)الذين يفدون إلى السودان من الغرب: من نيجريا وإفريقية الاستوائية الفرنسية، ولا رقيب عليهم ولا ضابط لعددهم، فسياسة حكومة السودان أن تشجع هذه العناصر لا على الدخولإلى البلاد فحسب بل على الاستقرار فيها.

تمر هذه العناصر بالسودان في طريقها إلى الحجاز لتأدية فريضة الحج سعياً على الأقدام، أو على ظهور الدواب، وتنتقل في قوافلصغيرة تتكون في معظمها من عائلة أو عائلتين، ولا يهمها الوقت بقدر ما يهمها الحصول على القوت، وماذا عليها لو قطعت الرحلة إلى مكة في سنوات؟! وما ضرها لو عادت منها إلىأوطانها في سنوات أخرى؟! ويجد هؤلاء الحجاج في السودان عملا يدر عليهم المال اللازم لرحلتهم، وما أكثر الأعمال في السودان خصوصا في أرض الجزيرة، حيث يزرع القطن وهو محصوليتطلب من الأيدي العاملة المدربة العدد الوفير، وأبناء الغرب فيما يقال ذوو مهارة في الزراعة، وذوو جلد على القيام بعملياتها.

ويجد (الغرباء) ـ وهكذا يسمون في السودانـ تشجيعاً من الحكومة وعطفا فيقيمون ويستقرون، وكثير منهم يعزف عن العودة إلى بلده، ويتخذ من السودان وطنا ثانيا، ولكن السوداني الأصيل يأبى أن يختلط بهذا (الفَلاَّني)المتوطن، فيتركه يحيا منعزلا في (حلته) محتفظاً بلغته وعاداته، وهيهات أن يسمح له بالاشتراك في مناسباته الاجتماعية، وهيهات أن ينظر إليه كمواطن، بل إنه ليخشى مزاحمتهويود له لو عملت الحكومة على إقامة سد أمام هذه الهجرات. وقد يكون السوداني على حق فيما ذهب إليه، ففتح الباب على مصراعيه بهذا الشكل يؤدي إلى قيام مجتمع غير متماسك يحويعناصر متباينة لا يمكن أن تحيا في سلام دائم.

وهكذا نشأت في أراضي الجزيرة قرى الفلاتة المنعزلة، يحكمها مشايخ منهم وسلاطين. وقد زرت واحدة منها بالقرب من (سنار) هيحلة (مايرنو)،

/ صفحة 189 /

ويحكمها سلطان منهم هو الشيخ محمد الطاهر، الذي وفد هو وجماعته إلى الجزيرة عندما بدأت مشروعات الزراعة في أراضيها منذ ربع قرن، حيثاستقر هو وأتباعه، ومع إن القوم يتكلمون العربية، إلا أن لغتهم الأصلية ما زالت هي لغة التخاطب الأولى. ولقد لقينا السلطان بحفاوة، وتحدث معنا حديثاً شائقاً متشعباً،ذكر فيه مصر وأفضالها، والأزهر المعمور ورسالته؛ وود لو بعثت مصر إلى قومه من يفقههم في الدين، ويبصرهم بأحكامه، فالفلاتة شعب متدين، ولكن إلمامه بأمور الدين سطحي لاعمق فيه.

أما فيما عدا هؤلاء وهؤلاء، فسكان السودان جميعاً من أبنائه الخلص، ولدوا فيه، وارتبطوا بأراضيه. وهم قليلو العدد جداً بالنسبة إلى تلك المساحة الواسعة،التي ينزلون فيها. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الحالة الاقتصادية التي عليها السودان الآن.

فليست الثروة المعدنية بالمستغلة، بل ولا بالمعروفة؛ ولم تصل الزراعة ـ وإنتكن قد تقدمت في السنوات الأخيرة ـ إلى ما يرجى لها من مكانة، وما زالت لحرفة المرعي السيادة بين الحرف التي يأخذ بأسبابها السودانيون، ويزاولونها في ظروف تحول دونتقدمها ورقيها. ولا نستطيع أن نخلي المناخ والأحوال الجوية من المسئولية في هذا الشأن، فهي التي حتمت على كثير من السودانيين أن يحيوا حياة رحلة وانتقال، سعياً وراءالماء، وانتجاعاً لمواطن الكلا.. وهي التي حددت أيضاً أنواع الحرف الإضافية التي يتشغل بها القوم بجانب الرعى، وهي حرف لها أهميتها الخاصة، إذ أنها العامل المرجح بينالعسر واليسر في كثير من جهات السودان.

ويمكن أن نقسم قبائل السودان بصفة عامة إلى ثلاث مجموعات، على أساس الحرف التي يشتغلون بها: فهناك رعاة الإبل، وهناك رعاةالبقر، ثم هناك الزراع المستقرون. وتمتد ديار رعاة الإبل في شرق النيل وفي غربه، من حدود مصر الجنوبية حتى خط عرض الأبيض، ولا يمكن للجمل أن يتعدى حدود مملكته

/ صفحة190 /

الواسعة هذه نحو الجنوب، إذ ينتشر الذباب الذي يحمل مرض (الغَفار) من أخطر الأمراض التي تتعرض لها الجمال. كما أنه لا يستطيع أن يتجاوز في حركاته دائرة العرضالثامنة عشرة في غرب النيل، حيث يسود الجفاف، وتضن الأرض، فلا تخرج من الحشائش ما يكفيه. وإن يكن هو الحيوان القنوع. ولكنه في الجانب الشرقي من النيل يستطيع أن يمد نفوده،وأن يتصل لشقيقه في صحراء مصر الشرقية، إذ كانت الطبيعة في هذه الجهات أوفر كرما وأعظم سخاء، فاستطاعت مرتفعات البحر الأحمر أن تجبر السماء على أن تسقط شيئاً من المطربين الحين والحين. وهو مطر وإن يكن قليلا في كميته، إلا أنه عظيم في قيمته فقد جعل هذه المنطقة من أراضي السودان شبيهة بالصحراء بدلا من أن تكون صحراء حقة كما في الغرب.

ويختلف الجمل في غرب النيل عنه في شرقه، فهو في المنطقة الأولى من النوع الثقيل، الذي يربي للحمه ولبنه ووبره، وهو في الأخرى من النوع الخفيف، يقتنى كدابة حمل وركوب.

ورعاة الإبل في غرب النيل من العرب الرحل، وأوفرُ قبائلهم عدداً وأعظمها ثروة، قبائل الكبابيش، أما رعاة الشرق، فمن البچة الذين ـ وان كانوا يحيون نفس الحياة، ويسيرونعلى نفس النظام ـ إلا أنهم يختلفون في أصولهم الجنسية، فليسوا عرباً ساميين كقبائل الغرب، بل عناصر تغلب عليها الدماء الحامية، وما زالت لهم لغتهم الأصلية المعروفة(بالتبدادية) بجانب اللغة العربية، التي ينطقون بها في لهجة خاصة.

أما أرض البقر فتمتد إلى الجنوب من دائرة العرض الثالثة عشرة. وللبقرة هناك مكان مرموق، فهي وحدهامظهر الغنى والجاه، وباعدادها يتفاخر القوم ويتباهون؛ بل وبرماد روثها في بعض الجهات يتطهرون ويتزينون، وهي أداة التبادل والتعامل، تدفع بها المهور عند الزواج، وتقدممنها الدية في القتل، وتقرب منها إلى الآلهة القرابين، وليس لفتى جنوب السودان من أمل إلا أن

/ صفحة 191 /

يكون صاحب أبقار، وليس للرجل من هدف إلا أن ينمي عددمواشيه. وبعض القبائل تحتفظ بقرون ما ينفق من الماشية دليلا على الجاه التليد والغني الموروث.

ورعاة البقر يحيون كإخوانهم رعاة الابل في رحلة وانتقال، وقليل منهمالمستقرون، وحتى في الجنوب حيث يغزر المطر، وتتكاثف الحشائش، تقوم الحياة على أساس الحركة والتنقل، فالفيضانات السنوية تضطر السكان إلى ترك منازلهم في السهول المنخفضةالكثيرة المستنقعات إلى منازل أخرى مؤقته في التلال والأراضي المرتفعة، ومع أن القوم يتشابهون في حرفتهم إلا أنهم يختلفون في جنسهم؛ فمنهم الجماعات العربية التي تنزلفي جنوب دارفور وكردفان، ومن أشهر قبائلهم البقارة، ويحيون في نظام ليس بدويا خالصا، ولكنه شبيه بالبدوي إلى حد بعيد.. ومنهم الجماعات النيلية وينزلون في أعالي النيل،ويتكونون من شعوب وقبائل تنتمي إلى أصول واحدة وتتشابه في خلقتها بصفة عامة. ولكنها تتكلم بألسنة مختلفة ولكل منها عاداته الخاصة وتقاليده المتوارثة. وتختلف طرق حياتهممن إقليم إلى إقليم، ولكن يوحد بينهم جميعا أن هذه الحياة مهماً اختلفت ألوانها، وتعددت مظاهرها، إنما تتركز حول البقرة والعناية بشئونها، وهم يمارسون شيئاً منالزراعة، ولكن المرعى يمثل العمود الفقري في حياتهم الاقتصادية.

ومن شعوب هذه المجموعة الشُّلك، ويعيشون على الجانب الغربي للنيل الأبيض وفي أسفل السوباط، وقدأخذوا يستقرون بالتدريج، وبدأ اعتمادهم على الماشية يقل عن غيرهم من الشعوب النيلية، وإن تكن قطعانهم لا تزال موفورة العدد... ومن شعوبها الدِّنكار والنُّوِير، ويحتلونالمناطق المنبسطة في الأحواض الدنيا لبحر الغزال، وبحر الجبل، ونهر السوباط، ويحيون حياة بدائية بسيطة قوامها الماشية التي يحتفظون بها لذاتها وقلما يفرطون فيهابالبيع أو الذبح.

أما الزراع المستقرون في السودان، فأراضيهم على جانبي النيل في واديه الضيق شمال الخرطوم، وفي هضاب كردفان ودارفور، وفي أراضي الجزيرة الجيدةالتربة الموفورة الماء، وليس الوادي في شمال الخرطوم سوى شريط ضيق من

/ صفحة 192 /

الأراضي الخصبة كثيراً ما تقطعها حافة الهضبة فتقسمها إلى أحواض مقفلة منعزلةويسكن هذا الشريط جماعات مختلفة من النوبيين والعرب، وتنتشر العناصر الأولى في مركزي حلفا ودنقلة، ولهم (رطانهم) الخاص بجانب لغتهم العربية، ومع ضعف الروح القبلية عندهذه العناصر الشمالية إلا أنهم وبخاصة النوبيون منهم شديد والتعصب لأبناء بلدهم، عظيمو الحب للأرض التي أنجبتهم، ويتمنون دائماً أن يوسد رفاتهم في أول ما مست جلودهم منتراب.

وفي هضاب كردفان ودارفور تنزل قبائل النوبا والفور والبرتي وغيرها من القبائل التي اتخذت من الزراعة حرفة، فارتبطوا بالأرض واستقروا، ويشبههم في ذلك إلى حدكبير جماعات النيام نيام الساكنين في المرتفعات الفاصلة بين حوضي بحر الغزال والكنغو، ولكن أهم العناصر المستقرة في السودان هي بلا شك العناصر الساكنة في إقليم الجزيزةقلب السودان النابض ومركز حياته الاقتصادية فعلى أكتاف هذه العناصر كانت نهضة السودان الاقتصادية الحديثة، وعلي مجهودها يتوقف مستقبل ذلك الشطر من وادي النيل.

* * *

هذه نظرة سريعة وتعريف موجز بناس السودان وكيف يعيشون، ولنا إلى الموضوع عودة نفصل فيها الحديث تفصيلا إن شاء الله تعالى.

/ 1