نظام الإسلام السیاسی وعلاقة الدین بالدولة فی هذا النظام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نظام الإسلام السیاسی وعلاقة الدین بالدولة فی هذا النظام - نسخه متنی

محمود اللبابیدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

والمنع له ولأصحابه،والإعزاز لدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على منت تخاب عنه منكم، وأنقله على عدوكم من غيركم، حتى استقاموا لأمر الله تعالى طوعاً وكرهاً، وأعطى البعيد المقادةصاغراً داحراً، حتى أثخن الله لكم في الأرض ودنت بأسيافكم له العرب. توفاه الله تعالى وهو راض عنكم قرير العين، فشدوا أيديكم على هذا الأمر، فإنكم أحق الناس وأولاهم به.

وعندما أنهى سعد كلامه، أمّن الأنصار على ما قال.

ولما هم عمر بن الخطاب أن يفتتح الكلام دفاعا عن حق حزبه وهم يومئذ المهاجرون، أخره أبو بكر وافتتح الكلاممتشهداً فانتصب له الناس بوجوههم فقال: (إن الله جل ثناؤه بعث محمداً (صلى الله عليه وسلم) بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الإسلام فأخذ الله بنواصينا وقلوبنا إلى ما دعا إليه،فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما والناس لنا فيه تبع، ونحن عشيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونحن مع ذلك أوسط العرب أنسابا، ليست قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريشفيها ولادة).

ولم ينس أبو بكر أهمية الاعتراف بحق الحزب الثاني في قوى الحكم، طالما أن الحكم الشورى وإن كان يرى لحزبه فضل التقدم فقال متابعاً:

(وأنتم أيضاً واللهالذي آووا ونصروا، وأنتم وزراؤنا في الدين، ووزراء رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأنتم إخواننا في كتاب الله تعالى وشركاؤنا في دين الله عزوجل، وفيما كنا فيه من سراءوضراء، والله ما كنا في خير قط إلا كنتم معنا فيه، فأنتم أحب الناس إلينا وأكرمهم علينا، وأحق الناس بالرضا بقضاء الله تعالى، والتسليم لأمر الله عزوجل لما ساق لكمولإخوانكم المهاجرين).

ثم تابع أبو بكر كلامه طلباً إلى جماعة الأنصار إفساح الطريق لجماعته بانتخاب نفر سماهم قائلا:

(فلا تحسدوا إخوانكم وأنتم المؤثرون علىأنفسكم حين الخصاصة، والله ما زلتم تؤثرون إخوانكم من المهاجرين، وأنتم أحق الناس أن لا يكون هذا

/ صفحه 385/

الأمر واختلافه على أيديكم، وأبعد أن لا تحسدواإخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم، وإنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر، وكلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر، وكلاهما له أهل).

فقام عمر وابو عبيدة فرفضا ترشيحهماللخلافة، وأصرا على ترشيح أبي بكر وكان مما قالاه:

(ما ينبغي لأحد من الناس أن يتقدم عليك يأبابكر، أنت صاحب الغار، ثاني اثنين، وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)بالصلاة، فأنت أحق الناس بهذا الأمر).

ويظهر أن الأكثرية في حزب الأنصار قد دخلت في طور القناعة بما قاله أبو بكر، فأرادت أن ترد على ما عرّض بهم من الحسد، وأن تظهرحسن النية بعرض حل وسط، فقام أحدهم فقال:

(والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وإنا لكما وصفت يأبابكر والحمد لله، ولا أحد من خلق الله أحب الينا منكم، ولا أرضىعندنا ولا أيمن، ولكنا نشفق مما بعد اليوم ونحذر على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فلو جعلتم اليوم رجلا منا ورجلا منكم بايعنا ورضينا، على أنه إذا هلك اخترنا آخر من(الأنصار) فإذا هلك اخترنا آخر من (المهاجرين) أبداً ما بقيت هذه الأمة كان ذلك أجدر أن يعدل في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)).

في هذه المرحلة رأى أبو بكر كبير حزبالمهاجرين أن يد الحزب الثاني (الأنصار) وإن تراخت عن حصر الخلافة في حزبهم، إلا أن الأمر ما زال بحاجة إلى مرحلة أخرى للإقرار بأفضلية حزبه في تولي الحكم مباشرة بعدانتقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فنهض وردد ما كان قاله قبلا من سابقة المهاجرين، وأنهم أول من عبد الله في الأرض، وما كان من تحملهم أذى قومهم وصبرهم على الشدائدثم راح يؤكذ أنهم أحق الناس بالأمر بعد رسول الله، وأنه لا ينازعهم فيه إلا ظالم، ثم أكد فضل الأنصار فقال: (رضيكم الله تعالى أنصاراً لدينه ولرسوله، وجعل إليكم مهاجرته،فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم).

وختم كلامه قائلا: (فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا نفتات دونكم بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور).

ويظهر أن حزبالأنصار قد بلغ فيه الانقاسم أشده، وأحس سعد بن عبادة والحباب بن المنذر بهزيمة رأيهما بعد أن بان ميل الأكثرية في حزبهما إلى التسليم بحجة حزب المهاجرين فنهض الحبابفقال بلهجة الحانق المشفق:

(يا معشر الأنصار ‍ املكوا على أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجير مجير على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهلالعز والثروة، وأولو العدد والنجدة، وإنما ينظر الناس ما تسنعون، فلا تختلفوا فيفد عليكم رأيكم، وتقطعوا أموركم، أنتم أهل الإيواء، واليكم كانت الهجرة ولكم في السابقينالأولين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم، والله ما عبدوا الله علانية إلا في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم، ولا دانت العرب للإسلام إلابأسيافكم).

وأنهى الحباب كلامه بهذا المقطع:

(فأنتم أعظم الناس نصيباً في هذا الأمر، وإن أبي القوم فمنا أمير ومنهم أمير).

وإذ لم يأت الحباب بجديد وانتهى إلىهذا الرأي الهزيل الذي يجعل أمر المسلمين إلى دولتين، انتهزها عمر الخطاب فرصة مناسبة للإجهاز على رأي المعارضة فنهض وقال:

(هيهات، لا يجمع سيفان في غمد واحد ‍ إنهوالله لا ترضى العرب أن تؤمركم وفيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولى هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، وأولو الأمر منهم، لنا بذلك على من خلفنا من العرب الحجةالظاهرة والسطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشرته، إلا متعد بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة).

/ صفحه 387/

وتتابع الخطباءعلى الكلام، فرد الحباب على عمر وحذر أصحابه أن يسمعوا له ولأصحابه فتفوتهم الرياسة، وتبعه أبو عبيدة بن الجراح فوعظ الأنصار بأن لا يكونوا أول من بذل وغيّر بعد أن كانواأول من نصر.

ثم قام قيس بن سعد سيد الأوس وأحد كبار حزب الأنصار، فأقر بحق المهاجرين في تولي الخلافة، وحق تقدمهم على من سواهم وكان مما قاله:

(يا معشر الأنصار ‍أما والله، لئن كنا أولى الفضيلة في جهاد المشركين، والسابقة في الدين، ما أردنا إن شاء الله غير رضا ربنا، وطاعة نبينا، والكرم لأنفسنا، وما ينبغي أن نستطيل بذلك علىالناس، وما نبتغي به عرضاً من الدنيا، فإن الله تعالى ولي النعمة والمنة علينا بذلك، وإن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجل من قريش، وقومه أحق بميراثه وتوليسلطانه، وايم الله، لا يراني أنازعهم هذا الأمر أبدا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم، ولا تخادعوهم).

لا يهمنا تفصيل ما جرى بعد ذلك، من مبايعة أبي بكر، وما حدث قبيل ذلكمن معاودته الخطابة وترشيحه أبا عبيدة وعمر مرة ثانية، ورفضهما وإسراع قيس بن سعد بمبايعة أبي بكر، وتناول الحباب بن المنذر لسيفه وأخذهم على يده، ثم ضربه وجوه الناسبثوبه من غيظه إلى أن فرغت البيعة.

كل ذلك لا يهمنا. ولكن الذي يهم، هو هذا الاجتماع على أمر انتخاب رئيس للدولة. وهذه الخطب السياسية المتبادلة بين حزبين، يدافع كلمنهما بالحجة والدليل على أنه أحق من الآخر بتولي هذه الرياسة، حتى تم تسليم أحدهما بحق الآخر، تسليما أيدته الأكثرية الحزبية، على صورة رجحت فيها كفة حزب على حزب،بطريقة حرة، أفسحت المجال للمعارضة أن تنطق انطلاقاً لا معوق له.

هذه الصورة المستمدة من وقائع اجتماع يوم السقيفة الاثنين 12 من ربيع الأول سنة 11 للهجرة (8 حزيران 623 م)نراها قد استجمعت كل أركان الحكم الديمقراطي في وضعه الجوهري.

ولا يعنينا في كثير ولا قليل ألا يكون هذا الاجتماع، قد اتبعت فيه بعض

/ صفحه 388/

الإجراءاتالشكلية المتبعة اليوم في اجتماع كهذا، ليصح القول فيه إنه لم يكن انتخابا ديمقراطيا. لا، فإن الإجراءات مما يختلف بين قوم وقوم، وبين عصر وعصر، وحسْبُ الواقعةالانتخابية لتكون ديمقراطية: أن تسير في جو مشبع بالحرية يتسنى فيه لصوت المعارضة أن يطلق، فيعبر عن نفسه بلا معوق من خوف أو فزع أو إغراء. وقد كان صوت المعارضة يومالسقيفة ـ كما رأينا ـ قوياً مجلجلا لا يجرؤ أحد أن يخنقه أو يعوقه، كأقوى ما تكون المعارضة.

إن تاريخ المعارضة في العالم، يدل على أن هذه المعارضة قد أصيبت في كثير منبلاد الديمقراطية بالمعوقات والخنق على تنازت يتسق ومقدار وعي الشعوب وحبها للحرية. وما يزال في أكثر بلاد العالم ديمقراطية، يجري فيها تعويق المعارضة عن طريق الغشوإفساد الضمائر بالمال وغيره. وهذه الطرائق ليست في الحقيقة أقل شراً من الطرائق الأخرى التي تعتمد على الضغط والإرهاب. أما انتخاب يوم السقيفة فلم يعرف تعويق المعارضةبلون من الألوان.

نخلص من كل ذلك للقول، بأنه قد ثبت ثبوتا قاطعاً، أن للإسلام نظرية سياسية واضحة المعالم، هي الحكم الشورى المنطوي على حق الترشيح وحق الانتخاب وحقالمعارضة، وقد عرفها المسلمون وطبقوها في صدر دولتهم، تنفيذاً للقاعدة الدستورية الواردة في الآية الثامنة الثلاثين من سورة الشورى القائلة: (وأمرهم شورى بينهم) (1)

ومن الجدير بالذكر، أن نلاحظ أن نظرية الحكم هذه، قد أفرغت في قالب يعبر عن حالة واقعية تسود الحياة العربية أكثر مما يعبر عن مبدأ جديد، انظر إلى هذه القاعدة الدستورية:(وأمرهم شورى بينهم) تجد أنها وإن انطوت على

من المستغرب أن يقول الدكتور حسن ابراهيم أستاذ التاريخ الاسلامي بجامعة فؤاد الأول في كتابه (النظمالإسلامية) ان القرآن ـ في الواقع ـ لم يشر إلى نظام الحكم الذي يصح أن يتبعه المسلمون بعد النبي (النظم الإسلامية. ص23 الطبعة الأولى سنة 1939).

/ صفحه 389/

مبدأخطيرا في الحياة السياسية عند العرب، الا أنك تلمس في الوقت نفسه أن الصياغة فيه جاءت على أسلوب حكاية حال على خلاف ما عودنا القرآن في التشاريع الأخرى، فإنه لما فرضالجهاد أي نظام لجندية قال (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) فعبر عنه بصيغة الفرض والإلزام. كذلك لما شرع نظام الصيام عبر عنه بالصيغة نفسها فقال (يأيها الذين آمنوا كتبعليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم).

ولا عجب في ذلك، فإن من أول مبادئ الإسلام مراعاة حال الأمة واستعدادها، وطبقاً لهذا الاستعداد نأتي صيغة التشريع على حسبمقتضي الحال. ولما كان العرب شديدي الشعور بشخصياتهم، لا ينقادون لرؤسائهم إلا طواعية وعن طريق الإقناع، وكانت المعارضة طبيعة فيهم، فقد وجد نظام الشورى أليق بهم، لأنهيساير طبائعهم، ويتمشى مع سجاياهم، ولما كان هذا النظام عميق الجذور في الطبيعة العربية جاء النص عليه كحكاية الحال، على خلاف ما ذهب إليه الأستاذ عباس محمود العقاد،حين قرر في كتابه (الديمقراطية في الإسلام) أن العرب لم يعرفوا الديمقراطية إلا في عصر الإسلام.

المبحث الثاني:

ما مصدر السلطة السياسية في الإسلام؟

لم يبلغ على أن أحداً من الباحثين تعرض لموضوع مصدر السلطة السياسية في الإسلام من قريب أو من بعيد، وأفضل ما بين يدي من مراجع لا تشير إلى هذا الموضوع إلا إشاراتغامضة لا تغني أبداً.

فالدكتور حسن إبراهيم حسن يقول في كتابه (النظم الإسلامية) صفحة 63 إن الخلافة العباسية أوجدها الفرس الذين يقولون بنظرية الحق الملكي المقدس TheDivine Right of Kings بمعنى أن كل رجل لا ينتسب إلى البيت

/ صفحه 390/

المالك، ويتولى الملك يعتبر مغتصباً لحق غيره، لذلك أصبح الخليفة العباسي بحكم بتقويض من الله، لامن الشعب، كما يتجلى ذلك من قول أبي جعفر المنصور (1) (إنما أنا سلطان الله في أرضه) وذلك يخالف ما كانت عليه الخلافة في عهد الخلفاء الراشدين الذين استندوا سلطانهم منالشعب، يدل على ذلك قول أبي بكر عقبت توليثه الخلافة: (إن أحسنت فشجعوني وإن أسأت فقوموني بحد سيوفكم).

وعبد الرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة يقول (الملك الطبيعي، هوحمل اكافة على مقتضى الغرض والشهوة، والسياسي، هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المصار. والخلافة، هي حمل الكافة على مقتضى النظرالشرعي).

ثم أوضع رأيه قليلا في الحكومات الإسلامية فقال: إن الخلافة الخالصة كانت في الصدر الأول إلى آخر عهد على، ثم صار الأمر إلى الملك، وبقيت معاني الخلافة منتحري الدين ومذاهبه والجرى على منهاج الحق. ولم يظهر التغيير إلا في الوازع الديني. كان (الوازع) ديناً ثم انقلب عسبية وسيفا. وهكذا ان الأمر لعهد معاوية ومروان وابنه عبدالملك والصدر الأول من خلفاء بني العباس إلى الرشيد وبعض ولده، ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا اسمها، وصار الأمر ملكا بحتا وجرت طبيعة التعلب إلى غايتها (فصل انقلابالخلافة إلى ملك من المقدمة).

فيرى القارئ من هذا، أن مصدر السلطة السياسية في دولة الراشدين في رأي الأول (الشعب) وفي دولة العباسيين (الخليفة) بتفويض من الله. بينمايذهب ابن خلدون إلى أن القانون وحده كان مصدر السلسة في دولة الراشدين. وأما في دولة الأمويين وصدر من دولة العباسيين إلى عهد الرشيد وبعض ولده،

نحن لا نوافق الدكتور حسن على هذا الرأي، فقد كان المنصور من كبار العلماء بشهادة الإمام مالك، وقولته هذه لا بدل على اعتناقه نظرية الحق الإلهي، وإن كان المستشرقون قدحدعوا بها.

/ صفحه 391/

فكان القانون أيضا، ولكن باستثناء الوازع الديني فيهما إلى وازع من العصبية والسيف.

والذي يظهر أن الخلاف بين هذين الرأيين إجمالا، لفظيأكثر منه حقيقي، ولو ظهر ابن خلدون أدق في تعبيره، ذلك لأن حكومة الراشدين التي يقول الدكتور حسن ابراهيم حسن إن سلطانها مستمد من الشعب، قد بايع رؤساؤها الأربعة علىأساس العمل بكتاب الله وسنة رسوله، وهذا يعني أن مصدر سلطانها هو القانون ليس إلا، وفيما يتلعق بدولة الأمويين وصدر من دولة العباسيين لا يعدو الأمر كذلك، ولم يظهرالتغيير إلا في الوازع الديني: كان ديناً ثم انقلب عصبية وسيفا.

فإذا كان الأمر كذلك، فهل يعني هذا أن مصدر السلطة السياسية في الإسلام بوجه عام هو القانون؟.

لاأكاد أتردد في الإجابة على هذا السؤال، بأن نعم. لا يعدو الأمر ما ذكر ففي الحقيقة وواقع الأمر، إن القانون الاسلامي كان مصدر سلطان الدول العربية والدول التي ورثتسلطانهم في الإسلام، سواء تغير الوازع الديني أو لم يتغير. وما لم يتغير هذا القانون بقانون مكتوب آخر، لا يمكن أن نعتبر هذا القانون إلا قائما.

أما وقوع بعض الحوادثالمنافية لهذا القانون المكتوب، فتعتبر من قبيل الشذوذ والانحراف وارتكاب المخالفة، وهذا لا يمكن تسميته بالقانون.

إن التاريخ بين أيدينا، يقرر أن العمل بكتاب اللهوسنة رسول الله كان الدستور المكتوب الذي كان يستلهمه الخلفاء والملوك والأمراء والولاة والحكام في كافة الممالك التي أظلها دول العرب أو دول الإسلام، ولا أعرف متجرناًتجرأ على أبطال العمل بهما، وإجلال قانون آخر محلهما، لأن المسلمين لم يرضوا عنهما بديلا، ولكن الذي أعرفه أن كثيراً من الحوادث قد انطوت على مخالفات لهذا القانون،والمخالفات كثيرة تقع في كل بلد وإزاء كل قانون على نحو ما نعرف في يومنا هذا، ولكن هذه المخالفات لا يمكن أن تبطل عمل القانون.

/ صفحه 392/

ورب معترض يقول أننقل معاوية بن أبي سفيان الدولة من نظام شورى إلى نظام ملكي، وصمت الأمة واستمرار هذا الصمت زمناً طويلاً على نظام الملكية، يجعل هذا التحول بحكم القانون، لأن سكوت الأمةيعتبر رضاه ضمنياً منها بما وقع، ولكن هذا الاعتراض مدفوع بما سلف أن قررناه من أن دولة العرب في ظل الإسلام تعتبر من الدول ذات الدستور المكتوب، فلا يصح اتخاذ سكوت الأمةعلى المخالفة التي ارتكبها معاوية، واستمرار هذه المخالفة بمثابة تعديل لقاعدة دستورية مكتوبة.

نعم إن هذا الوضع يصح في الدول ذات الدستور غير المكتوب أي في الدولذات الدستور العرفي المبني على التطور التاريخي، بحيث إن كل انقلاب يعدل في أوضاع الدولة يأخذ شكل قانون واقعي يخفي السوابق التي تقدمته، دون حاجة إلى إصدار تعديل كتابي(1).

لهذا لا يمكن اعتبار الأحداث التي أحدثها معاوية ومن جاء بعده من الخلفاء والأمراء بمثابة تعديل للقاعدة المكتوبة، إلا إذا كان أحد هؤلاء قد ألف مجلساً وأصدر هذاالمجلس تعديلا لهذه القاعدة، ولا نظر أن التاريخ قد وعى شيئا من ذلك.

فلم يبق والحالة هذه، إلا أن نقرر أن حكم القاعدة الدستورية المكتوبة:

(وأمرهم شورى بينهم) مايزال قائماً مستمراً.

وتبعاً لهذه القاعدة المكتوبة، فإن مصدر السلطة السياسية يكون في يد جمعية تشريعية ينتخبها المسلمون بمحض اختيارهم من أهل المشورة فيهم، أي أنالأمة هي مصدر السيادة والسلطان بنص الدستور.

أما القول بأن شريعة الإسلام، شريعة إلهية فلا تقبل التعديل كغيرها من الشرائع السماوية، فأعتقد أن هذا القول لا ينسحبعلى الإسلام، لأن دستوره قد قال بقاعدة النسخ (ما ننسخ من آية أو ننسها، نأت بخير منها، أو مثلها). *

(1) راجع إيمن Eismcn في مؤلفه: (الحقوق الدستورية)وأمثالة.

(*) التحرير: لعل السيد الكاتب يتفضل بتوضيح رأيه في النسخ وجواز أن يكون في القرآن، وأن يقع بحكم من الأمة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم).



/ 6