عناصر وجود الأمة إلاإسلامية
لحضرة احب الفضيلة الدكتور محمود فياض
أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية أصول الدينبالأزهر
لكل أمة من الأمم دعائم خاصة يقوم عليها و جودها، و تمتاز بها شخصيتها عن غيرها، و تأخذ بها ممكانتها، و تتحد منزلتها، من الرفعة أو الضعة بين جميع الأمم، وليست الأمة الإسلامية بدعا من الأمم. باعتبارها مجرد أمة اجتماعية، فيجب أن تكون لها مميزاتها و عناصر و جودها الخاصة بها، كما أنا بوصفها الديني يجب أن تتميز عناصروجودها و مميزاتها عن سواها من الأمم غير الإسلامية.
والباحثون في مسائل الاجتماع الاسلامي يرون بوضوح - منذ ظهر الإسلام ـ إمة إسلامية متميزة تماما عن غيرها بعناصرلا تشاركها فيها أمة بشرية، و نحن نلخصها في كلمات، ثم نتحدث عنها تباعا بإذن الله، و الله يهدينا إلي الرشد، و منه نستمد التوفيق.
أول ما يجده الباحث من مقومات الأمةالاسلامة؛ عنصر التوحيد و الوحدة، ثم عنصر المسواة و الأخوة الدينية، ثم المسئولية المشتركة عن رعاية المجتمع، و حفظ الدين و حماية الدعوة إليه.
1ـ التوحيد و الوحدة:
كان مبدأ التوحيد ثورة حطمت الشرك الديني الذي ألزم الناس بعبادة غير الله ، كما حطم الشرك الاجتماعي الذي جعل من بني الإنسان سادة و دهماء، و بذلك صحح التوحيد الوضعالديني و الاجتماعي، و جعل العبادة و السيادة لله الخانق وحده، فالله خالق الجميع، و نسبة الجميع إليه واحدة، فمن حقه أن يعبد وحده، و من حقه أن يكون السيد المطلق لجميععبيده الذين خلقهم، و ليس لغير الله ـ من شعب أو فرد ـ سياد علي خلق الله «فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون».
و عبادة الخالق، و العبودية له وحده، والاقراربسيادته علي خلقه، أمور فطرية ركزها في نفسية الإنسان يوم خلقه، لذلك كان التسليم بها ميسوارا لكل من صفت نفسه فاتجهت إلي الإسلام، بل يكاد يكون هذا المبدأ السويّ هوالذي قاد الأفراد و الشعوب إلي الدخول في دين الله أفواجا، نجد ذلك و اضحا جليالا غموض فيه.
في جميع معاهدات الصلح و الأمان التي عقدها المسلمون منذ عهد النبي صليالله عليه و سلم، مع الذين عاهدوهم من العرب، و أهل فارس، و أهل الشام، و أسلم فلا سبيل عليه، و أنه أصبح لبنة في بناء الاسلام له ما للمسلمين من حقوق، و عليه ما عليهم منواجبات، غير مظلوم ولا ذليل، و هذا لمبداأ و الذي جعل آلا فاً من الفرس و الروم يسارعون إلي الاسلام، من أمثال اقائد الروماني العظيم «چورچ بن تيودور» الذي يسميه العرب«جرجه» فقد سأل خالدبن الوليد في مدان معركة اليرموك فيما سأله: أخبرني عما تدعوني إليه؟ قال: إلي شهادة ألا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله, و الإقرار بما جاء به منعندالله. قال: فما منزلة الذي يدخل فيكم و يجيبكم إلي هذا الأمر «يعني الإسلام»؟ قال خادل: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا. شريفنا ووضيعنا، و أولنا و آخرنا! قال هللمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر؟ قال: و أفضل.
و عند ما استنجد كري يزد جرد الثالث بملك الصين ضد المسلمين، سأل الملك الصيني عن كنه الدعوة الإسلامية؛فلما عرف حقيقتها كتب إلي يزدجرد يقول: إن هؤلاء القوم الذين و صف لي رسولك لو يحاولون الجبال لأزالوها، ولا يزالون علي ظفر حتي يحلوا حرامهم، أو يحرموا حلالهم، فسالمهم.و عندما فرض عمر العطاء للمسلمين سوي بين الجميع: العرب و غير العرب.
و لما علم عمر بن عبد العزيز بأن بعض عمال في فارس يضع الجزيه علي الذين يدخلون في الإسلام، حرصاعلي موارد الخزينة أن تنضب، كتب إليه: تسألني عن أناس من أهل الخيرة يسلمون من اليهود و النصاري و المجوس، و عليهم صلي الله عليه و سلم داعياً، ولم يبعثه جابيا،(1) و قالعليه الصلاة و السلام يوم فتح مكة: يا معشر قريش: أن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلي، و تعظمها بالأباء. الناس لآدم و آدم من تراب، «يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي، وجلعناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عندالله أتقاكم».
و إذن، فالتوحيد يجمع من يعترف به في رابطة واحدة. يستوي كل أفرادها فيها في جميع الحقوق و الالتزامات، هيرابطة العوبودية لرب العالمين، و التسليم بسياإته وحده علي الجميع، ثم جاءت الرسالة عامة للجميع لتأكيد سيادة الله علي عباده، و تأكيد أن نسبتهم إلي الله واحدة؛ «و اأرسلناك إلا كافة للناس» «و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» و كانت هذه الرحمة للعالمين، تخليصهم من الشرك الديني والاجتماعي، و تحرير البشرية من العبودية لغير اللهسبحانه و تعالي؛ و بذلك ألغيت جميع الفروق الاجتماعية بين جميع الأجناس، و الألوان، و الأفراد، فلا شعوبية، و لا قبلية، ولا طبقية.
و جاء القرآن يؤكد أن المسلمينجميعا تتكافأ حقوقهم و التزاماتهم، و تكاليفهم و دماؤهم، و جعل منهم وحدة كاملة متناسقة متجانسة. فوجه خطابه إلي جماعة المسلمين. في كافة التكاليف الايجابية والسلبية،فإنْ خاطب «الناس». في أمر من الأمور العامة، قصد الإنسانية كلها، و خص جماعة المؤمنين، و إن خاطب «الذين آمنوا». فإنه يعني المسلمين في ثوب وحدتهم الجامعة، لا ينظر إليجنس ولا إي لون، وإن تحدث عن نسبة المسلمين إلي غيرهم من الأمم. قال:
ـــــــــــ
(1) الخراج لأبي يوسف، ص 131، طبع السليفة.
«كنتم خير أمة أخرجتللناس، تأمرون بالمعروف، و تنهون عن المنكر. و تؤمنون بالله …» فبني النسبة علي الإيمان بالله و مقتضياته، لا علي عنصرية من جنس أو دم.
و علي هذا الإساس جاء خطابالقرآن الكريم الأماة في جميع التكاليف، سواء منها ما هو فردي يطلب أداؤه من كل فرد في الأمة. إذا توفرت فيه شروطه، «و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة». «و افعلو الخير».«أوفوا بالعقود» و ما كان جماعيا. يطلب من الأمة باعتبارها «شخصية معنوية مسئولة» أن تحققه، و تعمل علي تركيزه، كتنفيذ الأحكام الشرعيه، و توخي العدل في الحكم و الإشرافعلي الحاكمين و توجيههم، و القيام بالمحافظة علي الدين، و كيان الأمة. و حماية الدعوة إلي الله، «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها، و إذا حكمتم بين الناس أنتحك.ا بالعدل». «و أوفوا بعد الله إذا عاهدم» «إعدلوا هو أقرب للتقوي» «و تعاونوا علي البر و التقوي» «وجاهدوا في الله حق جهاده» «السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما»«الزانية و الزاني فاجلدوا أكل واحد منهما مائة جلدة». و غير ذلك من التكاليف الجماعية التي كلفت بها مجموعة المسلمين «الأماة الأسلامية».
و لا شك أن القرآن يعني منكلمة «أمة» هذا المعني الجامع لكل من ذخل في الاسلام أو وصف به، ولا يعني مطلق جماعة من المسلمين و من غير قصد العموم و الشمول، بجيث يسمح بتعدد الوحدات و تمايزها فيالشخية، انظر إلي قوله تعالي: «إن هذه أ,تكم أمة واحدة. و أنا ربكم فاعبدن». و المفهوم من هذا من غير التواء، أ“ المسلمين أمة واحدة، كما أن ربهم واحد، و وصف الأمة«بواحدة » يؤكدلنا أن وحدة هذه الإماة قوية متماسكة، لها شخصيتها العامة المسئولة، و مقصد من الأمة ـ بلا مراء ـ هو الأمة الإسلامية علي عمومها. لا الأمة العربية، أوالفارسية، أو المصرية، أو الباكستانية، فأن هذه شعوب تتكون منها الأمة الإسلامية، و هي بمنزلة الأفراد الذين يتألف منهم كل شعب من هذه الشعوب، و كما أن أبناء الشعبالواحد إخوة في وطنهم «المحلي» و نسبتهم إلي دينهم وادة، فكذلك الشعوب إخوة في «الوطن الإسلامي» و نسبة جميعها إلي الدين واحدة، و من الجلي أنّ تفرق الأفراد يلغي وجودالشعب أو الجماعة، فكذللك تفرق الشعوب الاسلامية يلغي وجود «الأمة الإسلامية» «ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم».
قد يقول قائل: إن الأمة الاسلامية، لا يمكن إلعاءوجودها. إذا أنها تتألف من كل مسلم في أرض الله. أيآ كان لو نه وجنسه، و أفراد المسلمين تمتلي بهم شعاب الذرض و الحمد لله! فنقول: إن القرآن يعني من الأمة الاسلامية؛ أمة،كلفة بتنفيذ أحكام الشرع، وإقامة الحدود، و تحقيق العدالة بين جميع أفرادها إأمة مسئولة عن صالحها العام بوصها أمة، و حفظ كيانها و كرامتها، بوصفها مناط التكليف في كل ماهو عام؛ و من المسلم به أن أمارة وجود المكلف. قيامه بما كلف به، فالفرد المسلم مثلا: إذا انسلخ من واجباته، ولم يؤد تكاليفه، أصبح وصفه «بالفرد المسلم» غير قائم؛ و إن كانموجودا يأكل و يشرب، و يسعي في الأرض، فكذلك «الأمة الإسلامية» لا وجود له. و إن كانت شعوبها و أفرادها تملأ الدنيا كلها؛ جماعات كمغثاء السيل، تتداعي عليها المم، كماتتداعي الاكله علي قصعتها، و إنما تكون الامة «إسلامية» يوم تقوم بتكاليفها، و تؤدي رسالتها لثبت بذلك وجودها «و إسلاميتها».
و لعلي لا أجانب الصواب إذا قلت: إن جميعما يعانيه المسلمون اليوم في كل مكان، من ظلم و هوان، و ذل و حرمان، إنما يرجع إلي فقدهم «شخصيتهم المعنوية هذه» بتفرقهم في الارض، و خلعهم ثوب الوحدة الاسلامية الجامعة،مما عطل تكاليف الامة العامة، التي نيط بها عزة المسلمين، و بقاء صولتهم، و حكّمتهم قرونا و ليث شعري علي من تقع مسئولية هذا الانحلال و التفكك و التفرق؟ علي أولي الامرالمعنيين في قوله لعالي: «و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول، و إلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم» علي قاإه الرأي و الفكر فيبلاد الممسلمين، من العلماء و ذوي الرأي و اخبرة و القدرة علي توجيه الناس، علي هؤلاء الذين سمحوا ـ فيما مضي ـ لذوي الاهواء أن يفرقوا جمع المسلمين، و يمزقوا وحدتهم، تحتستار «المذهبية أو الوطنية» عليهم تبعة ما بعانيه المسلمون اليوم من ضروب البلاء.
و علي هؤلاء القادة ـ في عصرنا هذا ـ جمع شتات المسلمين تحت راية القرآن، و العمل عليإعادة بناء الوحدة الإسلامية من جديد، بناءً يرجع إلي المسلمين (اليوم) و صفهم بأنهم (أمة إسلامية) لها كيانها و مميزاتها و شخصيتها المكلفة المسئولة، و الطريق ذلك ـ فينظري ـ هو إشعار المسلم بأنه أخ المسلم، لا يطلمه و لا يحدله، و ان منزلته من أخيه كمنزلة اللبنة من اللبنه في (جدار واحد) تشد إحداهما الإخري فيثبت الجدار و يقوي، و منزلةالشعوب الدسلامية بعضها من بعض كمنزلة (الجدار) في البناء الواحد يشد بعضها بعضا، فيتركز البناء و يشمخ، ولا سبيل إلي قيام البناء و عظمتة مالم تتعاون دعائمه جميعها، فيالقيام بمها مها، علي ذلك الفسق الرائع، الذي رسمه رسول الله صلي الله عليه و سلم في قوله: «مثل المسلمين في تراحمهم و توادهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عصو تداعي له سائرالأعضاء بالسهر والحمي» هذا الجسد هو الأمة، و أعضاء الجسد: هم المسلمون، شعوبهم و أفرادهم، و هذه هي (الأمة الإسلامية).
يا قدة الر،ي و الفكر، و ذوي الاتباع في بلادالمسلمين، أنتم أولو الأمر تلسئولون عن أمتكم و عزتها أمام الله و ضمائركم، و عليكم تبعة الحافظ علي الدين و وحدته، و الأمة و شخصيتها، و النظر فيما يحقق لأمة سعادتها وسيادتها و عزتها (ولله العزة و لرسوله و للمؤمنين) و ليست هذه المسئولية قاصرة علي زمانكم، بل أنتم مسئولون عن الأجيال المقبلة، فانظروا. هل تورثونها تركة مثقلة بالتفرقوالتخزب و المغارم، كما و رثنا مثل ذلك عن أهل الأجيال الماضية؟ و أذن لحوسبتم حسابا عسيرا، و كنتم قوما بورا، و سخطت عليكم الأيال المقبلة، و قست أحكامها علي تدينكم !! أمستؤدون رسالتكم فتضعون ـ علي الأقل ـ منهج إعاإة و حدة الأمة؟ و إذن فليهنكم نعيم مقيم عندالله، و عند الناس ذكر حسن! و عساكم تفهمون مدي مسئوليتكم عن المسلمين فيالمستقبل بمثل مافهم عمر بن الخطاب مسئوليته!، فقد طلب إليه الزبير بن العوام و بلال أن يقسم أرض الفتوح علي الفاتحين، فقال لهم: أذن أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم!ثم قرأ قوله تعالي: «ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله و للرسول و لذي القربي و التيامي و المساكين و ابن السبيل كي لا يكون دوله بين الأغنياء منكم، و ما آتاكمالرسول خذوه، و ما نهاكم عنه فانتهوا، و اتقوا الله إن الله شديد العقاب، للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و اموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا، و ينصرونالله و رسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوءوا الدار و الإيان من قبلهم يجبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة،و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون، و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوفرحيم» والسلام علي من اتبع الهدي و قال إنني من المسلمين؟