الاصول الثلاثة والاخوة في الدين
لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الشيخ محمد جواد مغنيه
رئيسالمحكمة الشرعية الجعفرية العليا ببيروت.
ان الاسلام بعقيدته و شريعته و سائر تعاليمه يعبر عن روح الفطرة الصافية الخالصة من أعراض التربية والمحيط، فمن أراد أنيثبت أصلا من أصول الاسلام، أو حكماً من أحكامه فلا يضطر الى التكلف و استخدام الاشكال و الاقيسة التي لاتؤدى - في الغالب - الى الطمأنينة، و ارتياح النفس، و قد رأيناأثرها في تشويش الاذهان و تشعب الاراء و المذاهب، لذا اكتفى القرآن الكريم، فيما يتعلق بالعقائد، بذكر الشواهد البديهية ترجع الشاك و الذاهل الى فطرته الاولى.
و نذكرفي هذا المقام بعض ما جاء في الكتاب العزيز شاهدا على الاصول الثلاثة: الايمان بالله، و رسوله، و اليوم الاخر، فنستدل على وجود الله سبحانه بما اعتبره هو دليلا على وجوده،و على نبوة محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و يوم البعث بنفس الدليل الذي خاطب الله به الجاحدين و المعاندين، و ألزمهم به الحجة البالغة، و اذا لم يقتنع المكابر بحجةالخالق، فأولى أن لايقتنع بقول المخلوق.
/ صفحه 149/
الاصل الاول:
الايمان بالله، و الدليل عليه الاية 19 من آل عمران: ((ان في خلق السموات و الارض و اختلافالليل و النهار لايات لاولى الالباب)) و نقدم للقارىء المثل التالى، و منه يتضح وجه الدلالة:
اذا رأيت حجراً ملقى في الطريق بصورة طبيعية، و لا أثر فيه الانسان، قلتوجد هذا الحجر هنا صدقة، أما اذا رأيت حجراً منحوتاً نحتاً فنياً، و يرتكز على الطين بصورة فنية، فانك تقول: ان لهذا العمل فاعلا مريداً، لان عقلك لايتصور وجود حجر كهذاصدفة، نحته، و امتزاج الكلس و الرمل و الماء حتى صارت طيناً، ثم تركيزه بشكل فنى، لايتصور عقلك أن ذلك كله حصل من باب التفاعل والمصادفات، فأولى أن يدل احكام الكون ونظامه و اتقانه على وجود خالق عالم حكيم.
الاصل الثانى:
نبوة محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و تدل عليه الاية 23 من سورة البقرة: ((و ان كنتم في ريب مما نزلنا علىعبدنا فأتوا بسورة من مثله، و ادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين)).
وجهالدلالة أن الله سبحانه و تعالى طلب من الجاحدين أن يعارضوا بمثل سورة من القرآن الذي أنزله على نبيه، و قرن هذا التحدى بالاستفزاز، حيث أكد لهم أنهم لن يفعلوا أبداً، وفي هذا دلالة ثانية تضاف الى عجزهم، فقد حاولوا و اجتهدوا، و لما عجزوا قالوا: ساحر و مجنون، و هو جواب العاجزين و المكابرين في كل عصر و مصر، هذا، و قد عاش محمد في قومهعمراً طويلا لم يعرفوا فيه الا الخير و الصدق و العزوف عن الباطل، حتى لقبوه بالصادق الامين، و لاريب أن أعرف الناس بالانسان قومه و خلطاؤه الذين عاشروه صغيراً و كبيراً،و ساعة غضبه و رضاه، و عسره يسره.
/ صفحه 150/
الاصل الثالث:
يوم القيامة، و تدل عليه الايه 5 من سورة الحج: ((يأيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكممن تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة)).
خاطب الله سبحانه المرتابين بهذا الاسلوب البعيد عن الاستعلاء و الالزام، القريب الى كل قلب، فبعد أنسألهم هل داخلهم الشك لفت نظرهم الى انشائهم و ابتداء خلقهم، و كيف أوجدهم من العدم، و انتهى بهم الى نتيجة لايسعهم الا التسليم بها و الاذعان لها، هي أن من يقدر على ايجادالمعدودات فهو على اعادة الموجوادت و جمعها بعد تفريق أجزائها أقدر، ابتدأ معهم من الخطوة الاولى، خطوة الشك، و هي بداية الحرية العقلية، و انتهى بهم الى اليقين والطمأنينة.
العبادة:
ان هذه الاصول هي أركان العقيدة الاسلامية، فمن لم يؤمن بواحد منها جهلا أو عناداً فليس بمسلم الا أنها ليست بكل شىء ما لم تبرز خصائصها وآثارها في عمل مجسم يكون انعكاساً للايمان باللهو ورسوله و اليوم الاخر، و لهذا الانعكاس الدينى مظاهر شتى، منها العبادة، و يستقل الوحى بتشريعها وتحديدها حكماً وموضوعاً، و يفسدها العجب و الرياء، و كل غرض من أعراض الدنيا، و لاتصح الا بدافع التقرب و الاخلاص لله تعالى، فهى له وحده سبحانه، لذا قرنها الله في كتابه بالايمان به، بلجعلها مع الاصول الثلاثة الفارق و المميز بين المسلم و غير المسلم.
الاخوة في الدين:
حدد الله سبحانه الاخوة الدينية في الاية 11 من سورة التوبة: ((فإن تابوا وأقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فاخوانكم في الدين)).
/ صفحه 151/
قال المفسرون: ان التوبة هنا ترك الشرك. اذن الاخوة في الدين لا تناط بالرجوع الى مذهب من المذاهب، ولا بقول فقيه عظيم، و شيخ قديم، و لا بالاتفاق على مسائل الزواج و الطلاق و الارث والهبة و البيع و الاجارة، و لا بجواز المسح على الخفين، أو التكتف في الصلاة، و انما تناطبالايمان بالله و رسوله واليوم الاخر، و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة.
و بهذا: بالاصول الثلاثة و العبادة تتحقق الجامعة الدينية بين كافة المسلمين، و من دخلها كانمسلماً، سواء أكان شرقياً أم غربياً، عربياً أم أعجمياً، سنياً أم شيعياً، و من فرق بين اثنين من أبناء هذه الجامعة، و أقام بينهما الحواجز و الحدود فقد صد عن سبيلالقرآن، و اتبع خطوات الشيطان.
و بالتالى فإن معنى التقريب بين المذاهب الاسلامية هو اعلان هذه الحقيقة التي نطق بها القرآن، و الدعوة اليها، و التنبيه الى أن أى قولأو فعل يخالفها فهو خطأ يضر بصالح الاسلام و المسلمين.