فریضة الحج نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فریضة الحج - نسخه متنی

محمد محمد المدنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فريضة الحج فيما علمته وفيما شهدته

فريضة الحج

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد محمد المدني

المفتش بالازهر

قبل أن أدخل في موضوع هذا المقال، أرجو أنيسمح لي القراء بكلمة يسيرة … فأقول:

لما ظهر العدد الأول من مجلتنا هذه في ربيع الأول تفاءلنا خيراً، وقلنا: توفيق من الله وبشرى وطالع حسن، فقد أشرقت (رسالةالإسلام) في شهر (رسول الإسلام).

واليوم نقدم إلى قرائنا الكرام هذا العدد الرابع الذي نتم به سنتنا الاولى، ومن حقنا ان نتفاءل أيضا بهاذ الختام الذي صادف موسم الحجالاكبر، وصادف منه على الأخص عشر ذي الحجة التي يقول فيها رسول الله

(صلى الله عليه وسلم)

: '''' ما من أيام أحب إلى الله فيها العمل من عشر ذي الحجة ''''، فالحمد لله الذي جعلختام عامنا الأول سعيداً، كما جعل بدأه سعيداً، ونساله جل شأنه ان يهب لنا من لدنه في سائر أحوالنا رحمة تضئ لنا الظلمات، وتعصمنا من الشبهات والنزعات وتهدينا إلى صراطهالمستقيم، كما نسأله جلت قدرته أن ينشر رحمته، ويتم نعمته، على وفده الابرار الذين تجردوا من كل شئ في هذه الدنيا ليفدوا إليه في بيته، يدفعهم الايمان، ويحدوهم الشوق،ويملأهم اليقين، وترتفع اصواتهم عند كل

/ صفحه 380/

شرف من الأرض أو منحدر بنداء صادر من الأعماق تخشع له القلوب، وتدمع منه العيون: لبيك إللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، فاللهم أكرم وفادتهم، وأحسن مثواهم، وأغدق عليهم من سحائب فضلك ورضوانك ما تشرح به صدورهم، وتغفر به ذنوبهم، وأرددهم إلى اوطانهم وأهليهم سالمين. ربناإنهم زوارك، وعمار بيتك، وإنك لانت الكريم الرحيم.

بعد هذا الدعاء الذي اتوجه به إلى الله، والذي أعم به جميع اخواننا المسلمين في البلاد المقدسة أو على أبوابها،أقول:

لا نعرف عبادة من العبادات عنى بها القرآن الكريم على وجه التفصيل، وبينها بنصوصه أكمل بيان، وعرض لكل ما يلابسها أو يتصل بها من أحكام وشعائر، وأبرزها في صورةرائعة تملأ النفوس، وتهز القلوب، وتشعر المؤمنين بعظمة الله، ونعمة الله، كعبادة الحج:

أنبأنا الله تعالى: ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين،وأنبأنا انه اختار لبناء هذا البيت نبيا كريما هو خليله ابراهيم الذي جاهد الشرك وحطم الاوثان، وهاجر إلى ربه في واد غير ذي زرع، وأنبأنا بأنه هو الذي بوّأ لابراهيم مكانهذا البيت، أي هيأ له موضعه بإرشاد منه ووحي، وعين له سمته، وهداه اليه، ثم عهد في بنائه ورفع قواعده إلى هذا النبي الكريم وابنه اسماعيل وصور لنا موقفهما الرائع، موقفشيخ كبير، وابن له فتى صغير، يرفعان القواعد، ويبتهلان إلى الله في حرارة الايمان، وقوة اليقين، راجيين القبول، مفكرين في أمر الأمة حاضرها ومستقبلا، حريصين على هداهاوتوفيقها '''' وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب عليناانك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم '''' وأنبأنا جل شأنه أنه جعل

/ صفحه 381/

هذا البيت مثابة للناس وأمنا، لا يجوز فيه قتال. ولا يجوز من حوله قتال، فمكن لهم بذلك حرما آمنا في بلاد مضطربة لا ضابط لشئونها، والناس من حوله يتخطفون كما يتخطف الطير،وأنبأنا أنه أكرم جيرانه، فجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم، ورزقهم من الطيبات، وجبى إليهم ثمرات كل شئ، وأنبأنا أنه أكرم رسوله حين استجاب له وهو يقلب وجهه في السمء،فولاه قبلة يرضاها هي هذا المسجد الحرام، ثم جعل شعائره شعائر الله، ففرض على الناس تعظيمها وحرم عليهم انتهاكها، وإرادة الالحاد أو الظلم فيها، وأوجب حجه على كلمستطيع، وجعل ذلك حقا '''' لله '''' على الناس من استطاع إليه سبيلا، وأشعر بأن رفضه أو التكاسل عنه لغير عذر كفر وجحود '''' ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ''''، وجعل هذا الحج في أشهرمعلومات '''' فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ''''، وعرض لتفاصيل أحكامة، فذكر الطواف والسعي، وامر من أحصر بما استيسر من الهدي، ونهى عن حلق الرؤس قبل أنيبلغ الهدى محله، وجعل لمن كان مريضا أو به اذى من راسه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، وأوجب على من أمن وكان متمتعا بالعمرة إلى الحج ان يقدم هديا، فإن لم يستطيع فصيام أيامبعضها في الحج وبضها إذا رجع ان كان من غير حاضري المسجد الحرام، وأمر الحجيج إذا افاضوا من عرفات أن يذكروا اسم الله عند المشعر الحرام، وأن يذكروه كما هداهم، وأن يفيضوامن حيث أفاض الناس، وأن يذكروا الله في أيام معدودات، وجعل البدن التي تذبح فيه من شعائر الله، ولفت إلى ما فيها للناس من خير ومنافع، وأمر بإطعام القانع منها والمعتر،وأمر بعد تمام النسك بقضاء التفث، ووفاء النذر، والطواف البيت العتيق، إلى غير ذلك من أفعاله وتفاصيل أحكامه.

ما هو السر في عناية القرآن الكريم بتلك الفريضة على هذاالنحو ؟ وهل الحج الا ركن من أركان الإسلام كسائر أركانه الخمسة التي ذكرت في الحديث

/ صفحه 382/

المعروف، بل كان آخر هذه الاركان ذكرا ؟ فلم خص عن بعضها بهذهالعناية التفصيلية ؟ ولم لم يكن كالصلاة وهي عماد الدين، أو الزكاة وهي نظام التأمين الاجتماعي في الإسلام كما يسميها بعض العلماء، لم لم يكن كالصلاة أو الزكاة حيثفرضهما الله على المؤمنين إجمالا، ولم يعرض في كتابه لسائر تفاصيلهما.

أجل إنه لسر عظيم. لقد ذكر الحج بين أركان الإسلام الخمسة التي جاء ذكرها في الحديث الشريف، وجاءذكره في آخرها، ولكن ليس ذلك لانه آخر هذه الأركان منزلة، وأقلها شأنا، بل لأنه أعلاها في مراتب الترقي والوصول إلى الكمال، فان اركان الإسلام الاربعة التي تقدمته كلهاتمهيد له وإعداد بالتطهير والتزكية، حتى إذا أقبل المرء إليه كان صافي النفس، مطمئن القلب، راسخ الايمان، ولذلك كان الحج المقبول عند الله بمثابة خلق الله لصاحبة منجديد، وفي ذلك يقول رسول الله

(صلى الله عليه وسلم)

'''' من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ''''، فشهادة ان لا اله الا الله، وان محمدا رسول الله هيالخطوة الاولى التي يتقدم بها الإنسان فيعترف بأصل العلاقة بينه وبين ربه ورسول ربه، ومع ما لهذا الاعتراف قيمة في ذاته، فهو لا يكلف صاحبه بذلا ولا تضحية، ولا يستغرقمنه جهدا ولا وقتا، بل إن فيه لذوي البصائر وأولي الالباب لذة هي لذة العرفان، وجمالا هو جمال الادراك للحق، فاذا آمن قلبه كانت الخطوة التالية لهذا الإيمان ان يتوجه إلىهذا الاله الذي آمن به، واعترف بوحدانيته، خاشعا مناجياً، في صلاة رسمها له، وحدد له أركانها وورسائلها وشرع له قبلتها، وهذه عبادة مع سموها وجلالة شأنها، لاتكلف صاحبهاجهدا كبيراً، ولا تأخذ منه وقتا طويلاً، فأن ادنى ما تصح به صلاة الفريضة لا يتجاوز بضع دقائق وما زاد على ذلك فهو كمال، ثم تأتي بعد ذلك الخطوة الثالثة، وفيها شئ منالتضحية والبذل، ذلك ان يؤدي زكاة ماله، فيقتطع جزأ معينا طيبة به نفسه ليعطيه الفقراء والمساكين، وبهذا الركن الثالث تكون أول تربية أيجابية، وتزكية نفسية من الشحوالاستئثار يطهر الله بها القلوب، فإنه ما من شئ يتميز به الإيمان الصادق من التظاهر الزائف، كالتضحية المالية، ولقد نرى كثيراً

/ صفحه 383/

من الناس يصلونويقومون ويصومون، حتى إذا وقفوا امام عقبة الشح والضن بالمال على البذل لم يقتحموها، وفي ذلك يقول الله عزوجل مصورا طبيعة الإنسان '''' فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبةفك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيما ذا مقربة، أو مسكينا ذا متربة '''' ولكن الزكاة على ذلك ليست الا تضحية مالية بنسبة ضئيلة تقل عن أصغر ضريبة أهل الاموال على أدائها فيأي بلد من بلاد الله وهم لا يشعرون، ثم تاتي بعد ذلك الخطوة الرابعة، وهي صوم شهر كامل متتابعة أيامه، يتخلى فيه المؤمن عن طعامه وشرابه وشهوته إيمانا بالله، واحتسابالثوابه، ويصبر فيه على كثير مما يقاسي، وتلك منزلة من التضحية أعلى من التضحية في الزكاة، لان التضحية بشئ من النفس أعز وأغلى من التضحية بشئ من المال.

أما الفريضةالخامسة وهي الحج، ففيها ذلك كله على أبلغ وجه، وأكمل صورة: فيها الاعتراف بالله، والايمان برسوله إلى حد الترك لكل ما سواهما من المال والأهل والولد، فيها التوجه إلىالله، لا بواسطة قبلة بينه وبينها آلاف الأميال، ولكن بالرحيل إلى هذه القبلة نفسها، فيها بذل الكثير من المال عن رضى وسخاء، فيها التضحية بالنفس، واحتمال مشاق السفروالاغتراب، والتحلل من سلطان العادة في متع العيش ولذاته، فيها خلع والعمل والكدح وارتداء ثياب التطهر والاحرام والتسليم، وفيها إلى ذلك كله زيارة الله في بيته،والمثول بين يديه في المكان الذي قدسه، والزمان الذي قدسه.

هكذا شأن فريضة الحج: كل ما قبلها بمثابة التمهيد لها، مثل العبد فيها كمثل امرئ أحب ملكا عظيماً، ودان لهوهو في طرف من أطراف ملكه بالخضوع والولاء، ينفذ أوامره، وخلص في خدمته، ويقوم بكل ما عليه من واجبات في سبيله، ثم يدعوه هذا الملك العظيم، فيهرول إليه مسرعاً، ويخلعنفسه من كل ما هو فيه، ويأخذ لهذه الزيارة التي ستتم في بيت الملك أهبتها، فيتزين ويتطيب، ويقطع المراحل الطوال حتى يصل إلى غايته، ويحظى بأمنيته !

'''' ولله المثل الأعلىوهو العزيز الحكيم ''''.

/ 1